بلومبرغ
هبطت طائرة خاصة في مطار صغير قرب يوجين بولاية أوريغون في يوم من أيام مايو 2022، وترجلّ منها شخصان، ثم استقلا سيارة عبر مزارع الخضراوات ومتاجر القنب الهندي إلى منطقة أعمال هادئة على طرف البلدة الغربي. كانت وجهتهما نحو مخزن مغبر فيه مئات الصفوف من صناديق مرصوصة بعناية، وفيها نحو 60 ألف زوج من الأحذية الرياضية.
كانت تلك الأحذية مخزون مايكل مالك زاده، صاحب "زاده كيكس" (Zadeh Kicks)، وهي إحدى كبريات شركات إعادة بيع الأحذية الرياضية في الولايات المتحدة. وكان العديد منها من بين الأعلى قيمةًً في السوق الثانوية، إذ يُباع الزوج الواحد بآلاف الدولارات. كان الرجلان قد حضرا بغية تحصيل قيمة طلبيات لم يوردها مالك زاده.
وقد كانا من بين بعض زبائنه السابقين الذين أتوا في نفس الفترة بحثاً عن مالك زاده، إما للحصول على أحذية اشتروها، أو كي يستردوا أموالهم. تُظهر السجلات أنَّ الشرطة المحلية تلقت أربع مكالمات بشأن ذلك المخزن على مدى يومين، وقد وُصِفت واقعتان منهما بـ"الأحوال المريبة"، والثالثة كانت عبارة عن "تعدٍ جنائي". كما ذكرت وسائل الإعلام المحلية حدوث إطلاق نار دون إصابات في مرحلة ما.
لم يغادر أي شخص ذلك المخزن راضياً، فلم يعد مالك زاده يملك الأحذية ولا الشركة بعدما تسلَّمها وكيل إفلاس عيّنته المحكمة، وكان يعمل على تصفية أصول الشركة قبل أيام من ذلك.
عرض فريد
كانت "زاده كيكس" تُقدِّم لمحبي الأحذية وغيرهم من الموزعين على مدى أربع سنوات على الأقل شيئاً لم تستطع أي شركة أخرى تقديمه، وتمثل ذلك في طريقة طلب الأحذية المرتقبة قبل أشهر من طرحها في السوق، بأسعار تكون عادة أدنى بكثير من قيمتها السوقية.
اعتمد المشتغلون بشراء السلع من أجل إعادة بيعها على تخفيضات الأسعار التي لا تُصدق التي قدمتها الشركة، برغم أنَّهم كانوا يتساءلون: كيف استطاع مالك زاده طرح العديد من الموديلات المبتغاة بكميات هائلة كتلك.
كان لمحبي الأحذية نظريات في تفسير ذلك: ربما كان مالك زاده يحقق أرباحاً كافية من بعض الطلبات لدرجة أنَّ بإمكانه تحمل خسارة مالية في بعضها الآخر، أو ربما كانت له صلة مع شخص ما في شركة "نايكي" يُسرّب له المعلومات، أو يبيعه خلسةً أحذيةً في تعاملات خارج الدفاتر، أم هل كان أحد أقرباء زوجته السابقة حقاً مسؤولاً تنفيذياً في سلسلة إمداد شركة "فوت لوكر" (Foot Locker)؟ بغض النظر عما كان يفعله مالك زاده؛ يبدو أنَّه حقق نجاحاً.
أصبحت "زاده كيكس" قوة رئيسية في سوق إعادة بيع الأحذية الرياضية لدرجة أنَّ المشغّلين الأصغر حققوا أرباحاً بملايين الدولارات من مبيعات استندت على مبيعاتها. قال سباستيان كاتلين، المالك المشارك لشركة التوزيع "سنيكورهيد" (Sneakorhead) في يوجين، الذي سمع عن مالك زاده للمرة الأولى عبر منصة "إنستغرام": "كنت أحترمه لفترة طويلة، كان رجلاً جيداً... وهو شخص كنت تتطلع كي تصبح مثله. كان يبدو مستقيماً على الدوام".
لائحة اتهامات
لم يكن هناك خط إنتاج سري للأحذية. في الواقع، كان مالك زاده بكل بساطة ينتظر إصدار الأحذية التي باعها مسبقاً فيشتريها عبر السوق المفتوحة من متاجر تجزئة مثل "ستوك إكس" (StockX)، وفقاً لأشخاص مطلعين على نشاطه طلبوا عدم كشف هوياتهم نظراً لحساسية الأمر.
قد تبلغ تأخيرات توصيل الطلبات عاماً كاملاً، لكنَّه تمكن من تلبية معظم الطلبات – إلى أن جاء يوم لم يتمكن فيه من ذلك.
في قائمة اتهامات أُعلنت في يوليو 2022؛ اتهم المدعون العامون الاتحاديون مالك زاده بأنَّه كان أحياناً يبيع بخسارة، ويأخذ لنفسه جانباً من حصيلة البيع المسبق. قال المدعون إنَّه كان أحياناً يعيد شراء الطلب المسبق إن لم يكن لديه ما يكفي من البضاعة لتوريده، فيدفع مبلغاً إضافياً إما نقداً أو على هيئة رصيد للشراء عبر المتجر.
كما اتهم المدعون مالك زاده في لائحة الاتهامات بغسل الأموال والاحتيال الإلكتروني والتآمر لارتكاب جريمة الاحتيال المصرفي.
يرتقي ما جاء في أوراق الادعاء فعلياً لخطة احتيال حجمها 85 مليون دولار أضرّت بآلاف الناس في أنحاء الولايات المتحدة. ورد في سجلات المحكمة أنَّ مالك زاده "روّج وباع وجمع مدفوعات من عملاء لطلبات مسبقة وهو يعلم أنَّه لا يستطيع تلبية كل الطلبات". اتهمت السلطات خطيبة مالك زاده، بيثاني موكرمان، المديرة المالية للشركة، بالتآمر معه.
حراسة قضائية
أعلن الاثنان على براءتهما من التهم المنسوبة إليهما. تشير وثائق حلّ الشركة إلى أنَّ عدم قدرتها على تلبية الطلبات كان بسبب نمو الطلب على الأحذية بوتيرة أسرع من المتوقَّع، وبسبب أنَّ الشركة لم يكن لديها إجراءات داخلية كافية لمجاراة الطلب.
أُُفرج عن مالك زاده وموكرمان أثناء انتظارهما المحاكمة أو صفقة تسوية مع الحكومة. في حالة إدانته، يواجه مالك زاده حكماً بالسجن لفترة تصل إلى 30 عاماً. كتب محامي مالك زاده في بيان: "منذ قدّم طلباً لوضع الشركة تحت الحراسة القضائية والتعاون مبدئياً مع السلطات العام الماضي؛ استمر مايكل بالعمل ليضمن رد أكبر قدر ممكن لعملائه ومستثمريه. لقد سلّم طواعيةً ما قيمته عشرات ملايين الدولارات من أصول شخصية وأصول الشركة للحراسة القضائية والحكومة. كما قدّم المساعدة ليضمن استخلاص أقصى قدر ممكن من الأصول الشخصية وأصول الشركة. يظل مايكل ملتزماً بتحمل المسؤولية وتخفيف الضرر الواقع على من سواه بأقصى قدر ممكن". رفض محامي موكرمان التعليق.
سوق ضخمة
انتعشت سوق إعادة بيع الأحذية في السنوات الأخيرة، إذ بلغ حجمها ملياري دولار في أميركا الشمالية، وفقاً لشركة "تي دي كاوين" (TD Cowen) للخدمات المالية. إنَّ ما كان يعد في يوم هوايةً بين جامعي الأحذية؛ أضحى الآن سوقاً معقدةً فيها العديد من المستثمرين والمضاربين المتفرغين.
كانت "زاده كيكس" من أكثر المستفيدين من هذا التحول، إذ أمدّت الشركة الجميع بالأحذية، بدءاً من المراهقين عديمي الخبرة ممن يسعون لمضاعفة استثمارهم البالغ ألف دولار وصولاً إلى الشركات العاملة على مستوى البلاد التي أنفقت الملايين لتملأ مراكز توزيعها.
حقق بعض العملاء المحظوظين أرباحاً ضخمة. لكن حين أغلقت الشركة أبوابها، خسر الآلاف أموالهم، بل إنَّ بعضهم خسر ما يصل إلى مليون دولار. قال أشخاص مقريون إلى مالك زاده إنَّ بعضهم كان غاضباً منه بما يكفي لدفعه إلى الاختباء. تم إرجاء محاكمة مالك زاده، التي كان يُفترض أن تُعقد في يونيو، لأنَّ وكيل الإفلاس يعمل على بيع المخزون والسداد للعملاء، لكن لا يُرجَّح أن يستعيد الجميع أموالهم.
قال أصدقاء مالك زاده ومعارفه في عالم الأعمال إنَّه كان يرغب مراراً بأن يدخل مجال الأحذية. حصل مالك زاده على شهادة من جامعة أوريغون، وبدأ يبيع الأحذية الرياضية على موقع "إيباي" (eBay) في 2010 تقريباً. كما تحدث مالك زاده أنَّه عمل لفترة وجيزة في "نايكي"، التي تأسست في يوجين، لكنَّه واجه مشاكل لأنَّه انخرط في إعادة بيع الأحذية. لم ترد "نايكي" على طلب التعليق.
في تلك الأيام، باع مالك زاده الأحذية الرياضية التي أدخل عليها تعديلات حسب الطلب. كما أنشأ علاقات مع متاجر التجزئة، وبدأ يشتري مخزوناتها غير المرغوبة ويبيعها عبر الإنترنت. قال تايلر أنجلوس، صاحب شركة طلاء قدمت اتفاق رعاية لمالك زاده لفترة وجيزة باعتباره فناناً متخصصاً في الأحذية في مطلع العقد الثاني من الألفية: "لقد كان يتمتع بحس فني وحضور قوي، وكان يبدو أنَّ لديه أهدافاً كبيرة".
بدايات الشركة
أسس مالك زاده شركة "زاده كيكس" رسمياً في 2013، وكان نموذجه في البداية واضحاً، وهو شراء الأحذية الرياضية وبيعها. بدأت شركته بالعمل حين شرعت كبريات شركات صناعة الأحذية مثل "نايكي" و"أديداس" بتطوير نظام بيئي كبير من الإصدارات الخاصة المطروحة عبر الإنترنت، إذ كانت تعلن دورياً عن طرح موديلات أحذية معينة تسربها قبل أشهر من إصدارها لإثارة الترقب. سلكت السوق الثانوية النهج نفسه، فقد تنافس محبو الأحذية مثل مالك زاده كي يحصلوا على أكبر قدر من الأحذية وإعادة بيعها لتحقيق الأرباح.
أدار مالك زاده نشاطه من مخزنه في يوجين، الذي كان في نفس المبنى الذي يضم شركة التقنية الحيوية التي تملكها عائلته. امتلأت المساحة الشاسعة تدريجياً بأحذية "إير جوردان" من "نايكي" و"ييزي" من "أديداس" وغيرهما بأبرع ما هنالك من الطُرز وتشكيلات الألوان.
كان موقع "زاده كيكس" ليس من مألوف منطقته، إذ كان يقع في حي صناعي قبالة موزع أثاث وورشة تصليح السيارات. لكنَّ الشركة سرعان ما أصبحت نشاطاً رئيسياً، برغم أنَّها لم تتطلب سوى عدد محدود من الموظفين لتعبئة الشحنات.
كان مكتب مالك زاده الصغير مزيناً بالملصقات، وهو مزدان بفنون الشارع، بالإضافة لتشكيلته الخاصة من الأحذية الرياضية وسجادة محدودة الإصدار من تصميم الراحل فيرجيل أبلوه، الذي كان مديراً فنياً لدى "لوي فيتون".
خسائر كبيرة
ابتعدت طموحات مالك زاده عن مسارها لبرهة في 2014 حين اندلع حريق في المخزن أتى على آلاف أزواج الأحذية. قال مالك زاده لمجلة "كومبلكس" (Complex) إنَّ الحريق ربما تسببت به قطة ضالة أوقعت شموعاً كان قد أشعلها كي تطغى على رائحة الصبغة.
أضاف أنَّ "ليبرتي ميوتشوال" (Liberty Mutual)، وهي شركة التأمين التي تعاقد معها، كانت قد أرسلت ممثلاً لتقييم تشكيلته من الأحذية التي بلغ عددها 20 ألف زوج أحذية، وقدَّر مالك زاده أنَّ قيمتها الإجمالية تفوق 400 ألف دولار. دفعت "ليبرتي" لمالك زاده قيمة الأحذية التالفة بسعر التجزئة، وعرضت تلك التي لم يطلها الحريق في مزاد علني. قال مالك زاده إنَّه أعاد شراء الأحذية مقابل 32 ألف دولار. وقد رفضت "ليبرتي" التعليق على الأمر.
بدأ نموذج مبيعات "زاده كيكس" السابقة يتعافى بعد الحريق. كان العملاء يطلبون طرازات من الأحذية الرياضية قبل فترة تصل لستة أشهر من موعد طرحها، بأسعار أقل من تلك التي يُرجَّح أن يجدوها في سوق إعادة البيع حين إصدار الحذاء.
لم يكن هذا النهج شائعاً، وازداد تميز "زاده كيكس" بأسعارها المنخفضة ومبيعاتها الكبيرة. كان المشترون بالأساس يضعون رهاناً، إذ كانوا يُثبِّتون سعراً محدداً، ويأملون أن تكون قيمة الحذاء أعلى منه بمجرد إصدارها.
عند طرح الأحذية، كان مالك زاده يلبي كل الطلبات بأي طريقة ممكنة، كما أنَّ إطلاق شركات "ستوك إكس" و"جي أو إيه تي" (GOAT) و"ستاديوم غودز" (Stadium Goods) في الوقت ذاته تقريباً ساهم في تحقيق ذلك. بعدما تطورت هذه الشركات لتصبح من كبار الموزعين، أضحت أكبر مصادر مخزون مالك زاده من الأحذية. لقد كانت الشركة تتلقى مزيداً من الطلبات المسبقة، وكان يستطيع تكبد خسارة لتلبية طلبات للحصول على إصدار سابق.
قال مات هافهيل، الذي يدير موقع أخبار الأحذية "نايس كيكس" (Nice Kicks): "كان يدير نادياً للقمار، وكان غريباً ومخالفاً للوائح التنظيمية. المشكلة هي أنَّه اضطر للاعتماد على مشترين ليسوا على درجة عالية من الحنكة ليكسب المال".
شركة بسيطة
لم تكن إجراءات التشغيل في شركة مالك زاده متطورة على وجه الخصوص هي الأخرى. كان لدى مالك زاده موقع إلكتروني هو "ZadehKicks.com"، وقد صممه باستخدام منصة التجارة الإلكترونية "شوبيفاي" (Shopify). بعدما كانت تعلن شركات صناعة الأحذية عن إصدار جديد مقبل، كان مالك زاده يضيف الروابط التي توجه الناس لتسجيل طلبات شراء مسبقة.
كان من الممكن أيضاً للعملاء، خصوصاً أولئك الذين اشتروا منه سابقاً، إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني مباشرة فها تفاصيل ما يريدون. كان مالك زاده يرد أغلب الوقت على هذه الرسائل بأسعار الكميات المختلفة، وأحياناً يضيف تخفيضاً بنسبة معينة للعملاء ممن يطلبون شراء كمية أكبر، مثل 250 زوجاً من الأحذية أو أكثر.
باع مالك زاده أيضاً المخزون الموجود لديه، وروّج لهذه المبيعات ، فضلاً عن السابقة على وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل البريد الإلكتروني التسويقية. كانت الشركة تتلقى الأموال عادةً من خلال خدمة "باي بال"، برغم أنَّ المدعين ذكروا أيضاً بعض التحويلات الإلكترونية لبعض الطلبات.
كانت نصوص بعض الإيصالات المرسلة عبر البريد الإلكتروني تتضمن نصوصاً لا يفهمها إلا أهل الصنعة؛ مثل: "157X نايكي إير جوردان ريترو 4 زِن ويف ماستر بنفسجي قرمزي زاه أسود – بريف 2. ثمانية مقابل 160 دولاراً لكل زوج".
توسع النشاط
مع نمو "زاده كيكس"، بدأ موزعون آخرون يستخدمونها لتأسيس أنشطتهم، وذلك من خلال التعاقد على شراء الأحذية الرياضية من مالك زاده بكميات كبيرة وبيعها بهوامش أرباح أكبر. كانت "شميدتي كيكس" (Schmidty Kicks)، ومقرها في نيو جيرسي، من بين أكبر الموزعين، إذ بدأت الشركة تعتمد على "زاده كيكس" لتوفير أحذية رياضية لتلبية الطلبات المسبقة لديها.
هناك مصدر آخر رئيسي للعملاء، وهو مجموعات محبي الأحذية الرياضية، التي عادة ما تنشأ عبر الإنترنت، عادةً ما توجد هذه المجموعات على منصة "ديسكورد" (Discord)، ويتبادل عبرها محبو الأحذية الرياضية النصائح والمعلومات بشأن الحصول على إصدارات محدودة من الأحذية.
كانت المجموعات الرئيسية، التي قد تضم أكثر من ألف شخص وتفرض رسوماً عضوية شهرية أحياناً، تشمل عادةً موزعاً معيناً يحصل على الأحذية من "زاده كيكس"، ويرسل إشعاراً للأعضاء حين تفتح الشركة باب تلقي الطلبات المسبقة.
توالت الطلبات المسبقة من العملاء على مالك زاده برغم تأخر وصول الطلبيات بشكل دوري. إن ألحّ أحدهم ليحصل على طلبيته، كان يتلقى أحياناً تهديداً بمنعه من الشراء مجدداً. كان نص إحدى رسائل البريد الإلكتروني التي اطلعت عليها "بلومبرغ بزنس ويك" من "زاده كيكس" لأحد العملاء الذين استفسروا عن طلبيانهم كالآتي: "لقد تلقينا منك عدة رسائل بشأن هذا الأمر. يجري شحنها، وهناك مراحل، لكن يبدو أنَّك لا تستطيع الانتظار حتى يكتمل الطلب، لذا؛ سنرد قيمة كل هذه الطلبيات الآن. إن كان في هذا مشكلة، يمكننا أيضاً رد قيمة كل الطلبيات القائمة إن شئت، ثم نحظرك".
تحايل على المنصات
تشترط قواعد "باي بال" توصيلاً مضموناً خلال 20 يوماً من تاريخ الشراء، لكنَّ "زاده كيكس" كانت عادةً تستغرق عشرة أضعاف هذه المدة لتشحن الأحذية الرياضية. تحايل مالك زاده أيضاً على الحد الأقصى لبطاقات الهدايا في "شوبيفاي" وقدره 9999 دولاراً، باستخدام تطبيق خارجي اسمه "Rise.ai" لإصدار بطاقات هدايا تتخطى هذا المبلغ بكثير.
قال متحدث باسم "باي بال": "تأخذ (باي بال) هذه الأمور على محمل الجد، وتستمر في العمل مع أطراف معنية عديدة للتعامل مع هذا الوضع". فيما قال متحدث باسم "شوبيفاي": "تحدد سياسة الاستخدام المقبول لدى (شوبيفاي) بوضوح الأنشطة غير المسموح بها عبر منصتها، ونحن نتخذ خطوات حين نجد متاجر تخالف هذه السياسة. حُذف متجر (زاده كيكس) من منصة (شوبيفاي) العام الماضي". لم ترد "Rise.ai" على طلبات التعليق.
حين بدأت جائحة كورونا في 2020؛ ارتفع الاهتمام بالأحذية الرياضية – وبالمضاربة عبر الإنترنت – إلى مستويات عالية. بدأ آلاف الزبائن الجدد يتجهون لـ"زاده كيكس". قال أشخاص مقربون من مالك زاده إنَّهم يتذكرونه كيف يتعامل مع صفقات الأحذية الرياضية بملايين الدولارات باستخدام هاتفه النقال وبعض جداول البيانات في أغلب الأحيان، وكان يتواصل مع المشترين الأفراد عبر رسائل نصية بشأن عروض الأسعار وتواريخ التوصيل. لاحظ موزعون آخرون الأمر أيضاً. قال كايدنس كلينت، المالك المشارك الآخر في "سنيكورهيد": "كنا ندرك وجود بعض البائعين في يوجين، لكن بمستواه؟ كان هذا الرجل يحقق مبيعات هائلة في المجال".
شهرة وثراء
يتجمع محبو الأحذية الرياضية الأغنياء عادةً في مراكز مثل نيويورك ولوس أنجلوس، وليس في بلدات جامعية هادئة مثل يوجين. لكنَّ مالك زاده نال قسطاً من الشهرة. في 2020، اشترى مالك زاده وخطيبته موكرمان منزلاً يقع على إحدى التلال في إحدى مناطق يوجين الأعلى سعراً، وجدداه ليضم مرآباً يتسع لخمس سيارات.
قال الجيران إنَّهم رأوا سيارات بلغت قيمتها مجتمعةً ملايين الدولارات مركونة بجوار الرصيف، من بينها سيارات "رولز رويس" و"لامبورغيني" و"بورشه". كان من الممكن أن يسمع الجيران زئير محرك إحداها من آخر الشارع. كان وجود مالك زاده جلياً في وسط المدينة أيضاً، حيث يُعد رؤية سيارة "لامبورغيني" أمراً نادر الحدوث. كانت أغلب سيارات أسطول مالك زاده تظهر في منشورات على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي.
كان مالك زاده يحب إدخال تعديلات على سياراته، إذ كان يرسلها إلى "503 موتورنغ" (503 Motoring)، وهي ورشة للسيارات الفاخرة في بيفرتون المتاخمة لمدينة بورتلاند. كان مالك زاده يهاتف تيم والبريدج، رئيس "503 موتورنغ"، كل بضعة أشهر ليُبلغه بأنَّه ابتاع سيارة جديدة ويطلب لها عجلات خاصة، مع تظليل للنوافذ وهيكل من ألياف الكربون معدل خصيصاً أو تعديلات أخرى.
قال والبريدج إنَّ مالك زاده كان يدفع دوماً في الوقت المجدد، لكنَّه لم يكن فيما يبدو يقود سياراته كثيراً، إذ كان عدد الكيلومترات التي تقطعها سياراته منخفضاً على نحو يثير الدهشة. قال والبريدج: "كان يخبرنا مراراً أنَّ مبيعاته مذهلة. لقد كان مشغولاً. كان محتالاً".
اعتماد على "ستوك إكس"
بحلول 2021، كانت الشاحنات تتوقف عند مخزن "زاده كيكس" يومياً لتوصيل ما يقرب من ألف زوج من الأحذية لمالك زاده، وفقاً لشخص مطلع على الأمر طلب عدم الإفصاح عن هويته لحساسية الأمر. كانت أغلب الشاحنات من شركة "يو بي إس" (UPS) تحمل صناديق من شركة "ستوك إكس".
قال المصدر إنَّ "زاده كيكس" أضحت أحد أكبر المشترين من ذلك المتجر بشكل غير معلن، إذ أغرقت "زاده كيكس" مرفق "يو بي إس" في المدينة بمشترياتها. قالت "ستوك إكس" في بيان: "لم يَمثل مشترٍ واحد أكثر من 1% من إجمالي حجم تجارتنا في أي عام على الإطلاق".
كان الطلب يبلغ ذروته، ولم تكن "ستوك إكس" ومتاجر الأحذية الرياضية قادرة على تلبيته. وفقاً للمدعين العامين الاتحاديين، لجأ مالك زاده إلى بعض الأساليب الأكثر تطرفاً لتلبية الطلبات. إذا كان يواجه صعوبات في تلبية الطلب؛ كان يعرض أحياناً رد أموال الطلب المسبق بسعر أعلى مما دفع العميل.
قد ترد الشركة جانباً من الأموال، لكنَّ عملية إعادة الشراء كانت تنطوي عادةً على تقديم رصيد في المتجر أو بطاقات هدايا بشكل رئيسي. بات لدى عملاء "زاده كيكس" أرصدة غير مستخدمة بقيمة آلاف الدولارات نتيجةً لطلبات لم تتم تلبيتها. كان بعض أكبر الموزعين، الذين استمروا بإعادة بيع الأحذية وتحقيق أرباح طائلة، من بين قلة من المحظوظين الذين كانوا يتلقون طلبياتهم.
حذاء منتظر
قبل عيد الميلاد في 2021، طرحت "نايكي" حذاءً رياضياً مرغوباً بشكل خاص، وهو "إير جوردان 11" باللون الرمادي، وهو حذاء يغطي الكعبين، يميزه خطّان فضيان وجوانب من الجلد اللامع، بالإضافة إلى نعل باللون الأزرق الجليدي، ويُباع بسعر 225 دولاراً. حقق الحذاء رواجاً كبيراً على الفور، إذ حظي بشهرة هائلة بفضل ترويج من نجوم كرة السلة، مثل جايسون تيتوم.
قال جون دوناهو، الرئيس التنفيذي لـ"نايكي"، للمحللين والمستثمرين إنَّ هذا كان أكبر طرح لمنتج واحد منذ أن بدأت الشركة تركز على البيع المباشر للمشترين في 2017.
كانت "زاده كيكس" تعرض "إير جوردان 11" باللون الرمادي البارد مقابل 115 دولاراً فقط منذ فصل الخريف الذي سبق طرح الإصدار. في يوم الطرح، كانت الشركة تدين لعملائها بطلبيات تزيد على 600 ألف زوج من هذا الحذاء، وهو جزء ضخم من مخزون "نايكي" بأكمله، وحجمه بين 1.2 مليون و1.7 مليون زوج، بحسب تقييم موقع الأحذية الرياضية "هاوساكيكس" (Housakicks).
لم يكن لدى "مالك زاده" أي أمل بأن يستطيع تلبية كل هذه الطلبات. الأدهى من ذلك هو أنَّ هذه الدورة كانت تتكرر مجدداً. بينما كان مالك زاده يتخبط للحصول على أحذية "إير جوردان 11" باللون الرمادي؛ كان يتلقى عشرات آلاف الطلبات المسبقة للإصدار الكبير التالي لأحذية "جوردان"، وهو "إير جوردان 4 ريترو باللون الأسود العسكري"، الذي كان من المقرر طرحه في مايو التالي.
إعلان الإفلاس
كان الأمر قد فاق الحدود. في مرحلة ما في الأشهر الأولى من 2022، فسافر مالك زاده إلى بورتلاند، حيث وكَّل المحامين، وأبلغ مكتب النائب العام في الولايات المتحدة بما حدث. قال المدعون العامون الاتحاديون فيما بعد إنَّه في أبريل، كان مالك زاده وشركته "زاده كيكس" يدينان للعملاء بـ70 مليون دولار كثمن لأحذية لم يوردوها. حلّ مالك زاده الشركة طواعية في الشهر التالي، وعيّنت المحكمة التي تنظر في دعوى إفلاسه دايفيد ستيبلتون وكيلاً للإفلاس ومشرفاً على الأصول.
نشر ستيبلتون، الذي لم يرد على طلب للتعليق بالبريد الإلكتروني، بياناً على موقع "ZadehKicks.com"، وأرسل إشعاراً بالبريد الإلكتروني ليخطر الجميع بتعيينه كوكيل إفلاس. حثّ ستيبلتون أي شخص تدين له الشركة بأي مال على التواصل معه، فتواصل نحو 3500 شخص مع ستيبلتون خلال يوم واحد، وفقاً لسجلات المحكمة، وجمع ستيبلتون قائمة بالدائنين الذين تخطى عددهم في نهاية المطاف 15 ألف دائن.
انتشر الخبر كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى تلقي مالك وأسرته بعض التهديدات. أسس بعض مستخدمي منصة "ديسكورد" ما أسموه "زاده ريليف غروب" (Zadeh Relief Group) للعملاء الذين يسعون للحصول على تعويض، وبعد بضعة أيام من ذلك، جاء بلاغ تحدث عن إطلاق نار عند المخزن.
أصبح ستيبلتون مسؤولاً عن مليوني دولار موجودة في حساب "زاده كيكس" المصرفي. كما شرع يحصر ممتلكات مالك زاده أيضاً، بما في ذلك 1100 حذاء رياضي من تشكيلته الشخصية. سرعان ما شاهد الجيران شاحنات أتت لتقطر سيارات "بنتلي" و"فيراري" الموجودة في مرآب مالك زاده.
قال والبريدج، رئيس "503 موتورنغ"، إنَّه تلقى مكالمات من شركة "أميركان إكسبرس" (American Express) تسأله عما إذا كان لمالك زاده أي أرصدة قائمة. كما اتصل المدعون الاتحاديون مع والبريدج ليسألوه عما إذا كانت أي من سيارات مالك زاده موجودة لدى "503 موتورنغ". لقد كانت هناك سيارة في الورشة التي تعاونت مع مكتب التحقيقات الفيدرالية لنقلها. رفضت "أميركان إكسبرس" التعليق.
مصادرة الأصول
في يوليو، وجّهت الحكومة الاتحادية التهم لمالك زاده وموكرمان رسمياً. أشارت سجلات المحكمة إلى أنَّ مالك زاده استطاع الحصول على نحو ستة آلاف زوج أحذية من موديل "إير جوردان 11" باللون الرمادي، واتهم المدعون "زاده كيكس" بالاستيلاء على مبلغ 70 مليون دولار من طلبيات لم تسلمها الشركة، وبأنَّها لم تقدم للعملاء سوى أرصدة لدى المتجر أو بطاقات هدايا، أو لم تقدم لهم شيئاً على الإطلاق.
ضمّ التحقيق الاتحادي في أنشطة مالك زاده مكتب التحقيقات الفيدرالي ودائرة الإيرادات الداخلية ووزارة الأمن الداخلي، بالإضافة إلى مجموعة عمل تابعة للدولة. صادر الضباط أصولاً، بما فيها سيولة نقدية تبلغ 6.4 مليون دولار ونحو 100 ساعة يد، ومئات حقائب اليد الفاخرة. بحلول فصل الربيع التالي؛ كان مالك زاده قد باع منزله أيضاً.
ما يزال نحو ألف من دائني "زاده كيكس" ينتظرون معلومات عمّا إذا كانوا سيستعيدون نقودهم، بحسب سجلات المحكمة. تتراوح هذه المجموعة بين مشترين لمرة واحدة ممن خسروا 200 دولار وموزعين متخصصين تدين لهم الشركة بمليون دولار أو أكثر.
قال أحد المشترين الذين خذلتهم الشركة، وقد اشترط عدم الإفصاح عن هويته، إنَّه خسر أكثر من 600 ألف دولار، أغلبها في طلبية واحدة كبيرة قدمها قبيل الكارثة مباشرة. لم يكن الرجل قد عمل في نشاط إعادة بيع الأحذية من قبل؛ لكنَّ الأمر بدا استثماراً لا يتطلب عناءً.
تبعات الإفلاس
بريت شميدت، رئيس "شميدتي كيكس"، هو أحد دائني "زاده كيكس"، رفع دعوى إفلاس في وقت سابق من هذا العام بسبب التزامات تبلغ قيمتها 18 مليون دولار على الأقل. تشير سجلات المحكمة الخاصة بهذا الإجراء إلى أنَّ شميدت يدين بالمال لأكثر من 600 من زبائنه، وقد بلغت بعض الديون مئات آلاف الدولارات. رفض محامٍ لـ"شميدتي كيكس" التعليق.
رفع العملاء نحو 400 شكوى للجنة التجارة الفيدرالية، وتلقت شركات بطاقات الائتمان مئات المطالبات من أناس اعترضوا على المبالغ التي تقاضتها شركة "زاده كيكس" منهم. ردت "باي بال" بعض المبالغ لعدد من العملاء، برغم أنَّها أرسلت منذ يوليو الماضي رسائل لغيرهم تفيد برفض طلبات استرداد الأموال، خصوصاً لهؤلاء الذين اعتبرتهم موزعين، إذ قالت إنَّ سياساتها لا تنطبق على حالاتهم.
سيضطر أي شخص آخر يأمل باسترداد أمواله للانتظار إلى أن ينتهي وكيل الإفلاس من تصفية أصول "زاده كيكس". يبيع ستيبلتون أي بضاعة محتجزة عبر منصة "إيباي"، بما في ذلك أحذية "نايكي بن آند جيريز" التي تستلهم تصميمها من ترقيط جلود الأبقار، التي تبدو كمثلجات بدأت تذوب (بسعر 1500 دولار) وأحذية "نايكي زوم كوبي 6 بروترو" الرياضية باللون الأخضر الزاهي (بسعر 700 دولار).
حتى مايو 2023، جمعت المبيعات نحو 2.6 مليون دولار، أي أقل بكثير من المبلغ الذي ينبغي على الشركة سداده لدائنيها. لا بد لعملية البيع، فضلاً عن مليوني دولار كانت في حساب "زاده كيكس" البنكي أن تغطي أيضاً مصاريف عملية الحراسة القضائية وإيجار الشركة وغيرها من النفقات التي بلغ إجماليها 1.84 مليون دولار حتى مايو.
طلبات استرداد الأموال
يعكف فريق ستيبلتون أيضاً على تحديد هوية المشترين الذين حققوا أعلى الأرباح من التعامل مع "زاده كيكس"، وقالوا إنَّ تلك الأرباح لا بد أن تعود إلى الحراسة القضائية لتُستخدم في الدفعات لمن تكبّدوا أكبر الخسائر، وهي صلاحية عادةً ما تُستخدم في إجراءات التصفية. أرسل ستيبلتون حتى الآن خطابات بطلب استرجاع أموال إلى 19 عميلاً سابقاً حققوا مجتمعين أرباحاً تبلغ 16 مليون دولار من "زاده كيكس"، وردّ أغلبهم على ستيبلتون، لكن لم يتضح عدد الذين سيتعاون منهم.
ترك مالك زاده وراءه عدداً من الدائنين الشخصيين أيضاً. رفعت "أميكس" دعوى في المحكمة الفيدرالية ضد مالك زاده وموكرمان، في محاولة منها لاسترداد مستحقات غير مدفوعة بأكثر من مليوني دولار. تُظهر السجلات المالية أنَّ مالك زاده تعامل أيضاً مع ستة مقرضين آخرين يحاولون جميعاً استرداد أموالهم.
لا أحد يعلم كم من الوقت سيتطلب بدء استرجاع أي شيء من أموال من طلبوا أحذية رياضية من "زاده كيكس". في أحد أيام شهر مايو المشمسة وبعد مرور نحو عام على انهيار الشركة، كانت سيارة والد مالك زاده من طراز "بورشه 718 بوكستر" (Porsche 718 Boxster) المكشوفة زرقاء اللون مركونة قرب المخزن الذي يضم شركة التقنية الحيوية التي تملكها أسرته.
فتح والد مالك زاده باب شركته حين طرقناه، لكنَّه رفض الرد على أسئلة بشأن "زاده كيكس" ثم أغلق الباب. وكانت الصناديق ما تزال مرصوصة فوق بعضها على أرضية المخزن، الذي يراقبه أفراد أمن وكاميرات على مدار الساعة من أجل ضمان سلامة العاملين والأحذية أيضاً.