بلومبرغ
أتى طرح أول لقاح لحمى الضنك بعد عقود من التأخير في 2015، لكن سرعان ما تبين أن تلك التركيبة التي أنتجتها شركة "سانوفي" تناسب من سبقت إصابتهم بالمرض فقط، ما دفع باحثي شركة "تاكيدا" اليابانية للأدوية للاجتهاد سعياً لبديل. بدأ عملهم يؤتي ثماره أخيراً ويُتوقع أن يُطرح لقاحهم في الأسواق مطلع العام المقبل.
زادت إصابات حمى الضنك ثمانية أضعاف خلال عقدين لتبلغ نحو 400 مليون سنوياً، وفقاً لباحثين من جامعة أكسفورد، ويعيش نحو نصف البشر في مناطق تهددها حمى الضنك، كما يحذّر العلماء من أن تغير المناخ يرجح أن يسرّع من انتشار البعوض الذي يحمل الفيروس. شهدت الولايات المتحدة تفشياً للمرض في فلوريدا وهاواي وتكساس منذ 2013، كما كان في أوروبا انتقال مباشر محلي في فرنسا وكرواتيا في 2010. أصاب تفشٍ للمرض في جزيرة ماديرا البرتغالية أكثر من 2000 شخص في 2012.
"بلاكستون" تقترب من شراء "أدفارا" لبحوث الدواء مقابل 5 مليارات دولار
رغم أن معظم حالات حمى الضنك خفيفة وعادة ما تسبب أعراضاً تشابه أعراض الأنفلونزا، إلا أن بعض المصابين يعانون من ظهور مفاجئ للحمى والصداع والطفح الجلدي وآلام شديدة في العضلات لدرجة أن بعضهم يُسمّي المرض "حمى تكسير العظام". يحتاج نصف مليون مريض بحمى الضنك سنوياً لدخول المستشفى بسبب مضاعفات قد تؤدي إلى صدمة ونزيف داخلي. كما يقتل نحو 20 ألف إنسان سنوياً معظمهم أطفال.
موافقات تنظيمية
وافقت إندونيسيا على عقار كيودينغا من "تيكادا" في أغسطس، وتقول الشركة إنها ستبدأ بيعه هناك مطلع العام المقبل. قالت لجنة استشارية تابعة للاتحاد الأوروبي في أكتوبر إن كيودينغا يمكن إعطاؤه لأي شخص بلغ عمره 4 سنوات فما فوق، وهي توصية قد تفضي لموافقة الاتحاد الأوروبي عليه خلال بضعة أشهر. تسعى الشركة للحصول على موافقات في نحو 12 دولة أخرى منها الولايات المتحدة.
يسلط كيودينغا الضوء على نجاحات متزايدة في مكافحة الأمراض التي ينقلها البعوض، فقد أقرّت منظمة الصحة العالمية أول لقاح للملاريا، الذي طورته شركة "جي إس كي" (GSK) وشركاؤها، العام الماضي، ما أتاح للحكومات والمنظمات الدولية شراءه.
عذراً أسهم اللقاحات.. هذا وقت الملاذات الآمنة
أظهرت محاولة أخرى من جامعة أكسفورد أن الحماية يمكن أن تستمر لعام بعد جرعة معززة، تقول "تاكيدا" إنها تخطط لتجارب المرحلة الوسطى للقاح ضد زيكا.
بدأت "سانوفي" العمل على لقاحها في 1997 وحصلت على موافقة المكسيك لما أسمته دينغفاكسيا في 2015، وسرعان ما طرحت اللقاح في 19 دولة. لكن تحليل بيانات سريرية في 2017 أظهر أن الدواء يزيد خطر اشتداد المرض على من يتلقون دينغفاكسيا ولم يكونوا مصابين بحمى الضنك سابقاً، إن أصيبوا بالعدوى بعده.
سلالات وتحول
بدأ مسعى "تيكادا" لإنتاج كيودينغا في 2013 عندما اشترت "إنفيرجين" (Inviragen)، وهي شركة في كولورادو كانت تعمل على اللقاح. كان إثبات فعاليته وسلامته أمراً معقداً لأن حمى الضنك يمكن أن تسببها أربع سلالات مميزة، ويجب بناء الحماية ضدها جميعاً. يمكن أن يعاني المرضى المصابون بسلالة مختلفة في بعض الحالات من أعراض أشد لأن الأجسام المضادة المعادلة الناتجة عن العدوى الأولى قد تندمج مع الفيروس فتزيد من قدرته على دخول الخلايا. رغم أنه ليس واضحاً، يقول بعض الباحثين إن نمطاً مشابهاً قد يظهر لدى من تلقوا اللقاح، وربما يكون السبب الجذري للمشكلات التي واجهت دنغفاكسيا.
الميكروبات تحمل مفتاح درء الوباء المقبل
أجرت "تيكادا" أكثر من أربع سنوات من دراسات المتابعة للتأكد من أن لقاحها لن يواجه مشكلات مماثلة. تضمنت البيانات التي قدمتها إلى السلطات الأوروبية، وقد أتت فيما يزيد على مليون صفحة، نتائج تشمل فحوصاً لمن سبقت إصابتهم بحمى الضنك وكذلك لمن لم يصابوا قبلاً، وهو شيء لم تأت به بيانات اللقاحات السابقة. قال كريستوف ويبر، رئيس "تاكيدا" التنفيذي: "لقد تعلمنا من الفشل... لقد صممنا التجربة للإجابة على هذا السؤال على وجه التحديد. هذا ما يجعلنا واثقين من أنفسنا".
يعتمد لقاح "تاكيدا" المكوّن من حقنتين على ما يُسمّى متغير النمط المصلي 2 مع إرفاق مكونات السلالات الثلاث الأخرى. تسبب العقار في استجابة مناعية ضد السلالات الأربع واستمرت أربع سنوات على الأقل بعد الحقن في تجربة شملت 1800 شاب في جمهورية الدومينيكان وبنما والفلبين.
مكنت هذه النتيجة "تيكادا" من المضي قدماً في اختبار شارك فيه أكثر من 20 ألف شخص في آسيا وأميركا اللاتينية. خفض اللقاح الاستشفاء في المشافي بنسبة 84% مقارنة مع الدواء الوهمي ومنع المرض بنسبة 61% دون وجود مخاطر كبيرة على السلامة. قال ويبر إنه رغم أن اللقاح ليس فعالاً بنفس القدر ضد جميع السلالات الأربع إلا أن "المهم هو النظر إلى الفعالية الكلية".
شقيقان حصدا مليارات من شركة دواء يراهنان بمزيد على الصحة
تكمن قوة كيودينغا في أنه مبني على فيروس حمى الضنك، فيما استندت تركيبة دينغفاكسيا على الحمى الصفراء، كما بيّن كاميرون سيمونز، مدير معهد الأمراض التي تحملها النواقل في جامعة موناش في أستراليا. قال سيمونز : "إنه يشبه حمى الضنك... لذا فهو يقدّم مزيداً من مضادات فيروس حمى الضنك إلى جهاز المناعة".
دوين غوبلر، أستاذ فخري في كلية "ديوك-إن يو إس" (Duke-NUS) للطب في سنغافورة وجزء من الفريق الذي عمل على اللقاح في المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، حذّر من أن كيودينغا ما يزال تحت خطر نكسات تشابه تلك التي أبطأت دينغفاكسيا، وأوصى بمراقبة لاحقة وثيقة لمتلقيه. قال غوبلر: "لا أعتقد أنه اختُبِر بما يكفي بفاعلية ضد حمى الضنك الثالثة والرابعة وذلك لأننا لم نشهد كثيراً من نشاط حمى الضنك الثالثة والرابعة... علينا أن ننتظر ذلك".