بلومبرغ
زادت الشركات الأميركية موظفيها بسرعة بعد تسريحات جماعية في بداية الوباء، لكنها أبطأت الآن فسحبت إعلانات الوظائف وقلّصت خطط التوظيف بعدما رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بقوة لمحاربة التضخم.
يلقي ذلك بظلاله على التوقعات في كافة مجالات الاقتصاد، لكن أثره أبين على وظائف ذوي الياقات البيضاء في مجالات خدمات الأعمال والتقنية والمصارف والعقارات، حيث تتجاوز أعداد الموظفين مستويات ما قبل "كوفيد". لقد بدأت التسريحات بالفعل، فقد أعلنت شركات مثل "نتفلكس" وشركة الوساطة العقارية "ري/ماكس هولدينغز" (Re/Max Holdings) ومنصة التواصل الاجتماعي "سناب" عن تخفيض عدد موظفيها.
قال ويليام لي، كبير اقتصاديي معهد "ميلكن"، في إشارة خاصة لمجالات ذوي الياقات البيضاء: "إن القطاعات الأكثر ضعفاً على الأرجح هي الأسرع بالتوظيف". أضاف لي أن الشركات "استحوذت على أكبر عدد ممكن من الأشخاص لأنها اعتقدت أن الطلب كان قوياً للغاية"، وأنهم أخطأوا في تقدير المدة التي ستستغرقها الزيادة.
ستكون هذه النتيجة مغايرة لما حدث أثناء ركود إبان الوباء، عندما كان القدر الأكبر من التسريحات من نصيب العمال منخفضي الأجور خاصة في المجالات الخدمية مثل التجزئة والمطاعم والفنادق. قد يذكرنا ذلك بالركود الذي حدث في مطلع التسعينيات، حيث كان الموظفون ذوو الياقات البيضاء معرضين بشكل أكبر لخطر أن يؤول بهم الأمر عاطلين عن العمل أكثر مما كان عليه الحال في الماضي.
تباين مؤشرات
قد تنجو الولايات المتحدة من هذا الانكماش كلياً. في حين أظهر أحد مقاييس النشاط الحكومية انكماش الاقتصاد خلال النصف الأول من 2022، إلا أن مقياساً آخراً أشار إلى استمرار النمو. أضافت الشركات 315000 وظيفة في أغسطس، وانتعشت فرص العمل وصولاً لمستويات قياسية، وهو ما لم يكن متوقعاً في اقتصاد يفقد زخمه.
توقع نحو ثلثي أصحاب الأعمال حدوث ركود، وفقاً لاستبيان من مجموعة "برينسيبال فاينانشيال غروب" (Principal Financial Group). بلغت نسبة المستقيلين من وظائفهم، وهو ما يُعدّ عادة علامة على الثقة في قدرتهم على العثور على وظيفة أخرى، إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من عام. تباطأ نمو الوظائف الجديدة على مدى الأشهر الستة الماضية، وكان أكثرها وضوحاً العمل عن بُعد الذي يُرجَّح أن يكون المنخرطون فيه من ذوي الياقات البيضاء، حسب موقع التوظيف "إنديد" (Indeed).
قال ديف غيلبرتسون، نائب رئيس شركة التوظيف "يو كيه جي" (UKG)، إن الشركات تُخفض، على نطاق واسع، تكاليف الموظفين المتوقعة للعام المقبل، وتتخلص من الوظائف الشاغرة في مجالات مثل المحاسبة ودعم العملاء، فضلاً عن استهدافها توظيف عدد أقل من الأشخاص أو الاستغناء عن التوظيف لفترة أطول. أضاف: "تتجه كل هذا القطاعات لما قد يكون ركوداً. وتعوّض هذه القطاعات شيئاً من خسارتها عبر ضبط حجم التوظيف.
ذهب عديد من مشغلي ذوي الياقات البيضاء لما هو أبعد من سد فجوات التوظيف التي نتجت عن فيروس "كوفيد-19" وتسبب هذا بوجود تركيبة مختلفة تماماً للقوة العاملة في الولايات المتحدة، رغم عودتها لسابق عهدها في فترة ما قبل الوباء. يوظّف قطاع الترفيه والضيافة، على سبيل المثال، عدداً أدنى بنحو 1.2 مليون شخص عما كان عليه في فبراير 2020. في حين ارتفعت الوظائف في الخدمات المهنية والتجارية بأكثر من مليون شخص.
مؤقت بدل دائم
قالت ستيفاني ميلر، مديرة استقطاب المواهب والاحتفاظ بها في وكالة "إكسبريس إيمبلويمنت بروفيشنالز" (Express Employment Professionals) للتوظيف، إن أصحاب العمل يحوّلون الوظائف في المجالات سالفة الذكر إلى مؤقتة، وعادة ما تكون هذه الوظائف هي أولى ما يطاله الانكماش. لاحظت ميلر ارتفاعاً طفيفاً في قوائم العقود التي تتراوح من 30 إلى 90 يوماً، في حين ظلت الوظائف الدائمة مستقرة. أضافت ميلر أن هذا هو المكان الذي يكون فيه للشركات مجال "للتخلي عن الأشخاص الذين لا يؤدون عملهم جيداً، لذا فهم يوفرون المال ويستعدون لهذا الركود".
انخفضت الرواتب في مجال الخدمات المهنية والتجارية بنحو 14000 من يوليو إلى أغسطس، وهو أول انخفاض شهري منذ 2020، وفقاً للبيانات الصادرة عن معهد "إيه دي بي ريسيرش" (ADP Research Institute) للأبحاث بالتعاون مع "ستانفورد ديجيتال إيكونومي لاب" (Stanford Digital Economy Lab). كما تراجعت الرواتب في مجال الخدمات والمعلومات المالية.
قال مايكل غابن، رئيس قسم الاقتصاد الأميركي في "بنك أوف أميركا": "أعتقد أن السؤال هو: هل وظّفت أكثر من اللازم في قطاعات معينة؟ تشير البيانات أنك إن فعلت ذلك، فقد يكون ذلك في مجالات مثل الخدمات المهنية والتجارية، أكثر من صناعة الترفيه والضيافة".
أقرّ غابن بوجود تحذير كبير. كان أداء الاقتصاد غير متوقع في السنوات القليلة الماضية. كافحت الشركات لإعادة ملء الشواغر بالسرعة الكافية لتلبية الطلب أثناء إعادة الفتح بعدما أن ألغت ملايين الوظائف أثناء الإغلاقات.