علاقات حب أضرّ بها التشفير تبدأ بالتعافي بعد انهيار عملاته

مهووسو العملات المشفرة أهملوا شريكات حياتهم وبعد تهاوي قيمتها حان وقت تعويضهن العاطفي

time reading iconدقائق القراءة - 21
رسم تعبيري لأرامل العملات المشفرة - المصدر: بلومبرغ
رسم تعبيري لأرامل العملات المشفرة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يعيش انصار العملات المشفرة أياماً عصيبة بعدما خسر مستثمرو بورصة "أف تي أكس" أموالهم وفيما تواجه بتكوين خطر أن تصبح ذكرى من الماضي تتطرق لها فقرة "هل تذكرون" في برنامج "أحب عشرينيات القرن الواحد والعشرين" على قناة "في إتش 1".

ليست الثروات كل ما يتلاشى، فقد ترك تكريس أيام وليال لاقتصاد رقمي مصمّم كلعبة فيديو أثره على العلاقات العاطفية لبعض الناس. فيما راحوا يطمئنون تكراراً على محافظهم الرقمية في "ميتاماسك" ومجموعاتهم من الرموز المشفرة لدى "أوبن سي" وقنوات الدردشة "ديسكورد"، أغفل عديد من المتحمسين للعملات المشفرة قراءة رسائل نصية من شركاء حياتهم أو الإجابة على اتصالاتهم أو حتى النظر إلى وجوههم على مائدة الطعام.

حوّلوا بذلك شريكات حياتهم إلى نساء جعلتهم العملات المشفرة أشبه بالأرامل وحان الآن وقت تعويضهن عاطفياً.

انخرط صديقي إيغور هيلر، 33 عاماً، وهو ممثل سابق يعمل مدرب حياة في لوس أنجلوس بشدّة في عالم التشفير لدرجة أن رفيقته كايسي مالون التي تعمل منتجة في شركة تواصل اجتماعي هددته بالانفصال عنه بعد علاقة استمرت أربع سنوات. تركزت معظم استثمارات هيلر في رموز غير قابلة للاستبدال، وهي أعمال فنية رقمية.

تتذكر مالون كيف جال نظرها في غرفة هيلر ذات مرة وحين رأت الضوء ينبعث من شاشة كمبيوتره توجهت نحوه لتقبله. استذكرت ما جرى قائلة: "بدأ يهز جسده نحو الأمام والخلف كما يفعل طفل صغير وقال: أريد أن أشتري دودة!... استدار من فوره واشترى رمزاً غير قابلٍ للاستبدال على شكل دودة، بدا كطفل في رواق الحلويات في المتجر. كان لسان حالي يقول: هل هذا هو الشخص الذي جئت لأقبّله؟ كان أمراً مزعجاً بحق".

ترتبط كانديس ناهيغيان، 27 عاماً، وهي محاسبة في كاليفورنيا بعلاقة عابرة للمسافات منذ ستّ سنوات تقريباً مع صديقها إدوارد أرابيان الذي يعمل في قسم الإشراف المالي في أحد مصارف تورونتو، وهما يخططان للزواج قريباً. إلا أنهما اضطرا للتعامل مع طرف ثالث في علاقتهما هو العملات المشفرة، تحديداً كانت إيثريوم.

قالت: "كنّا نتحدث عبر فايس تايم، فيجعل صورتي فائقة الصغر على شاشته كي يتابع سوق العملات المشفرة، كنت صديقة في صندوق... كنت أقول له: لا تجعلني أصغر من ذلك، أنا أصلاً بحجم يدك، فإلى أي مدى سأصغر؟"

الرجال أكثر المتداولين

قد يصيب هذا الشعور بالترمل الناجم عن العملات المشفرة أي شخص منخرط في علاقة عاطفية، إلا أن النساء المرتبطات برجال في عمر الشباب هنّ الأكثر عرضة للإحساس بهذا الشعور. أظهر استطلاع أجراه معهد "بيو" للأبحاث في يوليو أن 42% من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً استخدموا العملات المشفرة، مقارنة مع 17% من النساء فقط ضمن هذه الفئة العمرية. عادة ما تستقطب العملات المشفرة من تسحرهم أمور مثل جمع الحدّ الأقصى من النقاط في بطاقات الائتمان أو التوصل إلى استراتيجية نظرية اللعب المثلى في البوكر.

دخول مجال العملات المشفرة سهل جداً، إذ يكفي شراء جزء صغير من عملة بتكوين ببضعة دولارات بواسطة تطبيق إلكتروني حتى تتجلى أمامك تداخلات لا متناهية تستكشفها مع مجتمع من الناس على "ديسكورد"، وسرعان ما يأسرك هذا العالم.

لتصبح مستثمراً صلباً في مجال التشفير، لا بدّ أن "تنحلّ"، وهو مصطلح يستخدمه متداولو العملات المشفرة بفخر لوصف تحوّلهم إلى مقامرين منحلّين.

ولكن المقامرة "المنحلّة" على أمر معقّد ويزخر بعمليات الاحتيال تحتاج لمتابعة على مدار الساعة. فهي تتطلب جمع "الألفا" أي المعلومات الداخلية طوال اليوم. على عكس جلسات التداول في البورصة، فإن سوق العملات المشفرة لا تغلق قطّ وتشدّك لمتابعة أحداثها الشيقة.

يمكن للأسعار أن تنهار 20% خلال بضع ساعات فقط، ويكون هذا حين لا تتكبد بورصات العملات المشفرة والمقرضين خسائر أو تجمّد أموال عملائها. في أوقات الذروة، كان تفويت سكّ عملة جديدة أو طرح لرموز جديدة غير قابلة للاستبدال أشبه بـ"النوم" خلال فرصة العمر لجمع "ثروة تستمر أجيالاً"، أي ثروة هائلة لدرجة لن يضطر حتى أحفادك للعمل. بما أن فرص تحقيق الثروة هذه قد تتاح في منتصف الليل، لا يمكن للمتداول المنحلّ أن يحصل على قسط جيد من النوم.

نظام المكافأة بالدماغ

ساعدت ديبرا كابلان، المعالجة المتخصصة بالاضطرابات الناجمة عن الشؤون المالية في تسكون في أريزونا، ومؤلفة كتاب (Battle of the Titans: Mastering the Forces of Sex, Money, and Power in Relationships) في علاج مدمنين على العملات المشفرة كانوا قد وصلوا إلى شفير هاوية. هي متداولة سابقة في خيارات السلع وعملت لأربع سنوات في تداول العملات المشفرة. قالت: "حققت نجاحاً جيداً"، لذا هي لا تصدر أحكاماً مسبقة بحق المستثمرين في عالم التشفير الذين تصحبهم شريكات حياتهم إلى جلسات علاجية. قالت: "هم يجيبون: أنتِ لا تفهمين ما يحصل، أنا أعمل في مجال قد يجعلنا بالغي الثراء". هم يعتقدون أن عملهم في عالم التشفير مهم جداً لدرجة يتعين على علاقاتهم العاطفية أن تتكيف معه.

دأب صديقي هيلر على محاولة اقناع مالون بالانخراط في العملات المشفرة، فهو كان يطمح ليصبحا معاً "ثنائياً قوياً في عالم التشفير". لكن "بلوكتشين" ليس أساساً متيناً لأي علاقة عاطفية. قالت كابلان: "العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال كلّها أشياء برّاقة تسيطر على شق المكافأة في الدماغ... لكن ما الذي ستتجنبه؟ إنه الحميمية".

بعد كثير من المناقشات الطويلة وإعداد جدول بيانات "إكسيل"، توصل أرابيان وناهيغيان إلى حلّ وسط حول المساحة التي سيخصصانها لاستثماراته في زواجهما المقبل. تشعر ناهيغيان أن حديثهما عن العملات المشفرة "حسّن تواصلنا لأنه ركز على الأمور المالية". قال أرابيان: "شددنا على الأمور التي تجعلنا نرغب ببعضنا البعض، أقدّر علاقتي مع كانديس أكثر من علاقتي مع العملات المشفرة".

قلّص أرابيان الوقت الذي يمضيه في سوق العملات، وقال: "في الواقع لا يحصل الكثير حين التراجع، هذا يستمر إلى حين الاندفاعة المقبلة نحو الأعلى، عندها يعود الناس وتتكرر الدورة نفسها". ثمّ نظر بخجل إلى ناهيغيان على شاشة "زوم" التي كانت تجمعنا، معلقاً: "ما كان يجب أن أقول ذلك".

صبيان العملات المشفرة

طرحت المغنية سيلم إليس هذا الصيف أغنيتها (Crypto Boy) التي مثّلت صرخة باسم كلّ من سئم السماع عن الرموز الرقمية. تقول كلمات الأغنية: "لا تهمني عملاتك المشفرة يا صبي، ولا حتى بقيمة بتكوين واحدة، الرئيس التنفيذي للبطالة، ما عاد لديّ ما أعطيه لصبي عملات مشفرة آخر".

قالت إليس وهي فتاة في العشرينات تقيم في خليج سان فرانسيسكو إنها التقت بصبيان عملات مشفرة، كما تصفهم، من لوس أنجلس إلى نيويورك. تحدثت عنهم قائلة: "هو الشاب الذي يقترب منك في حانة ويستعرض لك محفظته الرقمية".

بيّنت إليس أن أكثر ما فاجأها في ردّة الفعل على الأغنية كان استمتاع صبيان العملات المشفرة بها. دعاها غاري فاينيرشوك، رائد ثقافة العمل المفرط وبطل صبيان العملات المشفرة في كلّ مكان، للغناء في مؤتمر "في كون" (Vee Con) المتخصص بالجيل الثالث للويب الذي استمرّ ثلاثة أيام في مينيابوليس. قالت إليس: "لقد أحبوا الأغنية، أقدر أنهم تقبلوا المزحة جيداً".

سألتُ فاينيرشوك ما إذا كان صبيان العملات المشفرة الذي يتبعونه يدمّرون علاقاتهم العاطفية. أجاب في رسالة إلكترونية: "بالطبع سمعت عن بعض هذه الحالات. لكن قيل الأمر نفسه عن ألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي".

قال تيموثي فونغ، أستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس والمدير المشارك لبرنامج دراسات القمار في الجامعة إن الاستثمار في العملات المشفرة مشابه كثيراً للإدمان على ألعاب الفيديو، ويمكن أن يسبب المشاكل نفسها في العلاقات العاطفية. قال: "لا يتعلق الأمر بخسارة المال فحسب، ولكن أيضاً بخسارة الوقت الذي نمضيه مع بعضنا بعضاً... يدور الجدل حول أمور مثل: لماذا لا نخرج على العشاء؟ لماذا تبقى مستيقظاً حتى الساعة الثانية فجراً؟ الأمر أشبه بخيانة عاطفية لأنهم غير متواجدين".

تشبه إدمان القمار

أظهرت دراسة تعود إلى 2019 أجراها مركز دراسات القمار التابع لجامعة روتجيرز كان قد رصد فقاعة سابقة في مجال العملات المشفرة أن معظم الذين يقامرون مرّة واحدة على الأقل في الشهر، يتداولون العملات المشفرة أيضاً. يرى فونغ أن بعض الأشخاص الذين يشدّهم عالم التشفير يعانون بعض مشاكل الصحة العقلية الكامنة مثل القلق والاكتئاب واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه واضطراب ما بعد الصدمة، ما يجذبهم إلى أنشطة يسعون فيها باستمرار خلف أمور تجلب لهم السرور السريع.

قال فونغ: "في كل مرّة أقول فيها لمريض ما، إن ما يمرّ به هو اضطراب قمار، وسأضعه في التقرير الخاص به، لا يعجبه الأمر". هم يعترضون على ذلك ولا يعتبرون أنفسهم مقامرين، فيسألهم: "ما الفرق بين ما تقومون به وبين المراهنة بمئة دولار على اللون الأسود؟" يجيبون: "كلا د. فونغ، توجد أنماط وتوجهات"، فيردّ عليهم بأن هذا ما يقوله أيضاً المقامرون في الكازينوهات.

قبل انهيار "إف تي إكس" التقيت بمالون وامرأة أخرى تلقي الرموز غير القابلة للاستبدال بثقلها على علاقتيهما العاطفيتين في مقهى "تريل كافيه" في الهواء الطلق في منتزه غريفيث في لوس أنجلوس. طلبت المرأة الثانية عدم كشف اسمها، بالأحرى توسّل إليها صديقها كي لا تكشف عن اسمها، حتى لا يعرف أحد عن تعلقه بعالم التشفير. تعمل ممثلة ولها متابعين على منصة "تويتش"، حيث شاركت مقطع فيديو تظهر فيه وهي تعلب "ريسيدنت إيفل 4" (Resident Evil 4) وتعلّق عليها، لذا هي ليست بعيدة عن دوائر التشفير كلية، حتى أنها اشترت بعض العملات.

أخذت الأمور منحاً غريباً حين اشترى صديقها هاتفاً ثالثاً، ولم يكن ذلك بغرض الخيانة بل لتداول العملات المشفرة. قالت إنه لم يكن يرفع نظره عن الشاشة، فيبدو متأخراً خمس ثوان عمّا يجري حوله. هي لا تعني التأخر العادي الذي تلاحظه حين تحاول الحديث مع أشخاص فيما ينظرون إلى هواتفهم، بل أشبه بالتأخر الذي تواجهه حين تحاول الحديث مع شخص فيما يمارس التأمل. اتضح لها بأنه كان يشعر بأن الوقت الذي يمضيه معها هو وقت كان الأجدى أن يمضيه في بناء الثروة التي تستمر لأجيال.

أصدقاء جدد

حسب أرملتيّ العملات المشفرة، استحوذ على صديقيهما الخوف من تفويت الفرص. قالت مالون: "لطالما أحبّ إيغور الأشخاص الذين يخاطرون ويعتبر إيلون ماسك بطله". فهو وُلد في وادي السليكون وكان محاطاً بالأشخاص الذين حققوا نجاحات كبرى. قالت: "حين نشأت الرموز غير القابلة للاستبدال، شعر أن فيها فرصته".

حتى أن الخروج في مواعيد عاطفية بات من المستحيلات بالنسبة للزوجين. كان صديق الممثلة يتفق معها على الخروج ليلة السبت مثلاً، لكنه يحذرها من أنه قد يضطر للابتعاد عنها لبضع دقائق عند طرح رموز جديدة غير قابلة للاستبدال. في بعض الأحيان، يكون الرمز من إنتاج شركة أزياء عالمية ضخمة، وفي أحيان أخرى يبدو وكأن طفلاً رسم صورة ما وانتشرت بسرعة، لذا لم يكن الأمر يسير بشكل مهني دائماً.

كما أن طرح رمز جديد لم يكن مسألة عشرة دقائق أو عشرين دقيقة، بل أحياناً يستغرق ساعات، مثلاً قد لا تُطرح الرموز في الوقت المحدد بسبب تحديات تقنية أو عملية قرصنة أو بسبب عدم الكفاءة اللامركزية بشكل عام. شعرت الامرأتان بالانزعاج أيضاً حين تعرفتا على الأصدقاء الجدد لشريكيّ حياتهما. رافقت الممثلة صديقها إلى حفلة على سطح أحد مباني هوليوود على هامش مؤتمر للرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال. اتضح أن أولئك الذين بدوا رجالاً ناضجين يتداولون الرموز على "ديسكورد" كانوا في الواقع محبي رسوم متحركة يابانية في الواحد والعشرين من العمر. لم تستطع آن تصدق أنها كانت تخسر صديقها الثلاثيني الذكي والموهوب لصالح هذه المجموعة من الأشخاص.

مع ذلك، كان يجني من التشفير أكثر ممّا يجني من التمثيل، حتى أنه في أحد المرات جنى 60 ألف دولار من تداول رمز واحد غير قابل للاستبدال. حاولت صديقته أن تدعمه، فدخلت إلى قنوات "ديسكورد" الخاصة بالرموز غير القابلة للاستبدال لتتعلّم مزيداً عنها، حتى أنها اشترت رمزاً غير قابل للاستبدال بنفسها وربحت 1500 دولار.

قلق من عودة الهوس

أدركت أن العلاقة التي كانت تحبها جداً قد تلاشت في إحدى الليالي، حين لم يرفع رأسه عن الهاتف فيما كانت تحاول إخباره عن مشكلة تواجهها. طلبت حينها من صديقها أن يتغير فتغير فعلاً: بات يضع هاتفه جانياً ويسألها عن حياتها، لا بل أنه يطرح عليها أسئلة أحياناً لمتابعة أمورها.

ذهبت مالون إلى أبعد من ذلك، ووجهت لصديقها إنذاراً نهائياً: "أنا أو التشفير". قالت: "كان التواجد معه مزعجاً فعلاً، لم يكن شخصاً مستقراً عاطفياً... إنه أمر غريب فعلاً، أشبه بالقول: أحبك جداً ولكنني لا أحب التواجد معك، كان شعوراً سيئاً". جاء وقع الإنذار قاسياً على هيلر، لكن في الوقت نفسه شعر وكأن الإنذار أزال ثقلاً عن كتفيه. قال: "متابعة أمور تافهة طوال اليوم وفقدان صوابك في أوقات مختلفة لا يمنحك شعوراً جيداً... شعرت أيضاً بالحزن تجاهها، لم أكن أعرف كم كانت حزينة وكم أثر عليها الأمر". بدأ هيلر العلاج بعدئذ.

لم تعد أي من الامرأتين تعتبران اليوم أنهما خسرتا علاقتيهما بسبب العملات المشفرة، لكن التجربة سببت لهما القلق حيال السرعة التي يمكن أن تتدهور فيها الأمور. تقول الممثلة إنها غير مقتنعة بأن صديقها لن يعود إلى هوسه بالرموز غير القابلة للاستبدال، إذا ما تحسنت السوق. لحسن حظها، حسب ما تبدو عليه الأمور اليوم في عالم التشفير، لديهما متسع من الوقت للعمل على علاقتهما.

تصنيفات

قصص قد تهمك