رئيس الصين يقود حملة تودد لترميم صورة بلاده

جهود الرئيس لتحسين صورة بلاده في الخارج تتعارض أحياناً مع الاعتبارات المحلية

time reading iconدقائق القراءة - 15
صورة تعبيرية عن مسعى الرئيس الصيني شي جين بينغ لتحسين صورة بلاده - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن مسعى الرئيس الصيني شي جين بينغ لتحسين صورة بلاده - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

جلبت السنوات الثلاث الماضية تردياً في صورة الصين عالمياً، فقد شككت محاولات السلطات الصينية لعرقلة تحقيقات في أصل فيروس ”كوفيد-19“ بأنها تسعى لحجب معلومات مهمة، كما دفع احتضان الرئيس شي جين بينغ لنظيره فلاديمير بوتين في شراكة "بلا حدود" قبل أسابيع من إرسال الزعيم الروسي قواته إلى أوكرانيا إلى تكهنات بأن بكين ربما تخطط لغزو عبر مضيق تايوان.

حتى أن وول ستريت، التي كانت يوماً تتغنى بالصين صراحةً، غدت أكثر تشككاً بعد الحملة التنظيمية على القطاع الخاص في البلاد، التي دفعت مديري الأموال ليتساءلوا عن جدارتها بالاستثمار.

أظهر استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث العام الماضي أن أربعة أخماس المشاركين في الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والسويد لديهم آراء غير مواتية تجاه الصين.

لقد استغل الساسة في هذه البلدان مثل هذه المشاعر للدفع بقوة أكبر نحو سياسات احتواء النفوذ السياسي والاقتصادي لبكين. على سبيل المثال، أقنعت إدارة بايدن اليابان وهولندا بالانضمام إليها في تقييدها لبلوغ الصين تقنيات الرقائق.

لم يكن ذلك بلا أثر لدى كبار المسؤولين في الصين، إذ داوم شي يقول لكبار مسؤولي الحزب الشيوعي علناً على مدى عامين أن البلاد بحاجة إلى صورة "جديرة بالثقة ومحبوبة ومحترمة". مع ذلك، على عكس الحال في محاولة بكين السابقة لتكوين صداقات، فإن هذا الرجل يواجه قيداً جديداً هو الرأي العام في الصين.

الاقتصاد الضاغط

بيّن دونغشو ليو، أستاذ السياسة الصينية المساعد في جامعة هونغ كونغ سيتي أنه لم تكن هناك معارضة محلية كبيرة لتقديم قروض البنية التحتية وغيرها من المساعدات إلى العالم النامي حين كان الاقتصاد مزدهراً، لكن مع تباطؤ النمو في الداخل وبروز قضايا مثل ازدياد بطالة الشباب، أصبحت مقاومة الإنفاق في الخارج أوضح.

قال ليو: "تحاول الصين اختيار قضايا سهلة بتكاليف منخفضة نسبياً كوسيلة استراتيجية لإثبات أنها رائدة عالمية… يريد الصينيون أن يروا بلدهم قوة عالمية عظمى، لكن الشعب الصيني ليس مستعداً لتحمل التكلفة“.

ركزت حملة التودد السابقة على رفع مكانة الصين في العالم ومساعدة الشركات التي تملكها الدولة على كسب الأعمال في الخارج. بالمقابل، تهدف الحملة الأخيرة إلى "منع العزلة الدبلوماسية عن الغرب وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين وإقناع شركات هذه البلدان بالعودة إلى الصين والاستثمار،“ كما يقول جان بيير كابستان، وهو أستاذ فخري للعلوم السياسية في جامعة هونغ كونغ بابتيست.

وافقت الصين في 6 مارس على دعم اتفاق لتخفيف ديون سريلانكا، ما يؤشر إلى موقف أكثر تعاوناً حين يتعلق الأمر بمساعدة البلدان النامية التي تعاني ضوائق مالية في إعادة هيكلة التزاماتها. بعد ذلك بأيام قليلة، اتفقت السعودية وإيران على وأد الخلاف المرير بينهما وإعادة علاقاتهما الدبلوماسية في اتفاقية توسطت فيها الصين ووقعتاها في بكين.

وردت تقارير في منتصف مارس تقريباً بأن شي يعتزم التحدث إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وهي أول محادثة بينهما منذ الحرب، ما يشير إلى دفع أكثر جدية من بكين لإحلال السلام في أوروبا.

استمالة الشركات

في حين قاد شي الجهود الدبلوماسية لبكين إلى حد كبير، كان رئيس الوزراء لي تشيانغ هو الذي قاد جهود التواصل الاقتصادي، وهو لم يضيع أي وقت منذ تعيينه في 11 مارس لاستمالة قادة الأعمال داخل الصين وخارجها.

زار مديرون تنفيذيون عالميون بكين في نهاية مارس، كان بينهم تيم كوك رئيس ”أبل“ التنفيذي، وشجعهم لي في حديث معهم على التطلع إلى "قوس قزح بعد المطر". ألقى رسالة مماثلة بعد بضعة أيام عندما خاطب مجموعة مختلفة من قادة الأعمال في مقاطعة خينان. قال لي: "الاستثمار في الصين يعني اختيار مستقبل أفضل“.

نقلت رويترز أن لي كان أحد عدة مسؤولين تواصلوا مع جاك ما، الشريك المؤسس لمجموعة "علي بابا القابضة"، لمحاولة إقناع رجل الأعمال الأشهر في الصين بالعودة من منفاه الاختياري بالخارج. جاء غياب ما منذ بدء الحملة التنظيمية على إمبراطوريته في أواخر 2020 ليرمز إلى مخاوف من أن دعم بكين للقطاع الخاص كان يتضاءل لصالح دور اقتصادي أكبر للدولة.

لهذا كانت عودة جاك ما دفعةً فوريةً لثقة الأعمال، وأشغلت صور الملياردير في زيارة إلى مدرسة في مسقط رأسه وسائل التواصل الاجتماعي الصينية في أواخر مارس. ارتفعت المعنويات وكذلك أسعار الأسهم الصينية عندما أعلنت ”علي بابا“ لاحقاً أنها ستقسم أعمالها إلى ست وحدات وتسعى إلى إدراجات أسهم منفصلة لكل منها. نُظر إلى هذه الخطوة على أنها حل أنيق لمعالجة مخاوف الحكومة بشأن السلوك المحبط للمنافسة مع انطلاقة لقيمة استثمار المساهمين.

لكن ليس كل شيء يسير بسلاسة. إذ إن سنوات من الاشتباكات حول معاملة الأقليات العرقية في شينجانغ وقمع المعارضة السياسية في هونغ كونغ وكذلك وضع تايوان صنعت رصيداً ضخماً من الشكوك في الولايات المتحدة وأوروبا بشأن النوايا الصينية. عندما كشفت بكين عن خطتها المكونة من 12 نقطة للسلام في أوكرانيا، رفضتها إلى حد كبير واشنطن وبروكسل باعتبارها منحازة إلى حد كبير لصالح روسيا لدرجة أنها غير جديرة بأن تكون نقطة بداية.

بدأت السلطات الصينية في 31 مارس مراجعة أمن سيبراني لشركة ”ميكرون تكنولوجي“، التي تتخذ مقراً في بويز بولاية أيداهو. يرسل ذلك رسالة إلى الولايات المتحدة وحلفائها مفادها أن بكين مستعدة للرد على الجهود التي تقودها واشنطن لقطعها عن الإمدادات الحيوية من أشباه الموصلات المتقدمة.

كما يخاطر بمزيد من تنفير الشركات الأمريكية المتوترة بشأن ممارسة أعمال في الصين. يمكن قول الشيء نفسه عن اعتقالات، استناداً لانتهاكات لم تُعلن حتى الآن، لأفراد يعملون لدى مجموعة ”مينتز“ (Mintz Group) الأميركية المتخصصة بالفحوص النافية للجهالة وشركة صناعة الأدوية اليابانية ”أستيلاس فارما“ (Astellas Pharma). قالت أليسيا غارسيا هيريرو، كبيرة اقتصاديي منطقة المحيط الهادئ لدى شركة ”ناتيكسيس“ (Natixis): "إنه تودد في بعض المواقع، وليس في جميعها".

تصنيفات

قصص قد تهمك