هكذا تبدو الحياة بأكثر مدن العالم صرامة في تطبيق سياسة "صفر كوفيد"

حالة إيجابية واحدة تغلق نصف مدينة رويلي والتدابير القسرية تخنق حياة المواطين وتوقف الإنتاج

time reading iconدقائق القراءة - 21
سياج على طول نهر رويلي، على الجانب الصيني من الحدود. - المصدر: بلومبرغ
سياج على طول نهر رويلي، على الجانب الصيني من الحدود. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تمتد أكثر المناظر الطبيعة وعورة في آسيا على طول الحدود الصينية مع ميانمار البالغ طولها 2092 كيلومتراً. يصل ارتفاع الجبال إلى 5791 متراً فوق مستوى سطح البحر، وتتدفق الأنهار بسرعة بين المنحدرات الحادة، كما تأوي الغابات الكثيفة طيور البوقير العملاقة والقرود ذات الأنف الأفطس والفيلة.

لم تمثّل المنطقة أولوية للتنمية الاقتصادية لأي من البلدين على الإطلاق، فضلاً عن قلة عدد الطرق والمستوطنات الكبيرة بها. تُعدّ مدينة رويلي الصينية، التي يزيد عدد سكانها قليلاً عن ربع مليون نسمة وتقع في واحدة من المناطق المسطحة، هي الاستثناء. تضم المدينة الحدود التي تفصلها عن مدينة موس، وهي مدينة أصغر ناحية ميانمار.

تشكّل المدينتان معاً منطقة حضرية ثنائية القومية، مماثلة لمدينتي إل باسو وخواريز على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، فضلاً عن كونهما نقطة اتصال مهمة للتجارة.

عبرت حشود من الناس بين المدينتين على مدى عقود من الزمن، حيث يبحث العمال البورميون عن وظائف في المصانع، ويزور السكان الصينيون أقاربهم، فضلاً عن حمل تجار من كلتا القوميتين مجموعة كبيرة من البضائع، بعضها قانوني وبعضها لا.

لقد توقفت حركة المرور في المدينة بشكل شبه كامل، حيث إن أحد الدعائم الرئيسية لسياسة "صفر كوفيد" الصينية -التي تعتبر أن وجود إصابة واحدة خطر وأمر غير مقبول- هو إغلاق حدود البلاد، وعزلها عن العالم الذي قرر بأغلبيته الساحقة التعايش مع فيروس كورونا. لم يظهر تأثير هذه السياسة في مكان أكثر من رويلي.

السور الصلب العظيم

بدأ المسؤولون المحليون العام الماضي، مع استمرار الوباء في ميانمار بشكل كبير، في إنشاء فواصل من الصفائح المعدنية وثكنات للحراس، وأسوار مغطاة بالأسلاك الشائكة على طول الحدود مع مدينة موس، وهي هياكل أطلق عليها العمدة اسم "السور الصلب العظيم". فرضت الحكومة المحلية بعضاً من أقسى القيود في الصين عندما اكتشفت وجود إصابات. عانى السكان في رويلي من سبع إغلاقات منفصلة من مارس 2021 إلى أبريل 2022، ومُنعوا من مغادرة منازلهم لمدة 119 يوماً. كانت الاختبارات الإلزامية متكررة لدرجة أنه أجريت 16 مسحة لطفل قبل حلول عيد ميلاده الأول، وفقاً لأحد المواقع الإخبارية الصينية.

طالع المزيد: لماذا تتمسك الصين بسياسة "صفر كوفيد"؟

سجلت مدينة رويلي، مثل معظم المدن الصينية، عدداً قليلاً جداً من الوفيات رسمياً بسبب فيروس كورونا. كان القضاء على الفيروس إنجازاً حقيقياً للصحة العامة، لكنه كان مكلفاً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. كانت واجهات المحلات مصطفة بالناس في عديد من الشوارع، وكانت مواقع البناء الخاملة مشمسة كالمناطق شبه الاستوائية، وكان لدى سوق اليشم، وهو أشهر مناطق الجذب السياحي في المدينة، تجار أكثر من العملاء، وذلك في آخر زيارة لـ"بلومبرغ بيزنس ويك".

تراجع الناتج الاقتصادي المحلي 15% في 2021. كما عادت أجزاء من مدينة رويلي للإغلاقات في منتصف سبتمبر بسبب عدوى في مركز الحجر الصحي، وذلك بعد ستة أشهر من عدم تسجيل حالات وسماح السلطات بتخفيف معظم القيود اليومية. لم يكن هناك ما يشير إلى انتهاء الإغلاق أو ما إذا كان سيُعاد فتح الحدود. قد يظل السور الصلب العظيم إلى الأبد.

سياسات قاسية

على الرغم من قسوة سياسات مدينة رويلي بشأن الوباء، إلا أنها كانت تتماشى مع الموقف العام للصين. كما اتبعت كافة الدول الأخرى نهج عدم التسامح مع فيروس كورونا مطلقاً، بما في ذلك أستراليا وسنغافورة، حيث أزالوا القيود وأعادوا فتح أبوابهم للعالم. لكن تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يُتوقّع أن تمتد ولايته لمدة خمس سنوات على الأقل في مؤتمر الحزب الشيوعي في أكتوبر، تظهر كثيراً من التباهي بأن عدد الوفيات في بلاده ضئيل، حيث سُجلت 5200 حالة وفاة فقط حتى الآن، وهو ما يُعدّ دليلاً على تفوق نظامها السياسي.

قال الرئيس مراراً وتكراراً إنه ليست لديه نية للتخلي عن سياسة "صفر كوفيد"، حتى عندما أضر بالاستهلاك المحلي وأعاق سلاسل التوريد الدولية، وهو ما يهدد النمو العالمي. باستثناء تغيير الموقف أو وضع حد للوباء، فإن هذا يعني أن السكان البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة تحت ولاية شي يجب أن يتكيفوا مع القيود غير المحددة على التجارة والسفر، وأن يكونوا مستعدين لمزيد من الإغلاقات. أصبحت القيود الشديدة أمراً مألوفاً، حيث استهدفت الإغلاقات الأخيرة شنغهاي وشنتشن وتشنغدو، من بين عشرات المدن الأخرى.

اقرأ أيضاً: "الصحة العالمية" تعلن اقتراب انتهاء الوباء والصين تُشدّد سياسة "صفر كوفيد"

اطلعوا على هذه القصة

قالت إيمي جادسدن، نائبة العميد المساعد للمبادرات العالمية في جامعة "بنسلفانيا" والمستشارة الخاصة السابقة لشؤون الصين في وزارة الخارجية الأميركية، إن التحركات في أماكن مثل رويلي تعكس تاريخاً طويلاً لمسؤولي الحزب المحليين الذين يسعون جاهدين ليكونوا قدوة في تنفيذ السياسات، بغض النظر عن فعالية أعمالهم وتكاليفها.

أضافت جادسدن: "لقد بلور الوباء أنماط المشاركة السياسية والاجتماعية التي لها جذور عميقة في الصين الشيوعية وأعاد إحيائها". قدّمت سياسة "صفر كوفيد" تذكيراً صارخاً بقدرة الدولة الحزبية على التدخل في حياة المواطنين بطرق مطلقة وقاسية.

تتعرج الحدود بين الصين وميانمار، في المناطق الريفية حول رويلي، بمحاذاة حقول الأرز وقصب السكر. عبر السكان المحليين، عدد كبير منهم أعضاء في أقليتي داي وجينجبو وهما مجموعتان من السكان الأصليين الذين تمتد أراضي أجدادهم إلى كلا الجانبين، بصورة غير رسمية وبسهولة دون أن يتم اكتشافهم على طول ما يُسمّى بمسارات الملاءمة. لا تزال سيولة الحدود تشكل الحياة في رويلي اليوم. تم تسجيل نحو 50000 مواطن من ميانمار رسمياً للعيش في المدينة في 2018، وهو آخر عام تتوفر عنه البيانات، على الرغم من أن هذا كان بالتأكيد أقل من العدد المسجل.

لم تتغاض السلطات الصينية أبداً عن المعابر غير القانونية، لكنها لم تفعل الكثير لمنعها، ويرجع ذلك جزئياً على الأرجح لاعتماد عديد من الشركات في مدينة رويلي على العمالة البورمية الرخيصة. شكّلت سيولة الحدود مسار الوباء في مدينة رويلي.

انطلقت امرأة، في صباح ملبد بالغيوم في سبتمبر 2020، تم تحديدها في الحكومة باسم يانغ من مدينة موس مع أطفالها الثلاثة ومربيتيها لزيارة أختها في مدينة رويلي. تمكنت يانغ من عبور نهر رويلي الذي يحمل الاسم نفسه للمدينة بسهولة ودخول الصين، وذلك على الرغم من إغلاق الحدود الوطنية أمام المسافرين منذ نهاية مارس.

فقدت يانغ حاستي التذوق والشم بعد وصولها بأيام قليلة. أخذتها أختها إلى المستشفى، حيث تبين أنها مصابة بفيروس "كوفيد". كانت هذه هي المرة الأولى التي يتعرف فيها المسؤولون على شخص ثبتت إصابته بعد عبوره بشكل غير قانوني من ميانمار إلى الصين.

كان المسؤولون الصينيون في ذلك الوقت يفخرون كثيراً لاحتوائهم فيروس "كوفيد" بعد التفشي الأولي في مدينة ووهان. أشارت الدعاية الرسمية التي لم تتوقف بأنهم قاموا بحماية سكانهم بينما سجلت أوروبا والولايات المتحدة مئات الآلاف من حالات الوفاة. تحولت حكومة رويلي إلى وضع الطوارئ بعد أن ظهرت نتيجة الاختبار الإيجابية ليانغ. أقام المسؤولون نقاط تفتيش في جميع أنحاء المدينة، ومنعوا أي شخص من المغادرة أو الدخول. كما أُمر جميع سكان مناطقها المركزية بالبقاء في منازلهم، بينما تم اختبار السكان بالكامل. كشفت حملة الاختبار عن إصابة شخص واحد فقط، وهي إحدى المربيات المسافرات مع يانغ، ليُرفع الإغلاق بعدها.

طالع أيضاً: مخاوف الإغلاق تتجدد في الصين مع قلق بكين من تفشي كورونا

سياج مؤقت

أقامت سلطات رويلي، في أعقاب قضية يانغ، سياجاً على طول امتداد الحدود التي كانت في نطاق سلطتها القضائية، لكنها شددت على أن هذا السياج مؤقت ليُزال بمجرد تحديد أن الوضع آمن. كما سمحت السلطات لنقطة التفتيش الأولية للبضائع القادمة من ميانمار بالبقاء مفتوحة، وكذلك الحفاظ على إمدادات الخشب وأحجار اليشم والمنتجات الزراعية التي تُعتبر مهمة للاقتصاد الإقليمي.

كانت مدينة رويلي قد أبلغت عن حالة "كوفيد" التالية بعد ستة أشهر، في أواخر مارس 2021. وكان الشخص المصاب مواطناً من ميانمار مثل يانغ. لم يكن واضحاً ما إذا كان هذا الشخص المصاب، الذي لم تُحدّد هويته، قد عبر إلى الصين بشكل قانوني. نظرت الحكومة المركزية في بكين إلى القضية على أنها فشل من قبل المسؤولين المحليين في مراقبة الحدود، وهو الأمر الذي يعرّض استراتيجية مكافحة الجائحة في البلاد بأكملها للخطر.

فُصِل رئيس الحزب الشيوعي في رويلي، وهو مسؤول شاب يُدعى غونغ يونزون، وشُهِّر به على التلفزيون الوطني، وكان بمثابة تحذير للمسؤولين في جميع أنحاء الصين حول عواقب السماح بنقل العدوى.

رفع شاي يولونغ، الذي حل محل غونغ، الإنفاق على مكافحة الفيروسات ستة أضعاف، ليصل إلى 2.12 مليار يوان (303 مليون دولار) في 2021 بالكامل. فرضت المدينة ست إغلاقات أخرى على مدى 12 شهراً حتى أبريل 2022، أربعة منها على الأقل مرتبطة بحالات إصابة بين مواطني بورما. ظلت الشركات مثل متاجر الإلكترونيات ومحلات تصليح السيارات مغلقة لمدة عام، إلى جانب المدارس، بينما توقفت جميع الشحنات من ميانمار وصدرت أوامر لبناء الجدار الحدودي. ويقوم آلاف الحراس الآن بدوريات في على امتداد الجدار، وتراقبه كاميرات استشعار الحرارة.

أما داخل مدينة رويلي، أنشأت المدينة نظاماً يتتبع تحركات جميع السكان والزوار بشكل جزئي باستخدام كاميرات التعرف على الوجه عند مداخل الأماكن التي قد تتجمع فيها الحشود. ولا تزال هذه الكاميرات مستخدمة.

حساسية سياسية

أصر موظفو الحكومة المحلية على مرافقة مراسلو "بلومبرغ بيزنس ويك" في كل مكان تقريباً أثناء زيارتهم للمدينة في مطلع أغسطس، وهو مؤشر على مدى الحساسية السياسية التي أصبحت عليها سياسات "كوفيد". كما كانوا حاضرين خلال معظم المقابلات التي أُجريت لهذه المقالة، وعلى الرغم من أنهم لم يتدخلوا، إلا أنه يصعب معرفة ما إذا كان وجودهم قد أثر على ما قاله الناس.

قالت تشيو مايشي، مديرة سوبر ماركت "داكسينغ" (Daxing) وهو أحد أكبر محلات البقالة في المدينة، إنها استمرت في القدوم للعمل طوال الإغلاقات، مشيرة بفخر إلى أن المتجر، باعتباره فرعاً لسلسلة إقليمية، امتنع عن رفع أسعاره. كانت الإغلاقات الصينية أشد تقييداً بكثير من أي شيء تمت تجربته في الدول الغربية، حيث لم يُسمح للسكان بمغادرة منازلهم لأي سبب باستثناء الاختبارات الإلزامية. كان المسؤولون في رويلي منفذين متحمسين لهذه القواعد بشكل خاص.

أُغلقت المطاعم وأسواق المواد الغذائية الصغيرة، مع توفر محلات البقالة فقط من خلال التوصيل من كبار تجار التجزئة مثل "داكسينغ". اعتادت تشيو وموظفوها على ملء ما يصل إلى 500 طلب في اليوم. قالت إنها تلقت مكالمات دورية من زبائن في أكثر المناطق صعوبة يزعمون أن طعامهم قد نفد تماماً. اعتقدت تشيو أنهم كانوا يبالغون. وأشارت: "لم يكن لديهم شيء". ولا تزال تحاول إعطاء الأولوية لطلباتهم، فقط من باب الاحتياط.

لقراءة المزيد: انتعاش اقتصاد الصين يتراجع مع عودة تفشي كوفيد

حب الوطن الأم

نشر داي رونغلي، نائب عمدة رويلي السابق، منشوراً على مدونة في أكتوبر 2021 بعنوان "رويلي بحاجة إلى حب الوطن الأم" (Ruili Needs the Mother Country’s Love). قال رونغلي إن المدينة كانت تتحمل عبئاً غير متناسب بسبب موقعها على الحدود لإبعاد الفيروس عن الصين. ذكر رونغلي، في مقابلة تلفزيونية لاحقة، أن بعض زملائه السابقين في الحكومة البلدية كانوا غارقين في منع العدوى لدرجة أنهم لم يعودوا إلى المنزل لمدة شهور.

كانت تصريحات داي هي الأولى التي يسمع فيها عديد من المواطنين الصينيين بالوضع في رويلي ليثير فيضاً من التعاطف على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث عبّر المعلقون عن صدمتهم إزاء اتساع نطاق الإغلاقات والاختبارات هناك. لقد كان الأمر مقياساً للتأييد الشعبي لسياسة "صفر كوفيد" في بلد لطالما كانت استطلاعات الرأي فيها مقيدة. قالت حكومة مدينة رويلي، في بيان صدر في اليوم التالي لنشر مدونة داي، إن أوصاف داي للوضع كانت قديمة. لم يستجب داي لطلبات التعليق.

يدرك قادة الصين جيداً التداعيات الاقتصادية لسياساتهم. أدت الإغلاقات التي بدأت في مدينة شنغهاي في مارس 2022 إلى شل منطقة العاصمة الأكثر ثراءً وحيوية في البلاد لمدة شهرين، ما أدى إلى تباطؤ الاقتصاد الوطني بشكل كبير وإظهار أنه لن يُعفى أحد من أقسى أشكال السيطرة على الفيروسات.

ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بشكل طفيف خلال الربع الثاني، وارتفع معدل البطالة لمستوى قياسي عند 20%. أفاد مستشارو الهجرة بازدهار الأعمال التجارية، حيث يسعى السكان الأثرياء إلى الانتقال إلى الخارج. واتخذ المسؤولون الوطنيون خطوات لخفض أوقات الحجر الصحي، وتعزيز الإنفاق والاستثمار، ومعاقبة البيروقراطيين المحليين على الإنفاذ المفرط للإجراءات، خلال الأشهر الأخيرة لكن هذه الإجراءات كانت بمثابة تعديلات طفيفة.

اقرأ أيضاً: الشركات في شنغهاي تصارع أضرار الإغلاق

اللقاحات الصينية

على الرغم من عدم إظهار الحكومة أي تردد بشأن فرض تدابير قسرية مثل الإغلاقات، إلا أنها توقفت عن إلزام الموطنين بتلقي اللقاح. حصل 61% فقط من المواطنين الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاماً على جرعتين، حيث تلقوا جميعاً اللقاحات الصينية التي ثبُت أنها أقل فعالية من تلك المستخدمة في الولايات المتحدة. ولا تزال مخاطر الفيروس عالية. تعاني المستشفيات من نقص الموارد، خاصة خارج المدن الكبرى، وسيؤدي تفشي المرض إلى إجهاد نظام الرعاية الصحية بشدة. قدّر باحثون في جامعة "فودان" في شنغهاي، في تحليل نُشر في مجلة "نيتشر ميدسن" (Nature Medicine) في مايو، وصول عدد الوفيات إلى 1.6 مليون حالة وفاة إذا انتشر متغير أوميكرون الفيروسي دون إغلاقات واختبارات على نطاق واسع في ظل انعدام المناعة الطبيعية بين السكان.

وقوع كارثة فيروسية بهذا الحجم سيختبر بشدة سمعة الكفاءة الإدارية التي وضعها الحزب الشيوعي في صميم سياساته منذ تسعينيات القرن الماضي.

أخبر الرئيس الصيني شي المسؤولين في يوليو بأنه يعتقد أن نهج الصين لا يزال هو الصحيح. وأضاف الرئيس: "قد قمنا بحماية حياة الناس وصحتهم لأقصى درجة، وحققنا أفضل أداء في العالم في تنسيق التنمية الاقتصادية والاستجابة للأوبئة".

افتتحت شركة "إيفر برايت هيدوير" (Everbright Headwear)، التي تورد القبعات التي تحمل شعارات فريقي "نيويورك يانكيز" (New York Yankees) و"ذا دالاس كاوبويز" (Dallas Cowboys) وفرق أخرى مثل "نيو إيرا كاب" (New Era Cap) ومقره مدينة بافالو، مصنعاً في مدينة رويلي في 2019. كانت الشركة تتبع مساراً شائعاً بشكل متزايد للمُصنّعين الصينيين في ظل ارتفاع الأجور وتقييد السكان في سن العمل بسبب إرث سياسة الطفل الواحد السارية من 1980 حتى 2015. كان التوظيف صعباً في مقاطعة جيانغسو، وهي مقاطعة صناعية كبرى حيث يوجد مقر شركة "إيفر برايت هيدوير"، لكنه كان بإمكان الشركات في مدينة رويلي توظيف أعداد كبيرة من العمال البورميين الذين كانوا موجودين في الصين بشكل قانوني. يمكن للشركات أن تأوي العمال في مهاجع في الموقع وتدفع لهم نحو 450 دولاراً شهرياً، وهو نصف ما يطلبه الموظف الصيني.

خطة المصنع الإنتاجية

قال مدير المصنع تشين شيل لمراسلي "بلومبرغ بيزنس ويك" إن خطة المصنع طويلة الأجل متمثلة في التوسع من 400 موظف إلى أكثر من 1000 موظف، سيمثّلون 40% من الطاقة الإنتاجية الإجمالية لشركة "إيفر برايت هيدوير". تعبأ الشركة بتعبئة الطلبات المخصصة لكبار الرياضيين ضمن خدمات أخرى، ويستطيع تشين أن يتذكر حجم رأس ليبرون جيمس من خلال الذاكرة.

تسبّب كل من الوباء وإغلاق الحدود في تناقص العمال. لم يتمكن العمال من العودة من ميانمار، سواء ذهبوا لزيارة الأسرة أو على خلفية مقتل أحد أحبائهم في الصراع الأهلي المستمر في البلاد كما حدث مع بعض الحالات. تراجع عدد العمال في "إيفر برايت هيدوير" لأقل من 300 عامل بحلول 11 أغسطس، وهو ما جعل تشين في حاجة ماسة لبدلاء. وقال مازحاً إن سياسة التوظيف الخاصة به الآن هي: "إذا كنت إنساناً، فأنت موظف".

لم يهتم السكان المحليون في رويلي كثيراً بصنع القبعات بسبب الأجور المنخفضة نسبياً، ما أجبر شركة "إيفر برايت هيدوير" على نقل جزء كبير من إنتاجها إلى الخارج إلى هاييتي ولاوس. نما مصنع الشركة في لاوس، الذي افتتح في 2021، إلى 4000 عامل وأصبح الآن قاعدة الإنتاج الرئيسية للشركة.

قال تشين: "نفضّل أن نكون في الصين". لكن الحصول على عمالة كان أمراً عصيباً. وأضاف تشين: "يتعلق الأمر كله بحجم العمالة. فسيصعب كل شيء إذا لم تتمكن من رفعها".

أحجار اليشم

يدور اقتصاد مدينة رويلي، بغض النظر عن التصنيع، حول حجر اليشم إلى حد كبير، الذي لطالما تمتع بتقدير في الصين، المخصص للمجوهرات. تُعدّ ميانمار أكبر منتج لأحجار اليشم في العالم، ورويلي هي القناة التقليدية للشحنات المتجهة شمالاً.

نقل عديد من التجار في سوق دو باو تشي تشينغ، أكبر سوق للمجوهرات المصنوعة من حجر اليشم في مدينة رويلي، أعمالهم عبر الإنترنت جزئياً قبل الوباء، كجزء من تحول أوسع لعصر وسائل التواصل الاجتماعي. أصبح تجار اليشم من أكثر منشئي البث المباشر حماسة في الصين، حيث أنشأوا عمليات عمليات بث " QVC" مُحسّنة للهواتف الذكية، مع تفاعل المضيفين باستمرار مع المشاهدين من خلال خاصية الدردشة. هل ترى سواراً يعجبك؟ أرسل أسئلتك إلى المضيف، ثم ساوم للحصول على سعر أفضل، ربما يكون مصدر إلهام لبعض المنافسة المتكلفة. تتمتع مبيعات حجر اليشم بجاذبية إضافية تتمثل في تدفقه من الأسواق المزدحمة والحيوية، ما يوفر لونًا محلياً يجد بعض المشترين أنه لا يقاوم.

قال أحد البائعين في سوق دو باو تشي تشينغ، والذي لم يذكر سوى أن اسم عائلته هو لي، إنه بدأ بكشك يشم تقليدي. ثم حاولت ابنته البيع من خلال البث المباشر أثناء إجازتها الصيفية من المدرسة المهنية. كان المال الذي جنته في شهر كافياً لإقناعها بالتخلي عن الدراسة ولكيلا يمنعها والدها من البيع. باع الأب وابنته أحجار اليشم مقابل 100 ألف يوان يومياً في 2019، 70% منها عبر الإنترنت.

أغلق المسؤولون في مدينة رويلي سوق اليشم في ربيع 2021، وذلك خوفاً من أن يتسبب البث المباشر، الذي يمكن أن يجذب مجموعات كثيفة من المتفرجين، في نشر "كوفيد". كان البث المباشر من المنزل غير عملي، لا سيما بسبب صعوبة إرسال الطلبات للعملاء من المباني السكنية المغلقة، وإغلاق التجارة بشكل أو بآخر لأكثر من عام. كما أوقفت الحكومة الصينية الشحنات عبر الحدود، وأصرت على أن كورونا يمكن أن تنتشر على أسطح المنتجات الاستهلاكية، خلافاً للإجماع العلمي الدولي.

أُعيد فتح سوق اليشم في 28 أبريل فقط، واستؤنفت الشحنات عبر الحدود بأحجام صغيرة. قال لي: "كنت متحمساً للغاية عندما قالوا إن السوق أعيد فتحها. بقيت في المنزل لمدة عام". كان لي يأمل في عودة العمل قريباً إلى مستويات ما قبل الوباء.

حالة واحدة تغلق نصف مدينة

لم تكن الحياة الطبيعية مستقرة بالنسبة للجميع في مدينة رويلي، كما هو الحال في أي بلد خارجها. لم يستغرق الأمر سوى اختبار إيجابي واحد للحكومة لبدء إغلاق سبتمبر، والذي غطى نحو نصف المدينة. في وقت سابق من الشهر، حاصر المسؤولون 21 مليون شخص من سكان تشنغدو في منازلهم بعد تفشي العدوى، ما أدى لإغلاق مركز حيوي للصناعة والثقافة في غرب الصين.

في الوقت الحالي فإن القيادة الصينية على استعداد لدفع الثمن الباهظ لسياسة "صفر كوفيد"، وليس أمام المواطنين خيار سوى المُضي قُدماً. كان تاجر اليشم البالغ 32 عاماً، وهو واحد من عدد قليل من سكان رويلي الذين تمكنت "بلومبرغ بيزنس ويك" من مقابلتهم دون إشراف من المسؤولين المحليين، شخصاً قدرياً. وقال إنه كلما ظهر الفيروس مرة أخرى، فإنه يخطط لفعل ما تخبره به الحكومة. وأشار أنه لا يوجد خيار آخر، وأنه لا داعي للقلق بشأن مستقبل لا يتحكم فيه. وأكد مازحاً: "إن رويلي هي أكثر الأماكن أماناً الآن في الصين، لأننا أوقفنا كل شيء".

تصنيفات

قصص قد تهمك