"تويتر" تواجه نتائج سيئة فقط إن مضى ماسك بشرائها

يخشى منتقدو ماسك أن تؤدي خططه للحد من الرقابة على المحتوى لجعل "تويتر" أسوأ بكثير

time reading iconدقائق القراءة - 10
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

دعا جاك دورسي، المؤسس المشارك في "تويتر"، رئيس "تسلا" التنفيذي إيلون ماسك ليتحدث إلى موظفي الشركة خلال رحلة جماعية إلى أحد المنتجعات في مطلع 2020 ومازحه بسؤال: "لو كنت تدير (تويتر) ماذا كنت ستفعل؟ بالمناسبة، هل ترغب بإدارتها؟" ضحك الموظفون.

ماسك، الذي لم يكن آنذاك أغنى رجل في العالم ولا أكبر مشكلات "تويتر"، أخذ سؤال دورسي على محمل الجد، فأجاب: "أعتقد أنه سيكون مفيداً التفريق بين الحسابات الحقيقية" وتلك المزيفة. كان وجهه يتصدر عدة شاشات عملاقة داخل مركز مؤتمرات هيوستن وأنصت له أكثر من أربعة آلاف من موظفي "تويتر" وهو يشير تحديداً لمحاولات "شبكة البوتات" و"متعمدي التعليق المسيء" استغلال شبكة التواصل الاجتماعي، متسائلاً: "ما هو الرأي العام الحقيقي وما هو المزيف؟"

معركة بشعة

باتت أفكار ماسك حول ما يعانيه موقع "تويتر" بعد مرور عامين ونصف أكثر من مجرد فضول. لقد أثار عرضه في أبريل لشراء الشركة مقابل 44 مليار دولار، والمعركة البشعة التي تلت محاولته الانسلال من الصفقة، ذهول عالم الأعمال لأشهر. كما تقرر بدء دعوى قضائية في 17 أكتوبر لتحديد ما إذا كان بإمكان "تويتر" إجبار ماسك على الالتزام بشروط الاستحواذ. لكن ماسك تراجع في آخر لحظة، قائلاً إنه سيشتري الشركة بالسعر الأصلي بعد كل ما كان، فأمهل القاضي طرفي النزاع حتى 28 أكتوبر للنظر في تفاصيل الصفقة قبل المضي قدماً في المحاكمة.

إيلون ماسك يقترح المضي قدماً في شراء "تويتر" بسعر العرض الأصلي

إن تمّت الصفقة، فسيشتري ماسك "تويتر" بسعر 54.20 دولار أمريكي للسهم الواحد، وسيتمتع بالسيطرة الكاملة على الشركة. لا بد أن يضع ذلك الجميع ببعض الأوقات المحرجة، فقد دمّر ماسك صورة إدارة "تويتر" العليا علناً، وجافى موظفيها الذين يتجاوز عددهم سبعة آلاف موظف، فيما زعم محامو "تويتر" أنه منافق ومخادع أضرّ بسمعة الشركة عمداً حين ندم على عرض الشراء. يسهل تفهم رغبة ماسك في الانسحاب من الصفقة من الناحية المالية لكونه قدّم عرضه حين كانت سوق الأوراق المالية بحال أفضل بكثير، ولأنه سيرث شركة ذات أداء ضعيف وفقاً لمعايير "وول ستريت".

خصوصية "تويتر"

غير أن تحوّلات "تويتر" الدرامية دائماً ما ارتبطت بأكثر من مجرد أرقام، وذلك نظراً لدورها في الحياة السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، قال ماسك إن الشركة أعاقت حرية التعبير على نحو غير لائق، متعهداً بتخفيف إرشادات محتوى "تويتر" والسماح للرئيس السابق دونالد ترمب بالعودة إلى منصة التواصل الاجتماعي ورفع الحظر المفروض عليه بسبب التحريض على العنف خلال هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول الأميركي. احتفى اليمين السياسي في الولايات المتحدة بموقف ماسك، لأسباب ليس أقلها أنه يثير حنق الليبراليين. رغم أن أكثر مؤيدي شبكة التواصل المتحمسين يصفونها بمشهد من جحيم سام، إلا أن منتقدي ماسك يخشون أن تؤدي خططه للحد من الرقابة على المحتوى لجعل "تويتر" أسوأ بطرق سيتردد صداها لأبعد من حدود الشركة نفسها.إذا انهارت المفاوضات مرة أخرى بطريقة ما، ثم أقنع ماسك القاضي بالسماح له بالانسحاب من الصفقة، فقد ينهار سعر سهم "تويتر"، الذي كان رهان المستثمرين على إتمام عملية الاستحواذ بقيمتها المعلنة قد ساعد على استقراره. سيدمر ذلك قيمة الشركة السوقية التي تُقدّر بمليارات الدولارات، وستعود إلى حيث كانت في وقت مبكر من هذا العام كشبكة اجتماعية بارزة لم تكتسب يوماً القدرة على الكسب التجاري الفائق عالمياً، الذي تحظى به شبكات منافسة مثل "فيسبوك" و"يوتيوب".

ما جرّه ماسك على "تويتر" لن ينفع أحدا

ما من نتائج جيدة لعلاقة "تويتر" بإيلون ماسك. لقد كان سوء العلاقات يلوح في الأفق بالفعل حين خاطب موظفي "تويتر" في 16 يونيو، بعد شهرين تقريباً من توصّله إلى اتفاق لشراء الشركة للمرة الأولى. غالباً ما يجني موظفو الشركة أموالاً أقل من أقرانهم في غيرها من شركات التقنية الكبرى، لكن كثيرين منهم يؤمنون حقاً بفكرة أن الشبكة الاجتماعية تلعب دوراً أكثر حيوية في العالم من "ميتا" أو "ألفابيت" مثلاً. لكنهم يعترضون، ليس فقط على آراء ماسك بشأن الرقابة على المحتوى، ولكن أيضاً على دعمه الشخصي للسياسيين اليمينيين. كما أحبطتهم ادعاءات تحرشه جنسياً بمضيفة طيران تعمل لدى شركة "سبيس إكس" (SpaceX)، وهو ما نفاه رئيس "تسلا" التنفيذي. يبدو أن ماسك لم يقنع المتشككين خلال الاجتماع، حيث ألمح إلى نهاية العمل عن بُعد وإمكانية تسريح الموظفين، ما دفع بعضهم للسخرية من رئيسهم العتيد عبر منصة "سلاك" (Slack) خلال الاجتماع وقد نشر "مشروع فيريتاس" (Project Veritas)، وهو مجموعة يمينية متطرفة ناشطة، عدداً من تلك التعليقات. فيما يلي بعض الأمثلة:

"أخبرتموني جميعاً أن هذا الرجل عبقري".

"لماذا أشعر أنه لم يكن مستعداً لهذا الاجتماع؟".

"هل الوقت مبكر جداً لتناول مشروب؟".

تدهور في "تويتر"

كان الاجتماع نقطة قاتمة خلال ما بدا بالفعل ربيعاً أسود داخل "تويتر". لكن سرعان ما ازدادت الأمور سوءاً، حيث سجلت الشركة خسارة في صافي الدخل في يوليو بعد عدة سنوات من ثبات ربحيتها، إضافة لانخفاض الإيرادات مقارنةً بالفترة ذاتها من العام السابق. أعلنت "تويتر" في الأسبوع الذي تلا ذلك أنها ستغلق أو تقلل عدد مكاتبها في نيويورك وسان فرانسيسكو وسيدني وعديد من المدن الأخرى، وذلك بعدما علّقت خطط التوظيف وألغت عروض عمل بعض المرشحين. كما طردت "تويتر" قلة من كبار المسؤولين التنفيذيين وألغت رحلة جماعية للموظفين كانت مقررة في أوائل 2023 لأحد منتجعات "ديزني لاند".

ماسك يعتزم خفض عدد موظفي "تويتر" 75%

قدّم الاجتماع أيضاً لمحة عمّا يمكن أن يحدث في ظل قيادة ماسك، إذ يتوقع حل مجلس إدارة "تويتر". كما قد يعيد ماسك هيكلة الفرق داخلياً، إذ يتأهب عديد من الموظفين في الإدارات التي انتقدها، بما فيها إدارات الشؤون القانونية والسياسات والاتصالات، لاحتمال واقعي بأن يصبحوا عاطلين عن العمل قريباً. لكن بعضاً آخر قد لا ينتظر حتى يتولى ماسك إدارة الشركة، حيث أعلن المسؤولون التنفيذيون في اجتماع شمل جميع العاملين في أواخر أغسطس أن معدل تناقص الموظفين ارتفع إلى 18%.

يبدو إقصاء ماسك لرئيس "تويتر" التنفيذي باراغ أغراوال ولكبير محاميها فيجايا غادي، الذي يشرف على الرقابة على المحتوى، شبه مؤكد. تُظهر الرسائل النصية المرفقة بملفات المحكمة أن ماسك وأغراوال سرعان ما اختلفا. نشر ماسك سلسلة تغريدات تنتقد الشركة عندما كان ما يزال يخطط للانضمام إلى مجلس إدارة "تويتر" في مطلع أبريل، بما في ذلك سؤال عما إذا كان استخدام المشاهير للمنصة يدل على أنها "تحتضر". أرسل أغراوال رسالة نصية إلى ماسك: "لك مطلق الحرية في التغريد متسائلاً عما إذا كانت (تويتر) تحتضر أو أي شيء آخر بخصوصها. لكن من مسؤوليتي إخبارك أن ذلك لا يساعدني على جعل الشركة في وضع في السياق الراهن". كان رد ماسك في غضون دقيقة: "ماذا أنجزت هذا الأسبوع؟" ثم بعد 40 ثانية: "لن أنضم إلى مجلس الإدارة. إنه مضيعة وقت".

استجواب دورسي تحت القَسَم في دعوى بين "تويتر" وماسك

فشلت محاولة دورسي، الذي اختار أغراوال لخلافته كرئيس تنفيذي وشجع ماسك على شراء "تويتر"، لحث الرجلين على إنهاء خصومتهما في مكالمة هاتفية بعد بضعة أسابيع. فأرسل دورسي رسالة نصية إلى ماسك لاحقاً تقول: "على الأقل بات واضحاً أنه لا يمكنكما العمل معاً. لقد أوضح الحوار ذلك".

تغييرات جذرية

فيما يتعلق بالعمليات، يُرجّح أن يكون تأثير ماسك الأوضح هو تراخي جهود "تويتر" لوقف المعلومات المضللة وإساءة الاستخدام. لقد أمضت الشركة سنوات في محاولة منع الخداع المنسق وعدم الانضباط في التعليقات على منصتها، لكن ماسك نفسه كان متباهياً بعدم انضباط تعليقاته. يتلخص نهجه في إدارة المحتوى بالأساس بأن "كل شيء مباح"، وقد أخبر موظفي "تويتر" أنه يجب السماح للمستخدمين بنشر "أمور شائنة للغاية".

كما يُفترض أن تشغل ماسك محاولة تقليل انتشار الحسابات الآلية التي أشار إليها مرة أخرى في 2020 باعتبارها مشكلة كبيرة. فعندما حاول إلغاء عملية الاستحواذ، ذكر أن السبب وراء ذلك هو تلاعب إدارة "تويتر" بأعداد المستخدمين الذين لم يكونوا أشخاصاً حقيقيين، غير أن الأرباح الفصلية للشركة تتضمن سطراً يفيد أن الحسابات الآلية والحسابات العشوائية تشكّلان أقل من 5% من إجمالي قاعدة المستخدمين المُبلّغ عنها. يزعم ماسك أن الرقم أعلى بكثير، لكنه لم يقدّم أي دليل على تلك المزاعم. كما قال رئيس "تسلا" التنفيذي إن "تويتر" أحبطت جهوده لتحليل قاعدة مستخدميها. عندما غرّد أغراوال في مايو بأن تقديرات "تويتر" الداخلية لعدد الحسابات الآلية عن العام الماضي كانت في الواقع أقل من 5%، رد ماسك بتغريدة تضمّنت رمزاً تعبيرياً شائناً بمعنى: هراء.

إيلون ماسك يضيف سبباً جديداً لإلغاء استحواذ الـ44 مليار دولار على "تويتر"

تعهد ماسك بالقضاء على الحسابات الآلية، لكن خططه لتحقيق ذلك يكتنفها الغموض، برغم أنها على الأرجح ستتضمن محاولات للتحقق من الشخص الذي يدير الحساب. سيكون هذا تغييراً جذرياً في سياسة الشركة التي سمحت بوجود الحسابات مجهولة الهوية منذ إنشائها.

لم يتضح مدى مشاركة ماسك بالضبط في فرض أي من هذه التغييرات بعد، لا سيما بالنظر إلى مسؤولياته تجاه شركاته الأخرى. كان لدى دورسي، وهو آخر شخص أدار "تويتر" وظيفتان أيضاً، بيد أنه غرّد في مايو أنه "لن يشغل منصب رئيس تنفيذي مرة أخرى أبداً"، ويبدو الآن أنه يركّز بشكل كامل تقريباً على الترويج لعملة "بتكوين" المشفرة. لدى سؤاله عن دوره المتوقع في يونيو، أجاب ماسك موظفي "تويتر" بأن: "وظيفة الرئيس التنفيذي تنطوي على كثير من الأعمال الرتيبة". لكن حتى لو حمل شخص آخر هذا اللقب، فليس خافياً من ينوي ماسك أن يكون له الكلمة الأخيرة، حيث أردف: "أنا لا أهتم حقاً بالمُسمّى الوظيفي، لكنه من الجليّ أنه ينبغي على الناس أن يصغوا لما أقول".

تصنيفات

قصص قد تهمك