بلومبرغ
ربما تعتبرون موجة الصعود التي دفعت مؤشر "ناسداك 100" نحو أفضل أداء في النصف الأول من عام في تاريخه فقاعة أو موجة هوس يدفعها بالذكاء الاصطناعي، لكن هناك طريقة أخرى في النظر لارتفاع المؤشر الذي يركز على أسهم التقنية، وهي أنها أكملت شوط ذهاب وإياب.
هناك نحو ست شركات فقط مسؤولة افتراضياً عن كل هذا التقدم، وهذا جعل المستثمرين يقلقون بشأن هشاشة المكاسب. لكن يمكن النظر للحقائق نفسها واستنتاج أن السوق لم تتغير على مدى 18 شهراً خلت. انفكت قبضة شركات التقنية العملاقة، التي تهيمن على السوق، حين بدا أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يدفع الاقتصاد تجاه ركود، وأعاد الناس النظر في هذا الرأي في 2023.
درجة التناظر بين مساري مؤشر "ناسداك 100" ومؤشر "ستاندرد أند بورز 500" قريبة لدرجة غريبة. رغم أن مؤشر "ناسداك 100" جاء في آخر ركب السوق الأوسع في 2022، إذ هوى بنسبة 33% فيما تراجع مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بنسبة 19%، فإن المؤشرين المعياريين يكادان يتساويان تماماً عند قياسهما منذ بداية 2022، إذ تراجع الاثنان بنحو 7%. بتعبير آخر، إذا كنت قد تمسّكت بأسهم شركات التقنية على مدى الأشهر الـ18 الماضية، فقد خضت رحلة مليئة بالتقلبات، لكن الحال انتهى بك إلى النقطة التي كنت ستصل إليها لو كنت قد استثمرت في أحد صناديق المؤشرات العامة.
سر التحسن
توقعات الأرباح لها دور كبير في تفسير تحول الأوضاع، فبعد انكماشها العام الماضي، تشير التوقعات إلى ارتفاع أرباح أكبر خمس شركات مدرجة في مؤشر "ستاندرد أند بورز 500"، وهي "أبل" و"مايكروسوفت" و"ألفابت" مالكة "غوغل" و"أمازون" و"إنفيديا"، 16% في الربع الذي انتهى بنهاية يونيو، وإلى تسارع وتيرته في كل من الفصلين المقبلين، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ إنتليجنس". على النقيض من ذلك، تشير التوقعات أيضاً إلى انخفاض أرباح كل الشركات في المؤشر بنحو 9%.
قالت نانسي تنغلر، كبيرة مسؤولي الاستثمار في "لافر تنغلر إنفستمنتس" (Laffer Tengler Investments)، إنها تعرضت لبعض الانتقادات في الخريف لشرائها أسهم شركات التقنية. قالت: "كانت كلها تحقق نمواً قوياً في الأرباح، لكنها لم تكن تحقق مكاسب العام الماضي لأن الجميع كانوا يتداولون الأسهم على أساس المراجحة بينها وبين أسعار الفائدة. كنا نعلم أننا على وشك دخول في اقتصاد متباطئ، لذا ما نود أن نحتفظ به في اقتصاد متباطئ هو أسهم شركات يُعول على أن أرباحها سترتفع". حين كان المستثمرون يتابعون البيانات الاقتصادية بقلق بحثاً عن إشارات على حدوث ركود، اعتُبرت شركات التقنية ملاذاً بشكل ما، وهو أمر غريب.
قلق بين المستثمرين
كل هذه العوامل تعيد المستثمرين إلى حال غير مريح مجدداً. الأمر لا يقتصر على أن مؤشر "ناسداك 100" مدفوع بعدد محدود من الأسهم، بل إن الشركات ذاتها لها وزن كبير في مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" أيضاً، مثلما كان الحال في أوائل 2022.
إذا كنت تملك حصصاً في صندوق لمؤشر "ستاندرد أند بورز 500"، قد يبدو الوضع وكأنك فعلياً تملك حصصاً في صندوق من أسهم شركات التقنية. إذا أضفنا سهمي "ميتا بلاتفورمز" و"تسلا" للخمسة الآخرين، نجد أن أكبر سبعة أسهم تمثل الآن 28% من إجمالي قيمة مؤشر "ستاندرد أند بورز 500"، ارتفاعاً من 20% في بداية العام، وتبلغ القيمة السوقية الإجمالية لهذه الأسهم نحو 10 تريليونات دولار.
كان هناك كثير من الإسهاب حول مخاطر الوقوع في براثن موجة صعود يقودها عدد محدود جداً من الأسهم. الحجّة في ذلك هي أنه في حال انهيار سهم أو سهمين منها، قد تتلاشى الموجة الصعودية بسرعة. لكن هذا أيضاً موقف يصعب تجنبه، إذ غالباً ما تمثل أكبر خمس أو 10 شركات في مؤشر "ستاندرد أند بورز" جزءاً كبيراً من المؤشر، الذي يرتبط وزنه بالقيمة السوقية.
قال آرت هوغان، كبير مسؤولي استراتيجية السوق في "بي رايلي ويلث" (B. Riley Wealth): "المبالغة في ردة الفعل تجاه هذا الأمر لم تكن مفيدة إطلاقاً... هذه هي الطريقة التي يسير بها الأمر منذ عقود".
الزاوية التاريخية
يبين التاريخ أن تكون حفنة من الشركات مصدر الإثراء في السوق أمر مألوف إلى حد ما. تمثل أقل من 5% من الأسهم أغلب عائدات السوق على مدى القرن الماضي، وفقاً لأبحاث سابقة أجراها هندريك بسمبيندر في جامعة ولاية أريزونا. تشير ورقة بحثية جديدة من بسمبيندر أيضاً إلى أن مجموعة الشركات المتألقة قد تتقلص بمرور الوقت.
لا تمثل موجة صعود محدودة علامة يُعول عليها على أن السوق النزولية قادمة في الطريق، حسب بيانات تعود إلى 1993 جمعتها "بي إم أو كابيتال ماركتس" (BMO Capital Markets). بعد موجات يتفوق فيها أداء أكبر خمسة أسهم على أداء مؤشر "ستاندرد أند بورز 500"، تميل السوق الأوسع نطاقاً إلى الصمود.
لا يدفعنا ذلك لإنكار أن أسعار الأسهم التي تقود السوق تبدو مرتفعةً حالياً. يمتد أثر الهوس بالذكاء الاصطناعي -والقناعة بأن شركات التقنية العملاقة، بضخامة حجمها ومواردها، في أفضل وضع للاستفادة من التطورات في المجال- إلى تقييمات الشركات. يبلغ متوسط معدل السعر إلى الأرباح المتوقعة لدى أكبر سبع شركات نحو 36. هذا بالمقارنة بـ19 لمؤشر "ستاندرد أند بورز 500".
قالت فيكتوريا فرنانديز، كبيرة مسؤولي استراتيجية السوق في "كروسمارك غلوبال إنفتسمنتس" (Crossmark Global Investments): "أعتقد أن هذه قد تكون بداية رياح معاكسة لبعض شركات التقنية تلك وتمنح فرصة لبعض الشركات الأخرى البالغ عددها 492 لتحصل على بعض الرياح المواتية. نود أن نستمر بالاستثمار فيها، لكننا نرغب في أن نركز أكثر على المستوى التكتيكي."
تتذكر تنغلر التداول في فقاعة شركات الإنترنت، مشيرةً إلى أن الفترة الحالية لا تشبهها. قالت: " لا تُتداول أسهم هذه الشركات عند 150 ضعف ذروة الأرباح. كنت أتولى إدارة أموال خلال تلك الفترة، وكان الأمر سيئاً وانفجرت الفقاعة بسرعة كبيرة. هذا ليس الشيء نفسه".
توقيتات السوق
يُعرف تحديد توقيتات البيع والشراء لسهم ما بصعوبته، فهو حجّة للحفاظ على تنويع الأسهم وتخطي الفترات التي تكون السوق فيها ضيقة أو تتوزع فيها حركة البيع والشراء على نطاق واسع. في نهاية المطاف، لم يتوقع سوى عدد محدود من المتخصصين التعافي الذي حدث أخيراً في أسهم كبرى شركات التقنية.
قال ستيفن دي سانكتيس وجاين غيبونز، المحللان الاستراتيجيان في "جيفريز" (Jefferies)، إن أغلب الصناديق ذات الإدارة النشطة خفضت تعرضها على الشركات الكبرى مع بدء 2023، وهو أحد أسباب أن أغلب الصناديق تأتي في مؤخر ركب المؤشرات المعيارية هذا العام.
يسري الحرص نفسه على أي شخص يحاول استشراف مواقيت السوق بشكل عام. فوّت المستثمرون، الذين تخلوا عن أسهم شركات التقنية العام الماضي معتقدين أن عام 2023 سيحمل في طياته مزيداً من التراجع، فرصة ربما كانت الأفضل في تعويض قدر كبير من الخسائر التي تكبدوها خلال 2022.
قال إد يارديني، مؤسس "يارديني ريسيرش" (Yardeni Research): "مشكلة استشراف توقيتات السوق هي أنها غير متسقة مع الفلسفة الضمنية للاستثمار في الأسهم، ومفادها أن الأسهم بالفعل استثمار على المدى الطويل... إن كنت قد بعت، فعليك أن تتحلى بما يكفي من الذكاء لتشتري مجدداً".