بلومبرغ
سبب انهيار بورصة العملات المشفرة "إف تي إكس دوت كوم" (FTX.com) الملحمي عدة صدمات: عدم تمكنها من دفع التزامات بلغت 8 مليارات دولار، انكشافها الهائل على رموز الفاصولياء السحرية الرقمية التي أنتجتها، إساءة الاستخدام الواضحة لأموال العملاء وسحوبات غامضة غير مصرح بها ذهبت بقدر كبير مما تبقى من مال. لكن الحال كان يمكن أن يكون أسوأ بكثير، فمؤسسها سام بانكمان فريد كان قد حاول التمدد لأبعد من عشاق العملات المشفرة لاستجرار أصول المدخرين والمستثمرين اليوميين في الأسهم والصناديق، لكن تطور الأحداث حال دون ذلك.
كان بانكمان فريد يركز حتى وقت قريب، عندما فقد بعض كبار منسوبيه الاتصال به لفترات طويلة، على إنشاء ما سماه أحد المسؤولين التنفيذيين لديه "تطبيق كل شيء"، الذي سيتعامل مع الحياة المالية الإجمالية للشخص، من العملات المشفرة إلى الأسهم إلى إرسال الأموال إلى الأصدقاء. كانت "إف تي إكس دوت كوم" تطرح رموز عملات رقمية من خارج الولايات المتحدة تعكس أداء أسهم معينة للمتداولين. بينما طرحت "إف تي إكس يو إس" (FTX US) ذراعها الأميركية، تداول الأسهم هذا العام.
علاقات عامة
كشف بانكمان فريد في مايو أنه يملك أكثر من 7% من أسهم شركة الوساطة الشهيرة "روبن هود ماركتس" (Robinhood Markets)، ما أدى لتكهنات باحتمال استحواذ "إف تي إكس" عليها. وضعت بورصة العملات التي يملكها اسمها على ملعب لدوري كرة السلة الوطني ونشرت إعلاناً خلال بطولة "سوبر بول" ظهر فيه لاري ديفيد، فيما كان بانكمان فريد يتبرع بسخاء للحملات الانتخابية ويقيم صداقات في الكونغرس. كما حصل على تمويل من بعض أكبر الأسماء في قطاع رأس المال الاستثماري وإدارة الأموال. بفضل كونها أقرب لمنصة وساطة عبر الإنترنت من كونها مجموعة رموز رقمية غير قابلة للاستبدال أو "بورد إيب" وبسبب اسمها الذي لا يشير من قريب أو بعيد للتشفير أو الاستثمار في أجزاء العملات المشفرة أو إلى العملات المشفرة ذاتها، فقد بدت "إف تي إكس" وكأنها تعمل على تطبيع الأصول الرقمية.
فشل وإفلاس
لكن العملاء لم يحصلوا إلا على تجربة عملات مشفرة محبطة: ثروات مجمدة أو مفقودة وإدراك مؤلم بأنهم وثقوا بالأشخاص الخطأ. أعلنت "إف تي إكس دوت كوم" و"إف تي إكس يو إس" وصندوق "ألاميدا ريسيرش" (Alameda Research) للتحوط عبر العملات المشفرة التابع لبانكمان فريد وحوالي 130 كياناً مرتبطاً إفلاسها في 11 نوفمبر. لا يعرف المتداولون متى يستعيدون أموالهم إن حصل ذلك.
يشبه هذا فشل بورصة العملات المشفرة "إم تي غوكس" (Mt. Gox) في 2014، والبنك الرقمي "سيلسيوس نيتوورك" (Celsius Network) قبل بضعة أشهر. قال جاستن زانغ، وهو مهندس من لوس أنجلوس بلغ عمره 34 عاماً ولديه أصول بقيمة 11 ألف دولار في "إف تي إكس يو إس"، لبلومبرغ نيوز : "بدت الشركة وسام بانكمان فريد جديرين بالثقة. اعتقدت أن (إف تي إكس يو إس) مختلفة بسبب كل اللوائح المطبقة، لكنها لم تكن كذلك".
مظهر براق
في الحقيقة، ورغم تأكيد "إف تي إكس يو إس" لوضعها المنظم، إلا أن مستثمري العملات المشفرة في الولايات المتحدة يفتقرون للعديد من وسائل الحماية التي هي من مسلّمات التعامل مع البنوك أو حتى استثمارات الأسهم. كانت "إف تي إكس يو إس" ما تزال جزءاً صغيراً نسبياً، (يُفترض أنه جزء متميز)، من إمبراطورية بانكمان فريد. يقع مقر "إف تي إكس دوت كوم" البورصة العالمية الأكبر بكثير في جزر الباهاما، حيث قواعد التداول أكثر مرونة. لكن لا يمكن لوم العملاء على التفكير في أن "إف تي إكس" وبانكمان فريد، المكنّى على نطاق واسع باسم "إس بي إف" ، كانا في صعود. قالت هيلاري ألين أستاذة القانون في كلية الحقوق بالجامعة الأميركية بواشنطن، التي أثارت مخاوف حول مخاطر العملات المشفرة: "تمتع (إس بي إف) بسمعة طيبة باعتباره شخصاً جيداً ملتزماً بالقانون وموثوقاً في مجال العملات المشفرة،" أضافت أن مشاريعه "كانت تُرى على أنها أكثر مسؤولية وأكثر مؤسسية من معظم الأطراف الأخرى في صناعة العملات الرقمية".
لكن كل ذلك انتهى في الثاني من نوفمبر حين نقل موقع الأخبار الإلكتروني "كوين ديسك" (CoinDesk) عن تسريب ميزانية عمومية لصندوق "ألاميدا"، شركة التداول التابعة لبانكمان فريد المنفصلة ظاهرياً. أظهرت الوثيقة استثمار جزء كبير من أصول "ألاميدا" في رمز رقمي يسمى "إف تي تي" (FTT) من "إف تي إكس". لم تكن تلك أسهماً في "إف تي إكس"، وتكمن قيمتها في إمكانية أن يستخدمها متداولو "إف تي إكس" للحصول على خصومات على رسوم التداول وغيرها من الميزات. لكن كان غريباً رؤية صندوق "ألاميدا"، الذي يشتهر بأنه واحد من أكثر متداولي العملات المشفرة تطوراً، يجمع عملة ابتدعها مؤسسه من لا شيء.
اختلطت الأموال
سرعان ما تداعى الوضع بعدئذ، إذ كانت البورصة المنافسة "بينانس" (Binance) تحتفظ أيضاً بكثير من رموز "إف تي تي" من استثمار سابق لها في "إف تي إكس". أعلن الرئيس التنفيذي تشانغ بينغ زاو عبر "تويتر" أنه سيبيعها بسبب "الاكتشافات الأخيرة"، ما أثار حركة في قطاع العملات المشفرة تشبه السحب الجماعي من بنك. تراجعت قيمة رموز "إف تي تي" مع تدافع المتداولين لبيعها، بينما تعرضت "إف تي إكس" لوابل من طلبات السحب. أعلن بانكمان فريد في 8 نوفمبر أن "بينانس" ستستحوذ على "إف تي إكس" لحماية أصول العملاء؛ وانسحب زاو من الصفقة غير الملزمة في اليوم التالي، ليتبين أن "إف تي إكس يو إس" كانت في ورطة أعمق بكثير وأنها مدينة بأكثر مما تستطيع دفعه بمليارات .
إن كانت بورصة تحتفظ بأصول نيابة عن العملاء أو تعمل كوسيط للتداولات، فلا ينبغي أن تواجه مشكلة في التعامل مع عمليات سحب هذه الأصول. ما تزال تفاصيل إفلاس "إف تي إكس يو إس" غير معروفة، لكن وول ستريت جورنال ورويترز نقلتا عن مصادر لم تكشفاها أنها نقلت 10 مليارات دولار من أصول عملائها إلى "ألاميدا". كتبت وول ستريت أن "ألاميدا" اقترضت أموالاً للقيام باستثمارات، ثم لجأت إلى "إف تي إكس" لمساعدتها على سداد تلك القروض. قد يكون مخزون صندوق "ألاميدا" من "إف تي تي" نوعاً من ضمان للأموال المستحقة عليه لصالح "إف تي إكس". هذا أمر خطير، لأن بيع رموز "إف تي تي" المميزة سيصبح صعباً إن ساور القلق المستثمرين بشأن "إف تي إكس". تبسيطاً لذلك دون كل هذه المصطلحات المالية والخاصة بالعملات المشفرة، يبدو أن بانكمان فريد خلط بين أموال العملاء وأمواله ثم خسرها.
خطأ خطير
قال بانكمان فريد عبر "تويتر" إنه "أخطأ" وألقى باللوم على "التصنيف الداخلي السيئ" للحسابات. قال لاحقاً لصحيفة نيويورك تايمز إن صندوق "ألاميدا" حصل على قرض كبير من "إف تي إكس" من أجل استثمارات محفوفة بالمخاطر، لكنه لم يعلق على ما إذا كان قد أساء استخدام أموال العملاء. قال روبرت زاغوتا، الرئيس التنفيذي لبورصة العملات المشفرة "بيتستامب يو اس ايه" (Bitstamp USA): "أكاد أدرك ما حدث، لكن لا أحد غير (إس بي إم) وتلك الشركات يعرف ما يحدث بالفعل... لا شك بأن ما حدث كان خطأ وغير نزيه وخطراً بشكل لا يصدق وأثَّر على أموال العملاء".
لِم كان الناس مستعدين لتقديم المال إلى بانكمان فريد؟ ما ساعد في ذلك هو تفرد شخصيته. يبلغ عمره 30 عاماً فقط وشعره متموج يفتقر للعناية ويرتدي قمصاناً قطنية وسراويل قصيرة كالتي ارتداها على خشبة المسرح مع بيل كلينتون وتوني بلير في مؤتمر برعاية "إف تي إكس" في جزر الباهاما في أبريل. ربما هذه هي الملابس القياسية في عصر الرئيس التنفيذي الذي يرتدي رداءً له قبعة، لكنها جعلته يبدو كما لو أنه عارف بالأصول المبنية على الترميز. لم تتضرر ثروته التي جمعها بشكل مفاجئ من ذلك أيضاً. حتى اللحظة التي انهار فيها كل شيء هذا الشهر، كان صافي ثروته أكثر من 15 مليار دولار. ثم أصبحت صفراً تقريباً الآن.
سحر العلب
الأهم هو أنه قدم للناس ما يحتاجون إليه. كان سريعاً في الرد على رسائل البريد الإلكتروني والرسائل من الصحفيين وقدم تفسيرات واضحة لما كان يجري في عالم العملات المشفرة. كان باستطاعته أن يكون صريحاً بشكل مزعج، ففي مقابلة على برنامج "أود لوتس" على بودكاست بلومبرغ في أبريل، بدا كما لو كان يقرّ بأن عديداً من الرموز الرقمية كانت في الأساس مخططات بونزي. وصف استثمارت تشبه إيداع المال في علب بلا قيمة أصيلة، فقد وضع الناس أموالهم في تلك العلب على افتراض أن آخرين سيضعون مزيداً فيها. وسمى ذلك "سحراً".
أما بالنسبة للسياسيين، فإنه لم يقدم أموالاً للحملة الانتخابية فحسب، بل قدم مخططاً لكيفية استعراض عضلاتهم التشريعية. بدلاً من الدعوات التحررية المعتادة لإبعاد الحكومة عن العملات المشفرة، دفع نحو إصدار تشريع يمنح لجنة تداول السلع الآجلة في الولايات المتحدة إشرافاً أكبر. يبرز في هذا أن تمكين هيئة تداول السلع الآجلة قد يؤدي أيضاً لإضعاف لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، التي اتخذت أخيراً موقفاً أشدّ تجاه الأصول الرقمية.
أما بعيداً عن السياسة، فقد وعد بانكمان فريد بالتخلي عن كل ثروته تقريباً. والداه أستاذا قانون في جامعة ستانفورد، وهو يؤيد "الإيثار الفعال" الحركة المتجذرة في الفلسفة النفعية، التي تقول إنه ينبغي أن يقيس الناس بدقة كيف يمكنهم فعل أفضل ما باستطاعتهم للآخرين. أظهر عمله الخيري ثقة في ثروته إلى جانب نوع من التطور الفكري. استقال الفريق الذي يدير مؤسسة "فيوتشر فند" (Future Fund) الخيرية التابعة لـ"إف تي إكس". وكتب الفريق في منشور على منتدى الإيثار الفعال: "نحن مصدومون إذ نقول إنه يُرجح ألا تتمكن مؤسسة (فيوتشر فند) من الإيفاء بعديد من المنح التي التزمت بها".
أسماء كبيرة
بالنسبة لأصحاب رأس المال الاستثماري في وادي السيليكون، كان بانكمان فريد شاباً رائعاً بامتياز. ورد في مقال كان منشوراً، قبل إزالته حديثاً، على موقع "سيكويا كابيتال" (Sequoia Capital)، أحد أكبر داعمي "إف تي إكس"، نقلاً عن الشريكة ميشيل بايليه حماسها في وصف كيفية إثارة بانكمان فريد إعجاب الشركة خلال مكالمة فيديو، رغم أنه كان يلعب لعبة "لييغ أوف ليجندز" (League of Legends) على الإنترنت طوال الوقت. قالت: "لقد كانت واحدة من تلك الاجتماعات الصادمة للغاية".
ساعد دعم الأسماء الكبيرة في جذب مستثمرين أكثر. قال مات والش الشريك المؤسس لشركة "كريبتو آيلند فينتشرز" (Crypto Island Ventures): "أتصور أن مدى الحيطة الواجبة كان يتمثل في أن هذا الفتى التحق بمعهد ماساتشوستس للتقنية ويتحدث بسرعة وينام على كيس قماشي محشو، وهكذا حظي بدعم (سيكويا)". قال إنه بالنسبة للعديد من المستثمرين المغامرين الذين ليسوا على دراية بالأصول الرقمية، كانت "إف تي إكس" أول صفقة عملات مشفرة يقومون بها، وكانوا متحمسين للاستفادة من الاهتمام المتزايد بالتمويل اللامركزي و"بتكوين". أدى الخوف من فوات الفرصة لمنح المستثمرين "إف تي إكس" حوالي ملياري دولار ولتقييم بورصة العملات المشفرة عند 32 مليار دولار في آخر جولة تمويل لها في يناير، وفقاً لبيانات "بيتش بوك" (PitchBook).
كما كان بانكمان فريد يتحدث لغة وول ستريت أيضاً، فبعد حصوله على درجة في الفيزياء، عمل في "جاين ستريت" (Jane Street)، شركة التجارة الكمّية التي تروى عنها القصص. أسس "ألاميدا" من شقته في 2017 وبدأ بصفقات استفادت من حقيقة أن العملات المشفرة تُباع غالباً بأسعار مختلفة في بورصات مختلفة. يحب التقليديون في مجال المال، الذين لا تهمهم "بلوكتشين" أو أسطورة ساتوشي ناكاموتو، المتداولين القادرين على قنص فرصة للاتجار.
منصة في الخارج
أصبحت الشركة بحلول 2019 تتعامل مع تداولات يومية بحوالي مليار دولار. بدأ بانكمان فريد منصة "إف تي إكس" في هونغ كونغ في العام نفسه، وسرعان ما صار له أتباع بين المتداولين المحنكين الذين يحبون المخاطرة. قال كامبل هارفي أستاذ المالية في جامعة ديوك: "كانت (إف تي إكس) مفيدة للمؤسسات أيضاً. في الواقع جوهر نشأة (إف تي إكس) هو توفير منصة تداول منخفضة التكلفة لصندوق التحوط (ألاميدا) الخاص به".
لكن الأمر مضى إلى أبعد من ذلك بكثير. أدرجت منصة التداول الخارجية الخاصة بـ"إف تي إكس" مئات العملات الصغيرة والغامضة، وحتى 2021 كانت تسمح للمتداولين بالاستفادة من رافعة مالية على استثماراتهم حتى 100 ضعف، ثم خفضت الحد إلى 20 مرة، ما يعني أن أي حركة صغيرة في سعر الرمز المميز قد تُكسب ثروة أو تسبب خسارة المتداول لكل شيء. قال إدوارد تشين، رئيس "باراتاكسيز كابيتال" (Parataxis Capital) التنفيذي، وهي شركة استثمار في الأصول الرقمية: "لو كانوا يعملون في الولايات المتحدة لكانوا قد أُغلقوا منذ سنوات". كانت العروض على منصة "إف تي إكس يو إس" أقل جموحاً.
حتى قبل انهيار "إف تي إكس"، تساءل كثيرون عن العلاقة بين "إف تي إكس دوت كوم" مكان تداول العملات، وصندوق "ألاميدا" المتداول الرئيسي بالعملات المشفرة. قال هارفي: "نظراً إلى ما مضى، يبدو واضحاً أن ارتباط صندوق التحوط ببورصة معينة فكرة سيئة". أصر بانكمان فريد الذي يملك أكثر من 50% من "إف تي إكس" وكامل "ألاميدا" تقريباً على بقاء العمليات منفصلة حتى لا يتمتع صندوق التحوط بميزة تداول غير عادلة. لكن مقر الشركة كان في جزر الباهاما في نفس المبنى المؤسسي لشركة "إف تي إكس"، وحتى وقت قريب، كان بانكمان فريد يعيش في شقة مع عدد من رفاق السكن ومنهم كارولين إيلسون الرئيسة التنفيذية لصندوق "ألاميدا".
صندوق مغامر
كان هناك اعتقاد واسع النطاق بأن "ألاميدا" صانع سوق، لكن بدل المراهنة على تحرك أسعار العملات المشفرة بطريقة أو بأخرى، كان يتدخل ليسهل على المتداولين الآخرين شراء الرموز المميزة وبيعها. كان باستطاعته كسب المال من الفوارق بين ما كان الشراة على استعداد لدفعه مقابل عملة معينة وما كان البائعون على استعداد لقبوله. لكن متداولاً محترفاً طلب عدم ذكر اسمه وهو يناقش ترتيبات سرية، قال إن "ألاميدا" كان يعمل بشكل أشبه بصندوق مُخاطر يراهن على اتجاه سعر الرموز.
اهتزت سوق العملات المشفرة في الربيع بسبب أزمة مالية داخلية على غرار أزمة 2008. انهارت عملة مستقرة معروفة وهي "تيرا يو اس دي" (TerraUSD)، التي كان يُفترض أن تساوي دائماً حوالي دولار واحد، فبلغ سعرها سنتين، وانهار صندوق تحوط رئيسي للعملات المشفرة يسمى "ثري أروز كابيتال" (Three Arrows Capital). انهارت أسعار الأصول الرقمية، وبدأت العدوى بالقضاء على شركات العملات المشفرة. تدخل بانكمان فريد ولعب دور المُقرض الثري في القطاع كملاذ أخير. وسّع صندوق "ألاميدا" حد الائتمان الطارئ لشركة "فويجر ديجتال ليمتد" (Voyager Digital) في صفقة فشلت في إنقاذ شركة وساطة العملات المشفرة المتعثرة. وأنقذت "إف تي إكس يو إس" بنك الأصول الرقمية "بلوك فاي" (BlockFi)، الذي تحمل 80 مليون دولار من الديون المعدومة لـ"ثري أروز". زودت "إف تي إكس يو إس" "بلوك فاي" بحد ائتمان قدره 400 مليون دولار وحصلت على خيار شرائه. علق "بلوك فاي" سحوبات العملاء مستنداً إلى "عدم الوضوح" بشأن وضع "إف تي إكس".
تحقيق في سرقة
افترض كثيرون أن بانكمان فريد كان يمول إنفاقه وإقراضه جزئياً من أرباح "ألاميدا"، ففي النهاية كان صندوق التحوط يعتمد على "إف تي إكس". هناك خواء كبير الآن في المكان الذي كانت فيه أموال عملاء "إف تي إكس" سابقاً. يمكن استرداد بعضها في حالة الإفلاس، لكن لا يبدو الوضع جيداً. يُظهر جدول بيانات غريب تمت مشاركته مع مستثمرين محتملين قبل يوم واحد من إعلان "إف تي إكس" أنها مدينة بمبلغ 8.9 مليار دولار فيما يبلغ ما بحوزتها مليار دولار فقط من الأصول السائلة المتوفرة عند الطلب، ومنها أسهم "روبن هود" والدولار والعملات المستقرة. بلغت قيمة أكبر الأصول "الأقل سيولة" المدرجة أكثر من مليارَي دولار في "سيروم" (Serum)، وهو رمز أصدره مشروع تمويل لامركزي ساعدت "إف تي إكس" و"ألاميدا" في إنشائه. تبلغ حالياً القيمة السوقية الإجمالية لجميع رموز "سيروم" المتداولة حوالي 75 مليون دولار. قال مصدر مطلع على الميزانية العمومية إن الوثيقة التي نشرتها صحيفة فاينانشيال تايمز لأول مرة قد لا تقدم صورة كاملة ومفصّلة، لكنها لم تستبعد أي شيء مهم.
ورد في ملاحظة ملحقة بجدول البيانات ما يلي: "هناك عدة أشياء كنت أتمنى فعلها بشكل مختلف، لكن أكبرها أمران هما التصنيف السيئ للحساب الداخلي المتعلق بالبنك، وحجم تخارجات العملاء خلال فترة السحوبات الجماعية". أظهر سطر مبهم آخر رصيداً سلبياً قدره 8 مليارات دولار في الحساب "المخفي ذي التصنيف الداخلي السيئ" وسحب العملاء ما مقداره 5 مليارات دولار يوم الأحد السابق لذلك.
بعد فترة وجيزة من تقديم "إف تي إكس" لطلب الحماية من الإفلاس، تلقت ضربة ضخمة أخرى. سحب شخص عملات رقمية تزيد قيمتها عن 400 مليون دولار دون تصريح. قالت "إف تي إكس" إنها بدأت تحقيقاً في السرقة المشتبه بها مع سلطات إنفاذ القانون.
أفق العملات المشفرة
بالنظر إلى البقايا المحترقة من إمبراطورية بانكمان فريد، ما يزال لدى البعض في صناعة العملات المشفرة أمل في مستقبل رئيسي للعملات المشفرة. ربما ستؤدي هذه الفوضى لتسريع وضع لوائح لحماية المستثمرين. أو ربما ستوضح ما يعتقد كثير من المؤيدين بأنه المسار الحقيقي نحو التنوير اللامركزي، فبدلاً من الوثوق بأطراف أخرى مثل "إف تي إكس"، يمكن لعدد أكبر من المستثمرين اتباع شعار "إن لم تكن المفاتيح لك فكذلك حال عملاتك" والاحتفاظ بأصولهم في محافظ يتحكمون فيها. قال زاغوتا إن "بيتستامب" استمعت إلى العملاء القدامى الذين يرغبون بالاطلاع على تفاصيلها المالية، وهذا أمر صحي. لكنه اعترف بالضرر الواقع وقال: "لديك شخص يشتري إعلانات سوبر بول وأسماء الملاعب وهو عبارة عن آلة علاقات عامة، لكنه لا يدير سلامة العملية. هذا محبط جداً، وهو ليس ما نحتاجه الآن".
عندما أشار بانكمان فريد في بودكاست "أود لوتس" إلى أن العديد من العملات المشفرة عديمة القيمة بشكل أساسي، لم يكن يقول شيئاً لم يفكر به معظم الناس. لكن كثيرين رأوا فرقاً بين العملات المشفرة التي يراهن عليها مستخدمو "إف تي إكس" والأعمال التي كان بانكمان فريد يبنيها. بدا أنه ينشئ منصة أكثر كفاءة لتداول الأشياء تعمل بتقنية "بلوكتشين"، ورأى العديد من العاملين في مجال التمويل ووادي السيليكون وواشنطن أن الأمور واعدة هناك. يعد سقوطه تذكيراً بأن السوق التي تجذب من يبحثون عن مكاسب سريعة قد تغير حياتهم، تجذب المفترسين أيضاً. سواء كانت تلك عملية احتيال أم إخفاق كليّ، كان وراء أدوات التداول الأنيقة في "إف تي إكس" مقامر آخر متهور في التعامل مع مال الغير.