بلومبرغ
بقلم: Hannah Elliott
تخيّم أطياف الماضي بقوة على فندق تشيلسي حيث يمكن لعشاق الثقافة انتقاء شخصيتهم المفضلة التي سكنت يوماً بين جدران النُزل المزين في الشارع 23 من مانهاتن، والذي كان يوم اكتمال تشييده في 1884 أطول المباني في المدينة.
كتب توماس وولف روايته "لا يمكنك العودة إلى المنزل مرّة أخرى" (You Can’t Go Home Again) تحت سقف ذاك النُزل في ثلاثينيات القرن الماضي. ففيه أسرف ديلان توماس بالشرب إلى أن أصيب بالتهاب رئوي أودى بحياته في 1953. سكنه جاسبر جونز في نهاية الستينيات في الفترة بين انكبابه على الرسومات المستوحاة من الراية وتبنيه أسلوب التظليل المتقاطع، وانتقلت إليه إيدي سيدجويك بعد أفول نجمها في ستوديو "ذا فاكتوري".
كيف أصبح ترميم فندق "والدورف" الشهير في نيويورك رمزاً لتمدد الصين العالمي؟
في الطابق العاشر من الفندق، أقامت بيتي سميث في غرفة واحدة مع روبرت مابلثورب مقابل 55 دولاراً في الأسبوع، حوالي عام 1969. كما نزلت فيه بيتسي جونسون ومادونا قبل الشهرة. من روّاده أيضاً كان سيد فيشوس ونانسي سبونجن عام 1978، ولعلّكم تعرفون بقية تلك القصة.
وصله أرثر ميلر في الستينيات جاراً ذيول الخيبة بعد انفصاله عن مارلين مونرو. كتب حينها "لو أنَّ جدران فندق تشيلسي تتكلم، لحكت كثيراً عن كره الذات لدى أصحاب المواهب".
ترميم الفندق
أُغلق فندق تشيلسي أبوابه أمام العامة لأكثر من عقد، بعدما اشتراه المطوّر العقاري جوزيف شيتريت مقابل 80 مليون دولار في 2011، وبدأ ترميمه بالكامل. تغير مالكو الفندق مجدداً في 2013، وتلت ذلك معركة لسنوات مع نزلاء مستديمين لاختيار من سيُسمح لهم بالبقاء وتحديد المقابل المالي لذلك. يملكه حالياً شون ماكفيرسون وإيرا دروكير وريتشارد بورن، الذي تضمّ محفظته في مجموعة "بي دي أوتيلز" (BD Hotels) فندق "باويري" (Bowery Hotel) وفندق "جاين" (Jane Hotel) في مانهاتن أيضاً، بعد أن دفعوا 250 مليون دولار ثمناً له في 2016.
الفنادق الأميركية تفقد 59 مليار دولار من الإيرادات بسبب انهيار سفر رجال الأعمال
افتُتح الفندق مجدداً في 14 مارس بعد عمليات ترميم إضافية كلّفت 100 مليون دولار، وفيه حالياً 155 غرفة للضيوف وحانة متلألئة، كما اكتسى مطعمه الإسباني في الطابق الأرضي "إل كيخوتيه" (El Quijote) حلّته الجديدة، ويجري العمل على إقامة منتجع صحي وصالة رياضة على السطح.
ما يزال 45 نزيلاً دائماً يسكنون المبنى ويستحضرون ماضيه حين كان مكان إقامة طويلة الأمد لأشخاص من أمثال ليونارد كوهين، متمتعين بقوانين الحماية من عمليات الإجلاء الصارمة في مدينة نيويورك.
سحر المكان
لا بدّ أن يجد من يؤمنون به سحراً، ولن أجادل كبار السن الذين يقولون إنَّ سحره الخلاب قد خبا لأنَّ التنافس مع فناني ومنبوذي الزمن الغابر الذين أعطوا الفندق سمعته في الأساس ليس سهلاً.
ليست العظمة ما تميز فندق تشيلسي بحلّته الجديدة ولو اتصف بذلك لكانت تلك غلطة. يعطيك تاريخه الغني انطباعاً بأنَّ أي شيء يمكن أن يحدث حين تقيم فيه. تذكّرني بعض صفاته بسيارتي وهي "رولز رويس" من طراز 1975، فهي تتمتع بالقوة والتصميم المميز والأناقة مع شكل من استقلالية الشخصية، لكنْ بدأت تبدو عليها علامات القِدم.
ترمب يستغني عن فندقه الأشهر في واشنطن مقابل 400 مليون دولار
يقبع مكتب الاستقبال تحت السلالم في نفس المكان الذي جلست فيه جانيس جوبلين وهي ترتدي ملابس الفراء في 1969 ليلتقط ديفيد غار صوراً لها. يزدان الجدار خلف المكتب اليوم بمفاتيح ذات شراشيب حمراء معلقة كصفوف، ويجاورها (درابزين) السلالم المميزة المصنوعة من حديد مزخرف. أمّا شبك الحماية المعدني المعلّق فوق المكتب؛ فهو تذكير بأنَّ العمل لم ينتهِ بعد. حين انتقلت إلى المصعد الذي كان معروفاً ببطئه في أيام ميلر، والذي يعمل طوراً ويتعطل أطواراً أخرى، وجدت أنَّه خارج الخدمة، لذا صعدت السلالم نحو ملاذي في الدور السابع.
أجواء ودية
يتيح "اللوبي بار" المُنار بإضاءة صفراء مساحة للاسترخاء، ويتميز بزوايا لتنعم بجلسة مريحة. يضفي طاقم من العمّال الماهرين جوّاً ودياً على المكان، بالأخص المضيفة اللطيفة تايلر جاين ذات الشعر الداكن التي كانت ترتدي قفازين جميلين قصيرين وشفافين باللون الأحمر في إحدى الليالي، ثمّ بدلتهما بقفازين أسودين يصلان إلى المرفق في ليلة أخرى.
يعمل الموظفون خلف النضد مرتدين بزات بيضاء بتناغم وكأنَّهم يمارسون سباحة التزامن، وتكاد لا تلمح أذرعتهم فيما يخضون المارتيني تحت الأضواء المتوهجة ليعدّوا مشروبات تحمل أسماء فنية مثل "كاوبوي ماوث" (Cowboy Mouth) و"نيكيد لنش" (Naked Lunch)، ومن الواضح أنَّهم أتقنوا بسهولة إعداد مشروبي الاعتيادي "بوليفاردييه".
في إحدى الليالي، أعدّوا لي مشروب "أدي 67"، وهو مشروب مصنوع من الميسكال مع الزنجبيل وعسل غوشوجانغ. تناولت أيضاً عدّة مرّات فطيرة بطرخ السلمون المرقط التي كان طعمها شبيهاً بلفائف الكركند الفاخرة، كما أكلت همبرغر الجبن الغني بالعصارة، لكنَّ البطاطا المقلية لا تأتي تلقائياً مع الطبق فعليكم طلبها كطبق إضافي. كما في الفنادق الأوروبية الفخمة، لم تُشغّل الموسيقى في الأمسيات التي قضيتها هناك قبل أن أتوجه إلى غرفتي.
أُعدّت الأسرّة بترف، وكان ملمسها فائق النعومة. احتلّ سريري الجزء الأكبر من غرفتي التي سادها السكون كما في المكتبات، وكانت إلى جانبه طاولة رخامية لشخصين مع كرسيين بطبعة النمر، واحتوى الحمام على حوض استحمام رخامي ضخم. تضمّ عدة غرف المدافئ بالإضافة إلى شرفات صغيرة. بحسب ما سمعت؛ فإنَّ الجدران الشهيرة من الأيام الخالية التي تبلغ سماكتها ثلاثة أقدام ما تزال صامدة.
أسعار معقولة نسبياً
كما كان الحال مع ميلر حين "نصحته ماري [مكارثي] بفندق تشيلسي كفندق زهيد التكلفة ولائق في آن معاً"، تتراوح أسعار الغرف بين 345 دولاراً لليلة الواحدة في غرفة استوديو بسرير مزدوج متوسط وصولاً إلى 3600 دولار للشقق المفروشة. فهو أغلى من الفنادق البغيضة المخصصة لمسافري العمل، لكنَّه أقل تكلفة من كثير من المنشآت الفخمة. إن كنت تظنّ أنَّه من العدل انتقاد فندق في مانهاتن لأنَّ "غرفه صغيرة جداً"، فعلى الأرجح هذا ليس الفندق المناسب لك، وبكلّ صراحة؛ ربما هذه ليست المدينة المناسبة لك أيضاً.
لحسن الحظ، يقدم مطعم "إل كيخوتيه" قائمة طعام جديدة، بعدما أعيد افتتاحه، وقد تزين بالأعمال الفنية السابقة نفسها، وعاد الندل لارتداء ستراتهم الحمراء المألوفة. من أبرز أطباقه، التونة كرودو النيئة والمعكرونة المحمصة الدقيقة جداً، بالإضافة إلى طبق باييا الذي يبلغ سعره 72 دولاراً، و"يستغرق إعداده بعض الوقت" بحسب ما أخبرني النادل.
ليس جديداً أن يقصد المسافرون الأجانب فندق "تشيلسي" بحثاً عن عالم بوهيمي ضائع أو عن بعض نفحات الروك أند رول. يستقطب الفندق وفق ما شاهدت رجالاً أربعينيين ميسوري الحال مسمرّي البشرة ذوي لكنة ويرتدون قمصاناً مفتوحة، بالإضافة إلى أزواج من المسنين العائدين من افتتاح موسم أوبرا متروبوليتان، استناداً إلى ما رأيته من بزات توكسيدو الرسمية وفساتين السهرة. شاهدت أيضاً نساء يعملن في مجال الفن يتبادلن أطراف الحديث عن التاريخ مع الشبان الوسيمين الذين يشرفون على مكتب الاستقبال ويحرسون الباب، كما رأيت المغنية الفرنسية لو دويلون.
أخبرني إيريك جاسبر المايسترو صاحب القبعة الحمراء الذي يقود الأمسيات المرحة في "لوبي بار" أنَّه كان لطاقم برنامج "ساترداي نايت لايف" جلسة تصوير في الفندق أخيراً.
أشباح تسكن الفندق
على عكس الممثل مايكل إمبيريولي، لم أرَ أي شبح في الفندق، وقد قال في مقابلة مع قناة "بيو" إنَّه رأى شبح امرأة تدعى ماري في 2010، إذ يبدو أنَّها معروفة في المكان. أخبرني أحد النزلاء من الذين شاهدوا أشباحاً أنَّ هذه الكائنات تظهر في أغرب الأوقات، لكنَّها ليست شريرة بل هي "عالقة" هناك فحسب. أشعر بخيبة أمل لعدم رؤيتي لها، ولكنَّ نيويورك المعروفة أيضاً باسم "غوثام" مدينة مليئة بالأشباح بالنسبة لكلّ من عاش وأحَبّ فيها، وسأشعر بالفراغ من دونها.
كتب ميلر بعد إقامته التي امتدت عدة أشهر في الفندق: "برغم أنَّني كدت أسلق نفسي بمياه الاستحمام عدّة مرات؛ لكنَّني بدأت أحب هذا الفندق". أشاركه هذا الشعور كما أنَّني ممتن للتحسينات على السباكة. بعد كلّ هذه السنوات، ما زالت روح نيويورك حيّة تنبض في فندق تشيلسي.