رئيس "غولدمان ساكس" يترك حلم الهيمنة على قطاع المستهلك قسراً

توقع ديفيد سولومون أن يصبح البنك رائداً في خدمات الأفراد المصرفية لكن تبين أن التوسع مكلف

time reading iconدقائق القراءة - 10
صورة تعبيرية عن مشروع \"غولدمان ساكس\" ليصبح مصرفاً للجميع عبر منتج \"ماركوس\" - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن مشروع "غولدمان ساكس" ليصبح مصرفاً للجميع عبر منتج "ماركوس" - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

استقل ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لمجموعة "غولدمان ساكس"، طائرة ليلتقي مع ريس ويذرسبون، نجمة فيلم "ليغلي بلوند" (Legally Blonde). كانت الممثلة، التي غدت من أقطاب عالم الأعمال، تفكر بتقديم خدمات مالية عبر الإنترنت لجحافل معجبيها، وأراد رئيس أبرز شركات وول ستريت دوراً في ذلك، فقد رأى فيه مصدراً جديداً محتملاً لأعمال تجارية تفيد "ماركوس"، وهو رأس حربة البنك في غزوه لقطاع المستهلكين وللتعامل مع أموال عامة الناس. لعل تلك اللحظة من 2019 كانت ذروة ما بلغه "ماركوس" خلال السعي لجعل "غولدمان ساكس" مصرفاً للجميع.

أمضى سولومون الستيني معظم سنواته الأربع على رأس بنك "غولدمان ساكس" يروج للمساهمين وبيَّن لمديريه التنفيذيين فوائد بناء بنك رقمي متكامل الخدمات، لكنه يعمل الآن على إنهاء ذلك الطموح وسحب الموارد المخصصة للمشروع.

أدت تجاوزات التكاليف وفوات أهداف الربحية لسخط متصاعد داخل البنك، ودفعت بالمنظمين لطرح تساؤلات مقلقة. أما أكثر ما ينذر بسوء فهو استياء المساهمين، حيث يعمل البنك الآن على إعادة هيكلة تلك العمليات وإعادة توجيهها.

بدلاً من تلبية احتياجات كافة أنواع الزبائن المصرفية، سيطلق "غولدمان ساكس" بعض المنتجات الاستهلاكية الرئيسية عبر أعمال إدارة الثروات، معظماً بذلك من نقاط قوة البنك الأصلية، وستوجه الحسابات الجارية التي كان يتوقع لها الحصول على انتشار واسع بين عموم الجماهير، نحو العملاء الميسورين وموظفي الشركات الشريكة. ينطبق الأمر ذاته على خدمة المستشار الآلي في البنك، المعروف باسم "ماركوس إنفيست" (Marcus Invest)، وعلى حسابات التوفير.

تضخم نفقات "غولدمان ساكس" لمستوى قياسي بسبب حرب المواهب

سيُكبح جماح الإقراض الاستهلاكي، وبرغم احتفاظ البنك بشراكاته مع شركات بطاقات الائتمان، إلا أنه سيكون انتقائياً للغاية بشأن إضافة مزيد منها إلى القائمة.

كما أدى التحول عن تقديم الخدمات المصرفية للأفراد لتسريع مناقشات إعادة التنظيم الثالثة الكبرى التي يقوم بها سولومون لخطوط أعمال "غولدمان ساكس" خلال أربع سنوات. يفكر "غولدمان ساكس" مجدداً بالجمع بين أعمال إدارة الأصول وإدارة الثروات تحت قيادة فريق بتشكيلة جديدة في خطوة تصب في خانة تقليل التركيز على النشاط المصرفي للأفراد. أثبتت مثل هذه التحركات في سنوات سابقة أنها مقدمة لتخارج بعض من يتولون المراتب الوظيفية العليا.

يستند وصف إعادة هيكلة "غولدمان ساكس" لـ"ماركوس" إلى مقابلات مع مديرين تنفيذيين على دراية بالخطط وقد طلبوا عدم كشف هوياتهم لدى التطرق لمجريات محادثات داخلية. امتنع متحدث باسم البنك عن التعليق كما لم يرد ممثلون عن ويذرسبون على طلب للتعليق. لم يثمر الاجتماع المذكور معها عن صفقة.

دمية الدب المحبوبة

يعد تحويل منتجات "ماركوس" الموجهة للمستهلك مباشرة إلى إدارة الثروات رهاناً على ما ثبت نجاحه لدى "غولدمان ساكس"، الذي لديه طرح مخصص للشركات هو "أيكو" (Ayco)، الذراع التي اشتراها منذ عقدين، وهي تعرف كيف تجذب الشركات وكيف تتعامل معها ويمكنها الوصول إلى قوة عاملة مستهدفة ضمن حوالي 500 شركة تتعاون معها.

ما يزال "غولدمان ساكس" ينوي استقطاب ودائع المستهلكين، وتضم حسابات التوفير الرائجة للبنك أكثر من 100 مليار دولار. حتى أن منتقدي "ماركوس" يعترفون أن هذا كان انتصاراً يكمل أعمال بنك "غولدمان ساكس" المصرفية، ويدعم ودائع الشركات، ويمثل مصدراً آخر للتمويل الرخيص، كما يعد نجاحاً لعهد سولومون.

لكن خبو التطلعات يؤشر إلى تراجع أداء "غولدمان ساكس" وكذلك أداء سولومون، الذي أطلق سلفه لويد بلانكفين الخدمات المصرفية للأفراد قرب انتهاء عهده في الإدارة الذي امتد 12 عاماً، حاول خلالها تلطيف صورة الشركة العتيّة في وول ستريت لدى الأميركيين العاديين. قال المدير التنفيذي المسؤول عن استمالة المستهلكين في منتصف 2018 إن منتج "ماركوس" الذي يحمل اسم مؤسس "غولدمان ساكس" يهدف لأن يصبح خدمات مالية تشبه "دمية دب محبوب". كانت المنصة في ذلك الوقت تتمحور حول حساب توفير بسيط عبر الإنترنت يقدم معدل فائدة أعلى من المتوسط ​​على الودائع وقروضاً استهلاكية بلا ضمانات.

"غولدمان ساكس" يبدأ تداول عقود خيارات "بتكوين" خارج المقصورة

تولى سولومون، الذي يعمل كمنسق أغانٍ على سبيل الهواية ليلاً، في وقت لاحق من ذلك العام زمام الأمور فسرّع العملية وتوقع أن يصبح البنك الرقمي أحد الركائز الأساسية لنمو أرباح المصرف.

كتب سولومون في مذكرة للموظفين في 2019، عندما أطلق "غولدمان ساكس" أول بطاقة ائتمان له بالشراكة مع "أبل": أتوقع أن نصبح البنك الرائد في قطاع الأعمال الاستهلاكية في العقود المقبلة، تماماً كما نحن رواد في أعمال الشركات والمؤسسات".

وظف البنك المختص بالتمويلات الكبرى الذي يبلغ عمره 153 عاماً جولو فليتشر نجمة البرنامج التلفزيوني "ذا باتشليريت" لمساعدته في بلوغ جمهور جديد تماماً، وغزت تهويدات "ماركوس" موجات الأثير.

تباينات العمالقة

تميز "غولدمان ساكس" بين أكبر بنوك وول ستريت منذ فترة طويلة بتركيزه المكثف على خدمة الشركات ومؤسسات أخرى. مثلاً يملك "جيه بي مورغان تشايس آند كو" و"بنك أوف أميركا "، منافساه العتيدان في مجالي التداول وعقد الصفقات، شبكات فروع على مستوى البلاد، فيما انخرط بنك "مورغان ستانلي" في إدارة الثروات. روج "غولدمان ساكس" في عهد سولومون لميزات التحول إلى بنك أكثر تنوعاً.

تَسْهل رؤية جاذبية الخدمات المصرفية الرقمية، إذ تستقطب الشركات الناشئة في مجال التقنية المالية في جميع أنحاء وادي السيليكون رأس المال الاستثماري. فرضت صفقات التمويل تلك تقييمات بمليارات الدولارات للشركات الناشئة، وهي أرقام بدت وكأنها تتصاعد مع كل جولة تمويل. على النقيض من ذلك، لم تكن بنوك مثل "غولدمان ساكس" تحظى بالقدر نفسه من الإثارة بين المستثمرين. يمكن أن يساعد احتضان ذراع تقنية مالية بين جدران "غولدمان ساكس" على التميز عن المنافسين المفتقرين للمغامرة.

مخاطر الفشل تهيمن على شركات التكنولوجيا المالية غير المربحة

حصلت أسهم الشركة على دفعة كبيرة خلال الوباء مع ازدهار أعمالها الأساسية في وول ستريت. لكن خطط توسيع نطاق "ماركوس" لم تقدم قط التقييم المرتفع الذي كانت تحققه الشركات الناشئة الصاخبة. كما لم تعد شركات التقنية المالية مرغوبة هذا العام بعدما أضر تراجع السوق عموماً بالتقييمات المرتفعة للشركات الخاصة بشدة.

تراجعت أسهم "غولدمان ساكس" بأكثر من الخمس في 2022، وكافح سولومون لإقناع المستثمرين بإعادة تقييم الأسهم، رغم وعظه حول ميزات الأرباح المتنوعة والابتعاد عما يُنظر إليه على أنه عدم القدرة على التنبؤ بالصفقات والأعمال المصرفية. انخفضت نسبة السعر إلى القيمة الدفترية، أي مقارنة القيمة السوقية للبنك بما يقول إن أجزاءه تساوي، إلى أقل من 1. بعبارة أخرى، يعتقد المساهمون أن قيمة البنك أقل بقليل مما يعتقد محاسبوه.

انخفاض الأرباح

اكتشف البنك الذي افتخر على مدى عقود بالمستوى الرفيع لمنسوبيه أن تقديم حساب جارٍ ليس بالبساطة التي يبدو عليها. كان سولومون أحد المؤيدين الرئيسيين لهذا المنتج، الذي من شأنه أن يمنح العملاء منصة لاستقبال شيكات رواتبهم وطريقة لدفع الفواتير.

قال سولومون لزملائه إن قناعته بضرورة توفير حسابات جارية للجمهور الأوسع لبناء بنك رقمي في المستقبل تعززت خلال محادثته مع كريس بريت الرئيس التنفيذي لبنك "تشايم" (Chime)، وهو من بنوك الحداثة. رغم أن فريق سولومون جعل من المشاكل التقنية أولوية، إلا أنها بقيت صعبة الحل. عند جهوزية المنصة، لم يعد المسؤولون التنفيذيون متأكدين من رغبتهم في الإنفاق على حملة تسويق لنشاط التجزئة. عادةً ما توزع البنوك الأميركية الكبيرة الأخرى مكافآت تسجيل بمئات الدولارات لجذب عملاء جدد.

البنوك الجديدة تعاني من أجل تحقيق وعودها البراقة

تصاعد الضغط على مديري "غولدمان ساكس" للتعامل مع نفقات وحدة المستهلك، وأصبح الأمر أصعب هذا العام، حيث توقع المحللون انخفاض الأرباح بأكثر من 40% عن الرقم القياسي المسجل العام الماضي، ما سيؤدي لتسريح موظفين وخفض علاوات.

توقع البنك على الصعيد الداخلي في منتصف العام تسارع خسائر الوحدة إلى أكثر من 1.2 مليار دولار في 2022، وهو ما قد يضع الخسائر التراكمية على مسار لتتجاوز 4 مليارات دولار. ألقى سولومون اللوم في هذا العبء على الحاجة لمخصصات من أجل قروض متعثرة محتملة، لكن التوقعات تشمل أيضاً النفقات المستمرة لإنشاء النشاط وإدارته.

لا يتضمن ذلك تكلفة الاستحواذ على شركة "غرين سكاي" (GreenSky) للقروض والتقسيط في صفقة بلغت قيمتها في البداية أكثر من 2.2 مليار دولار العام الماضي، والتي تبين أنها أصبحت في قمة تقييمات سوق مشروعات التقنية المالية.

كلمة الفصل

ما يزال المديرون التنفيذيون في "غولدمان ساكس" يتحدثون عن ميزات ذلك الاستحواذ، التي تتمثل لديهم بالقدرة على جذب تجار أكثر لاستخدام الخدمة، وبيع منتجات أكثر للعملاء النهائيين الذين عادة ما يحظون بدرجات تقييم ائتماني عالية.

لم يكن المساهمون متحمسين لـ"ماركوس" أبداً، ويقر كبار المسؤولين التنفيذيين في محادثاتهم الخاصة بأنهم تلقوا كثيراً من الأسئلة حول هذا الموضوع من المستثمرين المرتبكين.

لذا كانت نتيجة اجتماع سولومون مع وارن بافيت مسلية لدى بعض من واجهوا أسئلة حادة حول عدم قدرتهم على كسب المستثمرين، فقد سعى رئيس "غولدمان ساكس" لاستمالة بافيت المعروف باسم "عراف أوماها" ضمن جهد لاستقطاب كبار المستثمرين، ليبين له كيف ستؤتي استراتيجية النمو ثمارها. وكان بافيت، رئيس شركة "بيركشاير هاثواي" (Berkshire Hathaway) المشهور بدعمه للشركات المهيمنة في مجالها، قد اشترى حصة في "غولدمان ساكس" خلال الأزمة المالية في استثمار حقق له ربحاً كبيراً. لكن لسوء حظ سولومون، كان بافيت يبتعد بالفعل عن "غولدمان ساكس" الجديد، ويقلص حصته فيه لدرجة أن الإفصاحات أظهرت في 2020 أنه خفض حصة "بيركشاير" في "غولدمان ساكس" إلى الصفر.

تصنيفات

قصص قد تهمك