صناعة الملابس الأميركية لا تجد مناصاً عن الصين

لا تجد العلامات التجارية إلا قليلاً من المصانع خارج الصين يمكنها الإنتاج بالجودة والكمية المطلوبة

time reading iconدقائق القراءة - 18
لاني سميث، مؤسس \"أكتيفلي بلاك\" - المصدر: بلومبرغ
لاني سميث، مؤسس "أكتيفلي بلاك" - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تعاقد لاني سميث مع مصانع في الصين لإنتاج ملابس رياضية لعلامته التجارية حين أسس شركة "أكتيفلي بلاك" (Actively Black) في 2020. بحث عن بديل في مكان آخر العام الماضي حين أقلقته تأخيرات الإنتاج الناجمة عن الإغلاقات في الصين درءاً لتفشي "كوفيد".

شحن سميث عينات إلى وكيل لسلسلة التوريد كان قد أكد له أن هناك بدائل في أميركا اللاتينية، لكن سميث، 38 عاماً، وهو نجم كرة سلة سابق من فريق جامعة هيوستن، قال: "فاجأني ردّه في اليوم التالي، فقد قال: لن تجد أي جهة يمكنها أن تكون بديلاً في النصف الغربي من العالم".

أصبح الشراء من الصين أصعب على شركات أميركية مثل "أكتيفلي بلاك" في السنوات الأخيرة بسبب زيادة التعرفة الجمركية وتعثر سلاسل التوريد وإغلاق المصانع بموجب سياسة "صفر كوفيد" التي اتبعتها بكين، وكذلك التوتر الجيوسياسي المتزايد الذي أجبر مجتمع الشركات الأميركي على التفكير في تداعيات احتمال غزو ​​تايوان.

دفعت هذه المخاوف مزيداً من الرؤساء التنفيذيين للتعهد بخفض اعتمادهم على مورّدين صينيين، لكن تجنّب الصين ليس سهلاً، إذ تمحور معظم التقدم حول صناعات مثل أشباه الموصلات التي يعتبرها المشرعون الأميركيون حيوية للأمن القومي.

يجد مصنعو المنتجات منخفضة التكلفة وهامش الربح، مثل الملابس والأحذية والأدوات المنزلية والأمتعة، أن عدداً قليلاً من المصانع خارج الصين لديه الآلات أو القوى العاملة الماهرة التي يُعتمد عليها على سبيل المثال لتنفيذ ما تُسمى الغرزة المسطحة دقيقة العُقدة، التي يتطلبها صنع حمّالات الصدر الرياضية والسراويل القصيرة التي تمنع تسبّب تهيج البشرة وتنتجها "أكتيفلي بلاك".

بناء قدرات

أنفقت الصين مئات مليارات الدولارات منذ التسعينيات كي تتحوّل إلى مركز رئيسي للتصنيع على مستوى العالم. تمتلك مصانعها الآلات والخبرات اللازمة لإنتاج منتجات عالية الجودة بحجم وسرعة تصعب منافستهما.

تمارس الشركات الصينية، الممتدة على مسافة 130 كيلومتراً بين شنجن إلى غوانغزو، أنشطة النسج والصبغ والخياطة والتقليم ونقش العلامات والتغليف لأي شيء، من القمصان إلى البدلات الرسمية.

يأتي ذلك ثمرة لاستثمارات الصين في إنشاء طرق سريعة وسكك حديدية ومراكز السفر الجوي والموانئ، التي أتاحت مسارات سلسة تنتقل على امتدادها البضائع من بوابة المصنع إلى المستهلكين في جميع أنحاء العالم.

قال كيرت كافانو، الرئيس التنفيذي لشركة "نيمبلي" (Nimbly)، وهي منصة برمجيات تربط العلامات التجارية للملابس بالمصانع والموردين: "أدت عشرون عاماً من تركيز الصين على التصنيع إلى خلق هذا الوضع، ويصعب فعلاً الاستغناء عنها والانتقال إلى أماكن أخرى من العالم".

رغم التوترات المتزايدة، ماتزال حركة التجارة بين الولايات المتحدة والصين مزدهرة. استوردت الولايات المتحدة بضائع صينية بقيمة 537 مليار دولار في 2022، أي أقل بقليل من رقم 539 مليار دولار القياسي المسجّل في 2018.

بالنسبة إلى الملابس، ما تزال الصين أكبر مُصدّر إلى الولايات المتحدة، حيث تجاوزت صادراتها 10 مليارات وحدة في العام الماضي وحده، أي حوالي ضعف ما حصلت عليه أميركا من فيتنام التي تحتل المرتبة الثانية، وفقاً لوزارة التجارة الأميركية.

غالبية موردي شركات "ليفي ستراوس" (Levi Strauss) و"نايكي" (Nike) و"في إف" (VF) مالكة "نورث فيس" (North Face) هم من الصين، التي ما تزال المصدر الأول لما يشتريه الأميركيون من أثاث ومفروشات ومصابيح وألعاب ومعدات رياضية، وفقاً لأحدث البيانات الحكومية الأميركية.

مغريات جاذبة

المزايا التي تقدمها الصين هائلة لدرجة أن بعض الشركات الأميركية التي حاولت الإبتعاد تراجعت فأعادت على الأقل جزءاً من التصنيع إليها. لقد حوّلت شركة "ستيفن مادن" (Steven Madden) لصناعة الأحذية والإكسسوارات تصنيع حوالي نصف حقائب اليد التي تنتجها من الصين إلى كمبوديا في السنوات الأخيرة، لتنويع المصادر والاستفادة من الرسوم المنخفضة. لكن مزايا الرسوم هذه انتهت صلاحيتها في 2020، ولم يجدد الكونغرس ذلك البرنامج.

قال إد روزنفيلد، رئيس "مادن" التنفيذي: "هذا الوضع أبطأنا وفي بعض الحالات قادنا لعكس مسار تحويل الإنتاج إلى خارج الصين".

رغم أنه معتاد من المشرّعين أن يعيدوا اعتماد تخفيضات التعرفة بعد أن ينتهي أمدها في نهاية المطاف، فإن عدم اليقين يصعب على الشركات الالتزام بمغادرة الصين. قال ستيف لامار، الرئيس التنفيذي، لجمعية صناعة الملابس والأحذية الأميركية، التي تضم 600 تاجر تجزئة ومورد تقريباً: "بدأ الكونغرس نقاشاً بشأن التنويع، لكنهم لم يقدموا أي نوع من التوجيهات الواضحة أو التي يمكن توقعها أو الوصفات السياسية حول كيفية الاستمرار به".

عندما تنتقل الشركات إلى خارج الصين، غالباً ما ينتهي بها الأمر بالعمل مع موردين تملكهم شركات صينية، أو أن يجلبوا مكونات ومواد من الصين.

حوّل توماس نيكولز، رئيس "بريتيكا" (Pretika)، التي تصنّع أجهزة عناية بالبشرة، إنتاج بعض فُرَش الوجه الكهربائية تجريبياً من الصين إلى ماليزيا. لكن البطاريات والمحركات والأجزاء الأخرى للفُرَش ما تزال تأتي من الصين.

رغم أن تكلفة كل عنصر يُرجح أن تكون أعلى بسبب إضافة خطوة هي استيراد قطع غيار من الصين، إلا أنه يهدف لأن يبدأ بشحن الفُرَش المصنوعة في ماليزيا إلى مستهلكي الولايات المتحدة هذا الصيف. قال نيكولز: "لقد تمكنت الصين من إنجاز فعّال جداً لتضمن إنتاجاً على مستوى عالمي وإيجاد إمدادات للمكونات داخل البلاد".

مواجهة الهيمنة

قد تُصعّب هيمنة بعض الموردين الصينيين إيجاد بدائل. تنتج مجموعة "تيكسهونغ إنترناشونال" (Texhong International) لتصنيع المنسوجات مع عشرات من تابعاتها زهاء ثلثي الصادرات العالمية من المواد المستخدمة في صناعة الأنسجة القطنية المرنة، وفقاً لشركة الأبحاث "أتلانتا تكنولوجيز" (Altana Technologies).

بيّن ليو بوناني، الرئيس التنفيذي لشركة استشارات سلاسل التوريد "سورس ماب" (Sourcemap)، أن تقييد التشريعات الأميركية والأوروبية استخدام قطن منطقة شينجانغ شمال غرب الصين بسبب انتهاكات حقوق الإنسان فيها يزيد الأمر تعقيداً.

قال إنه غالباً ما يَصعب التعرف على مصدر المواد، كما أن البدائل ليست متاحة دائماً بسهولة. أضاف: "يمكن أن تستغرق المهمة الفعلية لإعادة تصميم سلاسل توريد لتلبية هذه المعايير عدة أشهر بعد الاكتشاف الأولي لثغرة".

يأتي جزء من الصعوبات من أنَّ كثيراً من الشركات الصينية أقامت منشآت في الخارج لتنويع إنتاجها والاستفادة من انخفاض تكاليف العمالة. لقد استثمرت مجموعة "شينزو إنترناشونال"(Shenzhou International) العملاقة في صناعة الملابس في فيتنام وكمبوديا بكثافة، فبات حوالي نصف مصانعها فقط قائماً في الصين، انخفاضاً من 90% في 2013.

لكن يعتمد المصنّعون الصينيون عادة على الشبكة الكثيفة نفسها من الموردين، التي تبقي الشركات الأميركية لديهم. قالت فيكي وو، صاحبة مصنع ملابس يضم أكثر من 60 عاملاً في وسط مدينة غوانجو: "تخيل أنك تريد اكسسوارات تكفي 100 قميص بأكمام قصيرة. سيتسنى لك جلبها من خلال متجر في نفس الشارع. رغم انخفاض تكاليف العمالة في أماكن أخرى، لا يمكننا ترك هذه المنظومة".

جهود سياسية

تحاول نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس تعزيز الاستثمار في أميركا الوسطى لمواجهة هيمنة الصين وخلق فرص عمل من شأنها أن تساعد في وقف الهجرة من المنطقة إلى الولايات المتحدة.

يقول البيت الأبيض إن جهودها أسفرت عن التزامات استثمارية تزيد عن 4 مليارات دولار. فقد تعهدت شركة "كولومبيا سبورتس وير" (Columbia Sportswear) بشراء منتجات تصل قيمتها إلى 200 مليون دولار من مصانع في أميركا الوسطى على مدى السنوات الخمس المقبلة.

ربما تكون هذه المنتجات ملابس رياضية بسيطة مثل قمصان الصيد، كما يقول بيتر براغدون، كبير المسؤولين الإداريين في "كولومبيا"، لأن المنطقة تفتقر لتنوع الأقمشة والخيوط والمواد الأخرى المتاحة في آسيا. قال إن النمو هناك "حدث على مدى عقود. ولن يحدث مثل هذا بين عشية وضحاها في أي مكان آخر".

ترافق البدائل تعقيدات سياسية واقتصادية مرتبطة بها. لقد نقلت شركة "هاغار كلوذينغ" (Haggar Clothing)، وهي إحدى أكبر شركات صناعة السراويل الرجالية بالولايات المتحدة، حوالي 5% من إنتاجها من آسيا إلى كينيا وإثيوبيا منذ عدة سنوات. لكن المصانع الكينية استغرقت وقتاً طويلاً لجلب الأقمشة، فيما فقدت إثيوبيا مكانتها كدولة تحظى منتجاتها بإعفاءات رسوم جمركية في الولايات المتحدة في 2022 بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان خلال الحرب الأهلية في البلاد، لذا توقفت "هاغار" عن الإنتاج في كلا البلدين.

مع ذلك أبدى توني أنزوفينو، رئيس التعهيد في الشركة، إعجابه بالمصانع الإثيوبية، قائلاً: "سأعود إلى هناك بمجرد عودة وضع الإعفاء من الرسوم الجمركية".

رغم أن "هاغار" تُخيط نسبة محدودة من منتجاتها في الصين، فإنها تحصل على حوالي 20% من موادها الخام منها، وهذا انخفاض بما بين 60% و70% قبل خمس سنوات، لكن الأقمشة الصينية ما تزال ضرورية لصناعة سراويل وملابس "هاغار".

قال أنزوفينو: "ما تزال الصين العمود الفقري فيما يتعلق بالنسيج. يجد الجميع صعوبة في نقل كثير من الأنشطة إلى خارج الصين لأنها تصنع كثيراً من الأشياء بجودة، لأنها لديها الخبرة والمعدات".

تصنيفات

قصص قد تهمك