بلومبرغ
أعلن الادعاء العام والجهات الناظمة الأميركية بعد جهود حثيثة جداً في 13 ديسمبر عن رفع قضايا احتيال جنائية ومدنية ضد الموصوم سام بانكمان فريد مؤسس بورصة العملات المشفرة المفلسة "إف تي إكس" (FTX) بعد يوم واحد فقط من اعتقاله في جزر الباهاما. تُبين التحركات المذهلة كيف تجمع السلطات الأميركية بين التقنية الجديدة لتفكيك تعقيدات العملات المشفرة مع قوانين العمل القديمة ضد غسيل الأموال والاحتيال في الأوراق المالية والاحتيال الإلكتروني لحماية المستثمرين والعملاء.
FBI يصطحبون قطب العملات المشفرة بانكمان فريد اليوم إلى أميركا
انهيار "إف تي إكس" إضافة لإخفاقات سابقة لبورصات وصناديق تحوط ووسطاء وجهات إقراض مرتبطة بصناعة العملات المشفرة ولّد انطباعاً بأن عالم العملات المشفرة عبارة عن ساحة لا يحكمها قانون ويتسلق الناس سلم النجاح فيها على حساب بعضهم بعضاً. لكن السلطات أظهرت أنها قادرة على الجمع بين التحقيقات السريعة وعمليات بحث صبورة تمتد لسنوات لضبط المحتالين.
اسألوا عن هذا جيمس تشونغ، الذي كان في 2012 طالباً بلغ عمره 22 عاماً يدرس علوم الحاسوب في جامعة جورجيا حين اكتشف عبر غلطة كيفية تنفيذ إحدى أكبر عمليات سرقة العملات المشفرة على الإطلاق. فيما كان يسحب "بتكوين" كان يحتفظ بها في "سيلك رود" (Silk Road)، السوق السوداء الإلكترونية سيئة السمعة، فقد نقر نقرة مزدوجة على زر السحب بالخطأ، فسحب ضعف وديعته، فأودع مزيداً من العملات المشفرة وسحبها بسرعة باستخدام النقر المزدوج في كل مرة، مستغلاً ذلك الخلل ليحصل على مكاسب غير متوقعة قدرها 50 ألف "بتكوين"، التي كانت قيمة كل منها حوالي 12 دولاراً حينها.
أكبر مصادرة عملات مشفرة
لكن تبين أن هذا النوع من الغش، حتى في مشروع غير قانوني مثل "سيلك رود"، الذي أغلقته الحكومة الفيدرالية في 2013، يعد احتيالاً إلكترونياً. كما يمكن ملاحقة عديد من جرائم العملات المشفرة الأخرى باستخدام بعض أدوات إنفاذ القانون الأكثر تنوعاً مثل قوانين غسيل الأموال والاحتيال في الأوراق المالية.
عندما اكتشف العملاء الفيدراليون بعد عدة سنوات أن تشونغ كان وراء تلك السرقة الكبيرة، استولوا على عملات "بتكوين" المسروقة، ما جعلها أكبر عملية مصادرة للعملات المشفرة وثاني أكبر عملية استرداد مالي في تاريخ وزارة العدل الأميركية. توصل عملاء هيئة الإيرادات الداخلية الذين يعملون مع المدعين العامين في المنطقة الجنوبية من نيويورك، إلى إنجاز في 2017، عندما انقسمت بتكوين إلى عملتين مشفرتين في عملية الترقية إلى "بلوكتشين" المعروفة باسم "هارد فورك" (hard fork). بقي لدى تشونغ 50 ألف "بتكوين"، وحصل أيضاً على 50 ألف رمز يُعرف باسم "بتكوين كاش"، وكان يساوي مبلغاً أقل بكثير.
بانكمان فريد يروي قصة انهيار بورصة "إف تي إكس" على "تويتر"
انكشف تشونغ عندما استخدم بورصة عملات مشفرة في الخارج لتحويل "بتكوين كاش" الذي يملكه إلى 3500 "بتكوين" كما ورد في الإفادة الخطية لهيئة الضرائب الأميركية. قول تايلر هاتشر رئيس المكتب الجنائي في هيئة الضرائب في لوس أنجلوس، إن ذلك ساعد العملاء بالتوصل إلى عنوان بروتوكول الإنترنت خاصته. قال هاتشر: "تتبعنا عنوان بروتوكول الإنترنت وصولاً إلى السيد تشونغ. تطلب ذلك منا أعمال استقصاء منتظمة ومراقبته ومعرفة مكان إقامته ونوع العمل الذي يمارسه". أقر تشونغ في الشهر الماضي أنه مذنب في جريمة احتيال إلكتروني، الادعاء بسجنه مدة تتراوح بين 27 و33 شهراً. رفض محامي تشونغ التعليق.
تعقيدات عالم التشفير
أظهرت القضية استيعاب عملاء إنفاذ القانون لمنحنى التعلم الحاد الذي يتطلبه التعامل مع العملات المشفرة. فقد حللوا البيانات التي استولوا عليها من مواقع الشبكة المظلمة مثل "سيلك رود" وأقاموا شراكات مع شركات تحلل حركة "بتكوين" عبر "بلوكتشين"، التي تعمل كقاعدة بيانات لمعظم التعاملات. سجلت الجرائم المتعلقة بالعملات المشفرة مستوى مرتفعاً بلغ حوالي 14 مليار دولار في 2021، وفقاً لشركة "تشاينلازيسز" (Chainalysis) لتحليل "بلوكتشين". رغم عدم التبليغ عن الغالبية العظمى من عمليات الاحتيال، إلا أن لجنة التجارة الفيدرالية قالت في يونيو إن 46 ألف شخص أبلغوا أنهم خسروا ما فاق مجموعه مليار دولار، في المقام الأول بسبب عمليات استثمار احتيالية خلال الخمسة عشر شهراً المنتهية في مارس.
تحقيقات أميركية حول سرقة 372 مليون دولار مرتبطة بإفلاس "إف تي إكس"
كانت قضية تشونغ واحدة من ثلاث عمليات ضبطت أخيراً وجعلت أحد أكبر مخابئ "بتكوين" في العالم في عهدة الولايات المتحدة وهو يضم 1.1% تقريباً من الرموز المميزة المتداولة. بدأت سلسلة الانتصارات هذه في نوفمبر 2020، عندما صادرت مصلحة الضرائب 69370 عملة بتكوين مسروقة من "سيلك رود". تخلى المخترق الذي عُرف عنه باسم "الفرد إكس" فقط عن رموز قيمتها مليار دولار. لم تمض سوى بضعة أشهر حتى باتت استعادة ما قيمته 3.36 مليار دولار من تشونغ في المرتبة الثانية عندما استعادت الحكومة 94636 "بتكوين" قدرت قيمتها حينها بنحو 3.6 مليار دولار، التي سُرقت من بورصة "بيتفينكس" (Bitfinex) للعملات المشفرة. اتهم الزوجان إيليا ليشتنشتاين وهيذر مورغان بغسل الأموال في هذه القضية في فبراير، ودفعا بالبراءة.
حياة تشونغ بعد السرقة
لا يبدو على تشونغ أنه من يقدم على عمل إجرامي في مجال العملات المشفرة، فقد كان طالباً متفوقاً في مدرسة "سنترال غوينيت" (Central Gwinnett) الثانوية في ضواحي أتلانتا قبل التحاقه بجامعة جورجيا في 2008. بدأ توجهه الإجرامي عندما استغل هذا العيب في البرنامج وفتح تسعة حسابات جديدة على "سيلك رود"، منها حساب سماه "ذا تورمينتور" (thetormentor). أودع 500 بتكوين وحصل على ألفي رمز رقمي في خمس عمليات سحب سريعة أتبعها بأكثر من 140 عملية سحب من هذا القبيل على مدى خمسة أيام.
تمتع تشونغ بحياة مرح طيلة عشر سنوات تقريباً بعد ذلك، ولم يتمكن المدعون العامون من العثور على 2148 عملة بتكوين كان قد جمعها. تظهر سجلات المحكمة أنه نقل بعضها من خلال ما يسمى بمنصات الخلط التي تصعب تتبع المعاملات من خلال خلط الرموز معاً. لقد حلّق على متن طائرات خاصة وقاد سيارات سريعة وأقام حفلات لحشود من الشباب واستثمر ملايين الدولارات في مشاريع عقارية في ممفيس، وفقاً لشهادات خطية ومقابلات مع الأصدقاء والجيران وشريكه التجاري كلايتون كيمكر.
بدأ كيمكر وتشونغ في 2019 نشاطاً تجارياً في مجال العقارات في ممفيس. قدم تشونغ تسعة ملايين دولار وتعهد بتقديم 32 مليون دولار لتأمين قرض بقيمة 60 مليون دولار لمشروعين إنشائيين، كما يقول كيمكر، الذي يعتقد أن تشونغ كان "عبقري كمبيوتر اكتشف (بتكوين) في وقت مبكر وهكذا جمع ثروته".
النهاية
انتهى كل شيء في نوفمبر 2021 حين داهم العملاء الفيدراليون منزله وحققوا معه بتهمة غسيل الأموال، حسبما قال تشونغ لكيمكر. عثر العملاء على 50491 بتكوين على أجهزة مخبأة في خزنة تحت ألواح الأرضية وعلى جهاز كمبيوتر ذي لوح واحد مخزن في علبة فشار تحت بطانيات في خزانة الحمام. لم يعلم كيمكر بما فعل تشونغ إلا عندما أعلن المدعون اعترافه بالذنب في 4 نوفمبر في محكمة فيدرالية في نيويورك.
وافق تشونغ على التنازل عن 42.7 مليون دولار، تمثل قيمة 2148 "بتكوين" مفقودة وعن حصته في مشاريع ممفيس. في جلسة اعترافه بالذنب بدا تشونغ مخبتاً. قال: "علمت أن سلوكي كان خاطئاً، وأنا أشعر بالأسف حقاً لما فعلته". أُطلق سراحه بكفالة بقيمة 310 آلاف دولار ومن المقرر إصدار حكم بشأنه في فبراير.