أربعيني يدفع مليوني دولار سنوياً ليرجع بعمر جسده ربع قرن

يقول المليونير وفريقه المكون من 30 طبيباً إن لديهم خطة لإعادة ضبط إعدادات جسده

time reading iconدقائق القراءة - 39
براين جونسون وهو يخضع لعلاج بالضوء لكامل الجسم - المصدر: بلومبرغ
براين جونسون وهو يخضع لعلاج بالضوء لكامل الجسم - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بقلم: Ashlee Vance

يربض نوفاك ديوكوفيتش، 35 عاماً، داخل آلة لضغط الهواء تشبه البيضة شكلاً ليعزز أكسجة دمه بين فينة وأخرى، كما أنه يلقي خطب تشجيع على الماء قبل أن يشربه ظناً منه بأن طاقته الإيجابية ربما تنقيه.

أمّا توم برايدي، 45 عاماً، فهو كالمبشر يدعو إلى مكملات غذائية ومساحيق ترطيب وكرات تمارين المرونة بزعم أنها تكافح الشيخوخة. فيما يُقال إن ليبرون جيمس، 38 عاماً، ينفق 1.5 مليون دولار سنوياً على جسده لإبعاد شبح الشيخوخة.

برغم أن معظم أترابهم قد تقاعدوا، إلا أن أولئك الرياضيين النخبويين الثلاثة ما يزالون في قمّة لياقتهم البدنية. لكنهم محض هواة فيما يخص علوم الصحة العصرية مقارنة مع براين جونسون. يراقب أكثر من 30 طبيباً وخبيراً صحياً كافة الوظائف الحيوية لدى جونسون، رائد أعمال البرمجيات شديد الثراء الذي بلغ من العمر 45 عاماً.

يقود ذاك الفريق اختصاصي الطب التجديدي أوليفر زولمان، 29 عاماً، وقد تعهد أن يساعد جونسون على عكس اتجاه عملية التقدم سنّاً في كافة أعضاء جسده. ينكب زولمان وجونسون على قراءة البحوث العلمية المتعلقة بالشيخوخة وإطالة العمر، ويسخّر جونسون نفسه كما لو كان فأر تجارب للعلاجات الواعدة، فيما يراقب الاثنان النتائج بكافة الوسائل المتوفرة.

تطلب إطلاق هذا البرنامج استثمارات بعدّة ملايين من الدولارات ومنها تكلفة إقامة جناح طبي في منزل جونسون في فينيس بولاية كاليفورنيا، وهو يوشك أن ينفق مليونَي دولار على جسده هذا العام، حيث يسعى لأن يحظى بما يتمتع به شاب عمره 18 عاماً بما يشمل الدماغ والقلب والرئتين والكبد والكليتين والأوتار والأسنان والبشرة والشعر والمثانة والأعضاء التناسلية والمستقيم.

خمس سنوات أصغر بيولوجياً

قال جونسون "يصل الجسم إلى إعدادات معيّنة في عمر 18... ما أفعله في الواقع مقاربة شغوفة كي يكون عمر الجسم 18 عاماً في كلّ أجزائه". يدرك جونسون أن ما يقولونه يبدو جنوناً، وأن بعض الناس قد يعتبر أن ما يفعله مجرد حيلة تسويق تستند إلى التقنية الحيوية، لكنه لا يلق لذلك بالاً. علّق على الانتقادات الموجهة إليه قائلاً: "هذا متوقع ولا بأس به".

بدأ جونسون وزولمان تجربتهما منذ ما ينيف على عام وسمياها "بروجيكت بلو برنت" (Project Blueprint) وهي تقوم على تعليمات صارمة فيما يخص نظام جونسون الغذائي الذي يقتصر على 1977 وحدة حرارية في اليوم من الأغذية النباتية الخالصة، وعلى ممارسة التمارين الرياضية بواقع ساعة في اليوم إضافة لتمارين عالية الجهد ثلاث مرات في الأسبوع.

كما تحدد أن يكون النوم في ذات الوقت كلّ ليلة بعد ساعتين من ارتداء نظارات تحجب الضوء الأزرق. يحرص جونسون على متابعة مؤشراته الحيوية باستمرار لضمان حسن سير البرنامج، وهو يخضع شهرياً لعشرات الإجراءات الطبية القاسية والمؤلمة، ثم يقيس النتائج من خلال الخضوع لمزيد من فحوصات الدم والتصوير بالرنين المغناطيسي والصور بالموجات الفوق صوتية وتنظير القولون.

قال جيف تول، أحد الأطباء المتمرنين ضمن الفريق: "أعالج رياضيين ومشاهير في هوليوود، ولا أحد منهم يتحدى كلّ الحدود بقدر براين". يشير الأطباء إلى أن كلّ هذا العمل بدأ يؤتي ثماره، إذ تظهر أرقامهم أن جسم جونسون بدأ يصغر سنّه طبياً.

ثمّة دلالات واضحة تؤشر إلى أن جونسون يتمتع على الأقل بصحة أفضل من معظم أترابه، فهو أكثر من مجرد شخص مفتول العضلات تتراوح نسبة الدهون في جسمه بين 5 و6% فقط، ما يعني أن عضلاته وأوردته بارزة تماماً.

إلا أن ما يجري داخل جسمه هو ما يثير حماس الأطباء، فهم يقولون إن فحوصاته تظهر أنه خفّض عمره البيولوجي عموماً بقدر خمس سنين على الأقل، إذ تشير نتائجهم إلى أن لديه قلب رجل عمره 37 عاماً وبشرة رجل عاش 28 سنة وسعة رئة شاب في الـ18 وكذلك لياقته البدنية. قال تول: "تسجل كلّ المؤشرات التي نتتبعها تحسناً ملحوظاً".

إلا أن زولمان الذي يحمل شهادة طبّ من جامعة كينغ في لندن أكثر تحفظاً، ويقول إن عمله مع جونسون ما يزال في بدايته، ويتعين عليهم استكشاف مئات الإجراءات بينها مجموعة علاجات مورثات اختبارية. قال: "لم نحقق أي نتائج مذهلة... لدى براين، حققنا نتائج صغيرة معقولة ومنطقية، وكان ذلك متوقعاً".

نجاح في متناول اليد

لكن بنظر جونسون، أصبح النجاح فعلاً بمتناول يده. هو ليس أول مطوّر برمجيات مهووس بأن يعيش حياة صحية، لكنه يسعى وراء ما يمكن وصفه بالنسخة الأكثر تطرفاً ممّا يسمّيه المتمرسين في التقنية: "القياس الكمّي للذات".

اقتصرت فكرة المحافظة على الأعضاء الداخلية بحالة ممتازة على ممارسة التمارين الرياضية من حين إلى آخر أو اتباع الحميات الرائجة من الصيام المتقطع إلى مخفوق "سولينيت" على مدى العقد الماضي.

إلا أن جونسون يرى بأن على المرء احتساب كثير من الأمور غير عدد خطواته كي يكوّن صورة واضحة حول ما هو الأفضل لجسمه. قال: "ما أفعله قد يبدو متطرفاً، لكنني أحاول أن أثبت بأن إيذاء النفس وتدهور الصحة ليست أموراً حتمية". إنه يستخدم استراتيجية شائعة في عالم البرمجيات من خلال مشاركة الدروس المكتسبة من أسلوب حياته غير التقليدي مع الآخرين، تقوم على إظهار ما يقوم به على أنه أقرب ما يكون إلى اللعبة.

أنشأ جونسون حين كان في ثلاثينات عمره شركة لحلول الدفع تحمل اسم "براينتري بايمنت سولوشن" (Braintree Payment Solutions) وحققت نجاحاً هائلاً، إلا أنه كان يعمل لساعات طويلة وعانى ضغوطاً جعلته يكتسب وزناً زائداً وأصيب بالاكتئاب وبنزعة للانتحار.

باع الشركة في 2013 إلى "إي باي" مقابل 800 مليون دولار نقداً وانطلق في رحلة استكشاف للذات، تضمنت أن يتعرف أكثر على بيولوجيا جسمه، وهو هوس طال نشاطه العملي أيضاً، فقد أسس شركة رأسمال مخاطر في مجال التقنية الحيوية تحمل اسم "صندوق أو أس" (OS Fund)، ثمّ أسس شركة "كيرنيل" (Kernel) عام 2016 وهي تختص بصناعة خوذ تحلل نشاط الدماغ وتساعد على تعلم المزيد عن طريقة عمل الدماغ من داخله.

يستخدم الباحثون حالياً هذه الخوذ سعياً لاحتساب تأثير التأمل والعقاقير المهلوسة من أجل تطوير وسائل تخفف من الآلام المزمنة. كان جونسون قد بدأ بحلول ذلك الوقت بالعمل على جسده عبر تغيير نظامه الغذائي وتناول كميات كبيرة من المكملات الغذائية واستنشاق خلايا جذعية من حين إلى آخر.

كتبتُ عن "كيرنيل" (وهذه التجارب الأولى في مجال الصحة) في بلومبرغ بزنيسويك عام 2021، فيما كنت أتابع تحوّلات جونسون الجسدية والذهنية منذ عدّة سنوات. لقد شددّ طيلة هذه الفترة على أن الناس لا يملكون المعلومات المهمة التي تساعدهم على عيش حياة صحية، وأن رؤية البيانات بالأبيض والأسود قد يساعد الناس على التخلّص من العادات المدمّرة.

قال: "يمكنك أن تنظر إلى جسمك ووضعك وتسلّم الأمر إلى قوّة الإرادة، وعندها أتمنى لك الحظّ الجيد". تطلّب التزام جونسون بمشروع "بلوبرنت" أن يتخلّى عن إطلاق العنان لشهيته لتناول البيتزا أو المشروبات الروحية أو غيرها في وقت متأخر من الليل، ومنحته كلّ الاختبارات والتغييرات الثقة بأنه يقوم بأفضل ما يستطيع تجاه جسمه.

ألف دولار في الساعة

كان زولمان الذي يصغر جونسون بجيل كامل قد تعرّض لحادث كان بمثابة جرس إنذار طبّي له. حين كان في سنته الأولى في كلية الطبّ في لندن عام 2012، تعرّض لإصابة في ظهره خلال مباراة لكرة السلة سببت له صعوبات في المشي لمدّة عام، لدرجة أنه كان يضطر أحياناً لاستخدام الكرسي المتحرك بعد زيارة المستشفى.

بدا أطباؤه عاجزين عن معالجته، فراح يجري بحوثه الخاصة وأعدّ برنامج علاج فيزيائي بنفسه بتضمّن تدليك الأنسجة العميقة في ساقيه وعضلات المؤخرة وأسفل الظهر والبطن والحوض. قال: "ما إن فعلت ذلك حتى بدأت أمشي فجأةً".

قد يبدو الأمر أشبه بعرض ترويجي عبر "تيك توك" لنوع من العصائر التي تزيد الذكاء أو لمنتج مبهر للحفاظ على صحة الكبد، إلا أن زولمان الفخور بإنجازاته الأكاديمية نال شهادة طبّ بمرتبة شرف في 2019، وبدأ بعدها يدرس كلّ ما يقع عليه من بحوث سريرية يعتقد أنها ستساعده على عيش حياة أطول وأصح.

زولمان على قناعة بأن تحقيق التقدم في مجال مكافحة الشيخوخة يتطلب متابعة متضافرة للأدوية والعلاجات الواعدة. كما يؤمن بوجود نتائج على أطراف العلوم الطبية قد تكون أفضل من تلك التي نقبلها على مضض.

افتتح في 2020 شركته "توينتي وان كونسلتينغ" (20one Consulting) في كامبردج في إنجلترا. قال: "هدفي أن أثبت من خلال الإحصائيات الحيوية إمكانية تقليص التقدم في السنّ بنسبة 25% على امتداد 78 عضواً في الجسم بحلول 2030". وأقرّ بأنها "فكرة صعبة جداً وجنونية".

يقدّم زولمان برنامجه على أساس تدريجي، حيث يركز بالنسبة للمبتدئين على شؤون أساسية مثل تحسين النظام الغذائي والتمارين الرياضية. أمّا البرامج الأغلى التي يتقاضى عنها ألف دولار في الساعة، وهي مخصصة لناس من فئة جونسون، فتتضمن كثيراً من الاختبارات والعلاجات والأجهزة التي تساعد على تحسين الصحة.

لا يتقاضى زولمان أي أموال من المرضى الذين لا يستفيدون من العلاج. مع ذلك، فإن جونسون هو الوحيد الذي يخوض العلاج باندفاع كامل.

يمضي زولمان معظم وقته في كامبردج يقرأ الأوراق البحثية ويولف من نتائجها علاجات يمكنه تجربتها. قال: "لا يوجد شخص في العالم عاش 45 عاماً بينما عمر كلّ أعضاء جسمه 35 عاماً... إن تمكّنا من الإثبات سريرياً واحصائياً أن براين نجح في تحقيق هذا التحوّل، فإن حجم التأثير سيكون كبيراً جداً، ولا شكّ أنه سيكون ناتجاً عن التدخل الطبي ويتجاوز ما هو ممكن وراثياً".

بيّن زولمان أنه يقيّم التقدم المحقق عبر أخذ 10 قياسات مختلفة أو أكثر لكلّ من أعضاء المريض ومتابعتها. مثلاً لقياس عمل الدماغ، فهو يستخدم مجموعة من صور الرنين المغناطيسي وصور الموجات فوق الصوتية لمراقبة تدفق الدم وحجم الأنسجة والندوبات والتورمات وتكوّن اللويحات والبطنيات والدماغ المتوسط والمخيخ والغدة النخامية وجذع الدماغ، ويضيف على هذه القياسات اختبارات للقدرة الإدراكية وفحوص للدم.

إعداد هذه الاختبارات صعب، ناهيك عن تنفيذها على أرض الواقع، بما أن معظم التجهيزات اللازمة لا توجد إلا في مؤسسات بحثية.

برغم حماسته وتفاؤله حيال برنامجه، يحاول زولمان في الوقت عينه أن يبقى واقعياً، فهو يقرّ بأن التأكد من أنه يتجه في المسار الصحيح وتقييم فعالية ما يقوم به قد يستغرق سنوات.

علاجات واختبارات مكثفة

يتناول جونسون كلّ صباح عند الساعة الخامسة فجراً نحو عشرين مكملاً غذائياً ودواءً من ضمنها الليكوبين للحفاظ على صحة شرايينه وبشرته، والميتفورمين للوقاية من سلائل القولون، والكركم والفلفل الأسود وجذور الزنجبيل لتعزيز أنزيمات الكبد والتخفيف من الالتهابات، والزنك للتعويض عن نظام غذائه النباتي، وجرعة صغيرة من الليثيوم الذي يقول إنه يساعد في الحفاظ على صحة الدماغ.

كما يمارس جونسون الرياضة لمدّة ساعة، فيقوم بـ25 تمريناً مختلفاً ويتناول عصيراً أخضر اللون غنياً بالكرياتين وفلافانول الكاكاو وببتيدات الكولاجين وغيرها من المكوّنات الجيدة للجسم.

هو يأكل خلال اليوم أطعمة صحية شبه صلبة (سأتطرق لها لاحقاً)، حيث يعدّل الوصفات استناداً إلى نتائج آخر فحوصاته. بعد الطعام، ينظف جونسون أسنانه بالفرشاة وبجهاز لضخ الماء بين الأسنان وبخيط الأسنان، قبل أن يغسلها بزيت شجرة الشاي ويضع جِلاً مقاوماً للتأكسد. يقول أطباؤه إن لديه لثّة شاب في الـ17 من العمر.

يتبع جونسون نظاماً محدداً ويخضع لمجموعة من الإجراءات لقياس أداء كلّ عضو من جسمه. فقد خضع لـ33537 صورة لأمعائه واكتشف أن رموشه أقصر من المعدل وتحقق من سماكة شريانه السباتي. وهو يعرّض قاعه الحوضي إلى وابل من النبضات الكهرومغناطيسية لتحسين التوتر العضلي في مواقع يصعب بلوغها، ولديه جهاز يحصي عدد مرات الانتصاب خلال الليل. وبات أخيراً، شبيهاً بمراهق على هذا الصعيد أيضاً.

يقيس جونسون يومياً وزنه ومؤشر كتلة جسمه ونسبة الدهون، كما يراقب حرارته في ساعات الاستيقاظ ومعدل السكر بالدم والتغيرات في معدل ضربات القلب ومستوى الأكسجين خلال النوم. زدْ على ذلك أنه يخضع إلى فحوص دم وبراز وبول دائمة، وصور أشعة مغناطيسية وموجات فوق صوتية لكامل جسمه، إلى جانب فحوصات منتظمة تركز بشكل خاص على الكليتين والبروستات والغدة الدرقية والجهاز العصبي.

يدهن جونسون سبعة أنواع كريم يومياً لإصلاح الضرر الذي تلحقه أشعة الشمس ببشرته، كما يخضع لجلسات تقشير كيميائي وعلاج بالليزر أسبوعياً، وبدأ يتجنب التعرض للشمس.

كما يخضع للعلاج بالصوت لتحسين السمع بأذنه اليسرى التي تضرر سمعها بسبب رحلات صيد في يوتاه خلال طفولته، فيختبر هذا العلاج حدود الترددات التي يقدر على سماعها ثمّ ينتج أصواتاً غير مسموعة تحفز الخلايا في الأذن والدماغ. أظهرت الدراسات السريرية في جامعة ستانفورد وغيرها أن هذه الطريقة تساعد الشخص العادي على تحسين سمعه بـ10 دسيبيل على الأقل، وهذا هامش ملحوظ.

إلا أنه رفض كثيراً من النصائح الصحية الرائجة على الإنترنت مثل الريسفيراتول وحمامات الثلج والجرعات العالية من التستسرون.

يساعده الأطباء في فريقه على الخضوع لصور الأشعة والاختبارات وعلى قراءة نتائجها وينصحونه بشأن الإجراءات الآمنة وتلك التي قد تعرّضه للخطر. في إحدى المراحل، انخفضت نسبة الدهون في جسم جونسون إلى 3%، ما شكل تهديداً على صحة قلبه. نصحه فريقه بإدخال تعديلات على نظامه الغذائي، تضمّنت تقسيم الطعام على امتداد اليوم بدل تناول كلّ سعراته الحرارية حين الإفطار.

إجراءات تجميلية

شخصياً، لا يناسبني أسلوب حياة جونسون. قبل أن أتجه لأزوره في فينيس لتناول العشاء في سبتمبر، أرسل لي رسالة نصيّة نبهني فيها على أنه خضع لحقن دهون في وجهه أخيراً وأنه يعاني حساسية كردة فعل على هذا الإجراء المؤلم، لذا قد يبدو شكله غريباً بعض الشيء.

لم يكن مخطئاً. بالكاد تعرفت عليه حين فتح الباب، فقد كان وجهه منتفخاً لدرجة أنه بدا وكأنه أمضى فترة بعد الظهر يتجرع سمّ النحل. لكن الأغرب أن بشرته الشاحبة كانت متوهجة وتخلو من كلّ الشوائب التي تظهر عادةً في منتصف العمر. كان يشبه دمية جفصين كبيرة منتفخة.

قال إن هذا الإجراء لا يشبه عمليات الفيلر العادية التي تمنح نجوم هوليوود إطلالة أكثر شباباً، بل هي المرحلة الأولى من سلسلة من الحقن ستمكّنه من بناء ما سماه "سقالات دهنية" في وجهه من شأنها إنتاج خلايا دهنية حقيقية شابة.

شرح جونسون أن "الفيلر هو مجرد ترقيع... سيستغرق بناء السقالات الدهنية بضعة أشهر، لكن مع تجدد بشرتي فهي ستنتج الدهون ذاتياً. إذا خضعت لصورة بالرنين المغناطيسي أو صورة متعددة الأطياف، آمل أن تُظهر أنني مثل شاب في الـ18 من العمر مجدداً".

عادة ما يعتمد هذا الإجراء على استنزاف دهن من أجزاء أخرى من جسم المريض، لكن بما أن جونسون ليس لديه أي دهون زائدة، فقد تلقى تلك الدهون من واهب مجهول.

بدا لي هذا الإجراء تجميلياً بشكل عام كما أن جونسون يصبغ شعره. يقرّ زولمان أنه لا توجد أدلة تذكر تشير إلى أن الوجه الشاب الممتلئ أو الشعر الأحمر الجميل يحملان فوائد سريرية بحدّ ذاتهما، ولكن "إذا ما قمت بذلك على كامل مستوى الجسم، يصبح الأمر مهماً سريرياً".

أضاف: "إذا ما أعدت توزيع الدهون في كامل الجسم إلى ما كانت عليه في سنّ الشباب، فإن كمية المركبات السامة المفرزة التي تؤثر على باقي الجسم ستقلّ، وحينها تتحسن بعض الوظائف مثل التحكم بشكل أفضل بالحرارة. فإذا لم تكن لديك دهون، ستموت، وإن لم يكن لك جلد ستموت أيضاً. هذه ليست أعضاء تجميلية".

طعام لزج

فيما رحنا نتحدث عن "بلوبرينت"، أعدّ لي جونسون العشاء وكان عبارة عن عيّنة من وجباته الاعتيادية. احتوت الوجبة في جانبها اللذيذ على بودينغ من المكسرات مصنوع من حليب اللوز والماكديميا والجوز وبذور الكتان ونصف حبة جوز برازيلي وليسيثين دوّار الشمس والقرفة والكرز والتوت والعليق وعصير الرمّان، لقد كان شهياً جداً.

أمّا على الجانب المقرف، اضطررت لأكل كومة من الخضروات المهروسة على شكل مادة لزجة رمادية اللون، كانت فيما مضى تتألف من العسل الأسود والبروكولي والقرنبيط والفطر والثوم وجذور الزنجبيل والليمون والكمّون وخلّ التفاح وبذور القنب، التي تبدو جيدة كلّ على حدة، لكن لدى مزجها معاً كان طعمها أشبه بالطين.

تناولنا الشوكولاتة للتحلية، لكن ليس أي نوع منها، إذ بيّن أن "في (بلوبرنت) لكلّ شيء عدّة مستويات... يمكنك القول إن الشوكولاتة جيدة لك، والمستوى التالي إن الشوكولاتة الداكنة أفضل لك، ثمّ هناك عملية تجعل الشوكولاتة قلوية يستخدمها البعض أحياناً لإزالة مرار الشوكولاتة إلا أنها تفسد كثيراً من قيمتها. لذا ما تريده هو شوكولاتة داكنة غير محوّلة إلى قلوية خضعت لاختبارات لضمان عدم احتوائها على مواد ثقيلة. تالياً يجب أن تأتي هذه الشوكولاتة من المناطق التي تحتوي على أعلى تركيز من البوليفينول، فهذا ما تحاول الحصول عليه. إن كنت لا تحصل على المستوى الخامس، أي البوليفينول المركز، فأنت لا تستفيد كثيراً".

قد يبدو أسلوب الحياة هذا منهكاً، لكن جونسون يستمتع به وكذلك ابنه تالماج الذي بلغ عمره 17 عاماً.

فيما كنّا نتناول العشاء، عاد تالماج إلى المنزل بعد ممارسة الرياضة. فوجئ للحظة بوجه والده المتورّم لكن ما لبث أن تحول إلى الضحك، وبدا أنه رأى مثل هذا المشهد من قبل. أعدّ تالماج وجبة طعامه إلى جانبنا وقال إنه تبنى بعض ممارسات أبيه، لكن ليس جميعها. مثلاً، هو لا يتناول مزيج الخضار اللزج، بل يفضّل الخضروات النيّئة أو المقلية قلياً خفيفاً.

بعد العشاء، راقبني الأب وابنه وأنا أُدخِل ذراعي في جهاز لمراقبة صحة القلب موضوع على منضدة في المطبخ في منزل جونسون. أصدر الجهاز صوتاً وارتجف لبضع ثوان، ثمّ ظهرت النتيجة أن أداء قلبي، على الأقل وفق أحد القياسات ليس بعيداً كثيراً عن أداء قلب جونسون. شعرت بانتصار صغير نيابة عن كلّ أصحاب الكروش في سن الأربعين من محبي المشروبات الروحية.

أفق جديد

سمع جونسون انتقادات جمّة من أناس زعموا أنه يعاني اضطرابات غذائية أو نفسية، أو أنه مهووس صحة ممن يعيشون حياة صعبة تعيقها القيود. قال أطباء فريق جونسون الذين قابلتهم إن الرجل يفتح أفقاً جديدة في مجال الشيخوخة وربما يطيل أمد حياته. لكن حتى هم يتساءلون حيال إمكانية انطباق ما يستخلصون على من سواه.

قالت كريستين ديتمار، طبيبة الأورام التدخلية: "أعتقد أن ما يفعله مبهر فعلاً، حتى أنه مسّني شخصياً ودفعني لأكون أفضل... ما يفعله يشبه وظيفة بدوام كامل". شددت على أن السرطان، الذي هو اختصاصها، فيه مكونات وراثية لا يمكن لأي علم متطور القضاء عليها، ناهيك عن العصائر والكريمات.

قال جونسون إنه يسعى لمشاركة الفوائد التي يكتسبها مع الآخرين عبر تبنيه شفافية مطلقة، فلديه موقع الكتروني ينشر عليه علاجاته ونتائج فحوصاته كافة. وهو حالياً بصدد إطلاق موقع آخر يحمل اسم "ريجونيفاشين أوليمبيكس" (Rejuvenation Olympics) يشجع زملاءه من مكافحي آثار تقدم العمر على تقليده.

إنه يهدف للتخلي عن آخر الصيحات الرائجة والتركيز على العلوم الطبية الحقيقية، لكنه يضفي عليها روح المنافسة. فكلما اكتسب هذا النوع من أساليب الحياة رواجاً، تصبح بعض الإجراءات التي جرّبها جونسون أرخص وأكثر انتشاراً.

قال جونسون: "إن قلت إن هدفك أن تعيش إلى الأبد أو أن تهزم الشيخوخة، فهذا أمر سيئ فهو مما يسعى له الأثرياء... لكن إن كان أقرب إلى ضرب من رياضة احترافية، سيصبح ترفيهياً ويتيح وضع معايير وبروتوكولات، فيفيد الجميع بطريقة ممنهجة".

يعطي اختبار الدم من شركة "ترو دياغنوستيك" (TruDiagnostic) فكرة عن حجم عملائها الأوائل. يقيّم الاختبار معدل التقدم في السنّ لدى الناس من خلال تبيان ما إذا كانت الجينات المختلفة تعمل على مستوى مئات الآلاف من النقاط على امتداد شيفرتها الوراثية.

بين 20 ألف شخص خضع للفحص خلال السنوات الثلاث الأولى منذ طرحه في السوق، كرره حوالي 1750 منهم على مدى السنوات ليتتبعوا معركتهم ضدّ تقدم السنّ. قالت الشركة إن جونسون كان أكثر من أعاد ساعته البيولوجية إلى الوراء بين أولئك.

يسهل تخيّل كيف يمكن لبعض مقلدي جونسون أن يخضعوا لعلاجات تنطوي على كثير من المخاطرة قد تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها. لكن يُرجح أن تجد الأغلبية أسلوب حياة جونسون مستحيلاً أو عبثياً. حتى أن بعض الباحثين والمتمرسين في الشؤون الصحية الذين اطلعوا على برنامج جونسون انتقدوا ترويجه لبعض المكملات الغذائية والفيتامينات التي اعتبروها بلا فائدة بشكل عام.

مع ذلك، يرى معظم الخبراء المعروفين في دراسة الشيخوخة والتقدم في السنّ أنه لا مفرّ من إقامة منتدى مفتوح حول علم إطالة الحياة. قال جورج تشورتش، خبير علم الوراثة الشهير في جامعة هارفرد، وهو يملك أسهماً في العديد من شركات التقنية الحيوية إن "مجال إطالة أمد الحياة يتحوّل نحو عالم أكثر صرامة يتسم بطابع الدراسات السريرية... أعتقد أن ما يقوم به براين يعبر عن حسن نية وهو مهم جداً على الأرجح".

أضاف: "لا أعتقد أن كثيراً من هذه الأمور ستظلّ باهظة الثمن بهذا القدر حين تنتهي كلّ هذه الضجة المثارة حولها".

بيّن عدد من أطباء جونسون ومستشاريه أنه سيخضع لمزيد من الإجراءات التجريبية المتطرفة، منها علاجات المورثات، رغم أنه لا يرغب بالحديث عن ذلك الآن. على كلّ حال، هو يهب جسده للعلم على أمل أن يثبت ما هو ممكن بالنسبة للآخرين. وقال "هنا يكمن جمال كلّ ذلك، إنه أفق جديد".

تصنيفات

قصص قد تهمك