كليات إدارة الأعمال تتكيف مع تعاظم الاهتمام بخلقيات الشركات

برامج ماجستير إدارة الأعمال البارزة باتت تقدم مناهج تشكك في فعالية وفوائد رأسمالية المساهمين

time reading iconدقائق القراءة - 17
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تبرز نقطتان أساسيتان في توجهات الشركات تعاملاً مع المجتمع وهما أن المساهمين لم يعودوا في المقدمة وأن المشتركين في المصلحة حلّوا مكانهم. كان جيمي ديمون رئيس "جي بي مورغان تشيس" التنفيذي ونظيره في "بلاك روك" لاري فينك، باعتبارهما أعضاء في تحالف "بيزنس راوند تيبل" (Business Roundtable)، بين عشرات من أساطين عالم الشركات الذين أعلنوا "التزاماً أساسياً" تجاه جميع شركاء المصلحة في أعمالهم في 2019، بما يشمل البيئة والموظفين والموردين والمجتمعات. تظهر تعهدات مماثلة الآن في كل مكان، من التجمعات العالمية لنخب رجال الأعمال إلى إعلانات شركات مثل منتجة ورق المرحاض الأسترالية "هو غيفز إي كراب"، التي تستخدم المواد المعاد تدويرها وتنفق نصف أرباحها على بناء مراحيض وتحسين منظومات الصرف الصحي في الدول النامية، حيث ترفع الشركة الاسترالية شعار "استخدم منتجاتنا وغير العالم".

تأخرت كليات إدارة الأعمال في تمثّل روح العصر، لكنها تعوّض سريعاً عمّا فات. أصبحت كلية "وارتون" بجامعة بنسلفانيا على سبيل المثال صاحبة أول برنامج ماجستير إدارة أعمال بارز يقدم تخصصاً في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وهي المعايير التي يستخدمها المستثمرون الواعون اجتماعياً لتقييم الشركات. كما تقدّم كلية "هارفارد" لإدارة الأعمال منهجاً يدعو الطلاب للتشكيك بالغرض الأساسي من الرأسمالية. أما كلية "كولومبيا" لإدارة الأعمال، فوضعت هدفاً طموحاً لتكون أكبر مركز لإعداد القياديين في مجال ريادة الأعمال مجتمعياً المزدهر.

قال إيثان روان، الأستاذ المساعد بجامعة "هارفارد"، عن منهجه الدراسي الاختياري المفضل لدى الطلاب الذي يُدرّس كتاب "إعادة تصور الرأسمالية" (Reimagining Capitalism) من تأليف زملائه ريبيكا هندرسون وجورج سيرافيم: "منذ بدأت تدريس هذا المنهج قبل ثلاث سنوات، كان هناك تحول كبير عن التدليل على وجوب اضطلاع الشركات بدور مجتمعي. فجأة، لم يعد الطلاب يسألون عن ذلك فقد بات يتعين على الشركات القيام بذلك. لكن الأمر يتعلق الآن أكثر بكيفية لعب هذا الدور، ومجموعة الأدوات التي يحتاجها قادة الأعمال لتنفيذ استراتيجيات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات فعلياً".

الطلب محفزاً للتغيير

تتفاعل برامج ماجستير إدارة الأعمال مع الطلب على مخرجاتها إلى حد كبير، فقد أظهرت الدراسات باستمرار أن موظفي جيل الألفية يريدون عملاً هادفاً بوضوح. بينما يرغب 95% من الموظفين الأصغر سناً المنتمين للجيل "زد" بالحصول على وظيفة مهمة تتجاوز مجرد تلبية احتياجاتهم، وفقاً لدراسة أجراها خبراء متخصصون لدى "زيتي دوت كوم" (Zety.com) في 2021؛ حيث يقبل 71% منهم أجراً أقل كي يتولوا وظيفة تلبي هذا المعيار. اعتبرت باربرا كوارد من شركة "إم بي إيه 360 أدميشنز" (MBA 360 Admissions)، تلك النتائج نموذجية بالنسبة للمتقدمين للالتحاق بكليات إدارة الأعمال في الوقت الحالي. ترغب باربرا، وهي امرأة شابة تعمل في شركة تكنولوجيا طبية، بالالتحاق بكلية "هارفارد" لإدارة لأعمال أملاً بأن تنتقل إلى شركة ناشئة تطور تقنيات قابلة للارتداء لتحسين الصحة العامة. قالت كوارد: "كثيراً ما أتساءل عن ماهية كليات إدارة الأعمال، فحين يكتب المتقدمون مقالات حول أهدافهم وسبب اختيارهم للكليات، يبدو الأمر كأنما يسعون للحصول على شهادة في السياسة العامة".

قال ويتولد هينيس، نائب عميد كلية "وارتون" ومدير هيئة التدريس في "مبادرة وارتون للحوكمة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات"، أن طلاب كليات إدارة الأعمال اليوم يرغبون بوظائف هادفة: "إنهم يريدون الدفاع عن شيء ما ولا يريدون أن يكونوا جزءاً من الفضيحة التالية، سواء كانت حول مواد أفيونية أو اكتئاب المراهقين جراء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. إنهم يريدون أن يشعروا بأنهم يخلقون قيمةً ويعملون خيراً". لخدمة هؤلاء الطلاب، تقدّم كلية "وارتون" لإدارة الأعمال أكثر من 30 منهجاً دراسياً تتناول الاستدامة والأخلاقيات ونظرية المتشاركين في المصلحة، وهو ضعف عدد البرامج الدراسية قبل خمس سنوات.

كان ربع طلاب كلية "كولومبيا" لإدارة الأعمال فقط مسجلين في مناهج لدراسة التأثير الاجتماعي والبيئي قبل 15 عاماً، التي قدّمها مركز "تيمر للمشاريع الاجتماعية" (Tamer Center for Social Enterprise). لكن هذا العدد ارتفع إلى 50% من طلاب المدرسة البالغ عددهم نحو ألف طالب. تتضمن مثل هذه المناهج "سد الفجوات الأميركية" لمساعدة الطلاب على فهم أسباب وعواقب الاستقطاب الاجتماعي، وكذلك "الأعمال التجارية والمجتمع: التوفيق بين مصالح المساهمين وأصحاب المصلحة". يقول دين كوستيس ماغلاراس أن المنهج الأخير "يجعل الطلاب يفكرون حقاً في أمور مثل عدم المساواة، والتحيز التقني والخوارزمي وتغير المناخ والخدمات المالية للأشخاص الذين لا يمكنهم الوصول إلى النظام المصرفي".

ضرورة تعديل المناهج

تعود برامج ماجستير إدارة الأعمال إلى جذورها من عدة مفاهيم. عندما أسس الصناعي جوزيف وارتون كلية "وارتون" في 1881، أراد أن يساعد الشركات على "حل المشكلات الاجتماعية الحادثة لحضارتنا". كانت مهمة كلية "هارفارد" لإدارة الأعمال عند تأسيسها هي تدريب القادة الذين "يحققون ربحاً معقولاً بشكل لائق". غير أن مثل هذه المُثُل النبيلة تبددت على مدى العقود التالية حتى زوالها تماماُ إثر صدور سلسلة من المقالات الأكاديمية المؤثرة في السبعينيات، وعلى الأخص تلك التي ألفها الخبير الاقتصادي الشهير ميلتون فريدمان. جادل فريدمان بأن الشركات لديها مسؤولية رئيسية واحدة فقط؛ ألا وهي تعظيم الأرباح للمساهمين. لذا، ساد إيمان بأولية المساهمين في تعليم إدارة الأعمال لمعظم نصف القرن الماضي، رغم ظهور جيوب مقاومة هذا الفكر في وقت مبكر من 1984. كان ذلك عندما نشر الفيلسوف روبرت إدوارد فريمان كتابه المؤثر "الإدارة الاستراتيجية: نهج أصحاب المصلحة"، والذي حث الشركات على إيجاد طرق لتنسيق مصالح جميع أصحاب المصلحة.

يسود نهج فريدمان اليوم برغم أن البعض يجادل بأن كليات إدارة الأعمال لا تتحرك بالسرعة الكافية للتكيف مع هذا الواقع الجديد. ما تزال الغالبية العظمى من المناهج الدراسية في مجالات مثل الحوكمة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات وريادة الأعمال الاجتماعية تُقدّم على أنها اختيارية بدلاً من كونها جزءاً من المناهج الدراسية الأساسية. قال سايمون شو مان هو، رئيس جامعة "هانغ سينغ" في هونغ كونغ، التي تدير أكبر كلية إدارة أعمال في المدينة: "ما يزال عديد من الأساتذة في الولايات المتحدة يعتقدون أن المحصلة النهائية هي كل ما يهم". يدعو هو لإجراء إصلاح شامل لتعليم الإدارة لجعل نموذج أصحاب المصلحة المتعددين محور المنهج بأكمله كما تفعل جامعة "هانغ سينغ"، حتى يتمكن الطلاب من "إعادة اكتشاف أهداف الشركات ومسؤوليتها."

يوافق هينيس من كلية "وارتون" لإدارة الأعمال على أن تعديل المناهج الأساسية هو الخطوة التالية، رغم أنه يحذر من أنها ستتطلب "التزاماً مؤسسياً ضخماً". كما يقول في عالم مثالي "سيكون هذا المحتوى جزءاً من مناهج الإدارة والتمويل والدراسات القانونية والتسويق لدينا. لذا، فبدلاً من تقديم فصل واحد أو فصلين فقط، سيُنشر عبر المناهج الدراسية الأساسية".

لكن ذلك ينطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة لبرامج ماجستير إدارة الأعمال، حيث تخلق أسئلة المجتمع المستمرة حول الغرض من الشركات معضلة وجودية. يقول روان من جامعة "هارفارد": "ترى كل هذه الإحصائيات حول مدى تشكك الأجيال الشابة بفعالية وفوائد الرأسمالية... لقد أجريت محادثات مع قيادات عليا حول هذا الموضوع. إذا اعتقد الناس أن الرأسمالية لا تستحق الدراسة فإننا سنتوقف عن العمل".

تصنيفات

قصص قد تهمك