"وول ستريت" تتكبد خسائر فادحة بعد شطحة قطاع التقنية المالية

شركات كبرى تشطب استثمارات في شركات تقنية مالية كخسائر بعد شرائها بتقييمات مفرطة

time reading iconدقائق القراءة - 9
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

استثمر رأس المال المغامر وعمالقة "وول ستريت" مبالغ مذهلة في شركات "التقنية المالية" خلال السنوات الأخيرة، فقد بدت كاستثمار واعد في تطوير تقنيات جديدة للتعاملات المصرفية، بما فيها الاقتراض أو شراء وثائق التأمين.

بلغ الإنفاق العالمي على شركات التقنية المالية ذروته عند 139.8 مليار دولار في 2021، أي زهاء ثلاثة أضعاف إجمالي الإنفاق على القطاع ذاته خلال 2020، وفق بيانات شركة "سي بي إنسايتس" للتحليلات المالية واستخبارات السوق.

غير أن تلك الاستثمارات نضبت حين استحكمت السوق الهابطة على نطاق واسع في 2022، وجعل ذلك بعض كبار المستثمرين يقرّون، حين هبطت تقييمات شركات التقنية المالية بشدة، بأنهم اشتروا تلك الشركات بما يفوق قيمتها.

لنأخذ شركة "برودينشال فاينانشال" كمثال، حيث ألقت عملاقة خدمات التأمين وإدارة الاستثمارات بثقلها للاستحواذ على شركة تقنية مالية تركز على خدمات التأمين. دفعت "برودينشال فاينانشال" 2.35 مليار دولار لشراء "أشورنس أي كيو"، وهي شركة ناشئة لم يمض على تأسيسها خمس سنوات.

بعد جيل "زد".. خدمات "ادفع لاحقاً" تستهدف إقراض الشركات

أتاحت "أشورنس" لمالكتها "برودينشيال" منصة لبيع وثائق التأمين على الحياة والصحة والرعاية الطبية والتغطية التلقائية عبر الإنترنت. قال أندرو سوليفان، رئيس شركة "برودنشال" في الولايات المتحدة آنذاك: "رأينا في (أشورنس) شركة تتعامل مع قطاع عريض من المستهلكين بشكل مباشر، فضلاً عن كونها سريعة التوسع وقابلة للتطوير بدرجة كبيرة"، كل ذلك بتكاليف ثابتة منخفضة.

لكن الشركة فشلت بجني أرباح حتى الربع الأخير، فشطبت "برودينشال" ما يقرب من ملياري دولار من استثماراتها كخسائر. قال رئيس "برودينشال" التنفيذي تشارلي لوري، بعد تحمل آخر الرسوم على الأرباح المتعلقة بالصفقة مطلع فبراير، إن شركة التأمين مازالت متمسكة بملكية "أشورنس"، لكنها لا تفكر بشراء شركات ناشئة أخرى.

مزاعم وحقائق

قال مايكل وارد، المحلل الذي يراقب "برودنشال" لدى بنك "سيتي غروب": "ربما أفرطوا بالتفاؤل إلى حد ما"، مضيفاً أنه بالنسبة لسوق التقنية المالية الأوسع نطاقاً "يمكن وصف ما حدث بفقاعة تضخمت ثم فرغت من الهواء... لم تنفجر كما لو كانت الأفكار المبتكرة التي جاءت بها هذه الشركات لم تتلق قبولاً".

لكن ربما لم تنطو بعض هذه الأفكار على ذات القدر من الابتكار الذي ادّعته في بداياتها. من ذلك كان شراء بنك "جيه بي مورغان تشيس" لموقع "فرانك"، الذي يساعد الطلاب في التخطيط المالي للأمور المتعلقة بدراستهم الجامعية، مقابل 175 مليون دولار في 2021.

مخاطر الفشل تهيمن على شركات التكنولوجيا المالية غير المربحة

لم تكن الصفقة محض استحواذ مخيب للآمال فحسب، بل يزعم البنك أنه وقع ضحية احتيال. فقد أُغلق الموقع ورفع البنك دعوى قضائية ضد تشارلي جافيس مؤسس "فرانك" شرح فيها أن الشركة الناشئة زعمت أن لديها أكثر من أربعة ملايين عميل، في حين كان عدد عملائها أقل من 300 ألف عميل.

وصف جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان تشيس"، الصفقة بأنها "خطأ فادح". بينما نفى جافيس، الذي يقاضي البنك الأميركي كي يلزمه بالنفقات القانونية، مزاعم البنك.

امتنع "جيه بي مورغان تشيس" عن التعليق على الأمر، كما لم يرد محامي جافيس على رسالة عبر البريد إلكتروني طلباً للتعقيب.

خشية تفويت فرصة

ربما تُعتبر الفوضى التي أحاطت بشراء موقع "فرانك" حالة شاذة، لكن الصفقة أُبرمت حين كانت البنوك الكبرى والشركات المالية الأخرى تستبق خشية أن تكون الشركة الناشئة التالية قادرة على استقطاب العملاء الأصغر سناً من المهتمين بالأمور التقنية فيرتبطون بها، ثم تبتلع عملاء "وول ستريت" في نهاية الأمر.

على سبيل المثال، استثمر "جيه بي مورغان تشيس" في منصة لترشيح أفضل المطاعم كما استحوذ على حصة في بنك رقمي برازيلي. تدفق رأس المال الاستثماري إلى قطاع التقنية المالية وارتفعت قيم الصفقات على خلفية أسعار الفائدة شديدة الانخفاض التي أحاطت بالسوق.

"برايس رنر" تطالب "غوغل" بتعويض 2.4 مليار دولار في محكمة سويدية

قادت مجموعة "سوفت بنك" جولة تمويلية بقيمة 300 مليون دولار لصالح شركة "ليمونيد" للتأمين عبر الإنترنت قبل وقت قصير من استحواذ "برودينشال" على "أشورنس". قدّرت "سوفت بنك" قيمة "ليمونيد" السوقية بنحو ملياري دولار آنذاك، ثم طرحت أسهم "ليمونيد" في وقت لاحق للاكتتاب العام وتبلغ قيمتها السوقية الآن 1.15 مليار دولار.

طغت التقييمات المبالغ بها على صفقات أبرمتها الشركات الأرسخ، فقد دفعت "فيديليتي ناشيونال إنفورميشن تكنولوجي"، مزودة البنوك والشركات ببرمجيات التقنية المالية ومقرها في الولايات المتحدة، أكثر من 41 مليار دولار في 2019 للاستحواذ على شركة "ورلدبلاي" العالمية لإدارة المدفوعات.

كان يُنظر إلى الصفقة باعتبارها السبيل الأنجع للجمع بين نقاط القوة لدى الشركتين فيما كانت المنافسة تحتدم. غير أنهما تخوضان انفصالاً بعد نحو أربع سنوات، فقد شطبت "فيديليتي ناشيونال" أخيراً 17.6 مليار دولار كخسائر جرّاء الاستحواذ.

أحوال متغيرة

شهدت شركات التقنية المالية تغييرات مفاجئة العام الماضي، تماماً كما حدث مع عمالقة التقنية مثل "أمازون" و"ميتابلاتفورمز" و"نتفليكس". كانت المرحلة الأولى من الوباء بمثابة هدية السماء للشركات التي تسمح بالتعاملات المالية عن بعد، حيث قضى المستهلكون وقتاً جمّاً في منازلهم حيث كانوا يستخدمون تطبيقات ومنصات هذه الشركات، وغالباً ما تمتع هؤلاء العملاء بقوة شرائية كبيرة.

ثم بدأ الاقتصاد يعود إلى طبيعته تدريجياً مع تخفيف القيود. ربما ماتزال تلك الشركات تحقق أرباحاً جيدةً، لكنها لم تلبِّ دائماً توقعات مستثمريها الحماسية.

شركة تكنولوجيا هندية تُقرض مليار دولار سنوياً بضمان الذهب

كما عانت شركة "سترايب"، التي تمكن برمجياتها الشركات من تلقي المدفوعات عبر الإنترنت وشخصياً، انخفاضاً في نمو حجم المدفوعات من 60% في 2021 إلى 25% في 2022. تتفاوض الشركة الخاصة حالياً لتحصل على تمويل من شأن تقدير قيمتها بنحو 55 مليار دولار قبل ضخ الأموال، مقارنةً مع 95 مليار دولار في 2021.

في السياق ذاته، تراجعت القيمة السوقية لشركة "كلارنا" السويدية، مزودة الخدمات المالية تحت شعار "اشتر الآن وادفع لاحقاً"، بنسبة 85% عن العام السابق في جولة تمويلية خلال الصيف الماضي.

كما انخفضت أسهم شركة "ديف"، وهي خدمة مصرفية عبر الهاتف المحمول طُرحت للاكتتاب العام عبر شركة استحواذ ذات أغراض خاصة، بأكثر من 94% العام الماضي.

تشديد رقابي

لم تتلق تقييمات شركات التقنية المالية أي دعم من الجهات الناظمة في واشنطن، بل أصدرت تلك الجهات سلسلة تحذيرات وقواعد جديدة للحد من نمو المشاريع الجديدة. على سبيل المثال، أصدر مكتب المراقب المالي في الولايات المتحدة مبادئ توجيهية توضح أنه قد يفرض غرامات أكبر على البنوك الصغيرة إن ألحقت شريكاتها من قطاع التقنية المالية ضرراً بشريحة كبيرة من المستهلكين، فضلاً عن إنشاء مكتب يختص بمراقبة القطاع.

غالباً ما لا تكون شركات التقنية المالية التي تقدم خدمات مصرفية على مستوى البلاد بنوكاً قائمة بذاتها، لكنها قد تتعاقد مع مقرضين صغار أو إقليميين ليتمكنوا من توفير حسابات تضمن التأمين على الودائع لدى مؤسسة التأمين الفيدرالية.

كما دعت وزيرة الخزانة جانيت يلين لمزيد من الرقابة لضمان امتثال شركات التقنية المالية للقواعد المتعلقة بحماية المستهلك وقوانين مكافحة التحيز وتأمين البنوك.

الهيئات التنظيمية تهرول خلف النموّ الهائل للتكنولوجيا المالية

قال تود بيكر، الزميل الأقدم في مركز ريتشمان للأعمال التجارية والقانون والسياسة العامة بجامعة كولومبيا: "إنها قصة نمطية في عالم الشركات، حيث تدفع التقييمات المحمومة للسوقين العامة والخاصة الشركات لدفع أموال أكثر مما ينبغي إما لتحقيق النمو أو الاستحواذ على قاعدة عملاء أو تقنية معينة. تخبو جذوة السوق في النهاية، ولا ترقى الأرباح وأوجه التوافق المتعلقة بالاستحواذ إلى مستوى التوقعات الأصلية".

يرى أرجون كابور، العضو المنتدب لشركة "فوركاست لابس"، المسؤولة عن إدارة مجموعة من المشاريع التابعة لشركة "كوم كاست" أن ما يحدث لا يعني نهاية قطاع التقنية المالية.

قال كابور: "رغم تراجع التقييمات وحجم التمويل مقارنة بالسنوات السابقة، إلا أن القطاع يشهد إنجازات مثيرة للاهتمام، وما تزال صفقات الاستحواذ على الشركات الجيدة تقدر بأكثر من قيمتها الاسمية".

ربما تكون الأسعار أكثر معقولية للمشترين الذين ما يزالون على استعداد للاستحواذ على جزء من قطاع التقنية المالية.

تصنيفات

قصص قد تهمك