بلومبرغ
تتالت الضربات على "أبل" في الأشهر الأخيرة، وقد يُفوت توقف الإنتاج والاضطرابات العمالية في مصنع "أيفون" الضخم التابع لمجموعة "فوكسكون تكنولوجي" (Foxconn Technology) وسط الصين على الشركة فرصة بيع ملايين الأجهزة في موسم العطلات، أهم أوقات العام.
يتوقع معظم الاقتصاديين استمرار الركود العالمي العام المقبل وتراجع إقبال المستهلكين على شراء أجهزة "أبل" مرتفعة الثمن. كما تراجعت أسعار أسهم شركات التقنية فيما رفعت البنوك المركزية أسعار الفائدة بوتيرة متسارعة لكبح التضخم، ما أفقد "أبل" نحو 800 مليار دولار، أو نحو رُبع قيمتها السوقية منذ بدء العام.
يتزايد، بالتزامن مع ذلك، تدقيق على ممارسات "أبل" في متجر تطبيقاتها ضمن مساعي مكافحة الاحتكار. في الاتحاد الأوروبي، تستعد الشركة للسماح بعرض تطبيقات شركات أخرى على أجهزة "أيفون" و"آيباد" امتثالاً لقيود الاتحاد الأوروبي الصارمة التي يبدأ تطبيقها في 2024، حسب تقرير من بلومبرغ نيوز، وقد تؤثر تلك القيود التي ربما اتبعتها الولايات المتحدة ودول أخرى، على إيرادات الشركة من متجر التطبيقات التي بلغت 23 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في سبتمبر، حسب تقديرات محللين.
برغم تدفق الأخبار السلبية، تفوق أداء سهم "أبل" بشكل كبير منذ بداية العام حتى 16 ديسمبر مقارنةً بباقي عملاقات التقنية، التي انهارت أسهمها هذا العام. انخفض سهم "أبل" 24% فقط فيما خسر سهم "ميتا بلاتفورمز" 64% من قيمته كما هوى سهم "أمازون" 47%.
أثر التوزيعات
يرجع التفسير المبدئي لتفوق أداء سهم "أبل" إلى أرباحها الهائلة، فلا مفاجأة في تفوق أرباح أكبر شركة في العالم قيمتها السوقية 2.1 تريليون دولار على باقي شركات مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، فهي تتميز في خلد المستثمرين لمجرد التفكير بما يمكن أن تفعله الشركة بتلك الأرباح.
بلغت إيرادات الشركة من عملياتها 454 مليار دولار على مدى السنوات الخمس الماضية، وهو ما يفوق القيمة السوقية لشركتي "إكسون موبيل" و"جيه بي مورغان" معاً. لم تستخدم "أبل" تلك الإيرادات للاستحواذ على شركات بارزة، بل أعادتها كلها وفوقها زيادة للمساهمين عبر إعادة شراء الأسهم وتوزيعات الأرباح. رفضت "أبل" التعليق.
سيولة فائضة
قال كيمبرلي فورست، مؤسس وكبير مسؤولي استثمار شركة "بوكيه كابيتال بارتنرز" (Bokeh Capital Partners) لإدارة الأصول، التي تملك أسهماً في "أبل": "كان بإمكان (أبل) تنفيذ كل ما أراد المصرفيون منها أن تفعل مثل شراء (نتفليكس) و(ديزني) لكنها بدلاً من ذلك كانت أكثر تحفظاً وأعادت المال للمساهمين الذين كافأوا بدورهم الشركة".
تُعزز توقعات نمو أرباح "أبل" المستقبلية الأداء القوي للسهم، فبرغم انخفاض تقديرات أرباح قطاع التقنية في 2023، يتوقع محللو وول ستريت نمو أرباح "أبل" 2%، بينما يتوقع محللو بلومبرغ إنتليجنس انخفاض الأرباح المجمعة لشركات التقنية المدرجة في مؤشر "ستاندرد أند بورز" 2% تقريباً.
تكامل المنتجات
يمثل ولاء عملاء "أبل" عاملاً بارزاً أيضاً، حيث يتجاوز عدد مستخدمي أجهزة "أيفون" ملياراً، كما أن عديداً منهم لديهم منتجات أخرى من باقة "أبل" مثل "آيباد" وكمبيوتر "ماك" وساعات "أبل". بدمج عدد متزايد من الخدمات، مثل التخزين السحابي والتطبيقات المرتبطة بتلك الأجهزة، يصبح لدى "أبل" ما يُعرف بالمنصة "المتكاملة".
قال جيسون بينويتز، مدير محفظة في "روزفلت إنفستمنت" (Roosevelt Investment)، التي تملك أسهماً من "أبل": "بمجرد شراء عدد من منتجات وخدمات (أبل) تتكامل معاً ويصعب حينها التخلي عنها، لذلك لن يتحول المستخدمون إلى نظام تشغيل أندرويد لعدم توافر (أيفون) هذا الشهر لكنهم سينتظرون ولن يغيروا سلوكهم".
بيّن بينويتز أن "أبل" استفادت أيضاً من توقعات قدرة عملاء الشركة الأثرياء على مواصلة الدفع مقابل منتجاتها حتى إبان الركود.
لكن تبقى تلك الافتراضات محلّ اختبار، حيث قد تؤدي الاضطرابات العمالية بمصنع تجميع "فوكسكون" في جنغجو لنقص في الإنتاج بنحو 6 ملايين جهاز "أيفون برو" هذا العام، حسب تقرير من بلومبرغ نيوز. هناك من هو أكثر تشاؤماً، فقد توقع مينغ-تشي كو، وهو محلل مؤثر لدى "تي إف إنترناشيونال سيكيوريتيز" (TF International Securities) عجزاً بنحو 20 مليون جهاز "أيفون 14 برو" و"أيفون 14 برو ماكس" في الربع الأخير من العام الذي يأتي فيه موسم العطلات، كما حذر من اختفاء الطلب على أجهزة الشركة التي يصل سعرها إلى 1599 دولاراً في ظل تباطؤ الاقتصاد.
تشاؤم وتفاؤل
أعلنت "فوكسكون" في 15 ديسمبر تخفيف أغلب قيود كوفيد 19 بمصنعها في جنغجو، حيث تُجمع معظم أجهزة "أيفون برو". كانت الشركة أجبرت العمال على عزل لأسابيع مع وجبات قليلة للحد من تفشي كوفيد ومواصلة الإنتاج، ما تسبب باحتجاجات وعنف. قالت "فوكسكون" إن الاضطرابات العمالية "باتت تحت سيطرتها" وإن المصنع يتجه للعودة تدريجياً لطاقته الإنتاجية المعتادة. لكن مع عودة الإصابات للارتفاع وزيادة معدل البقاء في المشافي، قد يحدث انعطاف مفاجئ في سياسات صفر كوفيد الصينية يتسبب بمزيد من الانقطاعات.
هناك أيضاً من يشكك في نمو "أبل"، حيث يرى مايكل ليبرت، نائب الرئيس ومدير محفظة "صندوق بارون للفرص" أن قيمة عملاق التقنية مبالغ في تقديرها وأن أيام النمو السريع والابتكارات الرائدة انتهت. قال: "متى كانت آخر مرة ابتكروا شيئاً مذهلاً منذ ابتكروا (أيفون)؟ الذي لا يتطور إلا قليلاً" مع كل إصدار جديد.
يؤكد أداء سهم "أبل" هذا العام اختلاف عديد من المستثمرين مع ليبرت، حيث يرى سمير باسين، مؤسس "فاليو بوينت كابيتال" أنهم على استعداد لدفع المزيد لشراء سهم شركة ضخمة يُتوقع استقرار أرباحها في ظل التباطؤ الاقتصادي. أضاف باسين: "يحتكرون 15% من سوق أغنى سكان العالم... أن يكون لديك في هذه السوق ولاء من قاعدة العملاء، لا أعرف من هي الشركة الأخرى التي تحظى بمثل ذلك".