كيف يتيح الدفع عبر الهاتف الكهرباء لأشد الناس فقراً؟

"ألتيك" توسعت ستة أضعاف خلال عامين من خلال منشآت طاقة شمسية بنظام دفع فوري في الكونغو

time reading iconدقائق القراءة - 13
متجر يعمل بأحد أنظمة الإضاءة من شركة \"ألتيك\" في الكونغو - المصدر: بلومبرغ
متجر يعمل بأحد أنظمة الإضاءة من شركة "ألتيك" في الكونغو - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

هرب واشيكالا مالانغو مع أسرته فيما كان مراهقاً، من حرب أهلية ضروس في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فقطع أفراد الأسرة مئات الكيلومترات وعبروا ثاني أكبر بحيرة في أفريقيا في قارب خشبي مهترئ قبل أن ينتهي بهم المطاف في مخيم لاجئين في تنزانيا.

بعد سنوات من ارتياد مدارس مؤقتة، فاز مالانغو بمنحة ألمانية ليرتاد إحدى جامعات دار السلام، وأمضى بعد ذلك ثلاثة أشهر في كلية دارتموث بولاية نيو هامبشاير، ثم عمل لثلاثة أشهر في شركة "سولار سيتي" (SolarCity) بمدينة سان فرانسيسكو. لكن مالانغو كان دائماً يحلم بالعودة إلى وطنه.

قال مالانغو: "أردنا حقاً أن نتخذ خطوات لمحو فقر الطاقة في جمهورية الكونغو الديمقراطية. كان الوضع الأمني لا يزال غير مستقر، لكننا قررنا أن نأتي رغم كل ذلك".

في 2013 انتقل مالانغو وإيونغوا ماشانغاو، صديق طفولته، إلى مدينة باراكا، وهي مسقط رأسهما، وتقع على ساحل بحيرة تنغانيكا، وأسّسا "ألتيك غروب" (Altech Group)، المتخصصة ببيع المصابيح التي تعمل بالطاقة الشمسية. ركّز الاثنان منذ البداية على المدرّسين والأطباء والممرّضين وغيرهم ممن يحصلون على رواتب يُعوَّل عليها من الدولة، وكانت شركتهما تخصم مدفوعات منتظمة من هؤلاء.

رغم أنّ ذلك الوضع نجح لبرهة، فسرعان ما أدرك الشريكان أنّهما بحاجة إلى استراتيجية أخرى إن أرادا مواصلة العمل والنمو في الكونغو، التي تُعَدّ من أفقر 10 دول على ظهر الكوكب ويقطنها نحو 60 مليون إنسان يعيش بأقلّ من 2.15 دولار يوميّاً، وفقاً للبنك الدولي.

في الوقت نفسه تقريباً، وفي ضوء اقتناء مزيد من الأفارقة هواتف متنقلة، بدأت فكرة الدفع باستخدام الهاتف المحمول تترسخ، فبدأ عدد أكبر من الناس في المنطقة يستخدمون هواتفهم المحمولة في الشراء وتحويل الأموال والادّخار عبر خدمات مثل منصة "إم-بيسا" (M-Pesa) بدلاً من استخدام النقد.

توسُّع النشاط

فكّر مالانغو وماشانغاو بأنّ ذلك الأمر قد يوسّع نطاق المبيعات كثيراً، إذ تقدّم منصات الخدمات المصرفية عبر الهاتف النقال وسيلة سهلة لإتاحة القروض ورد الأموال، كما أنها ستسمح لهما بالتحكم في فتح الأجهزة أو إغلاقها من بُعد إذا تأخّر العملاء في سداد المدفوعات. قال مالانغو، 41 عاماً، الذي يتولى منصب الرئيس التنفيذي المشارك مناصفةً مع ماشانغاو: "كنا نتعامل مع بعض أفقر الأسر في العالم".

أصبحت "ألتيك" شركة رائدة في مجال توفير الطاقة الشمسية مقابل مدفوعات فورية بقدر الاستخدام المزمع، إذ تعمل الشركة في 23 من أصل 26 مقاطعة في الكونغو، وبها 3,500 موظف يُنجِزون ما يفوق 10 آلاف عملية بيع شهرياً.

في 2019 أضافت الشركة أنظمة أكبر بها مصادر إضاءة ومنافذ لتوصيل أجهزة التليفزيون والكمبيوتر وحتى الثلاجات. بدأت الشركة أخيراً تُجري تجارب على دراجات السكوتر الكهربائية. ارتفعت إيرادات الشركة ستة أضعاف على مدى عامين إلى 20 مليون دولار في 2022.

الكونغو من أكثر الأماكن صعوبة على ظهر الكوكب لأداء أي أنشطة تجارية. قالت "ترانسبيرنسي إنترناشونال" (Transparency International)، وهي هيئة رقابية عالمية لمحاربة الفساد، إن ثقافة البلاد بالكسب غير المشروع تسمح للمجموعات الإجرامية ذات الصلات السياسية بنهب أكبر موارد البلاد الطبيعية، ما يجعل الحكومة تواجه نقصاً مزمناً في التمويل ويترك أغلب الشعب يعاني الفقر.

تمويل جديد

رغم ذلك، قال مالانغو إن معارفه وخلفيته ساعداه على التعامل مع الثقافة بطرق قد تمثل تحدياً للغرباء. حصلت "ألتيك" على 18 مليون دولار من مستثمرين، بما في ذلك تمويل بدعم من "شل فاونديشن" (Shell Foundation) وبنك التنمية الهولندي "إف إم أو" (FMO)، بالإضافة إلى اشتراكها في محادثات مع ثلاث جهات مهتمة بتقديم دعم للشركة للحصول على 75 مليون دولار إضافية.

قال إدموند هيغنبوتم، العضو المنتدب في "فردانت كابيتال" (Verdant Capital)، وهي إحدى الشركات التي تتفاوض لتمويل الشركة: "وضع (ألتيك) جيد بسبب خبرتها المحلية".

مثلت أنظمة الدفع حسب الاستخدام نحو نصف مبيعات أنظمة الإضاءة التي تعمل بالطاقة الشمسية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حسب "غلوبال أوف-غريد لايتنغ أسوشييشن" (Global Off-Grid Lighting Association)، التي تُجري أبحاثاً في القطاع وتروّجه.

لكن الأنشطة التجارية تتعثر بسبب هوامش الأرباح الضئيلة ومعدل التخلف عن السداد المرتفع، في ضوء تقديمها خدمات لأفقر العملاء وأقلّهم تعليماً على ظهر الكوكب. وجد تحقيق من "بلومبرغ غرين" في 2022 أنّ بعض المورّدين يقدّم معلومات مضلّلة عن تكاليف المنتجات.

قال إريك دي موت، رئيس "أفريكان فرونتير كابيتال" التنفيذي، وهي شركة أخرى في لندن مهتمة بتمويل "ألتيك"، إن نموذج الدفع حسب الاستخدام منطقي في الكونغو، حيث يعتمد أغلب الناس على مصابيح الكيروسين الملوثة والخطيرة التي تتطلب شراء الوقود تكراراً.

في المقابل تعتمد المصابيح الشمسية على الطاقة النظيفة وتصبح مجانية عند إتمام السداد، كما أن وجود شبكات الدفع باستخدام الهاتف النقال تعني أن المشترين لا يُضطرّون إلى مغادرة منازلهم كي يدفعوا أقساطهم.

قال دي موت إن مصابيح الكيروسين "تملأ المنزل بالدخان الأسود فيما يتجمع الأطفال فيدخل الدخان أعينهم، كما تتكرر الحرائق... إنها أمور سيئة". أضاف أنَّ الطاقة الشمسية "أفضل بمئة مرة".

طلب لا متناهٍ

يكاد الطلب في القارة الأفريقية على تركيب ألواح شمسية على نطاقات محدودة يكون بلا حدود. في نيجيريا نحو 90 مليون شخص غير متصل بشبكة الكهرباء، بالإضافة إلى 70 مليوناً في الكونغو و56 مليوناً في إثيوبيا، وفقاً لرابطة "غلوبال أوف-غريد لايتنغ أسوشييشن". قالت الرابطة إن السوق العالمية في طريقها إلى النمو 10 أضعاف لتصل إلى مليار أسرة بحلول 2030.

تقدّم التقنية إمكانية تحقيق طفرة في الشبكة الكهربائية تشبه ما فعلت الهواتف النقالة بالخطوط الأرضية، وهي تخطّي الأنظمة القديمة عبر تقديم شبكة موزعة تقدّم للناس خدمات منخفضة التكلفة يمكنهم توسيعها بمرور الوقت.

قال جوناثان شو، المؤسس المشارك في "نورو" (Nuru)، وهي شركة ناشئة تبني شبكات الطاقة الشمسية الصغيرة في شرق الكونغو: "هناك بكل بساطة ملايين العملاء حتى في المدن، ممن يُعتبر توصيلهم بالشبكة غير مُجدٍ تجارياً".

بخصوص مالانغو الذي نشأ في بيئة لم تصل إليها الكهرباء، فلا شيء أهم من توفير أنظمة الطاقة الشمسية إلى أقصى أصقاع الكونغو. قال مالانغو: "أعلم عن تجرِبةٍ التأثيرَ السلبي لعدم الحصول على الكهرباء. حين يرى الناس مصباحاً كهربائياً أو جهاز تليفزيون لأول مرة، تستشعر أننا نحقّق إنجازاً كبيراً".

تصنيفات

قصص قد تهمك