عناد ماكرون يهدد خططه الإصلاحية لفرنسا

محاولاً تغيير سن التقاعد في البلاد ربما يكون ماكرون قد فقد قدرته على إحداث تغيير في البلاد

time reading iconدقائق القراءة - 7
إيمانويل ماكرون - المصدر: بلومبرغ
إيمانويل ماكرون - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يحلو للفرنسيين أن يقال إنهم شعب يستعصي حكمه، ويستحضرون عبارة منسوبة إلى شارل ديغول، منتحلة على الأرجح، مفادها أنه تصعب إدارة بلد لديه 246 نوعاً من الأجبان. لقد قال إيمانويل ماكرون أيضاً إن الفرنسيين شعب عنيد في رفضه للتغيير.

قد يبدو أن كلا الرئيسين، الأسبق والحالي، على حق في ضوء صور لإضرام النار ببوابة قاعة بلدية بوردو في 23 مارس، أو نظراً لإلغاء زيارة الملك تشارلز الثالث بسبب مخاوف من تزامن الاحتجاجات العنيفة مع إقامته في باريس. في الحقيقة، الفرنسيون ليسوا أكثر كرهاً للتغيير من معظم الشعوب.

لكن عندما يعترضون على سياسة بعينها مثل خطة ماكرون لرفع سن التقاعد إلى 64 عاماً، فإن المعارضين لديهم طريقة واحدة فقط لإحداث فارق، ألا وهي النزول إلى الشوارع والتظاهر. لسوء الحظ، يبدو أن أحد الدروس المستفادة من حركة السترات الصفراء التي اندلعت منذ بضع سنوات هو أن إضافة العنف إلى هذا المزيج يزيد من فرص إرغام الحكومة.

عادةً ما يسارع ماكرون نفسه لخوض جدال، وغالباً يمشي إلى الطرف القاصي من القاعة ليجادل أحد المنتقدين مبدياً سعادته لدرايته بتفاصيل مقترحات حكومته وثقته بقدرته على تغيير الآراء.

بدا أنه يدفع بإصلاح نظام التقاعد انطلاقاً من هذه الثوابت نفسها، بحجة أنه ناقشها خلال حملته الانتخابية وفاز بإعادة انتخابه، مما أعطى للخطة شرعية سياسية، بل إن هذا جعل إتمامها واجباً عليه.

فرنسا.. هل تؤثر اضطرابات "إصلاح التقاعد" في نظرة المستثمرين؟

لكن هذا فيه تجاهل لإقرار أعلنه في تلك الليلة الانتخابية في أبريل، عندما قال: "صوّت العديد من مواطنينا لي اليوم، ليس دعماً للأفكار التي أدعو إليها بل لمنع أفكار اليمين المتطرف"، وهي التصريحات التي أدلى بها بعد ما سار واثق الخُطى عبر متنزه "شام دي مارس" المتاخم لبرج إيفل مع زوجته وقد أمسك يدها وأحاط بهما عشرات من تلاميذ المدارس.

انخفاض شعبية الحزب

بدا أن تصميمه على دعم الخطة على مدى الأسابيع التالية أدى إلى انخفاض شعبية حزبه، الذي خسر أغلبيته الكاسحة في الانتخابات البرلمانية في يونيو، ما يعني أنه سيتعين على حكومة ماكرون إيجاد حلفاء بين أحزاب المعارضة لجمع أصوات لتمرير التشريعات.

في معظم الديمقراطيات، إن لم تجمع القدر الكافي من الأصوات لتمرير مشروع قانون، فإن مصيره سيكون إلى زوال. في فرنسا، تستطيع الحكومة تجاوز البرلمان من خلال الاحتجاج بالفقرة 3 من المادة 49 من الدستور، والتي استهدف إنشاؤها تجنب الشلل التشريعي الذي كان أحد سمات الجمهورية الرابعة.

أثار قرار ماكرون في اللحظة الأخيرة باللجوء إلى مثل هذه المناورة غضب شريحة كبيرة من الجمهور، حتى أولئك الذين لم يشاركوا في أسابيع من الاحتجاجات والإضرابات السلمية في الغالب بهدف تحفيز المشرعين على التخلي عن الخطة. أصبحت مظاهرات الشوارع، التي كانت قد خفّت حدّتها، فجأة أكبر وأشد شغباً.

قال جان غاريغ، المؤرخ المتخصص في السياسة الفرنسية: "ماكرون أوقع نفسه في شَرَك. إن قدم أي تنازلات الآن فإن ذلك سيؤدي بشكل أساسي إلى إضفاء الشرعية على العنف كطريقة للحصول على تنازلات".

قال ماكرون في مقابلة تلفزيونية في 22 مارس إنه غير نادم "إلا على أنه لم يتمكن من الإقناع بضرورة الإصلاح"، وبيّن أنه يريد أن يعمل مع النقابات والأحزاب السياسية المعارضة بشأن سلسلة من القضايا.

"أزمة التقاعد".. استنفار أمني في باريس والحوار إلى "طريق مسدود"

لكن الحقيقة هي أن مناورة ماكرون قد جعلته على الأرجح فاقداً للقدرة على التغيير، وأنه غير قادر على وضع اللمسات الأخيرة على خطة محلية طموحة مصممة لإحداث نقلة لفرنسا إلى عهد جديد ناشط والأهم من ذلك أن تكون صديقة للأعمال.

منذ دخل قصر الإليزيه في 2017 كأصغر رئيس لفرنسا منذ عهد نابليون، دفع بتغييرات في قوانين الضرائب والعمل التي يرجع لها فضل إنعاش النمو الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي.

خلال هذه الفترة كانت هناك إصلاحات عمالية إضافية، وخطة خضراء لتجديد الاستراتيجية الصناعية، إضافة إلى مشروع قانون جديد للهجرة.

الخروج من الأزمة

قد يكون أحد سبل الخروج من الأزمة الحالية هو المجلس الدستوري الفرنسي. فقد طلبت الحكومة وعدد من أعضاء البرلمان في مارس أن يفصل المجلس المكوّن من تسعة أعضاء، ومعظمهم سياسيون سابقون وشخصيات حكومية بارزة، بشأن القانون وبشأن طلب تدعمه المعارضة بالاستفتاء عليه. مقرر أن يصدر المجلس قراره في 14 أبريل، وسيكون مُلزِماً.

لا يُتوقع أن يصدر المجلس قراراً بعدم دستورية القانون برمته، وهو أمر حدث مرتين فقط منذ تشكيله في 1958، لكن قد يقضي بأن أجزاءً من القانون لم يكن يجب أن تُدمج في مشروع قانون ميزانية الضمان الاجتماعي التكميلي، الذي استخدمته الحكومة كوسيلة لسنّ إصلاح نظام التقاعد.

دعت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن في 28 مارس، وهو أحد أيام الاحتجاجات التي قادتها النقابات، زعماء العمال ليجتمعوا معها في مكتبها هذا الشهر. قال لوران بيرجيه، رئيس أحد أكبر اتحادات العمال، إنه يعتزم حضور الاجتماع لمناقشة إصلاح نظام التقاعد، رغم أن دعوة بورن لم تحدد جدول أعمال لمناقشته.

إذا لم يُكسر الجمود، فسيكون أمام ماكرون خيار آخر هو استعارة وصفة من كتيب ديغول بحلّ البرلمان، ما سيتطلب إجراء انتخابات جديدة. سيكون ذلك محفوفاً بالمخاطر.

في مايو 1968، بعد أسابيع من الاحتجاجات الطلابية وإضرابات المصانع، حلّ ديغول البرلمان وحشد مليون شخص في مسيرة لدعمه وفاز بأغلبية واضحة في الجولة التالية من الاقتراع. استقال في العام التالي بعد خسارته في استفتاء أصبح في الأساس تصويتاً على ما إذا كان يجب أن يظل في منصبه.

عجز الميزانية الفرنسية ينخفض بأكثر من المتوقع في 2022

نتائج عكسية

لكن هذه الخطوة أتت بعكس المرجو منها تماماً بالنسبة إلى رئيس فرنسي آخر، وهو جاك شيراك، الذي حلّ البرلمان في 1997 بعد عام ونصف تقريباً من تراجع حكومته عن خطة إصلاح التقاعد. فقد حزبه السيطرة على الجمعية الوطنية، وحُرِم شيراك من قدر كبير من سلطاته حين أُرغم على تسمية زعيم الحزب الاشتراكي المنافس رئيساً للوزراء.

كان ذلك درساً لم يغِب عن بال ماكرون، الذي استبعد في مقابلة 22 مارس حلّ البرلمان أو إجراء استفتاء أو تعديل وزارته لتشمل سياسيين من أحزاب أخرى.

قالت دانييل تارتاكوفسكي، مؤرخة الحركات الاجتماعية في فرنسا: "كان ديغول يملك في 1968 أداتين هما: قدرته على حشد الناس، والدعوة إلى انتخابات مبكرة. أما ماكرون فليس لديه أي منهما".

من أكبر المخاوف التي تنتاب ماكرون، وفقاً لمستشاريه، أن تخلفه زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، التي تغلّب عليها في آخر انتخابات رئاسية. رغم أن سباق 2027 الانتخابي ما يزال بعيداً، فإن استطلاعات الرأي تظهِر أن لوبان، حتى الآن، استفادت أكثر من أزمة المعاشات التقاعدية.

سيكون تراث ماكرون مرّاً إن ساعد على ولوج لوبان المناهضة للاتحاد الأوروبي إلى قصر الإليزيه رئيسةً، وهو الذي كان قد نصّب نفسه بطلاً لما يسمى بالمشروع الأوروبي.

تصنيفات

قصص قد تهمك