بلومبرغ
تشبث خوسيه غرانادوس حتى آخر لحظة بأمل الحصول على وظيفة لدى شركة "ميتا بلاتفورمز". فالشاب الثلاثيني الذي يستكمل دراسته سعياً لدرجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية "كيلي للأعمال" بجامعة إنديانا، كان قد اختير للالتحاق بتدريب صيفي في شركة التواصل الاجتماعي العملاقة.
غالباً ما تمهّد فترات التدريب هذه التي تمتدّ 12 أسبوعاً للحصول على وظيفة بدوام كامل بعد التخرج. سمع غرانادوس كثيراً من الضجيج في أوساط زملائه حول عدم الاستقرار المالي لقطاع التقنية، لكنه استعصم بالصبر وثابر في عمله.
مع انتهاء فترة تدريبه في منتصف أغسطس، أبلغه مسؤول التوظيف أن الشركة ستحتاج إلى مُهلة حتى ديسمبر لاتخاذ القرار بشأن تقديم عرض عمل له بدوام كامل، بدل فترة أسبوعين أو ثلاثة كما كان مألوفاً.
قال غرانادوس: "بدا الأمر كأنهم يقولون لي: اسمع، نحن نتفهم إن كانت لديك فرصة عمل أخرى... لم أشعر بكثير من القلق لأنني أديت دوري بشكل جيد جداً، وبدا أن الجميع يحبّني، وكنت أتطور في عملي".
شعر غرانادوس كأنما تلقى ضربة إثر إعلان "ميتا" في نوفمبر الماضي تسريح 11 ألف موظف وتمديد تجميد التوظيف حتى مارس، مع ذلك يقول: "لم أيأس تماماً". لكن حين أُبلغ في الشهر التالي أنه لن يعود إلى كاليفورنيا، كان قد تقبّل خيبة الأمل، وقال: "الآن يتعين عليّ أن أخصص وقتاً للبحث عن وظيفة".
تسريحات واسعة
ليس غرانادوس وحيداً في هذا، فقد أعلنت "أمازون" عن تسريح 18 ألف موظف، فيما استغنت "ألفابت" عن 12 ألف موظف، وصرفت "مايكروسوفت" 10 آلاف موظف. بلغ إجمالي عدد الموظفين الذين فقدوا وظائفهم في قطاع التقنية 137 ألفاً منذ أكتوبر، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ".
أثار هذا الانكماش قلق كليات إدارة الأعمال في جميع أنحاء الولايات المتحدة، فقد استوعب قطاع التقنية في البلاد نحو خُمس الحاصلين حديثاً على شهادات ماجستير في إدارة الأعمال على مدى سنوات عديدة مضت، فكان ثاني أكبر قطاع يستقطب حمَلة هذه الشهادات بعد قطاع الاستشارات.
يلتحق الطلاب في عديد من الكليات بنوادي التقنية للاطلاع على استراتيجيات تخوّل لهم ولوج هذا القطاع. في العادة، توجد دائماً شركة تقنية رائدة واحدة على الأقل بين أكبر مستقطبي خريجي الكليات المرموقة.
لم يتضح بعدُ إلى أي مدى سيؤدي انكماش القطاع إلى الحد من توظيف خريجي كليات إدارة الأعمال. على سبيل المثال، حين تباطأ التوظيف في قطاع التقنية في 2022، انخفضت نسبة خريجي كلية "كيلوغ" لإدارة الأعمال في جامعة "نورث ويسترن" الذين التحقوا بقطاع التقنية بواقع خمس نقاط مئوية، لتصل إلى 21%، فيما سجلت كلية "كيلي" في جامعة إنديانا وكلية "فيشر" في جامعة ولاية أوهايو وكلية "ليدز" لإدارة الأعمال في جامعة كولورادو وغيرها من الكليات انخفاضات أشد، كما أن الرواتب التي حصل عليها الخريجون لدى بدئهم العمل كانت أقل من ذي قبل.
توظيف موسمي
بخلاف القطاعات الأخرى، عادةً ما توظف شركات التقنية خريجي ماجستير إدارة الأعمال مرتين سنوياً. أما الشركات الأكبر حجماً التي لديها آفاق تخطيط أطول فتوظف في الخريف تزامناً مع نظيراتها من شركات الخدمات المالية والاستشارية التقليدية، في حين أن الشركات التي تركز بشكل أساسي على ريادة الأعمال توظّف في فصل الربيع، في ما يسمى غالباً بموسم التوظيف "حسب الحاجة".
بيّن استشاريون مهنيون من ست كليات أنه سابق لأوانه معرفة العروض التي قُدّمت أو قُبلت في حملة التوظيف بالخريف، قبل بدء التسريحات. قالت تاي غان، وهي طالبة ماجستير في إدارة الأعمال في جامعة "كيلي" عن أصدقائها الذين يبحثون عن وظائف في مجال التقنية: "كانوا يتوقعون تلقي مزيد من العروض في السوق وإجراء مزيد من المقابلات، لكنهم لم يجدوا كثيراً من الفرص. هم يكافحون".
قبلت غان عرض عمل من شركة "أمازون" بعد إنهاء فترة تدريبها في مستودع تابع للشركة بولاية بنسلفانيا. وعلّقت على إعلان الشركة عن تسريح الموظفين، قائلة: "مرّ أسبوع لم أكن أعلم ما الذي سيحصل فيه".
مخاوف الطلاب المهاجرين
يتوقع بعض الاستشاريين المهنيين أن يتراجع التوظيف حسب الحاجة هذا الربيع. وفي هذا الإطار يتعين أن يتحلى الطلاب الذين يأملون بالحصول على وظيفة في قطاع التقنية بالذكاء. تنصحهم ليزا كيركباتريك، مساعدة عميد مركز إدارة الوظائف في "كيلوغ"، قائلة: "يجب النظر إلى الفرص المتقاربة. فعلى سبيل المثال، يوجد كثير من الوظائف التقنية في أماكن كثيرة غير الشركات المتخصصة بالتقنية".
يبدو أن نسبة أعلى من حمَلة ماجستير إدارة الأعمال في "كيلوغ" يتوجهون نحو وظائف تتعامل بشكل مباشر مع التقنية مقارنة بعديد من الكليات الأخرى التي غالباً ما يتجه خريجوها إلى وظائف إدارية وتسويقية.
شرح جون هيلمرز، مدير الإدارة المهنية للخريجين في كلية ليدز للأعمال، أن المخاطر أكبر بالنسبة إلى الطلاب الأجانب، الذين يعتمدون على تأشيرات "STEM" الممنوحة لطلاب اختصاصات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، كي يتمكّنوا من العمل في الولايات المتحدة لمدة ثلاث سنوات بدل سنة واحدة فقط.
أضاف: "يشعرون أن آفاقهم تضيق كثيراً". نصح هيلمرز أولئك الطلاب بالبحث على ثلاثة أصعدة: في الولايات المتحدة، وفي بلدانهم، وفي دولة ثالثة ترحب بالعمالة المهاجرة الماهرة. وهي مواصفات توفرت "في كندا خلال السنوات الماضية".
انتعاشة مرتقبة
قال استشاريون مهنيون إنّ شركات التقنية لا تزال توظف، رغم ما تردده عناوين الأخبار، فقد كان عدد عروض التوظيف التي قدمتها "أمازون" في الخريف الماضي لخريجي كلية "كيلي للأعمال" أكثر مما قدمته في العام السابق، حسب تصريحات ريبيكا كوك، المديرة التنفيذية لوحدة خدمات التوظيف في "كيلي" (Kelley Career Services)، رغم أنها أرجأت مواعيد مباشرة العمل التي كانت محددة في يونيو إلى نهاية العام، ويشمل ذلك نصف الطلاب الذين قدمت لهم عروض عمل.
أبلغت "ميتا" بعض الكليات بأنها تخطط لاستئناف التوظيف في ربيع هذا العام، مشيرة إلى أن تجميد التوظيف سينتهي في آخر مارس، رغم تقرير جديد يشير إلى مزيد من التسريحات. لم يستجِب متحدث باسم "ميتا" على طلب التعليق.
قالت كوك إنّ الانكماش الحالي "هو نوع من تحديد المستوى"، فشركات التقنية "بالغت بالتوظيف، إذ وظّفت حسب حجم الأعمال التي كانت لديها في 2021 وأوائل 2022". تتوقع كوك ومستشارون آخرون أن ينتعش التوظيف بحلول 2024 إن انخفض بشدة هذا العام.
في غضون ذلك، يستعد غرانادوس لتسويق مهاراته، حيث تقيم عائلة خطيبته في واشنطن، وقد أجرى اتصالات غير رسمية مع ممثلي "مايكروسوفت". كان قد تقدم للعمل لدى شركات تقنية كبرى أخرى دون جدوى حتى الآن. أما اليوم فهو يعمل على توسيع دائرة بحثه عن عمل. وفي هذا الصدد يقول: "يناسبني أي مكان حيث الثقافة ملائمة وتصاحبها فلسفة جيدة، ويوجد توازن جيد بين العمل والحياة الخاصة".