بلومبرغ
ظنّت جماعات الضغط المؤيدة لتطبيق "تيك توك" أنَّ اجتماعاً عُقد في مقرّ الكونغرس الأميركي في 1 فبراير سار على خير ما يرام. فقد استرعى عرض الشركة التقديمي، الذي ركزّ على جهود "تيك توك" لمنع وقوع بيانات تجمعها في الولايات المتحدة بيد الصين، اهتمام خصميها في الكونغرس مايك غالاغر، الممثل الجمهوري عن ولاية ويسكونسن، وراج كريشنامورثي، الممثل الديمقراطي عن إلينوي.
يتزعّم الثنائي غالاغر وكريشنامورثي لجنة جديدة في مجلس النواب الأميركي تركز على الصين، وسبق أن أيّدا مشروع قانون يسعى لحظر تطبيق "تيك توك" على خلفية اشتباه دوائر الأمن القومي الأميركي بأنَّ الحزب الشيوعي الصيني يمكنه استخدام التطبيق لتعقب الأميركيين، والتلاعب بهم لأنَّ شركة "بايت دانس" في بكين تملكه.
طرح كريشنامورثي السؤال الذي كانت شركة "تيك توك" تتوقَّعه، وهو كيف تتعامل الشركة مع القانون الصيني الذي يلزم الشركات التي تتخذ من الصين مقرّاً لها على الانصياع لكل المطالب الحكومية بالحصول على البيانات؟
تهدئة المخاوف
طمأن مايكل بيكيرمان، مسؤول السياسات العامة لشؤون الولايات المتحدة لدى "تيك توك" وصاحب تسريحة الشعر المهندمة، كريشنامورثي معتبراً أن لا ضرورة تستدعي قلق المستخدمين، بحسب شخصين حضرا الاجتماع.
شرح أنَّ "تيك توك" تتخذ إجراءات صارمة لتحصين عملياتها في الولايات المتحدة، وبيّن أنَّ الشركة تخزن البيانات مع شريك أميركي هو شركة "أوراكل" (Oracle)، كما أنَّها وافقت على الخضوع لإشراف مجلس تعيّنه الحكومة الأميركية في إطار خطة بتكلفة 1.5 مليار دولار تحمل اسم "مشروع تكساس"، مستعرضاً الخطة عبر شرائح تقديمية اطّلع عليها المشرّعون عبر أجهزة "أيباد" كانوا يحملونها فيما عانى موظفو الكونغرس وهم يحاولون رؤية ما عليها.
كان النوّاب على دراية بالخطة، لكنَّهم يدركون أيضاً مدى الولاء الذي تتوقَّعه الصين من شركاتها المحلية. سأل غالاغر ماذا ستفعل "تيك توك" إذا ما طلبت الصين حذف محتوى حول قمع الحكومة لأقلية الإيغور في غرب البلاد. ردّ بيكيرمان بالتعهد بعدم اخضاع المحتوى لمقصّ الرقابة، إلا أنَّه بدا مرتبكاً.
يبدو أنَّ الارتباك سيد الموقف في أوساط "تيك توك" في واشنطن، حيث تبيّن أنَّ كلاً من الحزبين الديمقراطي والجمهوري يستمتعان بمهاجمة الشركة معاً، وهذا من الأمور النادرة التي يمكن لإدارة الرئيس جو بايدن أن تعوّل فيها على توافق الحزبين.
أعطى الكونغرس إدارة بايدن حزمة خيارات، حيث قُدّمت أربعة مشاريع قوانين بينها مشروع قانون غالاغر، تهدف جميعها لكبح نفوذ "تيك توك".
أعلن البيت الأبيض في 7 مارس تأييده لمشروع قانون في مجلس الشيوخ قدّمه عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرجينيا، الديمقراطي مارك وارنر، وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية داكوتا الجنوبية، الجمهوري جون ثون، يمنح الرئيس السلطة لتقييم التهديد الذي تشكّله التقنيات المملوكة لجهات أجنبية على الأمن القومي والحدّ من عملياتها في الولايات المتحدة إذا لزم الأمر.
حثّ البيت الأبيض الكونغرس على "العمل سريعاً لإرساله إلى مكتب الرئيس"، وبعد ثلاثة أيام أبلغ موظف سابق في "تيك توك" الكونغرس أنَّه يرى أنَّ "مشروع تكساس" تشوبه مشاكل عديدة، وأنَّ بيانات المستخدمين الأميركيين ستظلّ عرضة للخطر حتى في حال اعتماد الإجراءات الحمائية الموعودة.
لكنَّ متحدثة باسم "تيك توك" قالت إنَّ "الأشخاص الذين غادروا الشركة قبل فبراير 2022 لا فكرة لديهم عن الوضع الحالي لمشروع تكساس".
الانفصال عن الشركة الأم
تدرس قيادة "تيك توك" حالياً اتخاذ إجراءات جوهرية تتيح لها مواصلة العمل في الولايات المتحدة، بينها خيار الانفصال عن الشركة الأم، بحسب أشخاص مطّلعين على المسألة. لكنَّ الانفصال أو بيع الحصص سيتطلّب موافقة الصين، ولم يتضح بعد ما إذا سيكون هناك من شارٍ.
يعتقد قادة "تيك توك" أنَّ البديل، أي الحظر الكامل للتطبيق سيشكل تهديداً أكبر على النجاح المالي لـ"بايت دانس"، بحسب أحد أولئك الأشخاص.
ترى "تيك توك" في الانفصال عن "بايت دانس" ملاذاً أخيراً، حيث لم تبلغ الكونغرس أنَّها تدرس هذا الاحتمال، لكن في نهاية المطاف قد لا يكون لدى "تيك توك" أي خيار آخر، فقد حذّرت إدارة بايدن أخيراً "تيك توك" بأنَّ عليها الانشقاق عن الشركة الأم أو مواجهة خطر الحظر، بحسب أشخاص مطلعين على المسألة.
لقد قالت "تيك توك" في بيان، سوّقت فيه لمنافع "مشروع تكساس"، إنَّ "حظر التطبيق أو انفصال الشركة عن (بايت دانس) لا يساعدان في أيّ طريقة على معالجة مخاوف الأمن القومي المرتبطة بنقل البيانات".
كان مسؤولو السياسات في "تيك توك"، وعلى رأسهم رئيسها التنفيذي شو زي تشيو، أعربوا عن تململهم طوال الأشهر الماضية من عدم تأثر خصومهم اللدودين في الكونغرس بالخطوات المكلفة والشاملة التي اتخذتها الشركة لحماية بيانات المستخدمين. فالتطبيق المحبوب لدى المراهقين والأطفال في مرحلة ما قبل المراهقة انزلق إلى دوّامة جيوسياسية يسعى جاهداً للخروج منها.
المنطاد الصيني
في يوم الاجتماع مع غالاغر وكريشنامورثي؛ لم تكن عناوين الأخبار لصالح "تيك توك". فحينها كان المسؤولون الأميركيون يتداولون إسقاط منطاد تجسس صيني استقطب اهتمام الرأي العام حين مرّ قرب قاعدة جوية أميركية في مونتانا. منطقياً؛ تحوّل القلق حيال المنطاد إلى قلق حيال تطبيق مقاطع الفيديو واسع الشعبية.
غرّد عضو مجلس الشيوخ عن ولاية يوتاه ميت رومني قائلاً: "منطاد صيني ضخم في السماء، وملايين مناطيد (تيك توك) في هواتفنا، فلنسقطها كلها".
يمضي الأميركيون ما معدّله 56 دقيقة في اليوم في استخدام "تيك توك"، أي أكثر ممّا يمضونه على كلّ من "فيسبوك" و"انستغرام"، بحسب شركة دراسة السوق "إنسايدر انتليجنس".
يحذّر المشرّعون من أنَّ المنصة تمثّل بوابة للإدمان على الدعاية الصينية، كما أنَّ غالاغر وصفها بـ"الفينتانيل الرقمي". لكن بالنسبة للمستخدمين؛ قد يصعب أن يربطوا مثل هذا الأمر بفيديوهات "الكلب نودل" وفيديوهات "فرانسيس رجل القطار".
مهما بدا حظر "تيك توك" فكرة جذّابة على الصعيد الجيوسياسي؛ لكنَّه لا يحظى بالتأييد الشعبي محلياً، كما سيشكّل خطوة غير مسبوقة. فمثل هذه القرارات أشبه بالأمور التي تحصل في الصين التي حظرت "فيسبوك" منذ 2009. كانت وزيرة التجارة جينا رايموندو قالت في فبراير في مقابلة مع "بلومبرغ نيوز" إنَّ حظر التطبيق "يعني فعلياً خسارة كلّ ناخب دون سن 35 عاماً".
تأثير كورونا
كسبت "بايت دانس" موطئ قدم لها في الولايات المتحدة عبر استهداف مستخدمي الإنترنت صغار السنّ الذين لم يكونوا قد غرقوا في هوس ـ"انستغرام" و"سناب تشات". اشترت "بايت دانس" في 2017 تطبيق "ميوزيكالي" (Musical.ly) الصيني واسع الشعبية لدى الأولاد في سنّ ما قبل المراهقة، إذ كانوا يستخدمونه لنشر مقاطع فيديو لهم، وهم يحركون شفاههم على كلمات أغاني معروفة، وحوّلته إلى "تيك توك".
أصبحت بعدها المدارس الإعدادية والثانوية في الولايات المتحدة حلبات لرقصات منسقة هزلية، عُرفت بـ"التحديات" شاركها الطلاب عبر التطبيق، وفاز الأشخاص الذين انتشرت مقاطعهم المصوّرة بشهرة عبر الانترنت. لكنَّ التطبيق حينها كان بسيطاً.
تفشّى بعدها وباء كورونا، فانتقلت المدارس إلى التعليم عن بعد، وعلق الراشدون في المنازل مع أطفالهم، فلم يعد لدى أحد أي محتوى يستحق نشره على "انستغرام". ساعد "تيك توك" الذي يقدّم طرائف خفيفة الظلّ يصنعها أشخاص عاديون على التخفيف من مخاوف الأميركيين الجماعية من كورونا ومن الضجر الذي كانوا يشعرون به.
كانت أي أغنية ترد في المقاطع المصوّرة التي تلقى رواجاً تتصدر سباقات الأغاني، مما أحدث انقلاباً في قطاع الموسيقى، كما أسهم رواج بعض مقاطع الفيديو في اكتساب نجوم مثل أوليفيا رودريغو شهرة واسعة.
كان للتطبيق تأثير كبير على قطاع الموضة والجمال أيضاً، فقد أدى مثلاً إلى زيادة الإقبال على بعض المنتجات مثل قلم شفاه "أولمست ليبستيك" (Almost Lipstick) من "كلينيك" (Clinique) القرمزي الداكن، وساهم من ناحية أخرى في تصدّر برامج تلفزيونية قائمة الأكثر مشاهدة مثل ما حصل مع "لعبة الحبّار" على "نتفلكس".
أمركة "تيك توك"
تعدّ الخوارزميات أساسية لنجاح "تيك توك"، بما أنَّها تستنتج اهتمامات المستخدمين بحسب مقاطع الفيديو التي يختارون مشاهدتها، فتأخذهم إلى محتوى متخصص، وأحياناً يكون محدداً جداً لدرجة مريبة من مفتشي منازل يشاركون بعض أسوأ اكتشافاتهم إلى مقاطع لأشخاص يرقصون على أنغام موسيقى صالات انتظار العملاء.
لكنْ هذه التقنية الجميلة أثارت مخاوف خبراء الأمن القومي. فإذا كان "تيك توك" قادراً على اكتشاف كيفية الترفيه عن المستخدمين الأفراد الأميركيين بشكل محدد وناجح، وتملكه شركة صينية، فماذا يمكن للصين أن تفعل بكلّ هذا النفوذ؟
تفاقمت التوترات بين الصين والولايات المتحدة في فترة اشتداد الوباء نتيجة إغلاق المعامل والقيود على الصادرات، مما ألقى بثقله على سلسلة الإمداد اللازمة لصنع الأجهزة الالكترونية وغيرها من السلع.
لكنَّ "تيك توك" كان واحداً من الصادرات الصينية التي لم تستطع الولايات المتحدة فرض قيود عليها. مع ذلك؛ من الواضح أنَّ المشاعر المعادية لـ"تيك توك" كانت تتعاظم حول العالم. أصدرت الهند قراراً مفاجئاً في 2020 بحظر التطبيق خلال مرحلة خلافها مع الصين، مستندةً إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي.
استشعرت "تيك توك" بالمعركة السياسية المقبلة في سوقها الأكثر ربحيةً، وحاولت التسويق لنفسها على أنَّها تطبيق أميركي لأقصى درجة ممكنة. راح مسؤولو العلاقات العامة يخبرون الصحفيين أنَّ "تيك توك" مسجّلة في جزر كايمان، بالتالي؛ مقرّها ليس في بكين.
ثمّ عيّنت الشركة رئيساً تنفيذياً جديداً، كيفن ماير، وهو شخص معروف كان يترأس ذراع البثّ الالكتروني في شركة "وولت ديزني"، وذلك مباشرةً بعد قيادته الانطلاق الناجح لمنصة "ديزني+". أمّا مهمّته؛ فكانت أمركة المسؤولين التنفيذين في الشركة، وتقديم وجه محبوب لها في واشنطن.
الشباب في المرصاد
تبيّن أنَّ مستخدمي "تيك توك" هم أكبر المدافعين عنه، فهبوّا لنصرة التطبيق حتى دون أن يُطلب منهم ذلك. حين أصدر الرئيس السابق دونالد ترمب قراراً تنفيذياً بحظر "تيك توك" في أغسطس 2020، كان الشباب الأميركي له بالمرصاد، فنشروا مقاطع فيديو يتحدثون فيها بشغف عن أهمية التطبيق في حياتهم.
حتى أنَّ مجموعة من مستخدمي "تيك توك" خدعوا ترمب حين سجلوا أنفسهم من أجل حضور أحد تجمعاته الانتخابية، بحيث توقّع حضوراً أكبر بكثير من عدد الأشخاص الذين حضروا فعلاً، مما زاد من حنقه على التطبيق.
بعد أشهر من المفاوضات مع البيت الأبيض لتجنّب الحظر؛ رست"بايت دانس" على تسوية تقضي ببيع "تيك توك" إلى شركة "أوراكل"، وهي شركة لديها علاقات راسخة مع مؤسسة الأمن القومي. فرئيس مجلس إدارة الشركة لاري أليسون كان قد ساعد في جمع التبرعات لصالح حملة ترمب الانتخابية، مما يجعل الشركة درعاً مثالياً في وجه الصقور الجمهوريين المعادين للصين.
لكنَّ محكمة أميركية أصدرت قراراً برفض حظر ترمب، ثمّ تخلّت إدارة بايدن عن قرار الحظر واستبدلته بقرار آخر يدعو لمراجعة تأثير التطبيق على الأمن القومي.
بحلول ذلك الوقت كان ماير قد غادر منصبه، فهو لم يصمد إلا أربعة أشهر، وما لبث أن أنهكه الطابع السياسي لوظيفته. واجهت الشركة صعوبة بعدها باستقطاب مديرين تنفيذيين محنكين ذوي جاهزية لمواجهة الرأي العام والمثول أمام ساسة مناهضين للصين للدفاع عن "تيك توك"، بحسب ثلاثة أشخاص مطّلعين على المسألة.
رئيس تنفيذي جديد
عُيّن السنغافوري تشيو رئيساً تنفيذياً للشركة في مايو 2021، وهو مسؤول تنفيذي سابق في شركة صناعة الهواتف الذكية الصينية "شاومي". يمضي تشيو منذ تعيينه معظم وقته في الولايات المتحدة وأوروبا ساعياً لإقناع الهيئات الناظمة والمعلنين عبر "تيك توك" أنَّ التطبيق منفصل عملياً عن الصين، ومتجذّر في الثقافة الأميركية.
نادراً ما يرى موظفو "تيك توك" تشيو في مكاتب الشركة في سنغافورة، وثمّة مزحة منتشرة بينهم بأنَّ أحداً لا يعرف كم طوله. في المقابل، حضر تشيو مباراة السوبر بول إلى جانب مديرين تنفيذيين آخرين في شركات التقنية والترفيه الأميركية، حتى أنَّه شارك مقطعاً من عرض ريانا بين الشوطين على "تيك توك".
لا يبدو تشيو مستعداً للتوجّه بمناشدات إلى الرأي العام طالباً ثقتهم كما يفعل مارك زوكربرغ بعد كلّ فضيحة تلمّ بـ"فيسبوك". كما أنَّه لا يحبّذ إحراج منتقديه، كما يفعل إيلون ماسك عبر "تويتر".
بدل ذلك، يطلب في العادة عقد اجتماعات خاصة لبحث مواقف "تيك توك". ويرى أنَّ لجنة الاستثمار الخارجي في الولايات المتحدة هي الجهة الأقدر على تقرير مصير "تيك توك". فهذه اللجنة المشتركة بين الوكالات الحكومية هي التي قررت على سبيل المثال منع شركة "هواوي تكنولوجيز" من بيع هواتفها الذكية في الولايات المتحدة، ومنع شركة "برودكوم" (Broadcom) من شراء شركة "كوالكوم" (Qualcomm).
"أوراكل" درعاً
رأى تشيو إمكانية للتفاوض مع اللجنة من خلال إبلاغها بتفاصيل الإجراءات التي تتخذها الشركة على صعيد البيانات والقوانين الملزمة للموظفين، سعياً لكسب ثقة الحكومة استناداً إلى هذه الوقائع، بحسب أشخاص مطّلعين على مخططاته.
في حين لم تعد الحكومة تطالب "أوراكل" بشراء "تيك توك"، لكنَّ الشركة بقيت الدرع السياسي للتطبيق، فضلاً عن أنَّها جزء كبير من عرضه التقديمي أمام اللجنة. وبموجب "مشروع تكساس"؛ ستخزن "أوراكل" كامل بيانات المستخدمين الأميركيين، وتحقق في رموز "تيك توك"، على أن تشرف لجنة من ثلاثة أشخاص توافق عليهم الحكومة على هذه العمليات، ويخضع كل الموظفين في هيئة أمن البيانات الأميركية الجديدة في "تيك توك" إلى التحقق من الخلفية نفسها التي يخضع لها المتعهدون الحكوميون.
في حين لا يبدو مسؤولو الأمن القومي الذين يدققون بـ"مشروع تكساس" مقتنعين بقدرته الموعودة على حماية البيانات؛ أيّد مسؤولون في وزارة المالية إعطاء فرصة لـ"تيك توك"، لكنَّ مسؤولي وزارة العدل أقنعوا أعضاء آخرين في اللجنة برفض الخطة، بحسب أشخاص مطلعين على المحادثات.
كان مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية كريستوفر راي قد أبلغ الكونغرس أخيراً أنَّ تطبيق "(تيك توك) ينضح بالمخاوف المتعلقة بالأمن القومي". زدّ على ذلك أنَّ بعض المسؤولين في الكونغرس يشككون بدوافع "أوراكل"، بحسب أشخاص مطّلعين على المسألة.
نظراً لنموّ "تيك توك" الاستثنائي؛ أصبح التطبيق أحد أكبر عملاء السحابة لدى "أوراكل"، بالتالي؛ قد تتردد الشركة في كشف الأنشطة المشبوهة إذا ما هدد ذلك عقدها المدرّ للأرباح مع "تيك توك". لم تستجب "أوراكل" لطلب التعليق.
تغيير السردية
فيما كانت تجري اللجنة محادثاتها بسرية؛ استند عضوا مجلس الشيوخ جوش هاولي؛ الممثل عن ولاية ميسوري، وماركو روبيو؛ ممثل فلوريدا إلى التقارير الإخبارية المنتقدة لـ"تيك توك" من أجل إطلاق حملة إعلامية تدعو لحظر التطبيق.
فيما تواجه تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي المحبوبة الانتقادات المتكررة ذاتها بأنَّ محتواها مسبب للإدمان، وأنَّ خوارزمياتها تؤثّر سلباً على الصحة الذهنية للمراهقين، وأنَّها تجمع البيانات بطريقة لا يفهمها المستخدمون، تتخذ هذه الممارسات المقلقة أبعاداً أكثر خبثاً بفعل تورّط الصين.
استمرتّ "تيك توك" حتى العام الماضي بتجاهل الضجيج الذي كان يثيره المشرّعون والمسؤولون معتبرة أنَّهم ينشرون أكاذيب ولا يفقهون شيئاً في القطاع، وفقاً لأشخاص مطلعين على استراتيجية الشركة.
لكن اتضح لاحقاً أنَّ سياسة التجاهل هذه كانت خاطئة. ففي واشنطن؛ ترسم السياسة السردية المحيطة بكلّ شركة إلا إذا عملت الشركة على إعادة صياغة هذه السردية. فيما لم تفصح "تيك توك" عن نفقاتها المخصصة لجهود جماعات الضغط، إلا أنَّ الشركة الأم "بايت دانس" كشفت عن نفقاتها المتعلقة بجماعات الضغط في واشنطن للمرّة الأولى في الربع الثالث من 2019 وكانت تبلغ 120 ألف دولار. ارتفع هذا المبلغ إلى 2.1 مليون دولار في الربع الثاني من 2022.
مع ذلك؛ فإن قدرة مجموعات الضغط على حلّ المشاكل محدودة. فحين نشرت مجلة "فوربز" تقريراً يشير إلى أنَّ موظفي "بايت دانس" في الصين قادرون فعلاً على الاطلاع على بيانات الموقع الخاصة بالمستخدمين الأميركيين؛ فإنَّ ما حصل لاحقاً كان أسوأ بكثير. فقد نقّب موظفو "بايت دانس" في عناوين بروتوكول الإنترنت الخاصة بالصحفيين من أجل كشف مصادرهم.
قال عضو مجلس الشيوخ رون وايدن، الممثل الديمقراطي عن ولاية أوريغون في حينها، إنَّ الأمر "يشكل فضيحة تثير الشكوك حول كل الوعود التي قطعتها (تيك توك) فيما يتعلق بحماية المعلومات الشخصية".
مخاوف انتخابية
في غضون ذلك، تسعى "تيك توك" لإزالة الغموض المحيط بتطبيقها، وهي تعمل على بناء ما تسمّيه بـ"مركز للشفافية" في لوس أنجلس يضمّ غرفاً مليئة بالمخططات التوضيحية والرسوم المتحركة التي تتناول معايير البيانات والخوارزميات لمساعدة المشرّعين والصحفيين على فهم كيفية حمايتها للبيانات وكيفية عمل خوارزمياتها. كانت المسؤولة الدولية لشؤون الاستجابة إلى التهديدات في "تيك توك" سوزي لوفتوس قالت خلال الإعلان عن المركز: "نحن نواجه رياحاً معاكسة قوية تتعلق بالثقة".
حظر أول تشريع اتحادي مناهض لـ"تيك توك" استخدام التطبيق على الأجهزة الإلكترونية التابعة للحكومة الأميركية، وكذلك فعل كلّ من الاتحاد الأوروبي وبلجيكا وكندا، فيما اتخذت بعض المجالس التشريعية في الولايات خطوات مماثلة، حيث حُظر أو مُنع استخدام تطبيق "تيك توك" على أجهزة الموظفين الحكوميين في 25 ولاية، حتى شمل الحظر في بعض الولايات موظفي المدارس الرسمية وشبكات "واي فاي" في الجامعات.
لكن في جامعة تكساس في أوستن مثلاً، سرعان ما اكتشف مستخدمو "تيك توك" في الحرم الجامعي في يناير طريقة للالتفاف على الحظر. قالت غرايس فيذرسون، طالبة التعليم المسرحي في الجامعة، إنَّ الطلاب انتقلوا ببساطة لاستخدام باقات البيانات أو إشارة "واي فاي" مختلفة.
مع ذلك؛ أثار الحظر غضبها. إذ إنَّ فيذرسون التي لديها 26 ألف متابع، وتنشر محتوى حول المسرح الموسيقي، قارنت احتمال الحظر بإلغاء السلطات المحلية الحق بالإجهاض في الولاية.
قالت إيونا ليتيرات، الأستاذة المساعدة المتخصصة بالتواصل والإعلام وتصميم تقنيات التعليم في جامعة كولومبيا، إنَّه في حال حظر "تيك توك" في الولايات المتحدة، سيكون الأمر أشبه بانتزاع "قطعة أساسية من ثقافة الشباب".
أضافت: "نظراً لمدى جرأتهم وشجاعتهم في رفع الصوت حيال كلّ ما يعتبرونه ظلماً، وبما أنَّهم بالتأكيد سيرون قرار الحظر ظالماً؛ فأتوقَّع أن تكون ردّة فعلهم قوية".
إغضاب الناشطين على "تيك توك" ربما يكون أمراً خطراً، فهذه الفئة من الناخبين دون سنّ الثلاثين شكّلت الفئة العمرية الوحيدة في انتخابات التجديد النصفي الأميركية في 2022 التي صوّتت بمعظمها لصالح الديمقراطيين بهامش مبهر بلغ 28 نقطة، وفقاً لجامعة تافتس.
تدرك اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي هذا الواقع جيداً، فهي تملك حساباً على "تيك توك" يتابعه 320 ألف شخص، وكان بايدن قد استضاف مؤثرين على "تيك توك" في البيت الأبيض قبيل انتخابات التجديد النصفي العام الماضي.
كما أنَّ الخبراء الاستراتيجيين في الحزب الديمقراطي يعتبرون "تيك توك" مفيداً لاستقطاب الشباب الذين يميلون للحزب، ومن أجل حثّهم أيضاً على التبرع والتطوع في الحملات الانتخابية.
تفادي الانفصال
يتجاهل معظم الجمهوريين هذه المخاوف، على الأقل في العلن. قال النائب الجمهوري عن ولاية تنيسي تيم بورشيت، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إنَّه "لا يعير أي أهمية" للتبعات السياسية الناجمة عن حظر "تيك توك". لكن في الدوائر الخاصة، أقرّ بعض المسؤولين أنَّه ربما فات الأوان على حظر التطبيق بعد أن بلغ هذا القدر من الشعبية، وفقاً لمساعد جمهوري رفيع المستوى طلب عدم ذكر اسمه لأنَّه يتطرق إلى مناقشات خاصة.
في أغسطس 2020، أجرت الهيئات الناظمة التقنية في الصين تعديلاً لقائمة المنتجات التي تحتاج إلى الموافقة عليها قبل بيعها في الخارج، وشمل ذلك الخوارزميات التي تستخدمها "بايت دانس" في "تيك توك".
قالت شياومينغ لو، مسؤولة التقنية في مجموعة "أوراسيا" إنَّ الصين إنْ قبلت باتفاق البيع؛ فسيكون دافعها في ذلك أنَّه قد يساعد بكين أن تبدو داعمةً لصناعة التقنية بعد ثلاث سنوات من إخضاع القطاع الخاص في الصين إلى قيود صارمة نتيجةً لوباء كورونا، وتشديد هيئاتها الناظمة الخناق عليه.
لكنَّ بيع "تيك توك" أو حظره أو فصله عن الشركة الأم قد يستغرق عدة أشهر أو حتى سنوات. (البيع مرجّح أكثر من الطرح الأولي العام الذي لا يعدّ ضرورة مالية لـ"تيك توك"، بحسب أشخاص مطلعين على المسألة).
في نظر لجنة الاستثمار الخارجي ومنتقدي "تيك توك" في الكونغرس؛ لم يتضح بعد حجم الاستثمار الذي يتعين على "بايت دانس" بيعه حتى لا تعد مسيطرة على التطبيق.
في غضون ذلك؛ تفضّل "تيك توك" الاستمرار بمشروع تكساس بدل الخوض في عملية انفصال كاملة. كما أنَّ بعض الأشخاص المطلعين على المسألة قالوا إنَّ التوترات مع الصين دفعت بتشيو ليمزح قائلاً إنَّ منطاد التجسس أُرسل في الواقع من أجله.
طقوس عبور
في هذه الأثناء، يبدو أنَّ تشيو انتقل لتبنّي استراتيجية تواصل أكبر مع الرأي العام نظراً لضرورة هذا الأمر، وفقاً لأشخاص مطلعين على المسألة. فقد استُدعي لتقديم شهادته أمام الكونغرس في 23 مارس للحديث عن سياسة خصوصية البيانات التي تعتمدها الشركة، وممارساتها الأمنية، وعلاقتها مع الحزب الشيوعي الصيني، وتأثير التطبيق على الأطفال.
قبل وصوله، أغرقت "تيك توك" واشنطن بفيض من الإعلانات التي تسوّق للثقة بالشركة وسياسات الأمان التي تعتمدها.
عقد تشيو اجتماعات مع مصرفيين في نيويورك وميامي للاستعداد في حال اضطر لعقد صفقة كبرى. في غضون ذلك؛ حضّره فريقه لجلسات الاستجواب المحمومة في الكونغرس، بحسب أشخاص مطّلعين على المسألة.
لقد نصحوه باتخاذ موقف صلب والحفاظ على توازنه حتى لو واجه اتهامات استفزازية ومغلوطة، بحسب الأشخاص المطلعين. وقد دعوه ليكون مستعداً للمعركة دون أن يبدو دفاعياً بشكل مفرط، بل أن يترك الوقائع تتحدث عن نفسها.
لكن إذا لم ينجح النهج الذي اتبعه في شهادته، قد تضطر "تيك توك" لاتباع سياسة هجومية لتضمن بقاءها، إذ قد تلجأ لمساواة فرض قيود على التطبيق بالرقابة، أو اعتباره تصرفاً عنصرياً ضدّ الأسيويين، ونقل المعركة من واشنطن إلى معركة رأي عام، بحسب شخصين مطلعين على المسألة.
ناقش كبار قادة "تيك توك" في 14 مارس مسألة جلسة الاستجواب مع الموظفين في الشركة. وقد شبّه أحد المقربين من "تيك توك"، رفض كشف اسمه لمناقشته قضايا داخلية، ما يجري بجلسات استجواب كبار قادة التقنية الأميركيين أمثال مارك زوكربيرغ. وقال: "إنَّها طقوس لعبور الشركات في قطاعنا... وقد حان دورنا".