بلومبرغ
بقلم: Max Chafkin
عاش الأخوان كاميرون وتايلر وينكليفوس مجدهما لسنوات حين بلغت "بتكوين" أوجها، وسطع نجماهما لكونهما شابين ثريين ازدادا ثراءً، بل بلغ الأمر أنهما أديا أغنية "دونت ستوب بيليفينغ" (Don’t Stop Believing) ولو نشازاً أمام جمهورٍ قد يظن البعض أنه حضر لمجرد الاستمتاع بالموسيقى دونما طمع بتلقي رموز غير قابلة للاستبدال مجاناً.
لكن الزمان الأول تحول، فهما يواجهان اليوم انهيار أسعار العملات المشفرة وسخط العملاء وشعوراً بأنه ربما كان يجدر بهما أن يكفرا بالتشفير.
ردّ الأخوان بشنّ هجوم على باري سيلبيرت، شريكهما السابق في العمل وهو أيضاً من أقطاب عالم العملات الرقمية، كما هاجما هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية التي رفعت دعوى قضائية ضد شركتهما "جيمني ترست" (Gemini Trust) بتهمة الاحتيال في الأوراق المالية الأسبوع الماضي، إلى جانب دعوى قضائية أخرى ضد شركة "جينيسيس غلوبال كابيتال" (Genesis Global Capital) التابعة لسيلبيرت.
لا بد أن أن مارك زوكربرغ يبتسم في مكان ما.
نشر كاميرون رسالة مفتوحة لاذعة اقتبسها توأمه تايلر سريعاً في تغريدة، اتهم فيها سيلبيرت بالجشع والتهور والاحتيال المحاسبي، كما طالب مجلس إدارة شركة سيلبيرت بطرده. من جانبه، هاجم تايلر هيئة الأوراق المالية والبورصات في سلسلة تغريدات أعاد نشرها كاميرون، واصفاً الهيئة بـ"السخيفة جداً"، واتهمها بالاستعراض السياسي الذي من شأنه أن يلحق الضرر بالمستثمرين، مشبّهاً الدعوى التي رفعتها ضد شركته بـ"مخالفة توقف ملفقة".
علّقت شركة سيلبيرت على رسالة وينكليفوس فوصفتها بأنها "حيلة دعائية يائسة وغير بنّاءة" بهدف "إلقاء اللوم على الآخرين".
تراشق الاتهامات
الأخوان ينكليفوس ليسا وحيدين في لومهما آخرين، فكذلك فعل رئيس "بينانس" التنفيذي جانغبينغ تشاو ونظيره في "إف تي إكس" سام بانكمان فريد عبر موقع "سابستاك" ومدير صناديق التحوط مايك نوفوغراتز، الذي أظنّه يشتهي أن يلكم وجهَي بانكمان فريد وسيلبيرت فيما يحاول، كما آمل، أن ينسى أن جسده يحمل وشماً ضخماً لعملة "لونا" كان قد تلقاه في إطار سعيه المغرق بالإفراط في الترويج للأصل الرقمي المتصدع.
أمّا مؤسس منصة "كوين بيس" براين أرمسترونغ فيحاول أن يلوم وسائل الإعلام، فيما يتجنب ذكر موظف لديها اتُّهم العام الماضي بالتداول من الداخل (دفع الموظف بالبراءة)، أو التحقيق الذي أجرته هيئة الأوراق المالية والبورصات حول شركته.
كل ذلك يستحضر مثل القاتل يمشي في جنازة القتيل تنصلاً.
فيما تواجه العملات المشفرة يوم حسابٍ يصاحبه سيل شماتة كتبت عنه قبل أسبوعين، راح الجميع يتراشق التهم، وسط رفض تام لتحمل المسؤولية. مع ذلك، تبدو محاولة الأخوين وينكيلفوس إلقاء اللوم على الآخرين وقحة جداً، بما أنهما كانا يرددان طوال السنوات الماضية على مسمع الجميع أنهما لن يقوما قطّ بأي عمل متهور أو مخاطر.
غالباً ما كانا يستخدمان منصة "فيسبوك"، خصمهما السابق، كأداة تسويق مفضلة. كانت "فيسبوك" دفعت للأخوين مبلغ 65 مليون دولار لتسوية دعوى قضائية إثر اتهامهما زوكربرغ بسرقة فكرتهما المتعلقة بإنشاء شبكة اجتماعية.
فيما حثّت "فيسبوك" في السابق موظفيها على "التحرك بسرعة وكسر الأشياء"، تفاخر كاميرون وتايلر بأن منصة التداول التي أطلقاها تستند إلى الالتزام بالقواعد الناظمة، حيث لا مكان لزعزعة الاستقرار. حملت إعلاناتهما الترويجية عبارة "الثورة تحتاج لنواظم".
أمّا هدفهما فكان واضحاً، حيث سعى الأخوان وينكيلفوس، اللذان ولجا عالم العملات الرقمية بكل ثقلهما إثر تلقيهما معلومة قيّمة عن عملة "بتكوين" فيما كانا على جزيرة إيبيزا، لإقناع المدخرين العاديين، من غير رواد إيبيزا، أنه لا بأس بتحويل أموالهم من المصارف التقليدية نحو العملات المشفرة.
قال كاميرون في مقابلة مع مجلة "فوربس" في 2021 "(جيمني) هي الجسر الذي يمكّن الناس من مغادرة نظام التمويل المركزي ومصارفهم الحالية نحو عالم جديد". حمل غلاف المجلة حينئذ عنوان "ملياردير جديد كل يوم".
علامات إنذار
لا شكّ أن الأمر كان يستدعي مزيداً من التدقيق، على الأخص لوجود كثير من علامات الإنذار التي أشارت إلى أن الأخوين وينكيلفوس لم يتجنبا المخاطر بالقدر الذي كانا يدعيانه. إذ تضمنت أولى استثماراتهما في عالم التشفير منصة تداول تحمل اسم "بيت إنستنت" (BitInstant). ربما تتذكرون هذه المنصة لأنها أغلقت بعد فترة قصيرة من إبرام الأخوين وينكيلفوس الصفقة في 2013.
اعتُقل رئيسها التنفيذي تشارلي شريم بعد فترة وجيزة واتُّهم بتبييض الأموال وجرائم أخرى. (أقرّ شريم بالذنب لقاء تخفيف التهمة وحُكم عليه بالسجن لسنتين، في حين لم يُتهم الأخوان وينكيلفوس بالتورط بأي مخالفات).
أسس الأخوان وينكيلفوس منصة تداول العملات المشفرة "جيمني" في 2015 وحصلت على ترخيص من ولاية نيويورك للتعامل بالأصول الرقمية. إلا أن ذراعها الاستثمارية "جيمني إيرن" (Gemini Earn) التي أطلقاها مع سيلبيرت في 2021 لم تنل قط مباركة هيئة الأوراق المالية والبورصات.
صُممت "إيرن" للتنافس مع الحسابات المصرفية التقليدية ووعدت بـ"معدل فائدة أعلى بما يصل إلى 100 مرة من المعدل الوطني". بدت "إيرن" مذهلة، لكن بالنظر إلى الماضي من حيث نحن، لا شكّ أن وعودها كانت بعيدة المنال بما أنها تجمع ما بين الاستقرار الذي تؤمّنه حسابات الادخار والإيرادات العالية للعملات المشفرة.
لكن شركة سيلبريت استثمرت في نهاية المطاف في "ثري أروز كابيتال" (Three Arrows Capital) و"إف تي إكس" (FTX) اللتين انهارتا لاحقاً. الآن أصبحت 900 مليون دولار تعود إلى بضع مئات الآلاف من عملاء "جيمني" عالقة.
حمّلت رسالة "جيمني" المفتوحة كامل المسؤولية لسيلبيرت، وكأنها فوجئت بما حصل. لكن كما سبق وأشارت زميلتا أولغا كاريف فإن موظفين في الشركة كانوا قد أعربوا عن قلقهم من الاعتماد على سيلبيرت منذ 2021، لكنهم لم يتمكنوا من إيجاد شركة أخرى للعمل معها.
برغم ذلك، وأيضاً رغم انهيار مُقرضين آخرين في مجال التشفير والكشف عن الخسائر التي تكبدها سيلبيرت مع "ثري أروز" (Three Arrows )، أصرّت "جيمني" على مسارها وواصلت الترويج لمنتجهما الشبيه بالمصارف مستهدفة المستهلكين.
الآن قد يستغرق من صدّقوا العرض التسويقي الذي روجت له "جيمني" سنوات ليعوضوا خسائرهم، هذا إذا عوضوها يوماً. رفعت مجموعة من المستثمرين دعوى قضائية جماعية في ديسمبر ضد الشركة التي تقول إنها تبذل أقصى جهدها كي تستعيد أموالهم.
فشل أخلاقي
كان هجوم تايلر وينكليفوس على هيئة الأوراق المالية والبورصات في غير محله بقدر هجوم كاميرون على سيلبيرت، فكما حال محاولات سخيفة قادتها بعض الجهات الفاعلة في قطاع التشفير لتحميل رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات غاري غينسلر مسؤولية انهيار "إف تي إكس"، يبدو أن ذريعة الأخوين وينكليفوس هي أن الهيئة كان يجب أن توقفهما قبل أن يخسرا كل ذلك المال.
كما يزعمان أن الهيئة قررت مقاضاة شركتهما كي تسجل نقاطاً سياسية. وفيما الادعاء الأول أحمق، فإن الادعاء الثاني مضلل. فهيئة الأوراق المالية وغيرها من الهيئات الناظمة تحقق في "جيمني" منذ بداية 2022 على الأقل.
كان متحدث باسم "جيمني" قد قال لبلومبرغ في يناير من العام الماضي إن الشركة "تتعاون طوعياً مع التحقيق الذي يشمل كل القطاع".
كانت الهيئة قد أوضحت أنها تعارض المنتجات المشابهة لـ"إيرن"، إذ تصدت في السابق لمحاولة "كوين بيس" طرح منتح مشابه، ورفعت دعوى قضائية ضد شركة "بلوك فاي" (BlockFi) المدعومة أيضاً من الأخوين وينكليفوس، التي وافقت على دفع غرامة 100 مليون دولار لتسوية الاتهامات والامتثال للوائح هيئة الأوراق المالية والبورصات في المستقبل.
وسط تراشق الاتهامات، يسهل إغفال ما حصل على أرض الواقع خلال السنوات القليلة الماضية. فقد سعى عدد من أصحاب المليارات، ومنهم آل وينكليفوس وسيلبيرت وبانكمان فريد وغيرهم، جاهدين لإقناع أناس عاديين بالتخلي عن المصارف والأسهم واعتماد فئة من الأصول المتقلبة التي كانت وما تزال عرضة للتداول من الداخل والقرصنة وغيرها من عمليات الاحتيال المالية.
لقد وعدوا بالأمن والأمان، وأدلوا بتوقعات جامحة حول مستقبل العملات الرقمية (مثلاً ما كتبه تايلر بعنوان "الطريق نحو بلوغ سعر (بتكوين) 500 ألف دولار")، فيما روّجوا للعملات المشفرة بحماسة كبيرة تضاهي حماسة المتداولين بالأسهم الرخيصة الذين يعملون بأسلوب مندوبي المبيعات.
حين أشار مسؤولو الهيئات الناظمة والمنتقدون إلى ما هو بديهي، معبّرين عن تشاؤمهم ومحذرين من أن الأمر سيسبب الألم لمن لا يستحقه، تجاهلهم الناشطون في القطاع أو حاولوا تهميشهم سياسياً أو قالوا لهم "استمتعوا بالبقاء فقراء".
بغض النظر ما إذا كانت هذه الممارسات تجعل هؤلاء المروجين للتشفير مذنبين بارتكاب جرائم مدنية، واضح أنهم مذنبون بالفشل الأخلاقي. لعل هذا السبب الذي يدفعهم لتوجيه أصابع الاتهام إلى بعضهم بعضاً اليوم. فهم من أوصلونا إلى هذا المأزق، ويدركون ذلك جيداً.