بلومبرغ
يحرق العالم مزيداً من الفحم منذ عمّت الفوضى أسواق الطاقة العالمية جرّاء حرب روسيا في أوكرانيا، وقد جلب ذلك أرباحاً قياسيةً بلغت 34 مليار دولار لشركة السلع العملاقة ”غلينكور“ العام الماضي.
لا يجد رئيسها غاري نيغل حاجة للاعتذار عن أن أكثر من نصف تلك المكاسب غير المتوقعة جاءت من الفحم. وهو في الوقت نفسه يريد أن يركز المستثمرون على المعادن اللازمة لمستقبل يعمل بالبطاريات، وهي النحاس والكوبالت والنيكل.
قال نيغل: "يتوجب علينا التحول… إنها مسؤولية على جميع المشاركين في هذا القطاع". لكن لن يكون التحول عن الفحم سريعاً تحت قيادة نيغل، الذي تولى زمام المسؤولية في 2021.
عندما التزم العالم بأهداف المناخ في باريس وبدأ المستثمرون يحثون قادة الشركات على تبني القضايا البيئية، اقترحت “غلينكور“ خروجاً تدريجياً من تعدين الفحم، بينما وعد منافسوها الرئيسيون ”بي إتش بي غروب“ (BHP Group) و“أنغلو-أميركان“ (Anglo-American) بخروج سريع.
قال نيغل في قاعة اجتماعات بمقر ”غلينكور“ قرب بلدة تزوغ السويسرية الواقعة على ضفاف بحيرة: "الفحم وقود ضروري في يومنا هذا… إنه يوفر طاقة حمل أساسية ثابتة خاصة للعالم النامي".
تنافس الفحم تقليدياً مع النحاس على ريادة أرباح ”غلينكور“. كان ارتفاع أسعار الفحم العام الماضي سبباً بأنه ساهم بمبلغ 17.9 مليار دولار مقارنة مع 5.7 مليار دولار جلبها النحاس.
لقد أثارت استراتيجية ”غلينكور“ المتمثلة بالتمسك بالفحم أثناء السعي وراء سلع المستقبل انتقادات، وسيستمر دعاة حماية البيئة والمستثمرين على حد سواء بإدانة أرباح الفحم ومع تزايد تأثيرات تغير المناخ.
قال تايلر برودا، محلل التعدين لدى ”آر بي سي كابيتال ماركتس“: "إنه وضع صعب… سيكون هناك نوع من الضغط المستمر على الشركة، هل تتجه للتنويع بعيداً عنه أو الاستمرار باستراتيجيتها".
خلفية رئيس "غلينكور"
مارس نيغل، 48 عاماً، أعمالاً في مجال الفحم لدى ”غلينكور“ على مرّ عقدين وهو يسير على خطى بعض أنجح تجار السلع، ومنهم سلفه إيفان غلاسنبرغ الذي أدار أيضاً أعمال الفحم قبل أن يصبح رئيساً تنفيذياً في 2002.
بعد طرح الشركة للاكتتاب العام في 2011، الذي جعل غلاسنبرغ وشركاءه من أصحاب المليارات، اشترت ”غلينكور“ شركة التعدين ”زستراتا“ (Xstrata) ودخلت الطبقة العليا من القطاع.
حصل نيغل على شهادة في المحاسبة من جامعة ويتوترستراند في جوهانسبرج، وهي ما درسه غلاسنبرغ في 1999. قابل غلاسنبرغ نيغل ليقيمه قبيل توليته منصباً في غلينكور. استمر الاجتماع سبع دقائق فقط و حصل نيغل على الوظيفة، وقرر الانتقال إلى سويسرا للانضمام إلى شركة لم يسمع بها قبل أن يدعوه غلاسنبرغ.
بعد عديد من الوظائف في قسم الفحم، انتقل نيغل إلى كولومبيا في منتصف العقد الأول من هذا القرن، حيث طور منجم برديكو السطحي الكبير في شمال البلاد. أدار لاحقاً أعمال خلائط الحديد في جوهانسبرغ قبل أن ينتقل إلى سيدني ليصبح الرئيس العالمي لتعدين الفحم. اتصل به غلاسنبرغ في 2020 ليبلغه بأنه يريده أن يخلفه رئيساً تنفيذياً.
عندما تولى نيغل المنصب، كانت ”غلينكور“ غارقة في تحقيقات فساد قادتها وزارة العدل الأميركية وألقت بظلالها على سنوات غلاسنبرغ الأخيرة في الشركة. ركزت التحقيقات على مزاعم رشى في عديد من البلدان منها فنزويلا ونيجيريا.
أقرت الشركة بمسؤوليتها العام الماضي وخصصت 1.5 مليار دولار لتغطية الغرامات. قال نيغل: ”بات هذا ماضياً بالنسبة للشركة ، لكنه ليس منسياً"، في إشارة إلى الدروس المستفادة مما حدث والسياسات الجديدة التي سنّتها ”غلينكور“ لتتجنب الوقوع في مشكلات مجدداً.
تبعات المخالفات
ستمضي ”غلينكور“، التي تواجه تحقيقات مماثلة في سويسرا وهولندا، السنوات الخمس المقبلة تحت المراقبة في الولايات المتحدة وفيها مراقبون قانونيون معينون للتأكد من أن ممارسات الشركة مناسبة. كما ألغت ”غلينكور“ استخدام وكلاء خارجيين للتوسط في الصفقات وأصلحت إجراءات الامتثال والتدريب لديها.
بالنظر إلى المشكلات التي سببها "مكتب النقد" سيئ السمعة، حيث يمكن للمتداولين أن يطلبوا فيه رزماً من فئة 100 دولار، فإن الشركة "تخلصت من النقد“. قال نيغل: "حتى إن كنت ذاهباً في رحلة عمل وتحتاج نقوداً لتدفع تكاليف سيارات الأجرة وتحتاج إلى 200 دولار، فلا يمكنك الحصول عليها. عليك أن تستخدم مالك الخاص“.
قال نيغل إنه يتوقع أن تستمر الأرباح في الارتفاع، إذ لن يكون هناك تخفيف يُذكر من ارتفاع أسعار الطاقة التي ساعدت بدفع التضخم. قال: "ما يزال العالم في أزمة طاقة".
لتسهيل التحول في قطاع الطاقة، تتطلع أكبر شركات التعدين إلى النحاس، وهو مكون أساسي في التقنيات اللازمة للتخلص من الكربون مثل المحركات الكهربائية ووصلات الشبكة لمزارع الرياح البحرية.
تتوقع ”غلينكور“ أنه ينبغي زيادة إنتاج النحاس ثلاث مرات تقريباً بحلول 2040 إن كان العالم سيحقق أهداف انبعاثات الكربون الصفرية. سيؤدي هذا الانفجار في الطلب إلى رفع أسعار النحاس بنحو 15% إلى أكثر من 10 آلاف دولار للطن، وستستمر عند هذا المستوى، حسب اعتقاد نيغل.
قال إن ”غلينكور“ يمكنها مضاعفة إنتاجها من النحاس إلى مليوني طن سنوياً عبر توسيع مناجم وافتتاح أخرى. يُعد هذا إلى حد ما خروجاً عن سياسة ”غلينكور“ طويلة الأمد التي تُبنى على الاستحواذ على مواقع قائمة أو توسيعها بدل السعي لإقامة مشاريع جديدة، على أساس الاعتقاد بأن هذا الأخير كان مكلفاً جداً وأن إضافة إمدادات جديدة ربما تخفض الأسعار.
تحديات التحول
يحذّر بعض المحللين من أن هوامش أرباح ”غلينكور“ الكبيرة معرضة للخطر إذ تواجه أعمال التعدين ارتفاعاً في التكاليف نتيجة التضخم والتحديات التشغيلية التي حدّت من الإنتاج، بما في ذلك الفيضانات وقضايا جيوتقنية.
قال جورج تشفيلي، مدير محفظة في ”ناينتي ون يو كيه“ (Ninety One UK) في لندن التي تمتلك أسهماً في ”غلينكور“: "بإمكانهم تحسين إدارة هذه العمليات". أضاف أن عمل نيغل كان جيداً حين تولى المسؤولية من غلاسنبرغ، وهو شخصية كبيرة، ونقل ”غلينكور“ بعيداً عن أن تدار مثل "شركة عائلية شبه خاصة".
مع ذلك، ما يزال يتعين على ”غلينكور“ أن تُحسن أداءها بشأن موازنة مقدار الاهتمام الذي توليه لأعمالها التجارية، التي تستند إلى ظروف السوق قصيرة الأجل، والعمل طويل الأجل لإدارة المناجم بأكبر قدر ممكن من الكفاءة.
قال تشيفيلي: "أشعر أحيانًا أنهم لم يفهموا هذا بشكل صحيح تماماً: التوازن بين العمليات والتداول".
تتطور ”غلينكور“ ببطء تحت قيادة نيغل. تضم مكاتب الشركة في تزوغ مقهى على الطراز السائد في سياتل، حيث يمكن للموظفين العمل فيما يحتسون لاتيه وفيها أيضاً صالة رياضية تُستخدم طوال ساعات العمل العادية. تلك أنشطة ما كان غلاسنبرغ ليكبتها حين كان رئيساً. قال نيغل: "إنني أدير الأمور بشكل مختلف عن إيفان… أنا صاحب شخصية مستقلة متفردة".