بلومبرغ
استقل كلاوديو بوزو، كبير مسؤولي عمليات "إم إس سي ميدتيرنيان شيبينغ" (MSC Mediterranean Shipping)، طائرة من جنيف إلى واشنطن في صيف 2019 بإيعاز من مالكها الملياردير الثمانيني المتحفظ جيانلويجي أبونتي. قطع 6500 كيلومتر جواً ليجتمع مع إدارة الجمارك وحماية الحدود الأميركية سعياً لاحتواء أزمة.
فقد داهم أكثر من 100 عميل من الإدارة قبل بضعة أشهر سفينة "غايان" (Gayane) التابعة للشركة لدى مرورها بميناء فيلادلفيا، لما كان يفترض أن يكون وقفة قصيرة قبل إكمال رحلتها نحو روتردام. اكتشف العملاء نحو 20 طن كوكايين تقدّر قيمتها بمليار دولار مخبأة تحت سطح السفينة داخل حاويات نبيذ ومكسرات.
أظهر التحقيق أن أكثر من ثلث الطاقم، وجميعهم موظفون لدى الشركة، ساعدوا بنقل كميات كوكايين ضخمة من زوارق سريعة إلى السفينة تحت جنح الظلام فيما كانت مبحرة قبالة سواحل أميركا الجنوبية. كانت تلك أكبر عملية ضبط مخدرات آتية بحراً في التاريخ الأميركي.
اعتُبرت الجريمة ضخمة وجريئة جداً لدرجة أن السلطات اتخذت قراراً استثنائياً بأن لا تكتفي بمصادرة الكوكايين، فصادرت السفينة "غايان" نفسها، وهي بطول 300 متر ويُقدّر ثمنها بأكثر من 100 مليون دولار.
خلال الاجتماع مع إدارة الجمارك وحماية الحدود في مبنى رونالد ريغان المشيّد من الحجر الجيري، اعتذر بوزو عن الحادثة وقال إن تصرفات الطاقم كانت مفاجئة للشركة، حسب ما نقل شخص مطلع على الأحداث. كما استفاض في الحديث عن نموّ الشركة منذ انطلاقتها المتواضعة لتصبح أكبر شركة شحن في العالم. سعى لإقناع المسؤولين بمدى الجدية التي توليها عائلة أبونتي لإدارة الأسطول الذي يضمّ نحو خُمس إجمالي سفن قطاع الحاويات البحرية في العالم.
لم يقتنع المسؤولون الأميركيون بادعاء الشركة عدم علمها بما يحصل. قبل سنوات من مداهمة "غايان"، كانت سلطات إنفاذ القانون في دول عدّة تراقب حركة سفن الشركة، حسب تحقيق من بلومبرغ بزنيسويك.
رغم أن السلطات الأميركية لم تكن تراقب "غايان" قبل فترة طويلة من دخولها مياهها الإقليمية، إلا أنها كانت قد داهمت سفناً عديدة أخرى تابعة للشركة وفتشتها في إطار تحقيقات أوسع حول شبكة دولية لتجارة الكوكايين اخترقت شركة الشحن.
استندت السلطات إلى أدلة جمعتها من مداهمات سابقة ومعلومات استخبارية من أوروبا الشرقية، وخلصت إلى أن كارتيل البلقان صاحب النفوذ الواسع هو العقل المدبر لهذه الشحنات الضخمة. كما اكتشفت السلطات الأميركية والأوروبية أن شبكة الجريمة المنظمة هذه، التي تسيطر على أكثر من نصف الكوكايين المتدفق إلى أوروبا، اخترقت طواقم "ميدتيرنيان شيبينغ" على مرّ عقد، مستغلة عمّالها وسفنها لتبني امبراطورية لتهريب الكوكايين.
تعليقاً على ذلك، قال وليام ماكسوين، المدعي العام السابق لمقاطعة شرق بنسلفانيا الذي ترأس التحقيق في قضية "غايان" حتى تركه لمنصبه في يناير 2021: "قطعاً لم نر (ميدتيرنيان شيبينغ) كضحية في كلّ ذلك".
هدف جذاب
تخوض شركة "ميدتيرنيان شيبينغ" اليوم معركة قضائية ضد الحكومة الأميركية جلّها وراء أبواب مغلقة. إذ يضغط مسؤولو الجمارك على الشركة لدفع غرامات تفوق 700 مليون دولار، حسب عدة أشخاص في أجهزة إنفاذ القانون طلبوا عدم كشف أسمائهم لأن الإجراءات الإدارية لم تُعلن.
في غضون ذلك، يُعدّ مدّعون في مكتب المدعي العام الأميركي لشرق بنسلفانيا قضية مدنية يعتبرون فيها "ميدتيرنيان شيبينغ"، بصفتها مشغّلة "غايان"، مسؤولة عن تهريب المخدرات ويترتب عليها التنازل عن السفينة أو عن جزء كبير من قيمتها.
فيما تقرّ الشركة بالعثور على كميات قياسية من الكوكايين على متن سفينتها، إلا أنها تعترض على أجزاء أساسية من رؤية الحكومة للأحداث وتقول إنها كانت ضحية للمهربين وليست متآمرة معهم.
قال جايلز بروم، المتحدث باسم "ميدتيرنيان شيبينغ"، إن الشركة لطالما أخذت مسألة الاتجار بالمخدرات على محمل الجدّ، إلا أن "حادثة (غايان) أظهرت مستوى جديداً من التهديد الأمني لم نكن جاهزين له، ولم يكن قطاع الشحن البحري برمته جاهزاً له على حدّ علمنا".
أضاف أنه يُنظر إلى "ميدتيرنيان شيبينغ" اليوم على أنها "رائدة لحدّ بعيد في جهود مكافحة التهريب في القطاع"، مع ذلك "ثمة حدود لما يمكن توقعه من شركة وأشخاص مدنيين يؤدون عملهم. نحن لسنا جهازاً لإنفاذ القانون، ولا نملك الصلاحية ولا الموارد ولا التدريب لمواجهة مجموعات الجريمة المنظمة الخطرة".
يستند تحقيق بزنس ويك إلى مقابلات مع أكثر من 100 شخص في نحو 12 دولة بينهم مسؤولي إنفاذ قانون حاليين وسابقين وأناس مطلعين على أعمال الشركة، إضافة لمراجعة قضايا تجارة المخدرات في عدّة دول. لقد طلب عديد من المصادر عدم كشف هوياتهم لكونهم يتناولون تفاصيل سرية تتعلق بتحقيقات حالية وسابقة.
كلّ شركات الشحن التي تسيّر خطوطاً بحرية بين أميركا الجنوبية وأوروبا عرضة لاستغلال تجار الكوكايين، إلا أن "ميدتيرنيان شيبينغ" كانت هدفاً جذاباً أكثر من سواها، حسب ما قال مسؤولون، فهي تهيمن على الخطوط البحرية التي تُعدّ في الوقت نفسه طرقات فائقة السرعة لنقل الكوكايين، بالأخص تلك المستخدمة لنقل الفاكهة والخضار الطازجة من أميركا الجنوبية إلى شمال أوروبا.
كما أن الشركة تشغّل أكبر عدد من البحارة المتحدرين من مونتينيغرو، أحد معاقل كارتيل البلقان. كان مسؤولو شرطة أوروبيين قد حذّروا الشركة من تعرّض طاقمها للاختراق قبل سنوات من ضبط "غايان". إلا أن مسؤولين على ضفتي الأطلسي قالوا إن التدابير التي اتخذها مديروها لمعالجة المشكلة لم تكن بالمستوى المرجو.
أغضب هذا أجهزة إنفاذ القانون والمسؤولين الجمركيين بعدما غمرت كميات من الكوكايين الموانئ العالمية، خاصة في أوروبا. لا يتهم المسؤولون الأميركيون قيادة "ميدتيرنيان شيبينغ" بالتورط أو الاستفادة من تجارة الكوكايين، إلا أنهم يحاولون اكتشاف مزيد عن خلل آليات التوظيف والأمن في الشركة، حسب مسؤولين كبار على صلة بالتحقيق.
قال محققون في الولايات المتحدة وأوروبا إن تحقيقاتهم تعيدهم دوماً إلى سؤال محوري: لماذا تمكنت منظمات إجرامية من التحكم ببعض العمليات الرئيسية في بعض سفن الشركة لفترة طويلة؟ قال روبرت بيريز، نائب مفوّض إدارة الجمارك وحماية الحدود بين 2018 ويوليو 2021" "بلا أدنى شكّ كان مدى سطوة مهربي المخدرات ضمن هذه الشركة أمراً مهماً جداً للحكومة الأميركية منذ اليوم الأول".
غموض العمليات الداخلية
نادراً ما تخضع شركات الشحن لعقوبات قاسية حين العثور على مخدرات في سفنها، وحين فرض غرامات في الولايات المتحدة، غالباً ما تسمح الجهات الناظمة لشركة الشحن بالتفاوض لتخفيضها، أما في أوروبا فيندر أن تُفرض أي غرامات.
رغم وجود بعض الشروط الأمنية الدولية التي يتعين على شركات الشحن التزامها، إلا أن مسؤولي الجمارك وأجهزة إنفاذ القانون ليس لهم نفوذ كافٍ ليحاسبوها. مكّن كل ذلك شركات الشحن، التي تُعدّ المحرك الرئيسي للعولمة، من تجنب عواقب وخيمة فيما تداخلت أكثر فأكثر مع تجارة المخدرات.
كان ذلك الحال حتى أبحرت "غايان" إلى فيلادلفيا في صيف 2019.
رغم اسمها، يقع مقرّ شركة "ميدتيرنيان شيبينغ" بعيداً عن البحر في حيّ هادئ في جنيف. يُعرف قطاع الشحن بخصوصيته، لكن فكّ لغز العمليات الداخلية لهذه الشركة بالذات صعب جداً. هي إحدى شركات الشحن الكبرى القليلة غير المدرجة في البورصة، وفيما تشغّل خطّ سفن سياحية يعلن نتائجه السنوية، إلا أنها لا تنشر أي بيانات مالية حول نشاطها في مجال الشحن. كما يملك أبونتي مجموعة واسعة من شركات متصلة ومتداخلة تشرف على مشغلي عبّارات وصانعي زوارق سريعة ومحطات شحن، حتى أنه يملك جزيرة في الباهاما.
يترأس أبونتيو، وهو رجل أشيب ضئيل الجسد عيناه ثاقبتان، مجلس إدارة الشركة، ويرأس ابنه دييغو الشركة التي تتولى ابنته ألكسندرا رئاسة مسؤوليها الماليين. منذ عامين وبعد ضبط "غايان" عيّن أبونتي سورين توفت، تنفيذي مخضرم لدى المنافسة "أي بي مولر- ميرسك" (AP Moller-Maersk)، رئيساً تنفيذياً لأعمال الشحن، وهي أول مرة يشغل فيها شخص من الخارج هذا المنصب.
تتفاخر العائلة بالقول إن مياه البحر تجري في عروقها وتباهي بوثائق شحن تعود إلى القرن السابع عشر تحمل اسمها. ولد أبونتي في سانت أنيلو على خليج نابولي، وكانت عائلته تعمل بنقل السلع والركاب عبر مياهه. كما عمل بحاراً وتدرب كقبطان وخدم تحت إدارة أخيلي لاورو، عمدة نابولي السابق وأحد أقطاب قطاع الشحن. أبحر أبونتي على زوارق فابوريتي التي تقلّ السياح الأثرياء إلى الجزر السياحية المجاورة مثل كابري وإسكيا، والتقى زوجته رافاييلا ديامانت، وهي ابنة مصرفي سويسري، في رحلة من تلك.
نموذج أعمال ذكي
اشترى أبونتي في 1970 سفينة نقل بضائع سائبة ألمانية وأسس "ميدتيرنيان شيبينغ". في العام التالي اشترى سفينة سماها باسم زوجته ثمّ طفق يشتري سفن حاويات. حين دخل أبونتي قطاع الشحن، كانت تهيمن عليه شركات عريقة مثل "ميرسك" (Maersk) و"هاباغ لويد" (Hapag-Lloyd)، اللتين ترجع بداياتهما إلى القرن التاسع عشر.
تمكّن من صنع مكانة خاصة لنفسه عبر تسيير رحلات على خطوط بحرية لم تكن تغطيتها كافية. كما طوّر نموذج أعمال ذكي بشراء سفن حاويات مستعملة بعضها كان في ساحات الخردة ثمّ أعاد تأهيلها لتبحر مجدداً. تميزت "ميدتيرنيان شيبينغ" أيضاً بتركيزها على السعر أكثر من سرعة التوصيل.
قال لارس جينسن، مؤسس الشركة الاستشارية "فيسبوتشي ماريتيم" (Vespucci Maritime) والمدير التنفيذي السابق في "ميرسك" إنه في السنوات الأولى "كانت هناك دعابة في القطاع تتندر بأن معنى اختصار اسم الشركة (MSC) هو: السفينة قد تأتي... ستصل شحنتك في النهاية لكنك لا تعرف متى بالضبط".
مكّنت هذه الاستراتيجيات أبونتي من توسيع إمبراطورتيه بشكل شبه عضوي بدل الاستحواذ كما فعل معظم منافسيه. أضافت "ميدتيرنيان شيبينغ" خطوطاً إضافية في آسيا والولايات المتحدة وأميركا الجنوبية وبحلول الألفية الثالثة بات شعارها "اليابسة تغطي ثلث الأرض ونحن نغطي الباقي". لكن فيما كان أبونتي يبني "إم إس سي ميدتيرنيان شيبينغ"، كانت منظمة إجرامية متنفذة تبني أعمالها البحرية.
بعد منتصف ليل 30 مايو 2010، كانت سفينة "أوريان" من أسطول "ميدتيرنيان شيبينغ" تبحر في القنال الإنجليزي نحو أنتويرب في بلجيكا حين بدأ زورق صيد محار يحمل اسم "غالواد واي مور" (Galwad-Y-Mor) يقوم بمناورات غريبة قربها، فيتقدم السفينة العملاقة تارة ويعود ليبحر خلفها تارةً أخرى.
قال مدعون بريطانيون إنه حين اقتربت "أوريان" من القارب رمى طاقمها نحو 11 كيساً مقاوماً للبلل من السفينة وفيها 255 كيلوغراماً من الكوكايين يُقدّر سعره بـ 80 مليون دولار.
بعد جمع الأكياس توجّه البحارة الأربعة الذين كانوا على متن القارب وبينهم واحد من مونتينيغرو إلى خليج فريش ووتر المجاور حيث استخدموا أثقالاً معدنية لإغراق المخدرات وربطوها بعوامة ليأتي المهربون ليأخذوها لاحقاً.
لكن ذلك لم يحصل، فقد كانت شرطة مكافحة المخدرات البريطانية تراقب العملية وقبضت على طاقم القارب إضافة لشخص متآمر معهم. حكم على الخمسة بالسجن لفترات طويلة خلال العام التالي، لكنهم ما يزالوا مصرين على براءتهم بعد مرور أكثر من عقد على القضية.
كارتيل البلقان
أدت الحادثة لفتح تحقيق في أوروبا حول اختراق شبكات الجريمة المنظمة لشركات الشحن، حسب شخص مطلع على المسألة. بعد مراجعة الشرطة في إسبانيا وبلجيكا وهولندا، اكتشفت السلطات البريطانية أن ما حصل على متن "أوريان" لم يكن حادثاً فردياً، فقد رصدت كلّ من هذه الدول نقل كوكايين عبر المحيط الأطلسي على متن حاويات شحن تملكها شركات مختلفة، حُمّلت بعدها على متن قوارب أصغر قبل أن تبلغ الشحنات الموانئ.
تمكّن هذه المناورات المعروفة باسم "التوصيل" المهربين من تفادي الموانئ الرسمية حيث ترتفع مخاطر ضبط الحمولات، لكنها تعني أيضاً اضطرارهم لتجنيد بحارة سفن الشحن التجارية ودفع أموال لهم كي يرموا المخدرات عن ظهر السفينة.
أحالت السلطات البريطانية القضية إلى يوروبول، التي تنسق التحقيقات الإجرامية عبر الحدود بين الدول الأوروبية. عقد عملاء من بريطانيا وإسبانيا وبلجيكا ونيوزيلندا اجتماعاً في 2012 واتفقوا على جمع كلّ ما لديهم من معلومات حول عمليات توصيل المخدرات وإدخال تفاصيل القضايا في قاعدة مشتركة للمعلومات الاستخبارية تتبع يوروبول. ظهر أنه رغم استخدام عديد من الشركات الكبرى، إلا أن الاسم الأكثر تكرراً كان "ميدتيرنيان شيبينغ".
يستخدم عديد من منظمات التهريب الأوروبية التوصيل بحراً، لكن معروف أن كارتيل البلقان متخصص بها، وهو قوة صاعدة في مجال تجارة الكوكايين دولياً تضمّ ثلة عصائب في خمس دول تربطها لغة مشتركة هي الصربية-الكرواتية.
بدأ كثير من هذه العصابات كمجموعات عسكرية خلال حرب البلقان في التسعينات ثمّ تحولت للاتجار بالسلاح وتهريب السجائر وسرقة السيارات وغسل الأموال، وهي تضمّ في صفوفها عناصر شرطة سابقين وعملاء استخبارات.
تتعاون الفصائل المختلفة التي تشكل هذه العصابات، لكنها تتنافس أيضاً. اكتسب بعضها سمعة سيئة لوحشيته، فقد عثرت الشرطة في مداهمة بأحد ضواحي بلغراد العام الماضي على فرّامة لحوم بها آثار حمض نووي بشري.
فيما ينشط الكارتيل في كافة أنواع الجرائم، قال محققون أميركيون إن إيراداته تأتي بشكل أساسي من الكوكايين. تتسم هذه العصابات أيضاً بقدرتها على الابتكار، ففي بداية الألفية شرعت تبني شبكة لوجستية تمتد بين ضفتي الأطلسي.
زرعت عناصرها في صفوف المنتجين في أميركا الجنوبية وبنت شبكة واسعة من العلاقات معهم، تصل حتى المعامل الفردية في أعماق الأدغال، كما بنت شبكات توزيع للمخدرات بالجملة في أوروبا.
أمّنت العصابات شبكة إمدادها في البداية عبر سفنها الخاصة، التي كانت في كثير من الأحيان تنقل حمولات مباحة مثل الصويا وغيرها من البضائع السائبة، ولدى نقل حمولات غير مشروعة، كان المهربون يستعينون بقبطان وطاقم فاسدين.
ثمّ بدأ كارتيل البلقان يضاعف اعتماده على ما يسمّيه مسؤولو إنفاذ القانون الحاليون والسابقون ميزتها التنافسية الأساسية: بحارة من البلقان. يتحدر عديد من أولئك البحارة من مونتينغرو، وهي دولة صغيرة في البحر الأدرياتيكي صاحبة تاريخ بحري عريق يمتد لقرون وتضمّ عديداً من المدارس لتدريب بحارة معتمدين. حتى أن مدارسها الثانوية تُعدّ الطلاب لمهن بحرية. أسهم كلّ ذلك بجعل البلاد وجهة تجنيد جذابة للعصابات الإجرامية، التي تسعى لاستغلال المياه الدولية في التهريب.
اختراق طواقم السفن
حملت قضية "أوريان"في طياتها ما يذكّر بعمليات تهريب سابقة لكارتيل البلقان استخدم فيها سفنه وطواقمه الخاصة. اتضح ليوروبول حديثاً أن المهربين بدؤوا يزرعون بحارة فاسدين على السفن التابعة لكبرى شركات الشحن.
بدأت دول أوروبية أخرى بحلول 2013 تشكّ بأن الكارتيل تمكن من اختراق طواقم "ميدتيرنيان شيبينغ". برغم أن نتائج هذه التحقيقات كانت بالغة الحساسية، إلا أنها كانت تتسرب إلى العلن بين فينة وأخرى.
نشرت مديرية شرطة مونتينغرو في نوفمبر من ذلك العام تقريراً في 100 صفحة عن الجريمة المنظمة في البلقان، وخصصت جزءاً منه لقضية الاتجار بالكوكايين جاء فيه أن العصابات في هذه المنطقة "أنشأت شبكات من أعضاء مؤقتين يتألفون عادة من بحارة من مونتينيغرو وصربيا وكرواتيا يعملون بشكل أساسي على سفن حاويات تتبع (ميدتيرنيان شيبينغ)".
بدأت شرطة إسبانيا في العام التالي بتعقب عصابة مهربين من مونتينيغرو وصربيا يعدّون شحنات كوكايين لتُنقل عبر الأطلسي على متن سفن تتبع "ميدتيرنيان شيبينغ" ويرميها الطاقم قبالة السواحل الأوروبية. تظهر سجلات المحكمة كيف يسيطر حلفاء العصابة في أميركا الجنوبية "على أسطول ضخم من البحارة على متن سفن (ميدتيرنيان شيبينغ) " يمكنهم المساعدة بتهريب كميات ضخمة من الكوكايين إلى شمال أوروبا.
أشار تقرير آخر لمديرية شرطة مونتينيغرو في 2015 إلى أن طريقة تهريب الكوكايين الرئيسية التي تعتمدها مجموعات الجريمة المنظمة في البلقان ما تزال "سفن حاويات (إم إس سي ميدتيرنيان شيبينغ) العاملة على خط أميركا الجنوبية-غرب أوروبا". تواصل مسؤولون من هولندا وبلجيكا وبريطانيا في تخوم 2016 مع الشركة، وفي طليعتهم شرطة هولندا. قدموا لها تفاصيل مختارة جُمعت من التحقيقات وطلبوا مساعدتها في مكافحة توصيل المخدرات.
كما أبلغوا الشركة أن كارتيل البلقان استخدم وكالة توظيف طواقم السفن في المنطقة ليضع بحارة فاسدين على سفنها، حسب رئيس شرطة ميناء روتردام يان يانسي، الذي شارك فريقه بالتواصل مع الشركة.
كما أُنذرت الشركة. قال يانسي: "أبلغناهم بما شاهدنا وأن هذا يجب أن يتوقف وأنه إن لم يتوقف سيواجهون خطر أن نفعل ما فعلته الولايات المتحدة لاحقاً: حجز سفنهم".
لم يتضح ما الذي فعلته "ميدتيرنيان شيبينغ" بهذه المعلومات. قال بروم، المتحدث باسمها، إنه ليس لديهم أي سجل حول انعقاد لقاء كهذا في جنيف في 2016. أضاف: "التقت (ميدتيرنيان شيبينغ) على مرّ السنوات مع عديد من سلطات الجمارك وإنفاذ القانون لمناقشة مخاطر الاتجار بالمخدرات في إطار تعاوننا مع دول عديدة".
قال يانسي إنه يعتقد أن الشركة اتخذت إجراءات أمنية إضافية عبر استبدال وكالة التوظيف التي تتعامل معها في البلقان، بعدها أخذت عمليات التوصيل التي ترصدها الشرطة الهولندية تتراجع حتى اختفت برمتها. لكن المهربين أصبحوا أكثر ابتكاراً.
توسيع قناة بنما
وصلت كميات قياسية من الكوكايين لشمال أوروبافي 2016، ويُعزى ذلك جزئياً لزيادة الإنتاج في أميركا الجنوبية. كما وردت أدلة تشير إلى أن المهربين تخلوا عن المرور الاعتيادي عبر إسبانيا، مفضلين عليها موانئ ضخمة لسفن الحاويات في بلجيكا وهولندا. تخطت بلجيكا إسبانيا للمرّة الأولى لتصبح الدولة التي ضُبطت فيها أكبر كميات من الكوكايين، حسب تقرير للاتحاد الأوروبي عن المخدرات.
أتمّت بنما ذاك العام توسيع قناتها بتكلفة 5.4 مليار دولار ليصبح أضيق أجزائها لا يقل عن 55 متراً بعدما كان 33 متراً، متيحاً عبور سفن عملاقة ورافعاً عدد الشحنات القابلة للمرور فيها ثلاثة أضعاف. رحبت الشركات بالتوسعة، لكن أمين عام الإنتربول يورغن ستوك حذّر في خطاب في بنما بعد شهر من إتمامه أن المشروع قد يسرّع تدفق الكوكايين عبر الأطلسي.
بدأت "ميدتيرنيان شيبينغ" تسيير خطاً بحرياً مستفيدةً من توسيع القناة. كان عديد من سفنها يُحمّل بالخضار والفاكهة في تشيلي وبيرو وكولومبيا، ثمّ تتوقف في محطات في البهاما وفيلادلفيا قبل أن تعبر الأطلسي نحو الموانئ الضخمة في شمال أوروبا.
أطلق مسؤولو الميناء في فيلادلفيا على هذا الخطّ البحري اسم "فيلادلفيا إكسبرس" وقالوا إنه سيسهم بتعزيز الاقتصاد المحلي وبتحويل المنطقة إلى بوابة كبرى للمنتجات الطازجة على الساحل الشرقي.
ما هي إلا أشهر حتى بدأت سفن "ميدتيرنيان شيبينغ" العملاقة تعبر نهر ديلاوير حاملة التوت والمانغو والهليون. تضاعفت سعة الحاويات التي تنقلها الشركة من ساحل المحيط الهادئ قبالة أميركا الجنوبية إلى أوروبا ثلاثة أضعاف تقريباً بين يونيو 2016 ويونيو 2019، حسب شركة "بلو ووتر ريبورتينغ". بات "ميدتيرنيان شيبينغ" تهيمن على نحو نصف سعة كافة الحاويات على هذه الخطوط بحلول 2019.
كما فتحت خطوطها فرصاً جديدة للمهربين. ثمّة مقولة يرددها عملاء مكافحة المخدرات وهي: "المهربون يعملون في مجال الإمداد". سخّر المهربون عديداً من نقاط قوة شركات الشحن الكبرى، عبر نقل سلعهم عبر سيل متدفق من حاويات الشحن.
يصل معظم الكوكايين الذي يدخل الولايات المتحدة براً من المكسيك، لكن الجغرافيا قضت بأن يبلغ أوروبا جوّاً أو بحراً. لكن بحلول 2016، وصلت الكمية الأكبر من الكوكايين عبر سفن شحن تجارية.
تشارك المعلومات
مع تفاقم ارتفاع كمية الكوكايين المهربة إلى أوروبا لمستوى أزمة، عرض مسؤولون أوروبيون مشاركة مزيد من المعلومات حول ضبط المخدرات مع نظرائهم الأميركيين، وسرعان ما برزت حقيقة واحدة: بعض السفن التي عُلم بنقلها كوكايين إلى أوروبا توقفت في موانئ أميركية برهةً، وكانت بعضها سفن من "ميدتيرنيان شيبينغ" أبحرت عبر فيلادلفيا.
بدأ ذراع التحقيق الرئيسي التابع لوزارة الأمن الداخلي الأميركية، المعروف بجهاز تحقيقات الأمن الداخلي، بالعمل مع شركائه الأوروبيين لتحليل أكبر عمليات ضبط الكوكايين، بالأخص في أنتويرب وروتردام.
اطلع عملاء جهاز تحقيقات الأمن الداخلي على الأدلة التي جمعتها سلطات الجمارك بشأن بيانات الشحن وتحركات السفن في أميركا الجنوبية، واكتشفوا أنه فيما كانت معظم كميات الكوكايين المتجهة إلى أوروبا تأتي سابقاً من ساحل أميركا الجنوبية الشرقي، بالأخص البرازيل، إلا أن هذا بدأ يتغير في السنوات الماضية فأصبح معظمه يأتي من موانئ السواحل الغربية أو جوارها، مثل ميناء كاياو في بيرو وغواياكيل في الإكوادور.
اعتقد المحققون في البداية أن المخدرات تُهرّب بأساليب تقليدية، مثل تخبئتها إلى جانب شحنات مباحة تُعبأ في المستودعات أو المزارع، أو عبر اختراق متآمرين للحاويات وإخفاء الكوكايين داخلها. كرّس جهاز تحقيقات الأمن الداخلي منذ 2017 أشهراً لاكتشاف التقنيات التي يستخدمها المهربون، أولاً في كولومبيا ثمّ في بنما، حسب شخصين مطلعين على التحقيقات. مع ذلك، ظلّ العملاء يصطدمون بطريق مسدود.
بدأ عملاء جهاز تحقيقات الأمن الداخلي إلى جانب عملاء الجمارك الأميركيين بمداهمة سفن الشحن لدى اقترابها من فيلادلفيا وتفتيش أجنحة طواقمها وغرف المحركات، ختى أنهم فتشوا عمود عنفة إحدى السفن ذات مرة. لم يعثروا على شيء في معظم الحالات، إلا أن البحث مكنهم من الاستفراد بأفراد طواقم سفن سعياً لتجنيدهم لصالح أجهزة الإنفاذ، حسب مسؤولي أميركي كبير سابق.
استخلص المحققون بحلول 2018 أن المهربين ما عادوا يستخدمون طرق التهريب التقليدية وأنهم يستخدمون بحارة متحدرين من البلقان في سفن الشحن التابعة لشركة "ميدتيرنيان شيبينغ" لتحميل المخدرات فيما تكون السفن في عرض البحر.
بذل المحققون كلّ جهد ممكن لاختراق هذه الشبكة عبر التنصت على الاتصالات وزرع مخبرين، وأخيراً سنحت لهم الفرصة التي كانوا ينتظرونها.
"هاتف المخدرات"
حين بدأ ألكسندر كافايا يستعدّ لرحلته على متن "غايان" في ربيع 2019، كان مسقط رأسه مدينة بار في مونتينيغرو قد بات معقلاً لتجنيد أعضاء لكارتيل البلقان. قال سكان محليون إنه لم يكن يصعب اكتشاف البحارة الضالعين بتجارة الكوكايين، فقد كان أغلبهم يملكون سيارات مازيراتي ومنازل جديدة مطلّة على البحر الأدرياتيكي.
تضمّ بار، المدينة الشاطئية الصغيرة العتيقة المزينة ببساتين الزيتون، أكبر ميناء بحري في مونتينيغرو. هناك تجد "ميدتيرنيان شيبينغ" في كلّ مكان، فالمدينة هي محطة لخطّ السفن السياحية الذي تسيّره، ولديها أيضاً مركز لتدريب البحارة في شمال المدينة وهو أحد مراكزها الأربعة والبقية في الهند وإيطاليا وأوكرانيا.
من أصل 6 آلاف بحار في مونتينيغرو، يعمل 2250 لدى "ميدتيرنيان شيبينغ"، حسب ميمو دراكسوفيتش، رئيس البرنامج الدراسي المتخصص بالإدارة البحرية في كلية الدراسات البحرية في كوتور.
كان كايافا من أولئك البحارة، وقد ترعرع في ضواحي بار في مزرعة تملكها عائلته منذ أجيال. تعمل والدته رانكا في مطعم للفقراء فيما يترزق والده رادوسلاف من صنع حليّ من الأصدف وبيعها للسياح. كان جدّه بحاراً، وقد غمر الحبور عائلته حين تخرج وحصل على وظيفة لدى "ميدتيرنيان شيبينغ" بدخل 4500 يورو (4750 دولاراً) شهرياً، أو عشر مرات ما كان يجنيه والداه. في 2015 بلغ ألكسندر 21 عاماً وانطلق إلى البحر.
خلال السنوات التالية، أبحر على متن أربع سفن لشركة "ميدتيرنيان شيبينغ" على الأقل وهي "لورينا" و"ديانا" و"ديلا" و"إريكا". كان مكلّفاً بتركيب الأجهزة الكهربائية وتوصيل أسلكتها وإصلاحها، وتوقفت به السفن في محطات في كوريا الجنوبية وبنما ومالطا ومناطق بعيدة أخرى.
إلا أنه لم يكن يحب وظيفته والأشهر التي يقضيها بعيداً عن عائلته. قالت أمه: "هو ليس بحاراً في قلبه". لكنه كان ملتزماً بإعالة أسرته. في يوم من أواسط أبريل 2019 تناول كافايا الغداء في مقهى في بار قبل بضعة أيام من موعد التحاقه بسفينة "غايان" في ميناء أنتويرب، في رحلته السادسة على متن سفينة تتبع "ميدتيرنيان شيبينغ".
خرج من المقهى بعدما أنهى وجبته فاقترب منه رجل لا يعرفه وقال له: "نعرف من أنت ومن هي عائلتك ونعرف أنك ستغادر على متن تلك السفينة بعد خمسة أيام"، وذلك حسب وثائق مقدمة إلى المحكمة في الولايات المتحدة.
أعطاه الرجل هاتفاً جوالاً أسماه المدعون "هاتف المخدرات" في الوثائق المقدمة أمام المحكمة، وقال لكافايا إن الخيار له: يمكنه أخذ الهاتف والانصياع للأوامر أو أن يخاطر بسلامته وسلامة عائلته. إن وافق سيحصل على 50 ألف دولار مكافأةً، أي راتب سنة كاملة، فأخذ الهاتف.
ضبط سفن سابقة
قبل شهرين من صعود كافايا إلى متن "غايان"، تلقى عملاء مكافحة المخدرات معلومات تفيد بوجود كمية كوكايين على متن سفينة أخرى تتبع "ميدتيرنيان شيبينغ" اسمها "كارلوتا"، حسب شخص مطلع على التحقيق. كانت السفينة متجهة إلى ميناء نيوارك في نيوجرسي، الذي تستخدمه الشركة أحياناً كبديل احتياطي لميناء فيلادلفيا. لدى وصول "كارلوتا" فتشها العملاء وعثروا على 145 كيلوغرام كوكايين مخفي في حاوية فاكهة مجففة.
كانت تلك أكبر عملية ضبط مخدرات في نيوارك منذ 25 عاماً.
سرعان ما استرعى حجم الشحنة الاهتمام، فانهمرت الموارد على جهاز تحقيقات الأمن الداخلي وإدارة مكافحة المخدرات، وبدأ عملاء الأمن الداخلي في نيويورك يعملون مع القسم الدولي في إدارة مكافحة المخدرات، الذي يتعقب كارتيل البلقان منذ سنوات من مكتبه في كرواتيا.
كشفت مداهمة نيوراك أدلة جديدة. جمع المحققون بيانات بعض الحاويات المثلجة على متن "كارلوتا" التي تسجل التغيرات المفاجئة في الحرارة داخلها. أشارت البيانات إلى أن بعض الحاويات فُتحت فيما كانت السفينة في عرض البحر. قال أحد المطلعين على التحقيق: "أظهر ذلك بوضوح أن أمراً ما كان يحدث في عرض البحر".
خلال تفتيش سفينة أخرى تتبع "ميدتيرنيان شيبينغ" في ذلك الربيع، وجد العملاء جهاز لاسلكي صغير بموجتين في غرفة فرد من الطاقم، حسب شخص مطلع على الاكتشاف. كان الجهاز مضبوطاً على تردد تستخدمه عادة المراكب الصغيرة، وأبلغ القبطان المحققين أن لا سبب لوجود مثل هذا الجهاز على متن سفينة شحن تجارية.
استجوب جهاز تحقيقات الأمن الداخلي عضو الطاقم المتحدر من البلقان لكن لم يعتقله. خلال عمليات تفتيش أخرى، وجد المحققون أدلة تشير إلى أن شخصاً على متن السفينة قطع سلكاً ليعطل جهازاً يحدّ من الوزن الذي يمكن للرافعات الصغيرة في مؤخرة السفينة أن تحمله.
ضبطت السلطات الأميركية شحنة ضخمة أخرى من المخدرات في 19 مارس، هذه المرّة على متن سفينة "ديزيري" التابعة لشركة "ميدتيرنيان شيبينغ" في فيلادلفيا. عثر مسؤولو الجمارك على أكثر من نصف طن كوكايين، وهي أكبر كمية ضُبطت في فيلادلفيا منذ نحو عقدين.
حدد العملاء بعدها على الأقل أربع سفن تابعة للشركة يعتقدون أن أفراداً من طواقمها متورطون بتهريب الكوكايين، وهي "كارلوتا" و"ديزيري" و"أفني" و"غايان".
لم يكن العملاء الأميركيون وحدهم من عثر على مخدرات. فقد اكتشفت سلطات البيرو في أبريل 2.4 طن من الكوكايين معبأة في 64 حقيبة وكيساً على متن "كارلوتا"، التي يبدو أنها عادت مباشرة لنقل المخدرات بعد ضبطها أول مرة. عثرت سلطات بنما بعدها على 1.3 طنّ من الكوكايين خلال تفتيش "أفني". كان المحققون الأميركيون قد شكّوا أيضاً بوجود الكوكايين على متن السفينة وكانوا يخططون لتفتيشها في فيلادلفيا، حسب شخصين مطلعين على التحقيق، إلا أن سلطات بنما سبقتهم.
تحميل الكوكايين في عرض البحر
أسهمت الأدوار التي يضطلع بها أعضاء الطاقم على متن السفن بميل الكفة لصالح المهربين. إذ يستطيع البحارة الاطلاع على بيانات أساسية، مثل مواقع الحاويات ووجهاتها. وقال محققون لاحقاً إن هذه المعلومات مكّنت المهربين من اختيار الصناديق التي تتسع لإخفاء كمية كبيرة من الكوكايين دون أن تشتبه بها سلطات الجمارك عند وصولها الحدود.
طرح ذلك تحدياً كبيراً أمام السلطات الأميركية بما أن المخدرات قد تكون مخبأة في أي مكان في تلال من الصناديق على متن السفينة.
إن تفتيش سفينة محمّلة بالكامل صعب جداً ويندر فعله، إذ إن عنابر الشحن عادة ما تكون مكتظة ويصعب بلوغ الحاويات. حمل العملاء أجهزة خاصة لمراقبة معدل الأكسجين في حال اضطروا للنزول عميقاً تحت سطح السفينة، حيث يمكن أن يتسبب صدأ الحديد بخفض معدل الأكسجين. كما حشدوا كلاباً تقتفي المخدرات وجلبوا كاميرات يمكن إدخالها إلى الحاويات الممتلئة بحثاً عن الكوكايين.
كما أبلغ العملاء شركاءهم سراً أنهم يحتاجون لتفتيش السفينة بالكامل ليستعينوا بخفر السواحل الأميركي وشرطة ديلاوير وشرطة فيلادلفيا، وحتى بفريق مهمات خاصة. لم يكن ينقصهم إلا معلومة استخبارية تصل في آخر لحظة ليعلموا أي سفينة يبنغي تفتيشها. حين بلغت "غايان" فيلادلفيا في يونيو، كانت كل الاستعدادات قد تمت.
فيما كانت "غايان" تبحر جنوباً نحو بنما، رنّ هاتف "المخدرات" الخاص بكافايا. قال محاميه إنه حين أجاب، طلب منه رجل أن يصعد إلى سطح السفينة، وحين فعل وجد أفراداً آخرين من الطاقم ينتظرون.
تشير الوثائق المقدمة أمام المحكمة إلى أن ثلاثة أشخاص آخرين كانوا قد جندوا أيضاً في مونتينيغرو قبل صعودهم إلى السفينة. كان دور كافايا الاتصال بالمهربين الذين يحملون الكوكايين في زوارق سريعة لإبلاغهم بموقع "غايان" ليعثروا عليها في الظلام.
كما جُنّد آخرون للمساعدة على نقل الحمولة الثقيلة. بالإجمال، شارك على الأقل ثمانية من 22 فرداً في طاقم "غايان" في عملية التهريب، ستة منهم من مونتينيغرو والآخران من ساموا.
كان كلّ منهم سيجني 50 ألف دولار أو مبلغاً أكبر بكثير، حسب دوره.
بيّنت سجلات المحكمة أنه حين كانت "غايان" قبالة ساحل بيرو، ساعد بحار من مونتينيغرو يدعى بوسكو ماركوفيتش بجمع أفراد الطاقم الذين انتظروا على ظهرها إلى جانب أربعة رجال يرتدون أقنعة تزلج. كان ماركوفيتش الضابط الأول في السفينة، وهي الرتبة التي تلي القبطان مباشرة، وهو المسؤول عن الشحنات والطاقم.
حين دنا زورق سريع من جانب السفينة العملاقة، شغّل الضابط الثاني إيفان دوراسيفيتش، وهو أيضاً من مونتينيغرو وله ثالث أعلى رتبة في السفينة، رافعة صغيرة لرفع شبكات عملاقة مليئة بأكياس سوداء ورزم الكوكايين. ما إن أصبحت الشباك على ظهر السفينة، حمل الطاقم المخدرات إلى أحد عنابر الشحن.
تمكّن الرجال من فتح مجموعة حاويات بعد كسر أقفالها الأمنية، ثمّ خبأوا الكوكايين داخلها، وأعادوا إغلاقها باستخدام أقفال مزيفة تحمل شعار "ميدتيرنيان شيبينغ". اضطروا أحياناً لقصّ كابلات فولاذية أو ثني حواجز معدنية لإدخال الكوكايين، ثمّ استخدموا اللحام والطلاء لإخفاء الضرر.
فيما أبحرت "غايان" نحو الجنوب، لاقتها على مرّ الأمسيات التالية ستّة زوارق سريعة على الأقل، حسب سجلات المحكمة. إلا أن السفينة لم تتوقف قطّ عن الحركة ولم يبد أنها أبطأت تقدمها حتى، حسب مسؤولي إنفاذ القانون. لقد أُنجز العمل فيما كانت السفينة تبحر في عرض البحر، وهو ما يتطلب مهارة ملاحية مذهلة.
العثور على المخدرات
كانت "غايان" بحلول يونيو قد بلغت أقصى نقطة توقف جنوبية لها في ميناء صغير في خليج كونسيبسيون قرب كورونيل في تشيلي وأقفلت عائدة. حين رجعت السفينة إلى ساحل بيرو وبدأت تتجه شمالاً نحو بنما، اقتربت منها ثمانية زوارق سريعة على الأقل، واستؤنفت عمليات الحمل والنقل ليلاً.
دخلت "غايان" المياه الإقليمية الأميركية بعد ظهر 16 يونيو متجهة نحو فيلادلفيا.
حين وصلت خليج دالوير، اتصل خفر السواحل بالقبطان وأمر السفينة بالتوجه نحو بيغ ستون أنكوراج، حيث تنتظر السفن التجارية عادة قبطاناً نهرياً مرخصاً متمكناً من الملاحة في القناة المحلية. لكن لدى دخول "غايان"، اقتربت منها ثلاثة قوارب دورية ومروحية ثمّ تسلق إليها فريق من عناصر إنفاذ القانون وحاصر عدد منهم طاقمها في المطبخ فيما توجّه آخرون إلى جسر السفينة للبحث عن خرائطها.
بدأ البحث عن المخدرات في الحاويات على ظهر السفينة فيما كانت في الخليج. عند الثالثة من فجر 17 من يونيو، بلغت السفينة محطة باكر أفينيو البحرية في فيلادلفيا المطلّة على جسر والت ويتمان الأخضر. كان أكثر من 100 عنصر ينتظرون، فهم كانوا يشكون بوجود الكوكايين على متن السفينة دون أن يعرفوا مكانه تحديداً. أجرى الفريق مسحاً لأيدي الطاقم بحثاً عن آثار مخدرات فوجدوها على بعضهم.
عند نحو السابعة صباحاً، فيما أشرقت الشمس على الخليج، حقق العناصر أول اكتشاف فقد عثروا على كمية كوكايين مخبأة في كيس خيش داخل إحدى الحاويات.
كان مدير الموانئ في إدارة الجمارك وحماية الحدود جوزيف مارتيلا في إجازة يوم وصول "غايان" إلى فيلادلفيا، لكنه تابع ما يحصل عن كثب عبر الهاتف ثم توجّه إلى الميناء. بعد العاشرة صباحاً، عُثر على حاوية أخرى مليئة بالكوكايين. اتخذ بعدها مارتيلا قراراً استثنائياً بتنزيل جميع الحاويات وعددها 4000 من السفينة لتفتيشها يدوياً.
بعد نحو أسبوع عمل، بحثت خلاله السلطات بين كميات هائلة من النبيذ والمكسرات والبطاريات الخردة، تمكنت من تحديد سبع حاويات تحوي كوكايين. أمضى عناصر الجمارك أياماً لوزن المخدرات وإحصاء الرزم وتسجيلها كأدلة.
يتذكر مارتيلا أنه في إحدى المرّات فيما كان العناصر يعملون بسرعة للانتهاء من مهمتهم، وجدوا أن غباراً أبيض يملأ المكان. أدرك أحدهم أن هذا لم يكن غباراً عادياً فطلب من الجميع استخدام كمامات.
ضُبطت 15 ألف رزمة كوكايين وزنها نحو 20 طناً وتفوق قيمتها مليار دولار. كان الاكتشاف إنذاراً للسلطات، ليس لهول الكمية فحسب بل لجرأة العملية أيضاً.
كان قائد المخطط على متن السفينة، أي الضابط الأول، مسؤولاً عن دوام أفراد الطاقم فضمن أن يعمل المتورطون في القضية في الوقت نفسه. كما كان هو والضابط الثاني مطلعين على تفاصيل أساسية تتعلق بالحاويات، حسب سجلات المحكمة. لقد استجوبت هيئة محلفين كبرى قبطان "غايان" لكنه لم يُعتقل ولم تُوجه له أي تهم.
حجز السفينة
أصدرت "ميدتيرنيان شيبينغ" بياناً في 18 يونيو بعد يومين من ضبط سفينة "غايان" قالت فيه إنها "على علم بالتقارير حول حادثة في ميناء فيلادلفيا ضبطت خلالها السلطات الأميركية شحنة غير شرعية... تأخذ (ميدتيرنيان شيبينغ) هذه المسألة على محمل الجد وهي ممتنة للسلطات لكشفها أي سوء استخدام لخدماتها. للأسف، تتعرض شركات الشحن والإمداد من حين إلى آخر لمشكلات تهريب".
واصل العملاء على مرّ 10 أيام استجواب عناصر الطاقم الذين ظلّوا محتجزين على متن السفينة. لقد استدعوا البحارة كلّ على حدة واستجوبوهم لساعات في مسعاهم لفهم كيف جرت العملية.
بدت رواية أفراد من الطاقم في البداية عن نقل كمية كوكايين توازي خمسة فيلة وزناً من زوارق سريعة فيما كانت السفينة مبحرةً كضرب من الخيال، إلا أن المدعين استصدروا مذكرة سمحت لهم بالحصول على سجل بيانات الرحلة، الذي يحتوي معلومات عن السفينة وتحركاتها، ووجدوا صور رادار تبين النقاط المختلفة التي اقتربت فيها زوارق صغيرة من "غايان" وبقيت إلى جانبها، حسب ثلاثة مسؤولين.
يُعدّ حجز السفينة إجراء متشدداً لكن اكتشاف تورط أفراد الطاقم بتهريب هذه الكمية الهائلة من الكوكايين شدّ عزيمة السلطات. في صباح الرابع من يوليو، صعد عناصر من إدارة الجمارك وحماية الحدود إلى متن "غايان" وسلموا القبطان مذكرة بحجز السفينة، وأُرسل تبليغ بحجز السفينة إلى مديري "ميدتيرنيان شيبينغ" عبر البريد الإلكتروني في اللحظة نفسها تقريباً.
قال المدعي العام ماكسوين في بيان: "حين تجلب سفينة هذا الكمّ الهائل من المخدرات الفتاكة إلى مياه فيلادلفيا، فإن مكتبي وشركاءنا في الوكالات الأخرى سيسعون لفرض أشد العقوبات".
سارعت "ميدتيرنيان شيبينغ" للعمل على إعادة سفينتها باهظة الثمن للإبحار. سُمح لها في 13 يوليو بمواصلة رحلتها إلى وجهتها الأصلية روتردام بعد دفع 10 ملايين دولار نقداً وكفالة 40 مليون دولار وتعهد بتعاون الشركة مع التحقيق الجاري.
حين وصل بوزو، المدير التنفيذي في "ميدتيرنيان شيبينغ"، إلى واشنطن في 27 أغسطس، كان احتمال تعرض الشركة لضرر على المدى الطويل نتيجة القضية يتنامى. فقد جمّد مسؤولو الجمارك درجة "التاجر الموثوق" الممنوحة للشركة بموجب برنامج يعود لزمن اعتداءات 11 سبتمبر يتيح لبعض شركات النقل تجنب عمليات التفتيش المطوّلة شرط التزامها ببعض البروتوكولات الأمنية.
وجّه المدعون في شرقي مقاطعة بنسلفانيا في تلك الأثناء اتهامات جنائية لأعضاء الطاقم الثمانية ومنهم كافايا والضابطان الأول والثاني، وقد أقرّوا جميعاً بالذنب وحُكم عليهم بالحبس في سجن اتحادي.
وراء الكواليس، اكتشفت السلطات الأميركية فصيلاً من كارتيل البلقان كان وراء تمويل العملية وتنظيمها، واكتشفت أن العصابة تحالفت مع شركاء في كولومبيا وشمال أوروبا لتوزيع المخاطر. كان لمجموعات عديدة حصص من الكوكايين على متن "غايان" لدرجة أن أحد مسؤولي إنفاذ قانون في الولايات المتحدة وصفها بأنها أشبه بشاحنة لشركة "أمازون".
غرامات طائلة
أجرت الحكومة محادثات مع "ميدتيرنيان شيبينغ" في الأشهر التالية لإقناعها باتباع إجراءات أمنية جديدة، مثل زيادة تواتر تغيير الطواقم وإلزامهم بالخضوع لاختبارات الكذب. عرضت الحكومة مقابل ذلك خفض الغرامات التي تواجهها الشركة، وقد فاق مجموعها 700 مليون دولار، شاملاً المفروضة على مضبوطات "كارلوتا" و"ديزيري"، وفق قانون حدد الغرامة بألف دولار لكلّ أونصة كوكايين.
تحوّل تركيز المحققين الفدراليين إلى قضية مصادرة مدنية، وهي خطوة تهدف لاسترداد الأرباح المستخدمة في ارتكاب جريمة. رغم أن استخدام "غايان" في ارتكاب جريمة مثبت، إلا أن "ميدتيرنيان شيبينغ" تستطيع الدفع بالبراءة بحجة أنها "مالك بريء". يتطلب ذلك أن تبيّن الشركة أنها ما كانت لتتوقع أن تُستخدم سفنها في تهريب الكوكايين، أو أنها اتخذت خطوات معقولة لمنع وقوع ذلك.
بحلول خريف 2020، بات واضحاً أن "ميدتيرنيان شيبينغ" غير مستعدة للتوصل إلى اتفاق مع الحكومة. أبلغت الشركة إدارة الجمارك وحماية الحدود أنها تخطط للطعن بالعقوبات المتعلقة بسفن "غايان" و"كارلوتا" و"ديزيري".
قدم محامو الشركة إلى مسؤولي الجمارك خلاصات التحقيق الداخلي الذي أجرته الشركة، وقال بروم المتحدث باسمها إن "ميدتيرنيان شيبينغ" لا تعترض على أن السلطات الأميركية وجدت نحو 20 طناً من الكوكايين في ميناء فيلاديلفيا، إلا أن التحقيق الداخلي الذي أجرته الشركة خلص لأن غالبية هذه الكمية لم تُحمّل في البحر، وأنه لا يمكن تحمّيلها في البحر". لم تعط الشركة تفاصيل إضافية حول المكان الذي تشكّ بأن المخدرات حُمّلت فيه وطريقة ذلك.
إن تمكنت الشركة من إثبات أن جزءاً من الكوكايين حُمّل على اليابسة، سيقلّص ذلك أهمية دور طاقمها في المخطط، ما يعني أن الحكومة قد تواجه صعوبة أكبر لتبرير فرض عقوبات قاسية عليها. كما يمكن استخدام ذلك كدليل إذا ما أحيلت قضية المصادرة إلى المحكمة. إلا أن مسؤولاً أميركياً على صلة بالتحقيق اعتبر أن مزاعم "ميدتيرنيان شيبينغ"" تتعارض مع الوقائع المثبتة أمام المحكمة مع إقرار أفراد الطاقم بالذنب والأحكام الصادرة بحقهم. قال: "هذا الموقف يتعارض مباشرة مع الوقائع التي وقفت عليها المحكمة".
الإنفاق على مكافحة التهريب
تجري الحكومة كذلك تحقيقاً جنائياً موسعاً أكثر حول أعضاء من كارتيل البلقان يُعتقد أنهم دبّروا عملية "غايان". قبضت سلطات مطار ميامي الدولي على غوران غوجيتش في 30 أكتوبر، وهو ملاكم من فئة الوزن الثقيل من مونتينيغرو، قبل أن يستقل طائرة متجهة إلى سويسرا.
اتهمه المدعون بإعداد لوجستيات تهريب الكوكايين على متن سفن شحن نيابة عن كارتيل البلقان، ومنها "كارلوتا" و"ديزيري" و"غايان". قال شخص مطلعين على التحقيق إن غوجيتش: "على الأرجح أدنى بمستويين أو ثلاثة من العقل المدبر للعملية"، إلا أن محاميه قال إن موكله متمسك ببراءته.
يمكن لأزمة "غايان" أن تشكل منعطفاً في القطاع. إذ يشبّه يانسي، مسؤول الشرطة الهولندي، ما يجري بالوضع الذي واجهته المصارف قبل عقدين حين ألزمتها القوانين الناظمة في عدّة دول بتتبع أفضل لنشاط عملائها الإجرامي والالتزام بمعايير امتثال صارمة، وذلك تغيير جذري في طريقة عملها كبّدها مليارات الدولارات.
شرح يانسي: "كنت منخرطاً في مكافحة غسيل الأموال قبل ثلاثين عاماً، وكانت جميع المصارف تقول إنه لا يمكنها النظر إلى أموال عملائها والاستنتاج أنها تأتي من أنشطة جرمية... ما عاد أي من المصارف يقول ذلك الآن، وهذا الأمر عينه الذي علينا أن نفعله مع كلّ شركات الشحن".
الآن اللحظة مناسبة أكثر من أي وقت مضى لشركات الشحن كي تنفق مزيداً من المال لمكافحة التهريب عبر سفنها، فحين انتعش الطلب على السلع الاستهلاكية بعد الانهيار الاولي خلال الوباء، ارتفعت أسعار الشحن، واستفادت الشركات من أرباح طائلة لا تتحقق إلا مرة كل جيل.
لقد جمعت أرباحاً قياسية بلغت 217 مليار دولار في 2021، وتتجه نحو تحقيق 275 مليار دولار هذا العام، حسب "دروري" (Drewry) لاستشارات الشحن. كما أن ثروة أبونتي الشخصية ازدادت بأكثر من الضعف خلال الوباء، لتبلغ 19 مليار دولار، حسب مؤشر بلومبرغ للمليارديرات. وقد سجلت شركته فورة في شراء السفن، حيث اشترت 128 سفينة مستعملة بين 2020 و2021، ليبلغ أسطولها 645 سفينة، متخطية "ميرسك" لتصبح شركة الشحن الأولى، حسب "ألفالاينر" (Alphaliner) المتخصصة ببيانات قطاع الشحن.
فيما تؤكد شركة "ميدتيرنيان شيبينغ" إنها لطالما أخذت الشؤون الأمنية على محمل الجد، إلا أنها تقرّ بأن حادثة "غايان" كانت "جرس إنذار"، وأعلنت بعد الحادثة أنها ستخصص 100 مليون دولار على امتداد خمس سنوات لترقية إجراءاتها الأمنية لمكافحة التهريب. قالت إنها تستخدم حالياً دوريات حراسة لسفنها التي تبحر إلى الساحل الغربي لأميركا الجنوبية، وكلاب تقتفي المخدرات في الموانئ الأخطر، وكاميرات مراقبة تشغل عن بعد على متن سفنها. أسهم كبير مسؤولي العمليات بوزو في وقت سابق هذا العام في تنظيم مؤتمر مع الأمم المتحدة والمنظمة العالمية للجمارك برعاية قطاع الشحن لمناقشة أفضل السبل الأفضل لمكافحة تجارة المخدرات. أجرت الشركة تغييراً كبيراً آخر، حسب شخص مطلع على آلية صنع القرارات الداخلية، فهي ما عادت تستخدم بحارة من مونتينيغرو على متن سفنها التي تعبر قناة بنما.
في غضون ذلك، تواصل "غايان" الإبحار في محيطات العالم. كانت آخر محطاتها تايلندا والسعودية ومصر والبرتغال، بعيداً عن الخطوط البحرية في أميركا الجنوبية.