بلومبرغ
يعتزم مسؤولون محليون في مدينة هامبورغ الألمانية أن يغلقوا محطة "تيفستاك" (Tiefstack) لتوليد الكهرباء بحرق الفحم على بعد 8 كيلومترات شرقاً من تلك المدينة الساحلية. يتطلب تعويض إنتاج المعمل اعتماد مجموعة حلول صغيرة قد يكون أحدها تسخير الحرارة المهدورة الناتجة عن مصاهر الصلب ومسابك الألمنيوم لتسخين المياه ثمّ تخزينها على عمق حوالي 1.6 كيلومتر تحت الأرض.
قالت كيرستين فوست، كبيرة مهندسي شركة الكهرباء المحلية "إنيرجي فيركي هامبورغ" (Energiewerke Hamburg) إن "هذه الفكرة مطروحة منذ اختراع قارورة الثيرموس لحفظ الحرارة والبرودة".
من خلال اعتماد هذه التقنية التجريبية المتمثلة بتخزين الطاقة الحرارية الجوفية، تُضخّ المياه الساخنة على عمق 1300 متر تحت سطح الأرض، ثمّ يُعاد استخراجها حين تستدعي الحاجة لتُستخدم في شبكة الإمدادات البلدية المعروفة بالتدفئة الحضرية المركزية. في حال سارت كافة الأمور وفق المخطط، فإن هذه التقنية ستصبح قادرة على تدفئة أكثر من 13 ألف منزل بحلول العام المقبل.
العودة إلى الفحم كبدت العالم ثمناً فادحاً في أزمة المناخ
بديل عن البطاريات
يُعدّ تخزين الطاقة عنصراً أساسياً في أي عملية تحوّل نحو اقتصاد منخفض الكاربون. إذ لا تولد مصادر الطاقة المتجددة الأساسية من عنفات رياح وألواح شمسية الكهرباء إلا حين تهبّ الرياح أو تسطع الشمس.
بالتالي، لا بدّ أن تواكبها معامل كهرباء تقليدية يمكن تشغليها أو وقفها عن العمل لتلبية الطلب حسب الحاجة، أو بأنظمة تخزين. ومع أن البطاريات هي الحلّ البديهي، إلا أنها باهظة التكلفة، ما دفع للبحث عن بدائل أرخص ثمناً يمكن أن تؤمّن الكهرباء والتدفئة عند الحاجة، مثل المخازن الحرارية التي تحفظ الحرارة الفائضة الناجمة عن القطاع الصناعي.
هامبورغ لديها بعض منشآت التخزين الحرارية فوق الأرض، وهي صهاريج ضخمة مغلفة بمواد عازلة وهي مملؤة بمياه مُسخّنة بواسطة كهرباء فائضة عن حاجة الشبكة تولّدها عنفات الرياح. لكن ترى فوست أن التخزين تحت الأرض يقدم حلاً أبسط وأكثر كفاءة على صعيد الطاقة، من شأنه أن يفرّغ مزيداً من المساحات على الأرض.
يعتمد نجاح المشروع على عدد التجويفات الموجودة في الصخر وعلى سماكة الطبقات الأرضية في أعماق الأرض، وهذا هو ما يحدد كمية المياه القابلة للتخزين. قالت فوست: "كلما كانت الصخور أفضل، زادت قدرتها على امتصاص الحرارة".
تسخين المياه
أنجزت المدينة الحفرة الأولية للمشروع بتكلفة حوالي 10 ملايين يورو (10.7 مليون دولار) فقط، فيما يجري علماء جيولوجيون اختبارات على الصخور. في حال تبين أنها على مستوى توقعاتهم، سيحفرون حفرة ثانية، ما يتيح مرور المياه عبر التمديدات. ستُضخّ مياه بحرارة 45 درجة مئوية نحو السطح خلال الصيف من خلال بئر سبر واحدة، حيث تُسخّن لتبلغ حرارتها 90 درجة مئوية فيما تمر عبر المصانع المجاورة، ثم يُعاد ضخّها إلى الأسفل مجدداً عبر مسامات الصخور الرملية من خلال بئر سبر ثانية. يُتوقع أن تكون بنية الصخور قادرة على احتواء أكثر من 100 مليون ليتر من المياه والحفاظ عليها عند حرارة 70 درجة مئوية حتى موسم البرد، وحينها يمكن إعادتها إلى السطح لاستخدامها ضمن شبكة التدفئة الحضرية.
يعدّ معمل "تيفستاك" أكبر محطة كهربائية عاملة على الفحم في هامبورغ، وتصل سعة إنتاجه إلى 300 ميغاواط من الكهرباء و190 ميغاواط من الطاقة الحرارية المستخدمة لتدفئة المباني في الأحياء المجاورة للمعمل.
بما أن ألمانيا تسعى إلى الاستغناء عن الفحم بحلول 2030، فإن المدن على امتداد البلاد تراقب ما يحصل، حيث تتسبب تدفئة المنازل والمباني بحوالي ثلث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن الطاقة في ألمانيا.
التدفئة الحضرية
تشكّل التدفئة الحضرية المركزية التي توزع البخار والمياه الساخنة للعديد من المباني من خلال شبكات من الأنابيب المغلفة بطبقة عازلة، جزءاً أساسياً من عملية التحوّل في مجال الطاقة. فهي تغطي 5.5 مليون منزل في ألمانيا، بواقع 13% من إجمالي المنازل، فيما تخطط الحكومة والمرافق المختلفة لتوسيع هذه التمديدات.
قال مايكل كيلنير، نائب الوزير لشؤون الاقتصاد والمناخ في 6 مارس خلال مراسم افتتاح مشروع توسيع هذه التقنية نحو مدينة نويروبين التي تضمّ 30 ألف نسمة وتقع على مسافة ساعة بالسيارة شمال برلين: "التدفئة الحضرية تلعب دوراً رئيسياً في جعل إمدادات التدفئة محايدة على صعيد غازات الدفيئة".
قالت عالمة الجيولوجيا إنغريد ستوبر من جامعة "فرايبورغ" إن ألمانيا تملك عدداً من المناطق يمكن فيها الاستفادة من مثل هذه المنشآت، مشيرةً إلى وجود واحدة منها تحت مبنى البرلمان في برلين.
أوضحت أن التخزين تحت الأرض أكثر كفاءة بأشواط من التخزين على السطح بما أن المياه تبرد بسرعة أكبر بكثير فوق الأرض. أضافت: "في الأنظمة الجوفية، تُحفظ الحرارة تحت الأرض، ما يلبّي الحدّ الأدنى من الطلب على التدفئة، كما أن حجم تلك الخزانات أكبر".