ما الذي سيبقى من شركة ساعدت بنشوء قطاع "الفضاء الجديد"؟

"ماستن" عملت مع "ناسا" و"داربا" رغم أنها لم تكن شركة يُتوقّع منها ذلك

time reading iconدقائق القراءة - 18
ديف ماستن مؤسس شركة \"ماستن سبيس سيستمز\"  - المصدر: بلومبرغ
ديف ماستن مؤسس شركة "ماستن سبيس سيستمز" - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

لفت صاروخ "زومبي" (Xombie) إيلون ماسك في مايو 2010 رغم بدائية مظهره لكونه يستطيع أن يحلّق عالياً ليوقف محركه في منتصف الرحلة ثم تشغيله فيهبط بسلاسة على الأرض.

لطالما طمحت شركة "سبيس إكس" للصواريخ، التي يملكها ماسك، لأن تبتكر هذه التقنية. كما أثار إعجاب ماسك أن فريق عمل من خمسة أشخاص حقق هذا الإنجاز. أرسل ماسك رسالة لموظفي "سبيس إكس" كتب فيها: "رائع جداً"، وأرفق رابطاً لمقطع يصور رحلة اختبار الصاروخ "زومبي".

بنى "زومبي" عدد من المندفعين في مجال الصواريخ يعملون لدى شركة "ماستن سبيس سيستمز" (Masten Space System) الناشئة التي تأسست في صحراء موهافي، في 2004، باتت الشركة الصغيرة معروفة كمكان يستطيع فيه المهندسون الشبان تجربة أفكار جريئة. جاءت مركبات أخرى بعد "زومبي" منها "زوي" (Xoie) و"زايرو" (Xaero) و"زودياك" (Xodiac) فضلاً عن المركبة الفضائية "إكس إل-1" (XL-1)، التي يُفترض أن تهبط على سطح القمر لصالح "ناسا" كجزء من عقد قيمته 75.9 مليون دولار.

ازدهرت صناعة الفضاء التجارية منذ استقطبت الرحلة اهتمام ماسك. إضافة للشركات التي يدعمها مليارديرات، مثل "سبيس إكس" و"بلو أوريجين" التابعة لجيف بيزوس، هناك "روكيت لاب" (Rocket Lab) و"فاير فلاي إيروسبيس" (Firefly Aerospace) وغيرها من صانعي الصواريخ، إضافة لعشرات الشركات الناشئة مثل "بلانيت لابز" (Planet Labs)، التي تركز عملها على الأقمار الصناعية.

صنعت "ماستن" مكانة خاصة بتقدمها التقني رغم أنها منافس أقل حظاً فيما يُسمّى بحركة "الفضاء الجديد". كانت مكاناً غير منظم وغريب، لكن الأهم من ذلك أنه المكان الذي درَّب جيلاً من مهندسي الطيران انتقل لأماكن أفضل.

نهاية مفجعة

السفر إلى الفضاء أمر بالغ الصعوبة، فقد أخّرت "ناسا" إطلاق صاروخها الجديد في 3 سبتمبر وتأجّلت خطوتها الأولى من خطة لإعادة إرسال البشر إلى القمر عدة أسابيع. يبدو الآن أن "ماستن"، التي لم تشارك في مهمة "ناسا" الأخيرة، لن تشارك مطلقاً بأي هبوط على سطح القمر، فقد طلبت الحماية من الإفلاس في آخر يوليو. قال جوناثان غوف، أحد مؤسسي "ماستن": "مفجع أن نرى الأمر ينتهي بهذه الطريقة".

أسّس غوف الشركة مع من تحمل اسمه وهو ديف ماستن، الذي تنقّل بين شركات وادي السيليكون شاغلاً مناصب تقنية قبل أن تشتري "سيسكو" (Cisco) شركة ناشئة كان يملكها فحصل على مال لتحقيق حلم طفولته في مجال الصواريخ. انتقل ماستن إلى الصحراء وأنشأ مقراً داخل مبنى صيانة في "موهافي إير آند سبيس بورت" (Mojave Air & Space Port) في صحراء موهافي في ولاية كاليفورنيا. كان هدف ماستن الفريد والرائد هو تغيير اقتصاديات الصناعة عبر التحول عن الصواريخ ذات الاستخدام الواحد نحو مركبات فضائية يمكن أن تطير مرات عديدة. لم يستجب ماستن لطلبات التعليق.

كان لدى "سبيس إكس" و"بلو أوريجين" مصانع كبيرة ومبهرة، فيما اعتمدت "ماستن" على الشجاعة وفسحة التجريب التي تمنحها صحراء موهافي "لتفعل ما يحلو لها". لم تكن حركة "الفضاء الجديد" شيئاً حقيقياً بقدر ما كانت طموحاً، وذلك خلال السنوات الأولى لعمل "ماستن". كان ماستن يطرح إعلانات توظيف وتدريب، وكان الشباب، عادة من ليس لديهم خبرة حقيقية في مجال الطيران، يحضرون ويقرعون الباب ويقدمون خدماتهم. كانت لدى الشركة عادة طاقم من 5 إلى 10 موظفين محوره غوف وماستن.

بنى الصاروخ "زومبي"، على سبيل المثال، فريق صغير في حوالي أربعة أشهر للمشاركة في مسابقة "إكس برايز فاونديشن" (XPrize Foundation)، التي تركز على صنع مركبة هبوط على سطح القمر. كان بن بروكرت، أحد المهندسين الرئيسيين، قد ترك الجامعة وتوجه إلى موهافي في شاحنة ركاب صغيرة تتسع لـ17 شخصاً اشتراها مقابل 500 دولار. بينما شق إيان غارسيا، وهو خبير برمجيات، طريقه إلى "ماستن" من كوبا بشكل غير مفهوم.

مفعمة بالنشاط

أتى المشروع متوافقاً تماماً مع روح الشركة الناشئة. كان ماستن وغوف يعرفان ما يفعلان بقدر أكبر، بينما كان بروكرت وغارسيا وآخرون يتعلمون أثناء العمل. كان الموظفون يجمعون الآلات معاً بسرعة في ورشة عمل بسيطة ثم ينطلقون إلى منطقة اختبار المطار أو يتوغلون في الصحراء لمعرفة ما إذا كانت إبداعاتهم ستعمل أو ستنفجر، وكانت تنفجر في بعض الأحيان. لم يول أحدهم اهتماماً بشأن مسمّى وظيفته أو مجال خبرته المفترض. قال بروكرت: "اقتضت السياسة إلى حد كبير أنه إذا كنت الأفضل في شيء ما أو الأكثر اهتماماً بشيء ما، فسينتهي الأمر بأنك ستقوم به."

كان هذا النهج بعيداً كل البعد عن "ناسا" لكنه أثبت فعاليته. أذهل "زومبي" مجتمع الفضاء بطيرانه وصولاً إلى الغلاف الجوي ليعود ويهبط مجدداً على منصة إطلاقه. عزز الصاروخ استخدام البرامج وأنظمة الدفع بدلاً من المظلات لإعادته إلى الأرض، وهي استراتيجية تبنّتها "سبيس إكس" لاحقاً. كان شيامال باتيل، وهو الآن المدير الأول لعمليات الصاروخ "ستارشيب" لدى "سبيس إكس"، متدرباً لدى "ماستن".

سلط "زومبي" الضوء أيضاً على نقاط ضعف "ماستن" فهي توظف أناساً وتعلّمهم كل ما يتعلق بالصواريخ ثم يغادروها لأنها لا تدفع ما يكفي أو لأنهم لم يستسيغوا العيش في بلدة صحراوية نائية. انتقل كل من بروكرت وغارسيا ومتدرب لدى "ماستن" يدعى مايك جودسون في النهاية إلى "أسترا سبيس" (Astra Space)، صانعة الصواريخ التي وصلت أخيراً إلى المدار. كما ذهب متدرب آخر يدعى تيم إليس إلى "بلو أوريجين"، وشارك لاحقاً في تأسيس شركته الخاصة "ريلاتيفتي سبيس" (Relativity Space)، التي تستخدم تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لبناء صواريخ كاملة. غادر غوف أيضاً في 2010 ليؤسس شركة "ألتيوس سبيس ماشيينز" (Altius Space Machines).

بقي ديف ماستن بمفرده، وكانت الشركة تحصل بين حين وآخر على عقد صغير من مؤسسة، مثل وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية "داربا"، لتقوم بأعمال تجريبية. دفعت "ناسا" لشركة "ماستن" لإطلاق الصاروخ "زومبي" ومركبات أخرى كجزء من اختبارات الهبوط على القمر والمريخ.

تزداد القوة العاملة مع وجود المال وتتقلّص حين يتلاشى. تُرك ماستن ليشاهد نضوب احتياطياته النقدية، بينما ذهب متدربوه السابقون إلى شركات كانت تحصد تمويلاً بمئات ملايين الدولارات. يصعب جذب المستثمرين كلما كانت الشركة قديمة. قال غوف: "لن تكون شركة ناشئة بعد مُضي 10 سنوات أو أكثر بل تصبح شركتك تعبير عن أسلوب حياة".

إلى القمر

بدت "ماستن" في أبريل 2020 وكأنها قد بلغت أخيراً لحظة إنجاز عظيمة حين وضعت الحكومة الأمريكية القمر نصب عينيها مرة أخرى، وكانت تقنية "ماستن" مثالية تقريباً لإيصال مركبة هبوط على سطح القمر. تلقت "ماستن" نحو 76 مليون دولار لنقل عدة حمولات علمية إلى القمر بحلول ديسمبر 2022. ارتفعت القوة العاملة في الشركة إلى 120 شخصاً ودب النشاط في ورش عملها.

لكن ضرب فيروس "كورونا" البلاد فأعلنت "ماستن" عن تأخير المشروع. كما أجبرتها مشكلات سلاسل التوريد، التي سبّبها الوباء وتسببت بدورها ببطء العمل، على تصنيع أجزاء داخلية كانت تتوقع أن تشتريها. بدأت "ماستن" تنفق كثيراً من المال بمعدل غير مسبوق في ظل ارتفاع التكاليف. حاولت الشركة جمع المال من مستثمرين لكنها لم تفلح، فتقدّمت في يوليو بطلب حماية من الإفلاس بموجب الفصل 11 في الولايات المتحدة. سرّحت الشركة غالبية موظفيها ومنحت بعضهم إجازات مطولة لتترك لنفسها فرصة أخيرة للعودة. تعمل الشركات الناشئة في مجال الفضاء الأفضل تمويلاً الآن على تقييم أصول شركة "ماستن" لمعرفة ما قد تشتريه.

يُقدّر قدامى خبراء صناعة الفضاء أن ما يصل إلى 250 موظفاً ومتدرباً سابقاً في "ماستن" انتشروا في جميع شركات "الفضاء الجديد" الأخرى. كونك متعدد المهارات في "ماستن" كان يعني أن عليك أن تتعلم كيفية إصلاح وتشغيل جميع الأجزاء الرئيسية للمركبة الفضائية وتكوين قدرة على العمل 80 إلى 100 ساعة في الأسبوع. فيما كان ديف ماستن صريحاً لدرجة تجعله يفشل بإبهار المستثمرين ومتعلقاً بالصواريخ لدرجة أنه لم يراعِ شؤون الشركة المالية كما يجب، لكنه كان بارعاً في اختيار الكفاءات.

جمعت "ماستن" بين 3 و5 ملايين دولار منذ إنشائها، فضلاً عن الأموال التي أنفقها ماستن بنفسه. قال غوف: "ربما وضع ماستن ثلثي صافي ثروته ومدخراته في بداية الأمر... قد تبقى بعض الأشياء، لكن يؤلمني أن حقوق ديف المالية ستتلاشى بعد كل ما فعل. ضحّى ديف بكثير ليجعل (ماستن) شيئاً ممكناً، وحقّق معجزات كثيرة لتستمر. آمل أن تكون هناك طريقة كي لا تكون النهاية سيئة كما يبدو أنها ستكون".

تصنيفات

قصص قد تهمك