حكاية خمس نساء يساعدن الأطباء على حل لغز "كوفيد" طويل الأمد

يدرس الباحثون طرقاً شتى مكلفة ورخيصة لكنهم يحذرون من أنه قد لا يمكن التوصل لعلاج موحد

time reading iconدقائق القراءة - 26
. - المصدر: بلومبرغ
. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

إحداهن ظنت أن قلبها سينفجر في جوفها وفقدت أخرى القدرة على الكلام فيما عانت الثلاث الباقيات إرهاقاً متواصلاً ألزمهن الفراش أو أجبرهن على الاستلقاء في أحواض الاستحمام أو على استخدام الكرسي المتحرك لمعظم يومهن.

أصغرهن في عامها الثالث والعشرين وأكبرهن بلغت من العمر 65 عاماً. جميعهن باستثناء واحدة عاملات في مجال الرعاية الصحية. عانت السيدات من عوارض منهكة مختلفة لكن جمع بينهن عامل مشترك واحد على الأقل وهو أن فيروس كورونا ألحق ضرراً بأجهزة المناعة لديهن فأصبحن عينة عن مجموعة أكبر ممن يعانون مرض كوفيد طويل الأمد. فيما يسعى الباحثون لفهم هذا المرض، تبزر جوانب تشبه أمراضاً مزمنةً أخرى تسلّط الضوء على الأسباب والعلاجات المحتملة.

حذر أطباء وباحثون بريطانيون للمرّة الأولى من آثار كوفيد طويل الأمد قبل عامين. يقدر الخبير الاقتصادي في جامعة هارفرد ديفيد كوتلر تكلفة كوفيد طويل الأمد في الولايات المتحدة بـ3.7 تريليون دولار، أي ما يتجاوز 80% من نفقات الحكومة على الوباء حتى نهاية يوليو. ما يزال العلماء يجهلون أسباب كوفيد طويل الأمد وعدد المصابين به وكيفية الوقاية منه وعلاجه، نظراً لوجود أكثر من 200 عرض تعزى إلى ما تسميه منظمة الصحة العالمية "حالة ما بعد كوفيد-19"، التي قد تعود لأسباب مختلفة.

قال إيريك توبول، مؤسس معهد "سكريبس" للبحوث الانتقالية في لاجولا في كاليفورنيا إنه لا تتوفر حالياً أي علاجات مثبتة. أضاف: "في ظلّ إصابة الملايين، فإن الحاجة لتسريع الاختبارات السريرية باستخدام عناصر لتفعيل جهاز المناعة أو تعطيل الفيروس ملحّة للغاية".

ليست كلّ الحالات خطرة ويزول كثير منها دون أي تدخل خارجي، لكن ارتفاع عدد المصابين إلى حوالي 140 مليوناً عالمياً على الأقل يتطلب مزيداً من الانتباه. قال زياد العلي، مدير مركز علم الأوبئة السريري في نظام الرعاية الصحية المخصص لشؤون المحاربين القدامى في سان لويس في ميسوري: "قمنا بعمل مذهل من خلال تطوير لقاحات مضادة لكورونا خلال أقل من عام... علينا أن نتعامل مع كوفيد طويل الأمد بالإلحاح نفسه، بما أنه ستكون له تداعيات خطرة اجتماعية واقتصادية وربما حتى سياسية".

تضرر جهاز المناعة

تشكل النساء النسبة الأكبر من المصابين بكوفيد طويل الأمد. قالت السيدات اللواتي أجريت مقابلات معهن لإعداد هذه المقالة إنهن يعانين من مزيج من الإرهاق وتسارع في نبضات القلب وغيرها من العوارض المحيرة التي تشير إلى أن فيروس "سارس- كوف- 2" قد أضرّ بأجهزتهن المناعية. تظهر بحوث المعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتات الدماغية في بيثيسدا في مريلاند أنه يمكن حتى للالتهابات الرئوية الطفيفة الناجمة عن الإصابة بكوفيد أن تلحق الضرر بالأوعية الدماغية وتتسبب بتخثرات دموية وتدمر الحاجز بين الدماغ ومجرى الدم. يمكّن ذلك البروتينات المنقولة بالدم من التسرب إلى دماغ المريض، ما يؤدي لالتهاب خطر، حسب دراسة نشرها مدير الاختبارات السريرية في المعهد أفيندرا ناث في يوليو. قال باحثون آخرون إن العملية ترتبط بانكماش الدماغ بقدر يوازي ذلك الذي ينجم عن عقد من التقدم الطبيعي في السنّ، ما قد يضعف الذاكرة والقدرة على التفكير. قالت ميشيل مونجي ديسيروث، أستاذة علم الأعصاب في جامعة ستانفورد التي تعاونت مع ناث: "يوجد أشخاص أصيبوا بفيروس (سارس-كوف-2) في ربيع 2020 ولم يتعافوا بما يكفي ليعودوا إلى طبيعتهم... دونما تضخيم للأمور، هذه أزمة صحة عامة عصبية".

يسعى الباحثون حالياً لتحديد الأسباب المحتملة للسمات المشتركة. وهم يشتبهون بشكل أساسي بالتنشيط غير الطبيعي لجهاز المناعة والتخثرات الدموية وإعادة تنشيط الفيروسات التي تسببت بعدوى قبل سنوات واحتمال أن تكون بقايا فيروس كورونا نفسه تعبث بدفاعات الجهاز المناعي. قالت أكيكو إواساكي، اختصاصية علم الأوبئة في كلية الطب في جامعة ييل في نيوهفن التي تبحث عن طرق لتصنيف المرضى إلى فئات: "إذا جمعنا الجميع معاً، سيصبح الأمر بالغ التعقيد... لن يسعنا حتى تحديد المرضى المناسبين للعلاج المناسب".

تقدم البحوث الجديدة في هذا الاتجاه مؤشرات حول العلاجات المحتملة، منها عقاقير تثبط الجهاز المناعي مفرط النشاط ومنها إزالة البروتينات غير الطبيعية من البلازما وكذلك حجرات الضغط التي تدفع بالأكسجين إلى الدم. تعد عشرات الاختبارات التي يُتوقع أن تُنجز خلال العام المقبل بتقديم مزيد من المعلومات حول المصابين بكوفيد طويل الأمد.

متلازمة الإرهاق المزمن

كاري آن ماكجين، 40 عاماً، وهي عاملة في مجال الخدمات الصحية الاجتماعية في كندا هي بين المصابين. كانت تمضي عطلات نهاية أسبوعها في السير بالطبيعة في منتزه جاك كارتييه الوطني الواقع على بعد نحو 50 كيلومتراً من منزلها في مقاطعة كبيبك. لدى إصابتها بفيروس كورونا في ديسمبر 2020، بدأت تعاني من الإرهاق وتسارع في ضربات القلب بشكل غير طبيعي لتصل دورياً إلى 160 بالدقيقة.

اكتشفت السبب، بعد سبعة أشهر حين انضمت لدراسة حول تأثير فيروس كورونا على القلب، فقد كانت مصابة بمتلازمة تسارع نبضات القلب الانتصابي. كان مجرد الوقوف لغسل الأطباق يشعرها بأنها قد يغمى عليها، ونصحها طبيبها باستخدام كرسي متحرك لتحافظ على طاقتها. قالت ماكجين، التي شُخصت إصابتها بمتلازمة الإرهاق المزمن في يوليو وأُبلغت أنها لن تستعيد قطّ عافيتها بما يمكنّها من معاودة العمل: "أشعر كأن بطانية من رصاص تلفني، فأحس وكأنني أركض في ماراثون حين أقف ببساطة لأغسل شعري".

قال الباحثون إن المرضى يصابون بمتلازمة تسارع نبضات القلب الانتصابي حين يلحق فيروس كورونا الضرر بالجهاز العصبي اللا إرادي الذي يتحكم بمعدل ضربات القلب وضغط الدم وعملية الهضم وحرارة الجسم. رغم أن بعض المصابين قد يتعافون، إلا أن غالبيتهم يعانون منه كحالة مزمنة طويلة الأمد. يمكن لمتلازمة تسارع نبضات القلب الانتصابي أن تنذر بما هو أسوأ، فمع الوقت، غالباً ما يصبح هؤلاء المرضى أشبه بمن يعانون من متلازمة الإرهاق المزمن، حسب إواساكي من جامعة ييل. كانت دراسة شملت 41 مريضاً مصابين بكوفيد طويل الأمد ونشرت في ديسمبر وجدت أن ما يقارب النصف استوفوا المعايير لتشخيص إصابتهم بمتلازمة الإرهاق المزمن. يُعتقد أن العدوى الحادة هي المسبب الرئيسي للمتلازمة التي تجعل حوالي ربع المصابين بها طريحي الفراش أو تجبرهم على ملازمة منازلهم لفترات طويلة.

قالت إيميلي تايلر، نائبة رئيس شؤون المناصرة والتوعية في المؤسسة غير الربحية "سولف ام إي/سي اف اس" (Solve ME/CFS) التي تدعم البحوث في مجال متلازمة الإرهاق المزمن، إن الأشخاص الذين يصابون بهذه الحالة لأربع سنوات على الأقل، ينخفض احتمال تعافيهم إلى أقل من 4%. أشارت إلى أنه بالنسبة للمصابين بكوفيد طويل الأمد ممن بدأت إصابتهم في بداية الوباء "لدينا ربما حوالي سنتين من أجل التوصل لطريقة للتدخل، قبل أن تصبح التحديات مختلفة على الأرجح".

تشابه مع أمراض مناعة ذاتية

بيّنت تقديرات الباحثين في أبريل أن 1.5 مليون أميركي كانوا يعانون من متلازمة الإرهاق المزمن قبل الوباء، مكبدين الاقتصاد تكلفة تتراوح بين 36 مليار و51 مليار دولار سنوياً على العلاج وخسارة الإنتاجية. إذا ما أصيب جزء بسيط فقط من مرضى كوفيد طويل الأمد بهذه الحالة، فإن عدد المصابين بمتلازمة الإرهاق المزمن قد يتضخم ليصل إلى 9 ملايين مريض، لترتفع التكلفة إلى ما يصل إلى 362 مليار دولار.

أصيبت مورغان بايكر بفيروس كورونا في يوليو 2021 حتى بعد تلقيها جرعتين من اللقاح، وكان ذلك قبل وقت قصير من بدء سنتها الأخيرة في جامعة ييل. فقدت حاستي التذوق والشم، وباتت تجاهد لالتقاط نفسها وعانت من صداع نصفي وحساسية مؤلمة من الضوء. لاحظت بايكر خلال الفصل الدراسي في الخريف أن طاقتها وقدرتها على التركيز تضاءلتا، فيما أظهر جهاز "فيت بيت" (Fitbit) تسارع ضربات قلبها لتصل إلى 122 ضربة في الدقيقة فيما كانت تدرس. قالت بايكر التي بلغ عمرها اليوم 23 عاماً: "لم أدرك مدى ما قد يحدث حتى وصلت إلى مرحلة أني ما عدت أقدر على العمل".

نصحها طبيبها بممارسة التمارين الرياضية، فتوجهت إلى النادي على متن دراجتها الهوائية في صباح اليوم التالي، وهرولت لمدة ثلاثين دقيقة على آلة المشي لكن ما هي إلا ساعات حتى شعرت بالمرض وأخذت قيلولة لثلاث ساعات، ثمّ نال منها التعب لأسبوع كامل. يتوافق ما أصابها مع وصف التوعك التابع للجهد الذي أصيب به نحو ثلثي الأشخاص الذين يعانون من عوارض كوفيد طويل الأمد لحوالي سبعة أشهر على الأقل، حسب دراسة تعود لعام 2021.

يرى ناث، مدير معهد الاضطرابات العصبية، أوجه شبه بين المجموعة التي تغلب فيها الإصابة بكوفيد طويل الأمد والأشخاص المرجحة إصابتهم بالذئبة وغيرها من الأمراض، حيث يهاجم جهاز المناعة الأنسجة التي تتمتع بصحة جيدة، وهم في معظم الأحيان نساء أربعينيات. وجدت دراسة شملت 34 شخصاً يعانون متلازمة تسارع نبضات القلب الانتصابي أن دمهم يحوي واسمات مناعية مشابهة لتلك الموجودة في دم مرضى الذئبة والتهاب المفاصل الروماتويدي، كما يحتوي على أجسام مضادة بشرية موجهة ضد جهاز المناعة اللا إرادي. قال ناث إنه في العديد من حالات المناعة الذاتية "يكون الفيروس العامل المحفز، إلا أن الضرر الأكبر ينجم عن جهاز المناعة... حين يصبح نشطاً بشكل مفرط، يصبح صعباً إيقافه ويبدأ بمهاجمة الجسم المضيف".

الستيرويد والغلوبولين المناعي

حاولت إواساكي من جامعة ييل أن تحدد الشوائب المناعية لدى المرضى المصابين بكوفيد طويل الأمد في دراسة نشرتها في أغسطس. لعل اكتشافها الأبرز يتعلق بالكورتيزول وهو هرمون يساعد في التحكم بوظائف مختلفة في الجسم، بينها ضغط الدم والالتهابات. يمكن لنقص الكورتيزول أن يسبب الإرهاق وضعف العضلات واضطرابات معوية، وهي كلّها عوارض شائعة لدى المصابين بكوفيد طويل الأمد. كانت معدلات الكورتيزول لدى مرضى كوفيد طويل الأمد في دراسة إواساكي توازي تقريباً نصف المعدل لدى الأشخاص الذين لم يصابوا من قبل، أو الذين تعافوا بالكامل. قال ديفيد بوتيرينو، عالم الأعصاب في كلية "إيكاهن" للطب في ماونت سيناي في نيويورك الذي تعاون مع إواساكي لإعداد الدراسة إنه "أحد أقوى الأدلة الجسدية التي رأيناها" في حالات كوفيد طويل الأمد.

التعويض عن معدلات الكورتيزول المنخفضة بواسطة ستيرويد صناعي أظهر بعض الجدوى لدى مرضى مصابين بالإرهاق المزمن قبل ثلاثين عاماً، وقد بدأ ناث تجارب لاختبار تأثير جرعات أعلى تعطى عبر الوريد على العوارض العصبية خلال مدة خمسة أيام. سيقارن الاختبار أيضاً ما بين الستيرويد وحقن الغلوبولين المناعي الغني بالأجسام المضادة الذي كان قد أظهر نتائج واعدة في دراسة رصدية صغيرة نشرت نتائجها في مارس.

من المشاركين في تلك الدراسة، ليزا توران، وهي عالمة أعصاب في ويناتشي في واشنطن تعاني من آلام مزمنة وغيرها من العوارض منذ حوالي سنتين. عانت صداعاً نصفياً وفقدت حاسة الشم بعدما أصابها كورونا في نوفمبر 2020. تخدر جزء من وجهها وباتت تتحسس من الصوت والضوء، وبعد أيام تسارعت نبضات قلبها حتى حين الاستلقاء.

بدأت تتحسن بعد مرور عشرة أيام، وخرجت للتنزه مع ابنتيها وإحداهما في الثالثة فيما بلغ عمر الأخرى 14 شهراً في حديقة قرب منزلها. سرعان ما اشتدت عوارضها فوصل معدل ضربات قلبها إلى 160 في الدقيقة فيما لم تكن تقوم بأي حركة وشعرت كأنما الطعام توقف عن التحرك في جهازها الهضمي، وهي حالة تعرف باسم خزل المعدة، ثمّ بدأت تعاني من ردات فعل تحسسية من بعض أنواع الفاكهة مثل الكيوي، التي سبق أن تناولتها "مليون مرة".

تكلفة مرتفعة

يستخدم الغلوبولين المناعي عبر الوريد، الذي يحوي مجموعة متنوعة من مضادات حيوية تعزز جهاز المناعة كعلاج للاضطرابات العصبية المناعية، مثل متلازمة غيلان باريه، وهو نوع من الشلل النادر قصير الأمد الذي قد يطرأ أحياناً بعد الإصابة بعدوى فيروسية. يتطلب إعداد كمية كافية لعلاج واحد فقط فصل البلازما الذهبية اللون عن المكونات الخلوية لآلاف الليترات من دم متبرعين أصحاء. برغم أن الأطباء لا يفهمون بشكل كامل بعد طريقة عمل الغلوبولين المناعي عبر الوريد، لكن توران قررت الخضوع لنقل دم بعد ستة أسابيع على إصابتها بكورونا دون أي تحسن.

لكن الأمر لم يجر على ما يرام، فقد شعرت لساعات بوخز وألم حارق في ذراعيها بعد الخضوع للعلاج ثم انتشر ذلك إلى كافة جسمها. باتت تمضي كلّ نهارات الأشهر التالية تقريباً وقد غمرت نفسها بماء حوض الاستحمام. قالت: "كان ذلك الأمر الوحيد الذي خفف الألم في بشرتي، كان كلّ شيء يؤلمني".

تفاقمت عوارض كوفيد طويل الأمد لديها في غضون ذلك، فواجهت صعوبة في البلع وأصيبت بارتجاع معوي والتهابات مؤلمة في المسالك البولية. بلغت توران ما يكفي من اليأس لتمنح العلاج المناعي فرصة أخرى بحلول أبريل 2021، أي بعد مرور خمسة أشهر على إصابتها بكورونا. قالت: "كنت أشعر بالمرض أكثر فأكثر، وشعرت بأنه لم يعد هناك أي حلّ آخر... كنت أقول في نفسي إما أن أموت أو أخضع للعلاج بالغلوبولين المناعي الوريدي".

التزمت توران الحذر بعد تجربتها الأخيرة، فخضعت للعلاج ببطء، وكانت تحرص على تناول الإيبوبروفين قبل كلّ عملية نقل دم صغيرة تخضع لها كلّ أسبوعين، فيما تخضع لجرعة كاملة مرّة واحدة في الشهر. عادت إلى العمل بدوام كامل بحلول فبراير بعد مرور عشرة أشهر على بدء دورتها الثانية من الغلوبولين المناعي عبر الوريد، وشعرت بأنها بصحة جيدة بما يكفي لتتوقف عن الخضوع للعلاج.

مع ذلك، فإن الغلوبولين المناعي عبر الوريد ليس حلاً سحرياً. أولاً، ثمّة مشكلة التكلفة، فشركة التأمين غطت 377828.64 دولار من 29 جلسة علاجية خضعت لها توران، فيما اضطرت لدفع 5415.03 دولار من جيبها الخاص. كما لا توجد تجارب سريرية تؤكد ما إذا كان بالفعل نقل الدم هو ما أسهم بتحسنها، وتتساءل توران ما إذا كانت عوارضها قد خفت طبيعياً مع الوقت. قالت: "أتساءل حول هذا الأمر حين أعاين مرضاي المصابين بعوارض شديدة ما بعد كورونا... أتساءل دائماً إذا ما كان يجب أن أعالجهم بالغلوبولين المناعي عبر الوريد. تصعب معرفة ذلك فنحن بحاجة لتجارب".

علاجات أرخص

تحيط أسئلة مماثلة بأحد علاجات الضباب الدماغي والإرهاق المعتمدة في مركز ساغول للطبّ وبحوث العلاجات بالضغط العالي في إسرائيل. يخضع هناك مرضى كوفيد طويل الأمد لجلسات يومية لمدة 90 دقيقة في حجرات أكسيجين عالية الضغط. يقول أستاذ العلوم العصبية في جامعة تل أبيب، شاي إفراتي الذي أجرى الدراسة لمدة شهرين وشملت 73 مريضاً مصاباً بكوفيد طويل الأمد إن العلاج يعزز نموّ الميتوكوندريا، التي تعدّ مصدر طاقة الخلايا، ما يسهم بتحسين أيض الطاقة وعمل الجسم.

قال إفراتي إن تكلفة العلاج وصور الدماغ المصاحبة تتراوح بين 35 و80 ألف دولار. تختبر دراسات أخرى ما إن كان يمكن التوصل لتأثيرات أيضية مشابهة باستخدام مركبات أدوية أقل تكلفة، بما فيها تركيبات الأحماض الأمينية والمكملات الغذائية وجرعات مخففة من نالتريكسون، الذي يستخدم منذ عقود لمعالجة إدمان الكحول والمواد الأفيونية.

آن بهيرور، 46 عاماً، طبيبة في مونتريال تتلقى علاجاً أقل تكلفة بأشواط ويسهل الحصول عليه لمعالجة آلام الصدر المستمرة التي تعاني منها. بدأ هذا الألم تقريباً حين بدأت تعاني صعوبةً في الكلام وضيقاً في التنفس ودواراً وضباباً دماغياً خلال إصابتها الحادة بفيروس كورونا في ديسمبر 2020. بدأت تسجل مؤشراتها الحيوية بعد بضعة أشهر، حين لاحظت تسارع نبضات قلبها دون سبب واضح وأحست بعلامات تؤشر إلى التوعك التابع للجهد.

قالت: "قست نبضي خلال الاستحمام وكان يبلغ 180". أظهر جهاز قياس التأكسج النبضي الطبي الذي يوصل بالأصبع أن نسبة الأكسجين في دمها تبلغ 85%، أي أقل بكثير من المعدل الطبيعي الذي يتراوح بين 95 و100%. إلا أن نتائج اختبارات عمل الرئتين جاءت طبيعية، وقال لها طبيبها إنها بخير لكن عليها أن "تخفف القلق".

إلا أن بهيرور لم تقتنع، فخضعت لصورة رنين مغناطيسي في أغسطس 2021 في إطار دراسة أظهرت وجود التهاب في الأنسجة المحيطة بقلبها. بدأت تتناول الكولشيسين وهو دواء يستند إلى وصفة قديمة لمعالجة التورم والنقرس. قالت بهيرور إن هذا الدواء الذي لا يتجاوز سعره 10 دولارات لجرعات تكفي شهراً كاملاً ساعد بتخفيف آلام صدرها وضيق نفسها، فيما ساعد دواء "إفابرادين" الذي عادةً ما يوصف لمرضى قصور القلب على خفض معدل ضربات قلبها. قالت: "لم أعتقد أن المشكلة في رئتيّ، لكنني كنت أعرف أن ثمة خطباً ما... تخيل أن يقال الأمر نفسه للمرضى فيما لا يفهمون أن المشكلة قد تكون في مكان آخر. إنها مسألة كبيرة".

بقايا فيروس كورونا

بيّنت ثاو هيونه، أخصائية الأوبئة وأمراض القلب في مركز جامعة ماكغيل الصحي في مونتريال التي قادت الدراسة التي شاركت فيها بهيرور وماكجين، أن صور الأشعة لأكثر من 100 مريض كوفيد طويل الأمد أظهرت أن 30% منهم لديهم مؤشرات لالتهاب نشط حول القلب، فيما لدى 40% آخرين نسيج ندبي، ولديهم جميعاً علامات مرتفعة في الدم تؤشر على الالتهاب. هذا سبب كاف بالنسبة لها لتصف كولشيسين لحالات مثل حالة بهيرور.

يعدّ هذا الدواء أحد الأدوية الكثيرة التي تستخدم بشكل شائع في معالجة كوفيد طويل الأمد، لكن لم تثبت فعالية معظمها. لحلّ هذه المسألة، بدأ باحثون بريطانيون بضمّ حوالي 4500 مريض إلى دراسة مفتوحة التسمية يدرك المشمولون فيها اسم الأدوية المستخدمة، تتناول كولشيسين وعلاجين بعقارين آخرين. سيتلقى المشاركون خلال 12 أسبوعاً الدواء الجنيس ومضاد التخثر "زاريلتو" من "باير" (Bayer) وتركيبة مضادات الهستامين من فاموتيدين ولوراتادين، أو لا يتلقون أي دواء. قال اختصاصي القلب وأستاذ علم البيانات السريرية في كلية لندن الجامعية أميتافا بانيرجي الذي يقود الدراسة إن التجربة مصممة من أجل اختبار العلاجات المحتملة "التي يمكن للأشخاص في كلّ مكان الاستفادة منها". تتيح الدراسة إضافة أدوية تجريبية أخرى أو استبدالها خلال ستة إلى 12 شهراً. بيّن بانيرجي أن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عوارض كوفيد طويل الأمد تنجم عن بقايا فيروس كورونا في الجسم، ويرجح أن تكون الأدوية المضادة للفيروسات مثل "باكسلوفيد" من "فايزر" إضافة قيمة إلى التجربة السريرية.

تابع قائلاً: "جزء من المشكلة أننا نحاول علاج أمر ما، فيما نعمل على اكتشاف ما يسببه... ستكشف لنا الأشهر الستة المقبلة كثيراً حول الآلية".

تواصل الاختصاصيين

أعربت مادي هورنيغ، أستاذة علم الأوبئة في كلية مايلمان للصحة العامة في جامعة كولومبيا في نيويورك عن انزعاجها من عدم تواصل الأطباء مع زملائهم من الاختصاصات الأخرى من أجل فهم الآثار الشاملة لكوفيد طويل الأمد واستخلاص الأفكار والاستراتيجيات لمعالجته. قالت: "أحاول أن أتعاطف أكثر مع الأطباء لأنهم يتجهون إلى ما في جعبتهم الطبية ويجدونها فارغة... لماذا ليسوا مهتمين بالحديث معاً واللقاء معاً؟".

كانت هورنيغ قد أصيبت بمجموعة مشاكل طبية منها إفرازات لزجة من الرئتين بعد إصابتها بكوفيد في أبريل 2020. فقد جعلها الغثيان المزمن والإسهال طريحة الفراش لأسابيع، وأدخلها المستشفى بعد حوالي سنتين حين أظهرت فحوصاتها التهابات في كامل قناتها الهضمية. هي تتناول اليوم خمسة أدوية لتخفيف الاضطرابات المعوية والغثيان والحرقة والالتهابات. أظهرت فحوصاتها تكراراً أن معدلات إحدى الجزئيات المسؤولة عن تكوّن تخثرات دموية أكثر من ضعفيْ مستوياتها الطبيعية، ما يؤشر إلى استمرار التهاب الأوعية الدموية.

قالت هورنيغ التي تدرس متلازمة الإرهاق المزمن والأمراض المتصلة بها إنه إذا كانت المشكلة فعلاً في بقايا الفيروس "أريد أن أكون قادرة على تلقي مضاد فيروسي... لا أعرف كيف يمكن العيش هكذا إلى الأبد".

قصص قد تهمك