بلومبرغ
تعيش قرابة سبعين أسرة عند مصبّ نهر على ساحل السلفادور يبعد كيلومترات قليلة عن بركان كونتشاغوا غرباً في مستوطنة تحمل اسم فلور دي مانغل، تيمناً بغابة المنغروف، حيث يلتقط السكان المحليون المحار وسرطان البحر بأيديهم من المياه خفيفة الملوحة. وصلت أول مجموعة من السكان إلى المنطقة قبل نحو عقدين، ومعظمهم جنود ومقاتلو ميليشيات سابقون، شردتهم الحرب الأهلية الطاحنة، ويرتزقون من التقاط الصدفيات ورعاية الماشية وزراعة المانغا والذرة لإعالة أُسَرهم وتشييد منازل كانوا قد بنوها في البداية من قصدير وخشب ثمّ لجأوا لاستبدال الخرسانة بها.
زار موظفون حكوميون الغابة في وقت سابق هذا العام ووضعوا علامات على بعض الأشجار حملت أرقاماً وأحرفاً بطلاء برتقالي. يقول مزارع المانغا إلمير مارتينز الذي يترأس التعاونية المحلية إن الموظفين أبلغوه أن العلامات تشير إلى المَزارع المقرر إزالتها لتشييد مشروع إنمائي يدعمه الرئيس نجيب بقيلة. قالي لي مارتينز وقد بدت سنّه الذهبية التزيينية: "لا يمكننا الرحيل لأنه لا مكان لدينا نذهب إليه". جلس يستفيء تحت شجرة مانغا ضخمة كان قد زرعها قبل 15 سنة، وإلى جانبه عدّة دلاء تحتوي على طعوم من تسع من أشجاره ليأخذها معه في حال أجبر على مغادرة أرضه. قال: "نحن قوم فقراء نعيش من الطبيعة ومن الحقول".
مدينة "بتكوين"
كان بقيلة، 41 عاماً، مسؤولاً تنفيذياً في مجال العلاقات العامة ولديه 4 ملايين متابع على "تويتر". يصف نفسه أحياناً بالرئيس التنفيذي للبلاد ويقول إنه سيجعل المنطقة الفقيرة المحيطة بكونتشاغوا مدينة عالمية ذات بُعد مستقبلي، أشبه بإمارة دبي. يطلق الرئيس على هذا المشروع تسمية مدينة "بتكوين". بينما لا تكاد موازنة البنية التحتية للسلفادور تكفي لبناء ناطحة سحاب واحدة، يقول بقيلة إنّ بإمكان بلاده جني المال لتغطية التكلفة عبر الاستثمار في العملات المشفرة والاستفادة من طاقة البركان الكامنة لتعدين "بتكوين". مقررٌ أن يبدأ العمل على بناء مطار المدينة العام المقبل، وسيضم مبنى على شكل كعكة محلاة، ذا سقف متدرج فضي اللون، فيما تُظهِر الخرائط أن مستوطنة فلور دي مانغل تقع في طريق أحد المدارج.
بينما استخدم كثيرون حساباتهم التقاعدية أو شيكات الدعم التي حصلوا عليها من أجل شراء عملات مشفرة، اشترى بقيلة هذه العملات مستخدماً خزينة السلفادور. أصبحت السلفادور في سبتمبر 2021 أول دولة في العالم تعتمد "بتكوين" عملةً رسمية. وزّع بقيلة ما قيمته 30 دولاراً من "بتكوين" لكلّ مواطن، ووضع صرافات "بتكوين" آلية في ساحات كل البلدات، وأمر الشركات بقبول "بتكوين" وسيلةً للدفع. كما استخدم الأموال الحكومية لشراء بتكوين بقيمة 100 مليون دولار، معظمها كان حين ارتفع سعر العملة المشفرة إلى أوْجِه، وسخر من منتقديه مغرداً بأنه قام بذلك عبر هاتفه من الحمّام عارياً. رغم أن بلاده تقف على شفير أزمة ديون، فإنه ردّ بحزم على الدائنين الدوليين، قائلاً إنه سيحلّ مشكلات السلفادور المالية بواسطة "بتكوين"، وغرد كاتباً: "(بتكوين) ستغنينا عنكم".
المصرفيون الأشرار
بات واضحاً بعد مرور عام أن هذه الخطوة تفشل. لا أحد في البلاد تقريباً يستخدم "بتكوين"، والقلة الذين اشتروا بعد أن جعلها بقيلة عملة ذات إبراء سيخسرون بشكل كبير لأن "بتكوين" انخفضت 61% منذ سبتمبر 2021 في بلد يعيش فيه كثيرون بأقل من 10 دولارات في اليوم. لقد أنفق مئات ملايين الدولارات ليجعل نفسه مؤثراً في مجال العملات المشفرة في الوقت المناسب تمامًا لانهيار العملة المشفرة. كانت وراء الكارثة مجموعة تبشير صغيرة من بلدان أثرى ضمّت رؤساء تنفيذيين لشركات ناشئة ومؤثرين ومحتالين حشدوا دولة بأكملها عبر حيلة دعائية وهتفوا لبقيلة حتى حين أمر باعتقالات جماعية وتمكّن من المحكمة العليا، التي حكمت لاحقًا أنه يمكنه الترشح لإعادة انتخابه رغم الحظر الدستوري. لا يزال السلفادوريون يتعاملون مع عواقب ذلك.
صاحت ستايسي هيربيرت، المنتجة التليفزيونية السابقة ذات الشعر الوردي: "هذه طاقة البركان!"، مستعرضة عضلاتها في برنامج على "يوتيوب" وفي "بودكاست" احتفالاً بتمرير قانون "بتكوين" في السلفادور العام الماضي. أردف شريكها في البرنامج، ماكس كايسر، قائلاً: "إنها طاقة بركان زهيدة التكلفة ونظيفة من باطن الأرض، تتفجر على شكل كهرباء مجانية. ستجعلنا جميعاً أثرياء".
يُعَدّ هذا الفريق المؤلَّف من زوجٍ وزوجةٍ أحدَ أبرز مستشاري بقيلة في مجال "بتكوين"، وإن كانا يقومان بذلك بصفة غير رسمية ودون أجر. أنتج الزوجان قبل بضع سنوات برنامجاً اخبارياً مثقلاً بنظريات المؤامرة عرضته قناة "آر تي" التي تملكها الدولة في روسيا. اليوم، يتناولان طعامها في أرقى مطاعم السلفادور ويستقلّان مروحيات عسكرية لجولاتهما على مشاريع العملات المشفرة الحكومية. تناولا في مارس العشاء مع بقيلة، الذي يعزو لكايسر إلهامه ببعض الأفكار التمويلية في مجال "بتكوين". في يونيو، جلسا في مقاعد الشرف حين ألقى الرئيس خطابه أمام المجلس التشريعي. قالت هيربرت التي التقيتُها في مقهى في مركز تسوق راقٍ في السلفادور: "الرجل عالم رياضيات أشبه بعبقري خارق".
يحمّل الزوجان مصرفيين غربيين أشراراً مسؤولية مشكلات السلفادور ويتهمانهم بالتآمر لاستغلال البلاد، كما يلجأ بقيلة إلى هذا التبرير. بينما استعرض توجهه نحو "بتكوين"، كانت الحكومة تُجري محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بتكلفة مخفضة لسدّ عجز موازنتها. كان صندوق النقد يطالب بتقليص مؤلم للنفقات. لذا طلب بقيلة في يونيو 2021 بدلاً من ذلك من جاك مالرز، وهو مؤسس شركة ناشئة يبلغ 28 عاماً، في شيكاغو الإعلان باللغة الإنجليزية في مؤتمر "بتكوين" في ميامي أن السلفادور ستعتمد عملة وطنية جديدة.
قفزة فاترة
أطلّ مالرز بوجهه الفتيّ وشعره المجعد على المسرح مرتدياً قميصاً واسعاً وقبعة البيسبول وراح يسير جيئة وذهاباً ويضحك ويشتم فيما يصف فصل الربيع الذي قضاه في منطقة إل زونتي الشاطئية على بُعد نحو 48 كيلومتراً جنوب سان سلفادور. كان أحد ركاب الأمواج من سان دييغو يساعد الفقراء هناك عبر تعليمهم استخدام "بتكوين"، وجاء مالرز لمساعدته. سمع أحد أشقاء بقيلة عن هذه الزيارة بطريقة ما، فراسله عبر "تويتر" طالباً مقابلته. مضى وقت قصير قبل أن يبدأ مالرز يقدم استشارات للحكومة حول طريقة استخدام "بتكوين" لمساعدة 70% من مواطني السلفادور الذين ليست لديهم حسابات مصرفية.
دمعت عينا مالرز فيما راح يروي هذه القصة العجيبة. قال إن "بتكوين" ستتيح للسلفادوريين في الولايات المتحدة تحويل الأموال إلى أقاربهم في بلادهم مجاناً، ما يمكّنهم من توفير مئات ملايين الدولارات التي يدفعونها رسوماً لتحويل المال. كما أكد أنه فيما تمدّ "بتكوين" الاقتصاد بالدعم، لن يضطر شباب السلفادور إلى "اللجوء إلى الجريمة والعنف... ولن تواجه البلاد مشكلات الهجرة".
قال مالرز: "أنا لا أبتدئ من أوروبا، بل سأكون هنا. سنموت على هذه التلة. سأموت على هذه التلة!"، وراح يمسح دموعه وأضاف: "اليوم، قامت الإنسانية بخطوة عملاقة في ترسيخ حرية الناس".
لكن بعد مرور عشرة أشهُر، حين بات واضحاً أن هذه القفزة أبعد ما تكون عن العظمة، ألقى مالرز خطاباً آخر في مؤتمر "بتكوين" في ميامي، تحدّث خلاله عن استخدام العملات المشفرة لتسديد دفعات صغيرة، لكن بدل تناول الدولة التي كان جدّ متحمس حيالها، عرض مقطع فيديو يظهر فيه وهو يستخدم "بتكوين" من أجل شراء ستّ عبوات جعة "باد لايت" من متجر بقالة في شيكاغو.
حين التقيته لاحقاً لأسأله ما إذا زار السلفادور لرؤية كيف يُبلي مشروع "بتكوين" هناك، قال إنه لا يذكر آخر مرّة زار فيها تلك البلاد، مضيفاً: "مهم جداً تذكُّر أن ذاك لم يكن مشروعي كما تعلم".
لجذب السياح
توجهت إلى إل زونتي في أغسطس. هناك كان الدجاج يرفرف على طرقات ترابية متداعية، فيما يعيش كثير من السكان في منازل من صفائح معدنية في الشوارع نفسها التي تضمّ فنادق يصل سعر الليلة فيها إلى 300 دولار. اجتاح مؤثرو "بتكوين" ومدونو الرحلات والطواقم التليفزيونية المنطقة التي أُطلق عليها تسمية شاطئ "بتكوين"، فقد تحمّس مناصرو "بتكوين" لوجود مكان في العالم الحقيقي يمكنهم فيه استخدام عملتهم المشفرة للتسوق، وهو ما اعتبروه خطوة مهمة نحو تبنّي العملة الرقمية عالمياً. ظهر ناشط ألماني في مجال "بتكوين" على "يوتيوب" في مقطع مصور قائلاً: "حسناً يا أصدقاء، نحن على وشك أن نطلب في مينوتاس ماريو ويمكننا الدفع بواسطة (بتكوين)". وقف أمام عربة صدئة ليشتري مشروب مينوتا، وهو عبارة عن ثلج مبشور بنكهة الفاكهة يُمزج أحياناً مع الحليب المكثف أو هلام التمر الهندي، واستغرق أكثر من ثلاث دقائق في مسح الرموز لتحويل 13418 جزءاً من مئة مليون من "بتكوين" واحد (نحو 5 دولارات في حينها) لمحفظة البائع الرقمية.
لاحظتُ مباشرة خلال زيارتي أن السكان المحليين لا يحبذون عمليات الدفع الإلكترونية البطيئة والمعقدة بقدر ما يحبها مناصرو "بتكوين". في أول متجر دخلت إليه، حين ذكرت "بتكوين"، انتشل العامل زجاجة مياه كنت أحاول دفع ثمنها من يدي، قائلاً: "تلك قمامة لن أستخدمها أبداً". كما أن الفندق الذي نزلت فيه لم يقبل الدفع بواسطة "بتكوين"، فيما وضع أحد المطاعم على الشاطئ لافتة مكتوبة بخط اليد، جاء فيها: "لا نقبل (بتكوين)". قال لي مالك المطعم خوليو مارتينز إنه سئم من إبلاغ الزبائن أنه لا يرغب بالتعامل بمثل هذه العملة المتقلبة، مضيفاً: "يعتقد السياح أن الجميع يقبل (بتكوين)".
عند شاطئ الرمال السوداء، فيما كان ممارسو رياضة الركمجة يركبون الأمواج، ويلتقط أبوَان صوراً مع طفلهما، لمحت العربة حيث صوّر ناشط "بتكوين" الألماني المقطع الذي نشره عبر "يوتيوب". كان صاحبها ماريو غارسيا أحد أوائل تجار البلدة الذين قبلوا "بتكوين". كان يعتمر قبعة بيضاء مزغبة ويضع محفظة على خصره من ماركة "أديداس" ويرتدي قميص بولو برتقالياً لوّثه الغبار. بدت لافتة "نقبل (بتكوين)" المكتوبة بالإسبانية على عربته باهتة جداً لدرجة كدت لا أرى شعار "بتكوين". كانت زوجته إلى جانبه تحرك البطاطا في قدر ضخم لصنع الفطائر. لم يكن لدى غارسيا كثير يقوله عن "بتكوين"، وقال إنها مجرد طريقة لاستقطاب السياح، وإنه كان يحوّل مدفوعاتهم إلى الدولار بأقصى سرعة.
حملة اعتقالات
لكن كان لدى غارسيا ما يرويه عن مبادرة أخرى من مبادرات بقيلة. أعلن الرئيس حالة طوارئ في مارس بعد مقتل 62 شخصاً في السلفادور في يوم واحد، فعلّق حقوق إجراءات التقاضي السليمة وبدأ ينشر عبر "تويتر" صوراً لرجال عراة الصدور ذوي أوشام مقيدين بالأصفاد. اعتُقل كثير من أولئك عشوائياً ولا يزال كثير منهم قيد التوقيف حتى الآن دون توجيه اتهامات إليهم. قال مسؤولون إن أكثر من 55 ألف شخص اعتُقلوا، أي نحو 1 من كلّ 100 مواطن.
كان غارسيا من بينهم، فقد أتاه أربعة جنود وشرطيان في أحد صباحات أبريل فيما كان يستعدّ لبدء عمله على الشاطئ. أمروه تحت تهديد السلاح بخلع ملابسه عدا سرواله الداخلي. اكتشف غارسيا، 47 عاماً، لاحقاً أنه متهم بالانتماء إلى عصابة "شيلتيبانيكوس لوكوس" التابعة لعصابة "إم إس-13" الأكبر في البلاد. أخبرني أنه أُودِع في السجن شهراً، تعرّض خلاله للضرب والرشّ برذاذ الفلفل. رفع قميصه ليريني ندبة على شكل حرف "V" وكدمة، مشيراً إلى أن بعض السجناء الآخرين واجهوا مصيراً أسوأ، وقد شهد وفاة خمسة معتقلين. قال غارسيا: "لقد اعتقلوا نصف العالم حتى يصبح لديهم عدد يمكنهم من القول: انظروا، لقد اعتقلنا أشخاصاً كُثراً، بغضّ النظر عما إذا كان المعتقل قد ارتكب أي جريمة أو لا" (لم يُجِب متحدث باسم حكومة السلفادور عن أسئلة بالبريد الالكتروني حول اعتقال غارسيا).
طلب مني غارسيا أن أشارك الرمز الوارد على لافتته على أمل أن يجمع تبرعات حتى يسدد فاتورة الكهرباء وقروضه المصرفية. وحين حاولت بنفسي شراء الثلج المبشور بواسطة "بتكوين"، لم يعمل الرمز.
تأييد بقيلة مرتفع
لا تزال نسبة تأييد بقيلة عند نحو 90%، إذ يميل السلفادوريون إلى تحميل أسلافه مسؤولية المشكلات التي تواجه البلاد، ويعزون الفضل إلى حملة الملاحقات التي أطلقها في التراجع الكبير لعنف العصابات. سجلت السلفادور أعلى نسبة جرائم قتل في العالم في 2017، لكن هذه النسبة تراجعت اليوم إلى ما دون النسب المسجلة في المكسيك والهندوراس المجاورتين. كانت مستندات وتسجيلات حكومية مسربة نشرتها صحيفة "آل فارو" أشارت إلى أن بقيلة أبرم صفقة مع قادة العصابات لتخفيف العنف. نادراً ما يُجري الرئيس أي مقابلات صحفية، ورفض التعليق على هذه الرواية، إلا أنه اتهم مناصري حقوق الإنسان الذين ينتقدونه بأنهم في صفّ العصابات. برّر بقيلة تبنّيه "بتكوين" في مقال نشره أخيراً في مجلة "بتكوين" بعنوان "توقفوا عن تصديق رواية النخبة"، معتبراً أن الصحافة التقليدية متحيزة جداً ضد "بتكوين" لدرجة تمنعها من الاعتراف بنجاح المشروع. قال: "السلفادور هي في صلب تبني (بتكوين)، ومعها الحرية الاقتصادية والسيادة المالية ومقاومة الرقابة والثروة غير القابلة للمصادرة".
أصرّ ويليام سوريانو، أحد المشرعين من حزب بقيلة "الفكر الحديث"، على أن مشروع "بتكوين" يحقق النجاح، لكنه لم يقدم لي أي دليل ملموس على ذلك. قال في رسالة عبر تطبيق "واتساب": "رئيسنا شخص شجاع صاحب رؤية... تقود السلفادور اليوم الثورة النقدية التي ستحدث تحولاً في العالم كما نعرفه، ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب، بل الثقافي أيضاً".
استعجبت من ذلك، فقد لاحظت أن استخدام "بتكوين" في أرجاء أخرى من السلفادور كان أقل حتى من بلدة إل زونتي التي تُعتبر مهد هذه الثورة. أمضيت فترة بعد ظهر أحد الأيام أتجول في السوق في وسط مدينة سان سلفادور، باحثاً عن أي أحد يقبل "بتكوين" للدفع. رأيت جنوداً مدججين بالبنادق والأسلحة على زوايا الطرقات، وجداراً كتبت عليه شعارات ضد "بتكوين"، وكشكاً يعرض ملابس السجن البيضاء التي يتعين على العائلات شراؤها لأقاربهم المسجونين، لكنني لم أجد أحداً قال إنه يستخدم "بتكوين". قال رجل يدير صيدلية صغيرة: "أحياناً ترتفع قيمتها وأحياناً أخرى تنخفض، لا ينفعني ذلك". حتى في المطاعم الراقية التي تستهدف السياح، قبِل أمناء الصناديق "بتكوين" على مضض، وغالباً ما كانوا يتوجهون إلى غرفة خلفية للبحث عن جهاز عليه تطبيق "بتكوين"، فيما يشبه الطريقة التي يتناول فيها نادل في مطعم فرنسي زجاجة كاتشب تراكم عليها الغبار من تحت النضد حتى يساير أميركياً جاهلاً.
تطبيق "شيفو"
يرتكز مشروع "بتكوين" في السلفادور على تطبيق على الهاتف الذكي تديره الحكومة ويحمل اسم "شيفو" (Chivo)، وهي كلمة تعني "رائع" في اللغة المحكية المحلية. يمكّن التطبيق المستخدمين من تبادل الدولار مع "بتكوين" والتحويل بين العملتين. يمكن للمستخدم أن يمسح الرمز المربع لشراء فطيرة بوبوسا بدولار واحد، فيرسل "شيفو" بتكوين بقيمة دولار واحد على سعر الصرف الحالي. رسوم التحويل منخفضة جداً، ويمكن للأشخاص سحب دولارات أميركية من محفظتهم الرقمية باستخدام أي من 200 صراف "شيفو" آلي منتشر في البلاد. توضع كلّ آلة صراف آلي في كشك مسقوف بالأزرق وفيه مكتب لموظفين يساعدان المستخدمين، فيما يحرسها جنود على مدار الساعة.
طرحت الحكومة تطبيق "شيفو" في سبتمبر 2021، بعد ثلاثة أشهر على إعلان مالرز الذي اغرورقت في عيناه بالدموع. حصل الأشخاص الذين أنشأوا حسابات في التطبيق على ما قيمته 30 دولاراً من "بتكوين" مجاناً، أي ما يوازي معدل أجر يوم عمل واحد في السلفادور، وقد سجل بالفعل أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 6.5 مليون نسمة حسابات، إلا أنهم وجدوا أن التطبيق بالكاد يعمل، وبلّغ المستخدمون بأن التطبيق يتعطل دائماً، وكانت بعض عمليات الدفع تفشل أحياناً أو تستغرق ساعات. قال آخرون إنهم لم يتمكنوا من التسجيل لأن هويتهم ومكافأتهم قد سُرقت. بعد أسبوع من طرح التطبيق، شارك آلاف في احتجاجات رافعين لافتات كتبوا فيها "لا لـ(بتكوين)" و"لا للدكتاتورية"، حتى إنّ بعضهم أضرم النار في صراف "بتكوين" آلي. غيَّر بقيلة تعريفه عن نفسه عبر "تويتر" إلى "أروع ديكتاتور في العالم" مستهزئاً.
أوكل بقيلة مهمة إدارة مشروع "بتكوين" إلى أشقائه الثلاثة ومستشاره الانتخابي الفنزويلي رغم عدم توليهم أي مناصب رسمية حكومية. أبرمت البلاد عقداً مع شركة "أثينا بتكوين غلوبال" (Athena Bitcoin Global) لتطوير التطبيق، وهي شركة صغيرة مختصة بصرافات "بتكوين" الآلية في إحدى ضواحي شيكاغو، إذ قالت المتحدثة باسم "أثينا" إنها الشركة الوحيدة التي كانت قادرة على إنجاز العمل ضمن المهلة الزمنية التي حددتها الحكومة. أظهرت التقارير التي رفعتها الشركة أن السلفادور دفعت لها نحو 4 ملايين دولار لتطوير التطبيق. أسهم المتداولون النهاريون الذين كانوا متحمسين في البداية في رفع سعر أسهم الشركة إلى ما يصل إلى 33 دولاراً، رافعين لفترة قصيرة قيمة ثروة مؤسسها إيريك غرافينغارد على الورق إلى 10 مليارات دولار، ثم عادت أسهم الشركة لتنهار إلى ما دون دولار واحد.
شوائب برمجية
شاب البرنامج الذي أنتجته "أثينا" أخطاء عديدة، حسب إفادة في أغسطس قدمها شون أوفيرتون، رئيس شركة "أكروفيا" (Accruvia) لتطوير البرامج الإلكترونية التي استعانت بها "أثينا" لإصلاح "شيفو" (كانت الإفادة جزءاً من خلاف على الدفع مع "أثينا"، ورفض أوفيرتون التعليق على هذا التقرير). قال أوفيرتون إنه لم يكَد يسجّل سوى 150 شخصاً حسابات لهم حتى انهار البرنامج المصمم للتحقق من هوياتهم. كان بإمكان أي شخص التسجيل بواسطة هوية مزيفة وسحب "بتكوين" مجانية بقيمة 30 دولاراً يتعذر تتبعها، بل إنّ بعض المستخدمين قدموا صوراً لنباتات لإثبات هويتهم بدل صورهم الشخصية. بيّن أوفيرتون رأيه بأن نحو خُمس 4 ملايين اشتراك في التطبيق كان مزيفاً، وقال: "لم يكن هناك أي شكل من أشكال الإشراف".
قال أوفيرتون إنه في إحدى المرات أدخل أحد المبرمجين ثغرة في البرنامج مكّن المستخدمين من شراء "بتكوين" ثمّ تداولها بسعر دولار واحد، فيما كان تداولها عند نحو 60 ألف دولار. بحلول الوقت الذي كُشفت فيه الثغرة وعُكست العمليات، كان مستخدمو "شيفو" قد راكموا ثروة قدرها 10 مليارات دولار. حتى حين كان سعر التداول دقيقاً، فإن البرنامج كان مصمماً ليحدّث نفسه مرة واحدة كل دقيقة، ما مكّن المستخدمين من كسب المال بسهولة من خلال انتظار سعر "بتكوين" المباشر حتى يرتفع ثم شراء العملة على "شيفو" بالسعر القديم. قال أوفيرتون إن أحد المتداولين استغلّ هذا الخطأ، ما مكّنه من كسب 400 ألف دولار. أضاف: "تحولت البلاد كلها تقريباً إلى متداولين نهاريين، فقد كان بإمكانهم الشراء والبيع بلا مخاطر".
تحسن أداء تطبيق "شيفو" بعدما استبدلت السلفادور بشركة "أثينا" شركة "ألفا بوينت" (AlphaPoint) المختصة ببرامج العملات المشفرة في نيويورك. قالت المتحدثة باسم "أثينا" إن الشركة مستمرة في العمل مع الحكومة، ولكن اتفاقية السرية التي أبرمتها معها تمنعها من كشف مزيد.
رغم أن تطبيق "شيفو" يسمح بالتحويلات المالية من الخارج مجاناً، فإنّ قليلاً من الناس يستخدمونه لهذه الغاية، ولم يسهم إلا في 2% فقط من التحويلات من الخارج خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2022، حسب بنك السلفادور المركزي. تراجعت نسبة استخدام التطبيق بشكل عام بعد موجة التسجيل الأولية، حسب المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في كامبردج في ماساتشوستس الذي أجرى استطلاعاً شمل 1800 أسرة، ووجد أنها جميعاً تقريباً لم تحمّل التطبيق هذا العام. كتب الباحثون في إشارة إلى "بتكوين": "يقول السلفادوريون إنهم لا يفهمونها ولا يثقون بها ولا تقبل بها الشركات وإنها متقلبة جداً".
افتراض ارتفاع قيمة "بتكوين"
نشأت مدينة "بتكوين" عقب إخفاق "شيفو"، إذ كشف عنها بقيلة في نوفمبر 2021 في مؤتمر للعملات المشفرة قرب إل زونتي في احتفالية صاخبة ترافقت مع سيل من الألعاب النارية وآلة ضباب على وقع أغاني فرقة (AC/DC) ورسوم متحركة ضخمة تُظهِر "بتكوين" تنطلق من انفجار بركاني. قارن بقيلة بين مدينة "بتكوين" والمدن القديمة التي أنشأها الإسكندر المقدوني، كاشفاً عن تصميم من توقيع مهندس معماري مكسيكي معروف. قال بقيلة إن المدينة ستتخذ شكلاً دائرياً تتوسطها ساحة مركزية على شكل شعار "بتكوين"، مشيراً إلى أنها ستكون ضخمة جداً لدرجة أنه سيمكن رؤيتها من الفضاء. بالطبع ستضمّ محطة للطاقة الحرارية، تستخدم بركان كونتشاغوا لتزويد المدينة بالتيار الكهربائي، ومزرعة عملاقة للخوادم لتعدين "بتكوين"، وهي عملية معروفة باستهلاكها كمّاً هائلاً من الطاقة.
استدعى بقيلة إلى المسرح النجم الرئيسي للخطة سامسون مو، وهو مطوّر ألعاب فيديو في بداية الأربعينيات من العمر، من بريتيش كولومبيا، تحوّل إلى مناصر "بتكوين"، لشرح التفاصيل المالية. افترضت خطة مو أن سعر "بتكوين" سيستمر بالصعود. أولاً ستجني السلفادور مليارات الدولارات من بيع سندات "بتكوين" لمناصري العملات المشفرة، ثمّ ستنفق نصف تلك الأموال على البنية التحتية وتستثمر النصف الثاني في "بتكوين"، وحين ترتفع قيمة "بتكوين" بما يكفي يمكنها استخدام الأرباح لتسديد ثمَن السندات. إذا ما وصل سعر "بتكوين" إلى مليون دولار، وقد قال مو: "أعتقد أن هذا سيحصل"، فإن السندات ستسدد ثمَنها.
علّق بقيلة قائلاً: "يبدو الأمر جيداً بالنسبة إليّ... لست ضليعاً في الأمور المالية".
قال مو إنّ طرح السندات سيكون عبر منصة التداول "بتفينكس" (Bitfinex) التي لا تُجري أي أعمال في الولايات المتحدة، إذ كانت قد وافقت على حظر صريح لها في نيويورك في وقت سابق ذلك العام، في إطار تسوية مع المدّعي العام في الولاية، الذي قال إنّ الشركة "يشغلها أشخاص غير مرخصين ولا يخضعون للمؤسسات الناظمة وهيئات تنشط في الزوايا الأكثر ظلاماً في النظام المالي". بعد بضعة أشهُر على الإعلان عن مدينة "بتكوين"، التُقطت صور لمو وجيانكارلو ديفاسيني، رئيس "بتفينكس" الفعلي، في اجتماع مع أعضاء من حزب بقيلة. قال مدير تنفيذي في "بتفينكس" لصحيفة "إل فارو" إنّ الشركة تساعد إدارة بقيلة في صياغة القوانين التي تتيح عرض السندات. رفض متحدث باسم "بتفينكس" التعليق على هذا التقرير.
تحدثتُ إلى مو في أبريل عبر تطبيق "زوم"، بعدما انخفضت قيمة "بتكوين" 32% مقارنة بما كانت عليه في نوفمبر. كان مُصِرّاً رغم ذلك على أنه بما أنه لا يوجد إلا 21 مليون "بتكوين" ولن يكون هناك غيرها، فإن قيمتها سترتفع حتمياً مقارنة مع الدولار، فيما يطبع الاحتياطي الفدرالي مزيداً من النقود. قال مو: "تخيل (بتكوين) وكأنها مسطرة، وهناك 21 مليون وحدة على مسطرة (بتكوين)"، وأراني مسطرة فعلية، مضيفاً: "في حال لم يتوقف طبع النقود فإن قيمة (بتكوين) سترتفع".
أفق قاتم
لكن بالطبع، مجرد أن يكون أمراً نادراً لا يعني بالضرورة أنه ذو قيمة. مثلاً، لم يُنتج إلا 21 مليون شريط فيديو لفيلم "قصة لعبة" (Toy Story) من "بيكسار"، لكن يمكنك أن تشتري الواحد بثلاثة دولارات عبر موقع "إي باي". عادت قيمة "بتكوين" لتنخفض 52% إضافية منذ حديثي مع مو، ولم تبِع السلفادور بعدُ أيَّ سندات "بتكوين".
أولئك الذين تحدثوا في السابق عن قدرة "بتكوين" على إحداث تحوّل في السلفادور، باتوا اليوم يبررون خطة بقيلة بالقول إنها تجذب الشركات الناشئة ودولارات السياح. لكنّ المغتربين الذين تحدثت معهم يقولون إنه بالحدّ الأقصى انتقل بضع المئات فقط من أقرانهم من أنصار "بتكوين" إلى البلاد. قال لي متداول "بتكوين" أميركي التقيته في سان سلفادور كأنما كان جاداً بأنه حفز الاقتصاد المحلي عبر شراء براد لعائلة راقصة تعرٍّ كان يصاحبها.
يبدو الأفق المالي للحكومة قاتماً. تتوقع شركات التصنيف الائتماني أن تتخلف السلفادور عن تسديد ديونها في السنوات القليلة المقبلة، فيما تعثرت المفاوضات على خطة الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي بسبب مشروع "بتكوين". في حين لم تُكشف بعدُ قيمة خسائر السلفادور بسبب المشروع، إلا أنها قد تبلغ 300 مليون دولار، بينها 203 ملايين دولار كان المجلس التشريعي قد خصصها للمشروع، إضافة إلى تمويل مكافآت تسجيل حسابات في "شيفو" وخسارات بقيلة في التداول (استناداً إلى المبالغ التي قال بقيلة إنه اشتراها، وأسعار "بتكوين" في ذلك الوقت، وهي قد لا تقدم صورة كاملة ودقيقة، يمكن تقدير هذه الخسائر بنحو 57 مليون دولار).
قالت لي كلوديا أورتيز، ممثلة المعارضة في المجلس التشريعي، إن الرهان على "بتكوين" حرم السلفادور من أموال كان الأجدى تخصيصها لأولويات أخرى. جلست أورتيز تحت شجرة ليمون في باحة مقهى مغلق اختارته بسبب تعرضها لمضايقات من مناصري بقيلة، وقالت إن الحكومة خفضت كثيراً من التمويل للمدن، حتى إن عمدة إحدى البلدات في الشرق لم يعُد لديه ما يكفي من الأموال لاستئجار دار للبلدية، واضطر إلى العمل في الهواء الطلق في السوق. أضافت: "هو لا يتصرف بوصفه رئيساً لدولة فقيرة مثقلة بالديون، بل يتصرف بوصفه مؤثراً في مجال العملات المشفرة... إنه يقامر بالمالية العامة".
تسويق سياسي
رغم إجراءات التقشف، فإن مستشفى بيطرياً افتُتح بواجهة مضيئة وبرّاقة في سان سالفادور في فبراير بتصميم يتميز عن محيطه. أُطلق على هذا المستشفى اسم مستشفى شيفو للحيوانات الأليفة، إذ لا تتجاوز قيمة العلاج فيه 25 سنتاً في حال الدفع بواسطة "بتكوين". يضمّ المستشفى سيارة إسعاف وأطباء قلب وجراحين وباحة مجهزة بألعاب، حيث يمكن للكلاب اللهو للتخفيف من توترها فيما تنتظر دورها. يزعم بقيلة أن المستشفى أُنشئ بواسطة أرباح من "بتكوين" بطريقة ما، وغرّد قائلاً : "(بتكوين) جيدة للحيوانات الأليفة".
اعتبر أحد الأطباء الذين تحدثت معهم، وطلب عدم الكشف عن اسمه خشية التعرض للطرد من المستشفى الحكومي حيث يعمل، أنه من الشائن أن يموّل بقيلة رعاية الحيوانات الأليفة في حين أن اثنين من المستشفيات الحكومية في المدينة يفتقران حتى إلى خدمة غسيل الملابس. قال إنه في المستشفى حيث يعمل، عجز عن معالجة دوالي الأوردة وإجراء عمليات استبدال مفاصل الركبة أو الورك بسبب الافتقار إلى التجهيزات اللازمة، حتى إنّ عيادات المناطق الريفية تفتقر إلى بعض الأدوية الشائعة لأمراض مثل السكري. قال: "تُحدد الأولويات استناداً إلى التسويق السياسي".
أكدت زيارتي لمستشفى "روزاليس" الوطني، أكبر مستشفى حكومي في سان سلفادور، الصورة التي رسمها الطبيب. في أحد الصباحات، انتظر نحو 30 شخصاً في الظلام قرب جدار من الطوب يعلوه زجاج محطم وأسلاك شائكة. بدأوا يتوافدون إلى هناك منذ الساعة 3:30 فجراً للحصول على الرعاية الطبية في مستشفى أقلّ ما يمكن أن يقال عنه هو أنه مُتداعٍ. أظهرت مقاطع فيديو انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أشهُر المطر يتسرب من سقف قسم الطوارئ خلال عاصفة استوائية. رغم أن بقيلة كان قد أعلن في 2019 عن خطط للاستبدال بالمستشفى، إلا أن أعمال البناء لم تبدأ بعد.
هجران "بتكوين"
بدت إحدى النساء متأنقة لزيارة المستشفى بأقراطٍ على شكل زهرة وحقيبة يد من "كوتش"، وقد رفعت شعرها الأسود إلى الخلف بتصفيفة على شكل كعكة. طلبت السيدة عدم كشف اسمها خوفاً من إجراءات انتقامية ضدها، وأخبرتني أنها أحضرت ابنتها للعلاج من ابيضاض الدم من قريتهما التي تبعد 48 كيلومتراً عن العاصمة. غادرتا عند الثالثة فجراً في رحلة تستغرق ساعة ونصفاً بالحافلة، وهو أمر يتكرر كلّ بضعة أشهُر منذ خمس سنوات. مصدر الدخل الرئيسي للمرأة هو 50 دولاراً شهرياً تجنيها من الاعتناء بأحد أقاربها. قالت إن حياتها باتت أصعب أخيراً بعد اعتقال زوجها المزارع، فقد ذهب ليجلب ابنتهما من محطة الحافلات ولم يبلغها. اكتشفت المرأة لاحقاً أنه اعتُقل رغم عدم تورطه بأي نشاط للعصابات، وهي لا تعرف تهمته ومتى يمكن إطلاق سراحه. قالت: "لم أتوقع قط أن يحصل أمر كهذا".
لدى سؤالها عن "بتكوين" ضحكت قائلة: "ليس لي مال، فكيف أستخدمها؟".
توقفت عند صراف "شيفو" آلي جديد قرب بائع متجول يبيع أكياس الذرة المحمصة ومشروب الموز مقابل 35 سنتاً بين مشردين ينامون في العراء قرب ساحة مجاورة. كانت تلك محاولتي الأخيرة في قلب العاصمة لرؤية ما إذا كان هناك من يتعامل مع "بتكوين" باعتبارها أداة مالية فعلية. مرت عربتا "هامفي" تحملان جنوداً يصوبون بنادق آلية في إطار حملة دعائية للترويج لمبادرة جديدة لأمن الحافلات، فيما كنت أنتظر. وقف جنديان من رفاقهم لحراسة الصراف الآلي، وقد انعكس ضوء النيون الأزرق من شعار "شيفو" على وجهيهما. مرّت نصف ساعة ولم يستخدم أحد الصراف الآلي.