بلومبرغ
استقلت كريستال كورك سيارتها من طراز "ميركوري ماونتينير" في إحدى ليالي سبتمبر الدافئة متجهة إلى صراف آلي قريب تابع لمصرف "يو إس بنك" في مدينة غرين باي بولاية ويسكونسن.
في تلك الأثناء كان الليل قد انتصف في مدينة ساكرامنتو بولاية كاليفورنيا، حيث تقيم كورك وأطفالها الخمسة عادةً، مؤذناً بتدفق مدفوعات الرعاية الاجتماعية بملايين الدولارات إلى حسابات الأسر منخفضة الدخل في جميع أنحاء الولايات المتحدة كما يحدث في بداية كل شهر. قادت كورك سيارتها في الساعات المتأخرة من ليل غرين باي مسرعةً تسابق الزمن لتسحب مخصصاتها قبل أن يخطفها شخص آخر.
لقد تعرضت كورك في الآونة الأخيرة لمشكلة غريبة، إذ يبدو أن مجهولين اختلسوا مخصصاتها من المساعدات الحكومية الشهرية. اكتشفت كورك لدى وصولها إلى الصراف الآلي لسحب هذه الإعانات نقداً في ثلاث مرات متفرقة، أن معظم رصيدها قد سُحب. وقعت السحوبات الغامضة عبر صرافات آلية لم يسبق أن استخدمتها من قبل، حسب السجلات المصرفية.
في تلك الليلة من سبتمبر، لم يكن بإمكان كورك أن تتحمل أن يحدث ذلك مجدداً، إذ كان يتوجب عليها أن تعود بأطفالها الخمسة ليلتحقوا بمدارسهم في ساكرامنتو بعد أن كانوا في زيارة عائلية في غرين باي.
تكلفة الطيران كانت باهظةً، فاضطرت كورك إلى أن تزج بأطفالها في السيارة التي أنتجتها شركة "ميركوري" قبل 16 عاماً. قالت: "سيارتي ليست قوية بما يكفي لأقودها عبر البلاد". كانت خطتها أن تباشر رحلتها متحصنة ببعض المال وأن تبتهل إلى الرب ألّا تضطر لإنفاقه على إصلاح سيارتها خلال رحلة العودة التي تستغرق أكثر من 30 ساعة.
حاولت كورك سحب مخصصها الشهري وقدره 1300 دولار، لكن لدى وصولها إلى الصراف الآلي رُفضت المعاملة، فتحققت من رصيدها، لتجد أن الرقم الذي ظهر على الشاشة أكد مخاوفها: لقد اختفت الحصة الأكبر من أموالها. تتذكر كورك أنها قالت في نفسها: "محال أن يحدث هذا".
استهداف الفقراء
وقعت كورك ضحية اللصوص الذين يعترضون الأموال المتدفقة من البرامج الضخمة للإعانات الحكومية التي تهدف لمساعدة الأميركيين الفقراء على دفع تكاليف الإيجار والطعام وفواتير الطاقة.
جاءت مخصصاتها التي سُرقت من برنامج "كال وركس" (CalWorks) السنوي الذي تقدمه دائرة الخدمات الاجتماعية في ولاية كاليفورنيا لتوفير مساعدات نقدية للأسر منخفضة الدخل وحجمه الكلّي 7.2 مليار دولار. يستهدف المحتالون أيضاً برنامج الدعم الغذائي التكميلي، الذي يتوقع أن يوزع 127 مليار دولار خلال هذا العام كمخصصات لشراء مواد البقالة للأميركيين الذين يعيشون تحت خط الفقر أو قرب ذلك.
بات هذا الأسلوب الاحتيالي، المعروف باسم "الكشط" وهو استخلاص بيانات البطاقات خلسةً، ورطة كبيرة لمتلقي الإعانات الحكومية. يصعب تحديد حجم الأموال المُختلسة عبر البلاد؛ إذ لا يجمع مسؤولو الرعاية الاجتماعية في العديد من الولايات البلاغات الفردية بشأن الأموال المفقودة، ناهيك عن تتبع عملية الاحتيال على نطاق أوسع.
بالإضافة إلى ذلك، لا يعلم كثير من الضحايا بسرقة مستحقاتهم إلا بعد مرور أسابيع أو أشهر على اختفائها. بل قد لا يبلغون عن وقوع السرقات حتى بعد اكتشافها، فضلاً عن استحالة استعادة الأموال عملياً بمجرد اختفائها في معظم الولايات.
غياب وسائل الحماية
بدأت تظهر بوادر حول حجم المشكلة واستمرارها في كاليفورنيا، وهي إحدى الولايات الأكثر تضرراً من هذه الظاهرة نظراً لارتفاع عدد سكانها وبرامج الرعاية الاجتماعية القوية نسبياً لديها. كانت المشكلة تتفاقم بمعدل ينذر بالخطر، حيث أنفقت إدارة الخدمات الاجتماعية في كاليفورنيا قرابة 100 ألف دولار شهرياً في صيف 2021 لاستعادة الإعانات النقدية التي أبلغ السكان عن سرقتها من خلال "كشط" بيانات بطاقاتهم أو عبر رسائل التصيد الاحتيالي من رسائل نصية أوبريد إلكتروني. تضخم هذا المبلغ ليصبح 10 ملايين دولار خلال مارس 2023.
تتعرض كل هذه البرامج الحكومية لمخاطر السرقة للسبب نفسه، كونها قائمة على تقنية دفع عفا عليها الزمن. لعقود، اعتمدت الولايات المتحدة على بطاقة بلاستيكية بسيطة تُعرف باسم "بطاقة تحويل المساعدات الحكومية إلكترونياً" لتغذية حسابات متلقي الرعاية الاجتماعية بمليارات الدولارات.
تستخدم بطاقة تحويل المساعدات شريطاً مغناطيسياً بسيطاً لتشفير معلومات الدفع السرية، شأنها في ذلك شأن معظم البطاقات المصرفية التي كانت تصدرها البنوك في القرن الماضي.
كل ما يتعين على اللصوص فعله ليسرقوا هذه البيانات هو تثبيت جهاز لقراءة البيانات في الأماكن التي يتكرر فيها تمرير البطاقات المصرفية على نحو متكرر، مثل أجهزة المدفوعات النقدية أوالصراف الآلي.
تحاكي الأجهزة الاحتيالية أجهزة الدفع الأصلية مظهراً، وتسجل وتخزن أرقام البطاقات وأرقام التعريف الشخصية خلسة بغية إساءة استخدامها لاحقاً.
عززت شركات الخدمات المالية حماية البطاقات الإلكترونية خلال السنوات الأخيرة لاستباق خطوات اللصوص، فأطلقت خصائص أمان أعقد مثل الرقائق الإلكترونية وتقنيات الدفع دون تلامس. لكن الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات لم تبذل سوى قليل من الجهود لتزود بطاقات المساعدات الإلكترونية بهذه التدابير القياسية الحديثة.
قال هايوود تالكوف، الرئيس التنفيذي لشركة "ليكسيس نيكسيس ريسك سوليوشنز" (LexisNexis Risk Solutions)، التي تجمع بيانات إنفاذ القانون من ألفي قسم شرطة أميركي تقريباً، إن مستوى الحماية في تقنية بطاقات تحويل المساعدات الحكومية لا يتجاوز مستوى الحماية المزود بها "المفتاح الرئيسي لغرف الفنادق".
تلقت الوكالات المشاركة في رصد حوادث كشط بيانات البطاقات 300 بلاغ في يناير 2022، فيما ارتفع هذا المعدل إلى نحو 18 ألفاً في يناير 2023.
استراتيجية السرقة
تكافح وكالات إنفاذ القانون من أجل التعامل مع هذه القضية. يرجع ذلك، في جزء كبير منه، إلى الطبيعة اللامركزية لدوائر عمليات السرقة الإجرامية. يصر المجرمون القلائل الذين قُبض عليهم حتى الآن على أنهم ينفذون أوامر من مجهولين، وقد كشف تتبع المحققين لعدد منهم أنهم خارج البلاد. تُشغّل هذه الدوائر الإجرامية مجرمين جدداً يهرولون وراء المال السريع.
قال مايكل بيك، مساعد العميل الخاص الذي يتولى التحقيق بالتعاون مع الخدمة السرية الأميركية المسؤولة عن التحقيق فيما يعرف بجرائم "كشط" البيانات: "تستهدف بعض جماعات الجريمة المنظمة الدولية برامج تحويل المساعدات النقدية على وجه التحديد. لقد حددوا نقاط الضعف والثغرات والبروتوكولات المعتادة التي يمكنهم الالتفاف عليها للاستفادة من هذا النظام، وما أكثرها".
عادةً ما يتجول المحتالون، الذين يستهدفون أنظمة برامج المساعدات الغذائية، في متاجر البقالة أزواجاً حتى يبدو أنهم يتسوقون كالزبائن العاديين. ثم يسترعي أحدهم انتباه الصراف حين المغادرة فيما يدسّ الآخر جهاز كشط جديد بسرعة فوق جهاز تلقي المدفوعات الخاصة ببائع التجزئة، ويبدأ الجهاز المزيف بالعمل بسرعة ودون أن يلفت الأنظار.
يستطيع المجرمون شراء المعدات الأساسية بسهولة عبر الإنترنت، ثم يفرغونها بحيث يقتصر عملها على جمع بيانات الشريط المغناطيسي. لا يتداخل الجهاز مع عملية السحب العادية، فهو يسجل معلومات الدفع المهمة، بما فيها رقم الحساب المشفر في الشريط المغناطيسي للبطاقة ورقم التعريف الشخصي السري الذي يستخدم للإيذان بعملية الشراء، فيما يسمح بتدفق البيانات دون إعاقة إلى الجهاز الأصلي الموجود تحته.
يصعب اكتشاف المعدات المستخدمة لتنفيذ خدع مماثلة في الصرافات الآلية، إذ يعمد اللصوص إلى زلق أجهزة برقة شفرة داخل قارئات البطاقات للحصول على بيانات تحويل المساعدات النقدية إلكترونياً. يُقرن هذا الجهاز بكاميرات عدستها بحجم ثقوب دبوس تُلصق قرب لوحات المفاتيح لتلتقط أرقام التعريف الشخصية.
استنساخ البطاقات
ينتظر المجرمون وقوع الناس في الأفخاخ المنصوبة، ثم يعودون لاحقاً إما لاسترداد الأجهزة والبيانات التي تحتويها أو لجمعها خلسة عبر تقنية بلوتوث، وهو ما بات يحدث على نحو متزايد. يمكن أن تتضمن قواعد البيانات التي يقومون بجمعها مئات أو حتى آلاف أرقام حسابات تحويل المساعدات الإلكترونية وأرقام التعريف الشخصية المرتبطة بها.
ينقل المجرمون بعد ذلك أرقام الحسابات المسروقة إلى الشرائط المغناطيسية لبطاقات فارغة، وهي عادة ما تكون بطاقات هدايا قديمة أُزيلت بيانتها. ثم يوضع عليها ملصق يحوي رمز التعريف الشخصي المرتبط بالحساب. يصبح المنتج النهائي عبارة عن بطاقة تحويل مساعدات إلكترونية مستنسخة ومزودة تقريباً بنفس مستوى النفاذ إلى المساعدات الغذائية أو النقدية المخصصة لتوأمتها الشرعية. كما يمكنهم إعادة استخدامها حتى تغير الضحية رقم التعريف الشخصي.
لا يتطلب سحب المساعدات النقدية سوى تمرير بطاقة مستنسخة عبر جهاز الصراف الآلي ببساطة. تعتبر هذه العملية واضحة ومباشرة لدرجة أن أشخاصاً ظهروا في لقطات للمراقبة فيما كانوا يفرغون عشرات الحسابات المرتبطة ببطاقات تحويل المساعدات النقدية خلال دقائق، ليغادروا وبجعبتهم آلاف الدولارات نقداً.
يستخدم المحتالون بطاقاتهم المستنسخة لشراء كميات كبيرة من السلع عالية القيمة لتحويل المساعدات الغذائية إلى نقود بشكل أساسي، ومن ثم تسييل تلك المشتريات عبر الإنترنت بقيمة مقاربة لأسعار بيعها بالتجزئة. كانت السلعة المفضلة لدى جماعات سرقة بطاقات تحويل المساعدات الإلكترونية، في العام الماضي، هي حليب الأطفال.
شهد المنتج سالف الذكر نقصاً حاداً، فضلاً عن التلاعب بأسعاره عبر الإنترنت. كان مشروب الطاقة "ريد بُل" منتجاً شائعاً في هذه الجرائم أيضاً، حيث يسهل تحويل قيمته كون سعره مرتفعاً. صادر المحققون خلال حملة مداهمات حديثة أكثر من 3200 علبة حليب أطفال في ولاية أريزونا، إلى جانب أجهزة "كشط" ومعدات صنع البطاقات و1200 بطاقة تحويل مساعدات مستنسخة.
بداية التحريات
يشارك ديفيد بابكوك، كبير المحققين لدى مكتب مدعي مقاطعة لوس أنجلوس العام، في فرق بحث محلية واتحادية تسعى لمكافحة عمليات "الكشط". بدت القضية عشوائية حين بدأ بابكوك وزملاؤه في فرقة عمل التقنية المتطورة بجنوب كاليفورنيا، وهي شبكة إقليمية من المحققين تركز على الجرائم الإدارية، يتصدون لشكاوى السرقة التي شهدت زيادة كبيرة في مطلع صيف 2022.
كانت التقارير تأتي من جميع أنحاء جنوب كاليفورنيا، لكن نادراً ما كانت تجمع بينها قواسم مشتركة. تضمنت كل حالة صرافاً آلياً أو بنكاً مختلفاً، كما تباينت المبالغ المسروقة. مع ذلك، برز تفصيل واحد هو توقيت عمليات السحب الذي عادةً ما يوافق منتصف ليل أول أيام صرف المساعدات الحكومية.
تحرك فريق بابكوك في منتصف أغسطس لاستغلال النتائج التي توصلوا إليها، حيث أطلقوا حملة مداهمات للنيل من المجرمين في المرة التالية التي تصرف فيها الدولة المساعدات النقدية الحكومية بحلول منتصف ليل الأول من سبتمبر. ركز فريق بابكوك على ست صرافات آلية تكرر ظهورها في الشكاوى السابقة.
مباغتة الجناة
اقترب بابكوك برفقة أحد زملائه من أحد الأشخاص فيما كان يغادر فرع "بنك أوف أميركا" داخل مبنى منخفض في حي لارشمونت فيليدج بمدينة لوس أنجلوس، وسألاه عما إذا كان يحمل أي شيء غير مسموح به قانوناً. فأجاب الرجل: "بطاقات".
وجد الضباط 15 بطاقة هدايا تحمل ملصقات مضيئة عليها أرقام تعريف شخصية داخل محفظته السوداء، وفقاً لتقرير الاعتقال. كان بحوزة الرجل، الذي تبين لاحقاً أن اسمه أندرياس غراغاند، 9200 دولار.
كما وجد الضباط رجلاً وامرأة يجلسان القرفصاء على الأرض داخل حجيرة صراف الآلي. أظهرت تسجيلات كاميرات مراقبة "بنك أوف أميركا" أنهم كانوا يسحبون أرصدة أكثر من 30 بطاقة قبل أن يضعاها على حافة جدار ويختبئون كلما اقترب شرطيون منهما. كان بحوزتهما أكثر من 13 ألف دولار.
قبضت فرقة عمل التقنية المتطورة في ولاية كاليفورنيا على 16 مشتبهاً به في لوس أنجلوس، وصادرت 130 ألف دولار نقداً وأكثر من 300 بطاقة مستنسخة في نهاية تلك الليلة، فيما اعتُبرت أكبر حملة مداهمة تشهدها البلاد حينذاك.
أُطلق سراح جميع المشتبه بهم بكفالة، حيث أدين سبعة منهم فيما بعد بتهمة استخدام بطاقات الائتمان أو الخصم في جرائم احتيال، بينما لم يمثل بقيتهم أمام المحكمة وما يزالون طلقاء. دفع غراغاند بعدم الاعتراض دون إقرار بالذنب وحُكم عليه بالسجن 11 يوماً، ووضع تحت المراقبة لمدة عامين.
هيكلية غامضة
على المقلب الآخر، يصعب تتبع المشتبه بهم عبر التسلسل القيادي لتلك العصابات. قال المحققون إنهم لا يعتقدون أن غراغاند، على سبيل المثال، كان زعيم خلية إجرامية. بل يعتقدون أنه ومن قُبض عليهم في 1 سبتمبر كانوا مجرد عناصر يعملون لصالح شخص مجهول أكبر شأناً. غالباً ما يكون هؤلاء المحتالون أعضاء في شبكات متشعبة ومبهمة، بحيث يمكن للمشاركين التصرف باستقلالية ودون معرفة هوية المتعاونين معهم.
تنقسم المجموعات المشاركة إلى أشخاص مسؤولين عن تركيب أجهزة "كشط" البيانات، وآخرين يجمعون البيانات ويستنسخون البطاقات، فيما تختص مجموعة ثالثة بصرف الحسابات وتحويل الأموال. قال بابكوك: "إلى حد ما، يندرج المشاركون ضمن مجموعة إجرامية واحدة، لكنها أكثر انقساماً مما قد تعتقد".
قبضت الشرطة المحلية في مدينة أندرسون الصغيرة، الواقعة بمنطقة شمال كاليفورنيا، على رجلين خارج فرع "بنك أوف أمريكا" بأحد المراكز التجارية في يناير. اشتبه أفراد الشرطة بأن أحدهما ركّب أجهزة كشط بتواطؤ مع الآخر. قال المتهم بتركيب الأجهزة الاحتيالية إنه حصل على 300 إلى 500 دولار مقابل كل عملية سحب، وفقاً لتقرير الحادثة.
تابع المتهم ذاته قائلا إنه لم يكن "قائد" المنظمة، لكنه امتنع عن الخوض في تفاصيل الجريمة خوفاً على سلامة أسرته. كما أخبر الشرطة أنه لا يعرف الشريك الذي تولى قيادة السيارة، وأنهما التقيا للمرة الأولى عندما أقله صباح ذلك اليوم. رفض متحدث باسم "بنك أوف أميركا" التعليق على الحوادث التي وقعت داخل فروعه.
قال بابكوك إنه لم يكن يتوقع أن تؤدي حملة المداهمات التي أطلقتها فرقة عمل التقنية المتطورة إلى القضاء على جرائم سرقة بيانات البطاقات الإلكترونية في جنوب كاليفورنيا، لكنه أراد أن يكون لها أثر رادع. تابع بابكوك: "عندما تبدأ بمعاقبة الناس ومحاسبتهم، فإنك تأمل أنه ربما يكون ذلك رادعاً. أليس كذلك؟"
مجرمون من أوروبا
مع ذلك، زادت تكلفة مكافحة جرائم "الكشط" وأشكال الاحتيال الأخرى لسرقة بطاقات المساعدات النقدية الحكومية خلال الستة أشهر التالية للحملة بأكثر من الضعف في ولاية كاليفورنيا. فقد أنفقت الولاية ميزانية غير مسبوقة قدرها 13 مليون دولار لاستعادة الإعانات الحكومية المسروقة في مارس، وهو آخر شهر تتوافر بياناته.
لاحظ المحققون زيادة طفيفة في سرقة بيانات بطاقات صرف المساعدات الحكومية بالتزامن مع انتهاء برامج التأمين ضد البطالة إبان الوباء، التي كانت هدفاً متكرراً للاحتيال. كما اتسع نطاق جرائم سرقة المساعدات الغذائية والنقدية بعدما رفع الكونغرس قيمة مدفوعات مساعدة الغذاء الشهرية بشكل كبير. كانت تلك المساعدات قد ألغيت تدريجياً في مارس.
استدعى اتساع نطاق القضية تدخل وزارة الأمن الداخلي الأميركية، التي شكلت مجموعة من عملاء الخدمة السرية للتركيز على سرقة الإعانات الحكومية. يعتقد المحققون أن أشخاصاً يسافرون من أوروبا بقصد الاحتيال لسرقة برامج الإعانات الغذائية والنقدية تحديداً.
قال جاريد ميدينوالد، وهو عميل خاص في جهاز الخدمة السرية كان يحقق في الجريمة المنظمة الرومانية لمدة خمس سنوات: "يمكنك ملاحظة دخول عدد كبير من الرومانيين إلى البلاد بشكل غير قانوني، وهم يتجهون إلى كاليفورنيا في غالبية الأحيان" لسرقة بيانات تلك البطاقات.
تضم فرقة عمل التقنية المتطورة بجنوب كاليفورنيا أعضاء من الشرطة الوطنية الرومانية، على الرغم من أنها لم توجه أصابع الاتهام إلى عصابة إجرامية بعينها في الدولة الأوروبية. قال المحققون إن عمليات الاحتيال تقوم بها فرق صغيرة لا تتسم بالتنسيق الجيد، وإنهم يحققون في القضية على نطاق واسع.
بين ميدينوالد في هذا السياق أنه: "لا يوجد تسلسل هرمي واضح لمجموعة إجرامية منظمة يعتقد بضلوعها في كل جرائم (الكشط) تلك عبر الولايات المتحدة".
الجهود التشريعية
تقول منظمات الإغاثة، التي تمثل الفقراء، إنها دأبت على التحذير من ثغرات في برامج المساعدة الحكومية على مدى أكثر من عقد. كما رفع أحد سكان كاليفورنيا، الذي وقع ضحية لإحدى جرائم السرقة هذه، قضية ضد وزارة الخدمات الاجتماعية، حاجج فيها بأحقية المستفيدين الذين سُرقت إعاناتهم إلكترونياً باسترداد كامل المبالغ المسروقة.
يذكر أنه قبل رفع الدعوى القضائية كان يحق للضحايا ممن أبلغوا عن فقدان أو سرقة بطاقاتهم الحصول على تعويض في كاليفورنيا، بينما لم تكن هنالك حماية لمن استنزفت حساباتهم عبر بطاقات مستنسخة. بالتالي، دفعت الدعوى المشرعين إلى إصدار تشريع يلزم وزارة الخدمات الاجتماعية برد الإعانات النقدية المسروقة من الخزانة العامة للدولة. ثم اتسع نطاق التأمين فيما بعد ليشمل تغطية سرقة الإعانات الغذائية.
هذا التعويض القانوني نادر، إذ أن مقاطعة كولومبيا وولايات رود آيلاند وويسكونسن فقط تسحب من ميزانياتها لتدفع تعويضات الإعانات الغذائية المسروقة. يمكن أن يتطلب السداد في كثير من الأحيان التعامل مع البيروقراطية، بما في ذلك تقديم تقارير إلى وكالات الخدمات الاجتماعية والشرطة. على سبيل المثال، استغرق الأمر نحو ثلاثة أسابيع قبل أن تسترد كورك أموالها في كل مرة وقعت فيها ضحيةً للاحتيال.
مع ذلك، تتعارض الفجوة في التغطية في معظم الولايات مع تدابير التأمين الأساسية التي اعتادها المستهلكون الآخرون. فمثلاً، يمكن لعميل الخدمات المصرفية، الذي سرقت بطاقة الخصم الخاصة به، أن يفترض بأمان أنه سيُعوض عن عمليات السحب غير المصرح بها. غير أن بطاقات صرف المساعدات النقدية الحكومية مستثناة من الضمانات المالية القياسية.
كان الكونغرس قد أصدر قانون تحويل الأموال إلكترونياً، الذي يؤمن المستهلكين ضد المعاملات الإلكترونية غير المصرح بها، في 1978.ثم اتجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي، المنوط به إنفاذ قانون تحويل الأموال إلكترونياً في ذلك الوقت، لإدراج متلقي الإعانات الحكومية النقدية تحت مظلة القانون سالف الذكر في 1994.
مع ذلك، استثنيت تغطية بطاقات تحويل الإعانات الحكومية من نطاق قانون تحويل الأموال إلكترونياً في إطار حزمة إصلاحات الرعاية الاجتماعية المثيرة للجدل التي وقعها الرئيس بيل كلينتون في 1996، ما أدى إلى وضع نظام من مستويين للحماية المصرفية.
قالت فيكتوريا نيغوس، المدافعة عن سياسة الإعانات في معهد ماساتشوستس لإصلاح القوانين، الذي يناضل من أجل تحقيق العدالة الاقتصادية: "لم تكن توضع أنظمة موازية لتوفير معايير الحماية".
في السياق ذاته، أقر الكونغرس مشروع قانون اعتمادات خصص بعض الأموال لتعويض متلقي المساعدات الغذائية عن السرقات بحد أقصى مرتين سنوياً. حدد القانون سالف الذكر سقف التعويض في المرة الواحدة بما يعادل شهرين من المساعدات، والذي يقول مراقبون إنه دون ما يستحقه متلقي الإعانات الحكومية.
قال أندرو كازاكس، المحامي في مؤسسة المساعدة القانونية في لوس أنجلوس: "إنها قضية مساواة... لماذا يحظى الأشخاص الذين يحتاجون إلى الإعانات بأقل الوسائل أماناً لتلقيها؟".
خطط مبهمة
أعلن مسؤولون على مستوى الولايات والمستوى الاتحادي أخيراً عن جهود للارتقاء بالتقنية التي تدعم بطاقات صرف الإعانات الحكومية إلكترونياً بما يوافق معايير القطاع. كما أعلنت وزارة الزراعة الأميركية، التي تشرف على المساعدات الغذائية، في مارس، أنها ستعمل على اختبار أنظمة المدفوعات عبر الهواتف النقالة والمدفوعات غير التلامسية مع خمس ولايات هي إلينوي ولويزيانا وماساتشوستس وميسوري وأوكلاهوما.
جاء في بيان صحفي أصدرته الوزارة أن إطلاق تلك الأنظمة سيكون على مدى "السنوات القليلة المقبلة"، وهو ما اعتبرته نيغوس جدولاً زمنياً طويلاً على نحو غير مقبول.
قالت المدافعة عن سياسة الإعانات: "لو أن أموال مجموعة كبيرة من الأثرياء سُرقت لأن الحلول التي وضعتها الحكومة والبنوك وشركات بطاقات الائتمان لحمايتهم فشلت، لكانت لدينا حلول نظامية منذ شهور. لا يلوح أي حل في الأفق، وما من جدول زمني للتوصل إلى حل أو تطبيقه. ليس هناك توقيت لحدوث التغييرات. ليس لدينا أي شيء".
بيّن متحدث باسم وزارة الزراعة الأميركية أن المبادرات التجريبية عبارة عن "مشاريع معقدة تضم مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة الذين ينسقون الجهود بعناية".
تقنية حماية أجدى
قال آلان مارتن، رئيس قسم الاستشارات في ذراع الخدمات المصرفية وخدمات الدفع في "تاليس غروب" (Thales Group)، وهي شركة تقنية متعددة الجنسيات، إن البطاقات التي تحتوي على رقائق إلكترونية أكثر أماناً من التي تعتمد على أشرطة مغناطيسية فقط.
يرجع ذلك لكون الشريحة الإلكترونية تعمل كجهاز كمبيوتر مصغر يتبادل المعلومات المشفرة مع جهاز نقطة البيع للتحقق من أن البطاقة أصلية. قد تكون بيانات الحساب ورقم التعريف الشخصي المخزنة في بطاقة تعتمد على شريحة إلكترونية مماثلة لتلك المخزنة على بطاقة الشريط المغناطيسي، لكن المفتاح الفريد الذي تستخدمه الشريحة لتشفير البيانات لا يمكن الوصول إليه وهو غير قابل للقراءة.
صرح جيسون مونتيل، المتحدث باسم وزارة الخدمات الاجتماعية، بأن ولاية كاليفورنيا تعمل على دعم بطاقات صرف المساعدات النقدية بتقنية الرقائق الإلكترونية. لم يحدد مونتيل موعداً لبدء طرح البطاقات الجديدة، مشيراً إلى وجود مشاكل تقنية وقانونية يتعين حلها أولاً.
في غضون ذلك، بدأت الولاية بصرف المساعدات للمستفيدين في وقت لاحق من الصباح، لمنع كاشطات الصرافات الآلية من العمل تحت غطاء الليل ومنح المستفيدين فرصة أفضل لتلقي مستحقاتهم قبل أن يسبقهم اللصوص إليها.
قالت الولاية أيضاً إنها حظرت المعاملات المشبوهة وحددت الجناة المحتملين، لكنها رفضت التعليق أكثر على الجهود الرامية إلى تخفيف حدة الأزمة.
اعتادت كريستال كورك، الأم التي تعرضت للسرقة أربع مرات بين أكتوبر 2021 وسبتمبر 2022، ببساطة على الوصول إلى الصراف الآلي كل شهر في تمام السادسة والنصف صباحاً بعد تعديل توقيت الصرف. وفي حين لم تُسرق مستحقاتها من المساعدات الحكومية منذ سبتمبر 2022، إلا أنها لم تتخل عن حذرها.
تقول كورك إنها ستجد طريقة للتغلب على المشاكل إذا تعرضت للاحتيال مرة أخرى: "أقول لأطفالي دائماً إن أمهم ستجد حلاً". قد يعني ذلك اقتراض المال من العائلة، أو عدم شراء هدايا عيد الميلاد، أو إعداد عشاء كامل للعائلة من صدر دجاجة وعلبة خضراوات وبعض الأرز. أضافت كورك: "إنه محزنُ جداً أن يكون هناك أناس يقترفون هذا النوع من الجرائم".