"سويفل".. يونيكورن شرق أوسطية تتردى من قمة شامخة

بلغت الشركة الناشئة التي تشبه "أوبر" للحافلات بورصة ناسداك فيما تراجع الاستثمار في التقنية

time reading iconدقائق القراءة - 9
صورة تعبيرية عن تراجع قيمة \"سويفل\" السوقية بنسبة 99% - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن تراجع قيمة "سويفل" السوقية بنسبة 99% - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أشرق برج خليفة في دبي، أطول مباني العالم، بإضاءة حمراء زاهية لبرهة وجيزة في يوليو 2021، فيما تسلقت واجهته صعوداً عبارة كتبتها الأضواء معلنة: ”إدراج أول شركة يونيكورن في الشرق الأوسط بقيمة 1.5 مليار دولار في بورصة ناسداك”.

كان ذاك تسويقاً مبهراً لشركة ”سويفل“ (Swvl) بطموحها الجامح لتكون مزيجاً من تطبيق لطلب وسيلة تنقل وخدمة حافلات صغيرة للمدن في جميع أنحاء العالم.

لكن سهم الشركة، التي تتخذ من دبي مقراً لها، هوت قيمته بأكثر من 99%، بعد عشرين شهراً من ذلك، وتعكس قيمتها السوقية الحالية التي تناهز 9 ملايين دولار هزالها مقارنة بتقييمها الذي فاق مليار دولار ومنحها تصنيف شركة يونيكورن.

"الموجة الثانية" لتسريح الموظفين ملاذ "سويفل" المصرية للتحول إلى الربحية

انهارت في يناير صفقة لشراء شركة النقل التركية ”فولت لاينز“ (Volt Lines)، تعتمد على أن يدفع جزء كبير من قيمتها عبر أسهم في ”سويفل“.

بعد أن ذُكِرت كرمزٍ لروح الشركات الناشئة في الشرق الأوسط، تحول حال "سويفل هولدينغز" فأصبحت مثالاً جديداً على المبالغات في قطاع التقنية وعلى سرعة انحسار أموال المستثمرين بمجرد تغييب معدلات الفائدة فائقة التدني.

كما أظهر حالها هذا مخاطر محاولة بناء شركة ممتدة عبر أسواق ناشئة معرضة لصدمات تفاوت العملات في ظل ارتفاع الدولار.

فكرة واعدة

تأسست ”سويفل“ في القاهرة على يد مصطفى قنديل، المدير التنفيذي السابق لدى شركة ”روكيت إنترنت“ (Rocket Internet) وأحمد صباح ومحمود نوح. لقد أنشَؤُوا الشركة لتكون حلاً يتيح بديلاً للتنقل بعيداً عن الاعتماد على النقل العام لمن لا يمكنهم أن يدفعوا تكاليف خدمات النقل التشاركي. كانت فكرتهم تتمثل بتسيير حافلات كبيرة وصغيرة على طرق معينة، بحيث يمكن للمستخدمين حجز رحلة فيها عبر تطبيق.

كانت أيامها الأولى واعدة، فقد جمعت ”سويفل“ نحو 100 مليون دولار في عدة جولات تمويل من ”بيكو كابيتال“ (Beco Capital) و“في إن في غلوبال“ (VNV Global) و”دياغمي إنفستمنت“ (Digame Investment) و“أرميستيك كابيتال“ (Armistice Capital) ومستثمرين آخرين.

شركات أفريقيا الناشئة تتحدى نقص التمويل بالاستدانة

أول المساهمات كانت 500 ألف دولار من شركة ”كريم“ (Careem)، التي تتخذ من دبي مقراً، وهي شركة لنقل الركاب استحوذت عليها ”أوبر تكنولوجيز“ لاحقاً.

افتتحت ”سويفل“ مكتباً في دبي في 2019 لقيادة توسعها الدولي، فيما أبقت على قاعدتها التقنية والتشغيلية في مصر. لقد استأجرت مساحة في مبنى راقٍ يضم مستأجرين منهم ”بي إم دبليو“ و“رولز رويس“.

مرحلة الإدراج

ترك المؤسسون المشاركون قنديل مع مرور الوقت، فقد غادر نوح "سويفل" ليقيم شركة ”كابيتر“ (Capiter) للتعاملات التجارية بين الشركات وهي رهن إعادة هيكلة حالياً، أما صباح فمضى ليشارك بتأسيس شركة التقنية المالية الناشئة ”تيلدا“ (Telda).

عندما أرادت ”سويفل“ أن تتحول إلى شركة عامة، أبرمت صفقة للاندماج مع "كوينز غامبيت غروث كابيتال“ (Queen’s Gambit Growth Capital)، وهي شركة استحواذ ذات أغراض خاصة. كان هذا النوع من الشركات، التي تسمى أيضاً "شركات الشيكات على بياض"، طريقة رائجة للإدراج في البورصة.

شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة هي شركات عامة لا عمل لها سوى اختيار شركة خاصة للاندماج معها، وترث تلك الأخيرة إدراج الأولى.

قُيّمت الصفقة ”سويفل“ بـ1.5 مليار دولار، فأصبحت فجأة إحدى أكبر الشركات الناشئة في المنطقة، وتحصلت الشركة عبرها على ما يفوق 160 مليون دولار بالإضافة إلى مكانة الإدراج في ناسداك.

تحقيق الطموح

كانت ”سويفل“ تعزم التمدد عبر القارات، فقد كانت تعمل في كينيا وباكستان، وتوسعت إلى المكسيك العام الماضي. بعد إعلان اتفاقها مع ”كوينز غامبيت“، قالت الشركة، التي كانت تكسب حينها إيرادات سنوية إجمالية بنحو 55 مليون دولار، إنها تتوقع أن تجني مليار دولار سنوياً في غضون أربع سنوات.

كانت تصرف رواتب سخية وكانت الأسفار من المغريات التي أبرزتها إعلانات شواغر مناصبها، حسب مسؤول تنفيذي سابق في الشركة طلب عدم كشف هويته بسبب التزامه باتفاقية عدم إفشاء. لقد استقطبت”سويفل“ يوسف سالم، وهو مصرفي مرموق من ”مويليز أند كو“ (Moelis & Co)، ليكون مديرها المالي.

"مبادلة" تسبح عكس التيار وتضخ المليارات بشركات التكنولوجيا

اشترت ”سويفل“ في 2021 منصة ”فيابول“ (ViaPool) المعنية بالنقل للشركات ومقرها في الأرجنتين لتتوسعها في أمريكا اللاتينية. كما استحوذت في العام التالي على شركة ”دور تو دور“ (Door2door) للتنقل التي تتخذ من برلين مقراً. كما وسّعت عملياتها في نيوم، مدينة النصف تريليون دولار الحديثة ذات التقنية العالية في المملكة العربية السعودية.

قال علي الحلبي، مؤسس شركة ”فولت لاينز“، إن توسع "سويفل" كان "فائق الذكاء... كانت تتجه لتصبح (أوبر) للحافلات“.

رياح معاكسة

بينما كانت "سويفل" في مسار صعود، كانت عوامل الاقتصاد تتكالب عليها لإسقاطها. دفع التضخم في الولايات المتحدة مجلس الاحتياطي الفيدرالي لأن يبدأ رفع أسعار الفائدة في مارس 2022، وثبّط ارتفاع تكلفة الأموال المستثمرين عن دعم الشركات الناشئة المحفوفة بالمخاطر. كما صعّب انخفاض الجنيه المصري الأحوال على ”سويفل“ التي قامت بكثير من أعمالها في مصر.

قالت الشركة في مايو إنها ستخفض قوتها العاملة بنسبة 32% لتجعل تدفقها النقدي إيجابياً، وبدأ سهمها يهوي في الصيف. ثم أعلن قنديل في 25 نوفمبر عن خطط لتسريح أكثر من نصف قوة العمل، وبيع أو توقيف أو تقليص بعض العمليات في "البلدان الأصغر" للتركيز بشكل أساسي على مصر والمكسيك.

"سويفل" المصرية "واثقة" من تجنب الشطب من "ناسداك" وتحقيق الربحية في 2023

لم يكن ذلك كافياً، فبعد خمسة أسابيع شكلت ”سويفل“ لجنة خاصة من مديرين مستقلين لاستكشاف تخارجات واندماجات محتملة وما سوى ذلك من خيارات.

ارتفع سهم الشركة بحدة لفترة وجيزة بعد ذلك الخبر، لكن الدفع لم يدم.

حتى أن إدراج الشركة في بورصة ناسداك بات جزءاً من تأزم المشهد، فقد لاح خطر فقدان ذاك الإدراج، لأن السهم كان يُتداول باستمرار عند أقل من دولار. بعد حلّ ذلك عبر دمج أسهم، حوِّل كل 25 سهماً إلى سهم واحد، أصبح سهمها يُتداول عند حوالي 1.70 دولار.

حماسة رغم الإحباط

قال بير بريليوث، العضو المنتدب لشركة ”في إن في غلوبال“، وهي إحدى المساهمين الرئيسيين في ”سويفل“، في مكالمة نهاية العام مع مستثمري شركته: “استفادة مما يدرك بعد مرور الوقت، لم يكن يتوجب أن تصبح هذه الشركة عامة… ”كما لاحظتم فأن أداء سهم (سويفل) سار تماماً عكس ما ينبغي“.

أضاف بريليوث أنه ما يزال "متحمساً لأعمالها الأساسية في الأسواق الناشئة". تتطلع ”سويفل“ الآن لتتحصل على رأس مال جديد من المستثمرين، بينما تظل مدرجةً في البورصة، وفقاً لشخص مطلع على الأمر طلب عدم نشر اسمه لأن المعلومات سرية.

كانت الشركة حتى وقت قريب تبحث عن ممولين إقليميين لتنقلب إلى شركة خاصة. كان سقوط ”سويفل“ حاداً بشكل غير عادي، لكنها ليست الشركة الناشئة الوحيدة في الشرق الأوسط التي فشلت بالارتقاء إلى مستوى التوقعات العالية.

شركات مليارية ناشئة في جنوب شرق آسيا تفقد 51 مليار دولار من قيمتها

لقد تلاشى تطبيق ”فيتشر“ (Fetchr) للبريد السريع، الذي اتخذ من دبي مقراً، بعد بداية واعدة منذ نحو عقد، وأُغلق في 2021. كما تراجعت القيمة السوقية لشركة المحادثة الصوتية ”يالا غروب“ (Yalla Group)، وهي شركة ناشئة أخرى في الإمارة طرحت أسهمها في الولايات المتحدة، إلى حوالي 600 مليون دولار من ذروة دانت 6 مليارات دولار.

تغيّر الأحوال

لقد فتر مناخ الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. رغم أن تمويل رأس المال المغامر ارتفع 8% بشكل عام في 2022 ليداني 3.15 مليار دولار، وفقاً لمنصة البيانات ”ماغنيت“ (Magnitt)، فقد انهى العام على انخفاض.

قال فيليب باهوشي، مؤسس ”ماغنيت“ ورئيسها التنفيذي: ”يرجح أن تنخفض التقييمات في المنطقة إلى مستويات ما قبل الوباء، بينما يرجح أن يتحول التمويل نحو البلدان التي تركز فيها الحكومات بشكل واضح على الابتكار“.

يرى فادي غندور، مؤسس ”أرامكس“ (Aramex) بالشراكة، وهي كانت أول شركة عربية تُدرج في بورصة ناسداك في 1997، أن العام الماضي يجب أن يكون بمثابة تحذير لما قد يحدث عند المبالغة بالتقييمات. قال: "عندما تكون هناك سيولة، يكون هنالك ضجيج عموماً… لكن دائماً ما تذهب السيولة في مرحلة ما“.

قد تكون هذه اللحظة فرصة للمؤسسين في الشرق الأوسط لإعادة النظر في خططهم. تساءل غندور: “لماذا تحتاج شركات الشرق الأوسط لأن تطرح أسهمها للاكتتاب العام في الغرب؟ قد ينبّه هذا البورصات المحلية كي تبذل مزيداً من الجهد لتجذب الشركات الناشئة المحلية".

تصنيفات

قصص قد تهمك