أردوغان يعيد وزيراً سابقاً ليجلب رؤوس أموال إلى خزائن تركيا

الآمال معقودة على وزير المالية التركي الجديد لاستعادة الاستثمارات الأجنبية التي خسرتها تركيا

time reading iconدقائق القراءة - 9
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يؤدي اليمين الدستورية في البرلمان التركي في أنقرة في 3 يونيو - المصدر: بلومبرغ
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يؤدي اليمين الدستورية في البرلمان التركي في أنقرة في 3 يونيو - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

لا يتقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إملاءات من أحد، لا سيما من النخب المالية الدولية. في عام 2009، خرج غاضباً من أحد اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في سويسرا، وأقسم ألا يعود إليه أبداً. تعهد بعدها أردوغان بتخليص بلاده من "بارونات المال"، مردداً خطابات مطعّمة بنكهة ثورية، ووصف مسعاه بأنه "حرب للاستقلال الاقتصادي".

إلا أن تحرير أي دولة من متطلبات رأس المال الدولي عملية مكلفة. في ظلّ فقدان الليرة التركية حوالي 30% من قيمتها مقابل الدولار خلال العام المنصرم، 6% منها يوم الأربعاء الماضي وحده، وتنامي العجز في الحساب الجاري واستنفاد المصرف المركزي لاحتياطات العملة الأجنبية، تحتاج تركيا مجدداً إلى تمويل أجنبي. ويبدو أن أردوغان قد اقتنع بهذا الواقع.

وزير مالية جديد

يبرز هنا دور محمد شيمشك. فبعدما فاز أردوغان بولاية رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات في 28 مايو امتداداً لعقدين في السلطة، لجأ إلى المصرفي السابق البالغ من العمر 56 عاماً ليمهّد له الطريق نحو العواصم المالية في دبي ولندن ونيويورك.

يعدّ دعم الرئيس التركي لشيمشك أساسياً لاستقطاب الأموال إلى تركيا، في حين يُعرف عنه أنه كان قد أقال حكام مصرف مركزي ووزراء مالية كثر فيما مضى.

أردوغان يعين رجل الأسواق المخضرم شيمشك وزيراً لمالية تركيا

يعني ذلك أن على أردوغان أن يسمح للوزير الجديد الذي وعد بـ"تطبيق سياسات عقلانية" أن يقوم بعمله. كتب محمد العريان، الرئيس التنفيذي السابقة لشركة "بيمكو" الاستثمارية في مقالة رأي في بلومبرغ: "ليس مفاجئاً أن ينفد صبر السوق في حال عارض أرودغان علناً مقترحات شيمشك."

كان شيمشك قد شغل منصب وزير المالية ونائب رئيس الوزراء في الفترة بين 2007 و2018، قبل أن يكلّف أردوغان البالغ من العمر 69 عاماً صهره بإدارة اقتصاد البلاد، وهي الفترة التي ألقى فيها الرئيس التركي بكلّ ثقله لدعم سياسة اقتصادية مصممّة خصيصاً لبلاده لا تمليها أهواء المستثمرين الدوليين. استندت تلك السياسة الاقتصادية إلى خفض أسعار الفائدة التي ادّعى أردوغان، على عكس الأدلة العلمية والنظريات السائدة، أنها ستؤدي إلى خفض التضخم.

محمد العريان: وزير المالية التركي يحتاج للوقت والدعم

أخذ الرأسماليون الدوليون الذين لا يحبذون الثورات عادةً، علماً بخطط أردوغان وسحبوا أموالهم. وعلى مدى السنوات العشرة الماضية، انخفض حجم الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم والسندات التركية بحوالي 85%، من أكثر من 150 مليار دولار في 2013 إلى أكثر بقليل من 20 مليار دولار اليوم.

كما انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتكاد تكون الليرة التركية غير قابلة للتداول خارج البلاد. هكذا أصبحت تركيا العضو في مجموعة العشرين لأكبر الاقتصادات العالمية، وأكبر اقتصاد ناشئ في العالم، سوقاً يهيمن عليها لاعبون محليون.

تحليق معدل التضخم

حققت تلك السياسة نجاحاً على صعيد بالغ الأهمية، فلم يعد رأي الجهات الأجنبية في تركيا وأردوغان مهماً، بما أنه لم يتبق لديها أي أموال تذكر في البلاد، فتقلص تأثيرها على توجهات الأسواق المالية التركية. وجد الخبراء الاقتصاديون في وول ستريت الذين تكبدوا عناء انتقاد السياسة الاقتصادية التركية أن لا حياة لمن تنادي، بعد أن أصبحت حكومة أردوغان اللاعب المهيمن في السوق.

في نهاية المطاف، يقول الخبراء الاقتصاديون التقليديون إن تلك السياسة قادت إلى النتيجة التي كانوا يتوقعونها، فقد جمح معدل التضخم السنوي إلى أعلى مستوياته منذ عقود، حيث ارتفع بأكثر من 100% في إسطنبول في العام الماضي.

كانت الأسعار تتغير بسرعة فائقة لدرجة أن المؤسسات الصغيرة توقفت عن طبع ملصقات لمواكبة تغير الأسعار، مثلاً كان ركن السيارة في مرآب خلال الليل يكلف 50 ليرة (2.30 دولاراً) في يوم، ثمّ 90 ليرة في اليوم التالي.

فيما اشتكى الأتراك من التضخم، إلا أنهم لم يعبّروا عن انزعاجهم أكثر من الأميركيين في نيويورك مثلاً أو النيجيريين في لاغوس. شكّل صمود الاقتصاد التركي لغزاً حيّر كافة المراقبين. فقد تدهورت قيمة الليرة التركية وحلّقت الأسعار، إلا أن الاقتصاد لم ينهار.

ظلّت المطاعم والحانات ومراكز التسوق مكتظة كالمعتاد، بفضل تدفق المواطنين الروس والأوكرانيين الهاربين من الحرب والسياح القادمين من أوروبا ودول الخليج وإيران. استمرت التجارة وواصلت البنوك الإقراض بمعدلات فائدة مغرية، واستمر الأتراك بالاقتراض، حتى أن الاقتصاد سجّل نمواً بنسبة 5.6% في العام الماضي مدفوعاً بالإنفاق الاستهلاكي.

تعليقاً على ذلك، قالت الخبيرة الاقتصادية المختصة بالشأن التركي في بلومبرغ إكونوميكس سيلفا باهار بازيكي إن "الديون الرخيصة عبر بطاقات الائتمان مكّنت المواطنين من الاستمرار في الاستدانة لتمويل الإنفاق"، حتى أن كثيراً من المواطنين كان يسابق التضخم، فتهافتوا لشراء حاجياتهم من أجل تجنب دفع مزيد من الأموال لاحقاً. أضافت: "يعني ذلك أننا نرى نمواً حقيقياً في إنفاق الأسر بمعدلات مرتفعة بشكل استثنائي."

خفض التضخم لخانة الآحاد الهدف الأول لوزير مالية تركيا الجديد

اصرار على خفض الفائدة

إلا أن إصرار أردوغان على سياسة خفض الفائدة أدى إلى انحراف السوق لدرجة أن قلّة من الأشخاص ظلّوا يعتبرونها سوقاً حرّة ومفتوحة. بل أصبح الوضع أشبه بالاقتصاد الموجّه حيث تحدّد الحكومة سعر الصرف وتكلفة القروض وتخصيص رأس المال.

حتى أن المصرف المركزي اضطر للتفكير بحلول جانبية، فبدأ بتنفيذ ما يسمّى بسياسة "الممر" في عام 2010، بحيث يبقي التكنوقراط على معدل الفائدة الأساسي منخفضاً، وفي الوقت نفسهم يجرون تعديلات يومية على كلفة الاقتراض للبنوك التجارية من خلال اعتماد معدليّ فائدة آخرين، واحد أعلى من المعدل الأساسي وآخر دونه. وتستخدم بعدها هذه البنوك معدل الفائدة ذلك مع عملائها.

لم يتقبل أردوغان هذا النهج لفترة طويلة، وفي نهاية المطاف، تخلّى عن مهندس هذه السياسة وأقال ثلاثة حكام للمصرف المركزي رفضوا خفض أسعار الفائدة بالسرعة الكافية. أخيراً، وقع اختياره في 2021 على ساهاب كافجي أوغلو الذي كان يعمل كاتباً في صحيفة "يني شفق" ذات التوجه الإسلامي. خفّض كافجي أوغلو معدل الفائدة الأساسي بشكل كبير دون معدل التضخم لدرجة أن سعر الفائدة لم يعد يهمّ أصلاً. فما همّ المستثمر الأجنبي إذا كان معدل الفائدة الحقيقي في دولة ما سالب 30% أو سالب 40%، فهو سيتجنب تلك الدولة بأي حال.

المشكلة أن تركيا تعاني من عجز دائم في الحساب الجاري، حيث بلغ هذا العجز 48 مليار دولار في العام الماضي، بواقع 5.4% من الناتج الإجمالي المحلي، وهي نسبة العجز الأعلى بين دول مجموعة العشرين إلى جانب المملكة المتحدة.

على عكس جيران تركيا في الشرق الأوسط، فهي لا تنتج كميات تذكر من النفط والغاز اللازمين لتشغيل اقتصادها المحلي وملء خزنات صادراتها. بالتالي، تركيا مضطرة إما لجذب الاستثمارات أو الاستدانة من الخارج لسدّ هذه الفجوة.

تراجع الليرة

هناك أيضاً مسألة العملة. فقد أنفق البنك المركزي حوالي 200 مليار دولار على التدخلات في السوق خلال الأشهر الـ18 التي سبقت الانتخابات الرئاسية من أجل تعويض النقص في التدفقات النقدية الواردة ودعم الليرة، أي ما يوازي كامل الناتج الإجمالي المحلي لدول أخرى ذات أسواق ناشئة متوسطة الحجم مثل المجر أو الكويت. إلا أن هذه السياسة لم تكن قابلة للاستدامة، وبالفعل بدأت بالانهيار هذا الأسبوع.

بناء على طلب شيمشك، توقف المصرف المركزي مؤقتاً عن تدخلاته في السوق بواسطة المصارف التي تديرها الدولة هذا الشهر، ما تسبب بانخفاض الليرة بحوالي 7%. ويرجح متداولو عقود الخيارات بنسبة 60% أن تسجل الليرة التركية انخفاضاً إضافياً بواقع 15% في الأشهر الثلاثة المقبلة.

قال شيمشك في الخطاب الذي ألقاه عند تسلّم مهامه في 4 يونيو إن "الشفافية وإمكانية التكهن بسياساتنا والثبات والتماشي مع المعايير العالمية" ستشكّل أساس قيادته للاقتصاد التركي المقدّرة قيمته بحوالي 900 مليار دولار. أمّا التحدّي فيكمن في إرضاء أسواق المال الدولية دون أن يخسر تأييد أردوغان. بغض النظر عن مسألة رأس المال، ما يزال أردوغان هو من يحكم تركيا.

قال هنريك غولبرغ، خبير الاقتصاد الكلي في شركة الوساطة في لندن "كويكس بارتنرز" (Coex Partners) إنه على شيمشك "أن يظهر قريباً من خلال السياسات التي سيطبقها أنه سُيسمح له باتخاذ خطوات تهدف إلى خفض التضخم... عليه أن يثبت أن تعيينه ليس صورياً."

تصنيفات

قصص قد تهمك