بلومبرغ
اشتهرت "غوغل" في مرحلة مبكّرة من تاريخها بسعيها لإنجاح مجموعة مشاريع بعيدة المنال، مثل المصاعد الفضائية وطائرات هوائية تعمل كعنفات لطاقة الرياح. كما كان مشروع "لون" (Loon) لاستخدام بالونات تحلق عالياً لتوصل الإنترنت فائق السرعة إلى مناطق لا يمكن الحصول على الإنترنت فيها بالوسائل التقليدية من أكثر مشاريعها غرابة. أغلقت الشركة المشروع العام الماضي، وليس هناك ما يؤكد أنَّ أحداً سيبني شبكة لاسلكية لاستخدام البالونات، لكنَّ بعض تقنيات مشروع "لون" الأساسية تبرز من جديد وقد ينتهي الأمر بابتكار أسرع نظام اتصالات لاسلكية بعيد المدى حتى الآن.
قام عدد من قدامى العاملين في إدارة البحث والتطوير في "غوغل" بتأسيس شركة "ألايرا تكنولوجيز" (Aalyria Technologies) في وقت سابق من هذا العام لإحياء ابتكاراتهم. يُركّز جزء من عمل "ألايرا" على إعادة استخدام برنامج مشروع "لون" وتحويله لنظام قائم على السحابة لإدارة الشبكات المعقّدة التي تربط أشياء مثل الأقمار الصناعية والطائرات والقوارب بالإنترنت عالي السرعة. أعاد جزء آخر من عمل الشركة الناشئة هدف مجموعة أخرى من أدوات "غوغل" السابقة لإنشاء خط من معدات الشبكات اللاسلكية القائمة على الليزر.
تعكف مجموعتان من مهندسي "ألايرا" في مكتبها ومختبرها في ليفرمور بولاية كاليفورنيا، الذي تنتشر على جدرانه تماثيل أسماك قرش تطلق رؤوسها أشعة الليزر، على مشروع يُعتقد أنَّه سيكون أساس الشبكات المستقبلية. كما تعمل شركات مثل "سبيس إكس" و"أمازون دوت كوم" على طرح عشرات آلاف الأقمار الصناعية لنقل الإنترنت من الفضاء إلى الطائرات والسيارات والقوارب والطائرات من دون طيار. تفتقر شركات ومليارات الناس في المواقع النائية إلى الإنترنت عالي السرعة، ولا يُتوقَّع حصولهم على أنظمة قائمة على كابلات الألياف الضوئية في وقت قريب.
منصة الاتصال السريع
تسعى "ألايرا" لأن تصبح المنصة الرئيسية التي تقوم بتوجيه الاتصال عالي السرعة نحو الأماكن الصحيحة. قال كريس تايلور، رئيس "ألايرا" التنفيذي: "تهدف الشركة جوهرياً إلى ربط كل ما هو موجود اليوم بكل ما سيتوفر غداً".
لدى الشركة مهمة صعبة كي تواكب طموحات تايلور الكبيرة. أتاحت "غوغل" في نهاية المطاف هذه التقنية لأنَّها لم تر مساراً واضحاً بما يكفي لاستثمارها تجارياً. لهذا تسعى "ألايرا" لدمج مشروعين مختلفين في وحدة متماسكة، ووجدت الشركة، التي تضم 26 شخصاً، بعض المؤمنين بها في "غوغل" التي حصلت على حصة من الأسهم مقابل التخلي عن حقوق التقنية. دعمت شركة "جيه 2 فينتشرز" (J2 Ventures) وعدد من المستثمرين الأفراد شركةَ "ألايرا" بقدر غير معلن من المال.
اشتهر نظام برمجيات "ألايرا" داخل "غوغل" باسم "مينكاوسكي"، واستُخدم بربط بالونات "لون" بغيرها من معدات الطيران. أُطلق على تقنية الشبكات اللاسلكية اسم مشروع "سونورا"، ولم يكن قد أعلن عنه قبل ذلك.
أعادت "ألايرا" تسمية التقنية اللاسلكية باسم "تايت بيم"، وهي بلغة قطاع الشبكات تعبر عن نظام اتصال بصري عبر الفراغ، كما تُتيح لـ"ألايرا" استخدام الليزر بنقل البيانات اللاسلكية خلال الغلاف الجوي والفضاء كبديل عن إرسال المعلومات عبر كابلات الألياف الضوئية الأرضية. سعى باحثون وشركات لبلوغ هذه التقنية لعدة سنوات، لكنَّ غالبية نتائجها كانت مخيِّبة للآمال. تميل الحرارة والأمطار والغيوم والضباب لإعاقة إشارات الليزر وتعطيلها لدرجة فقدان فعاليتها.
إنترنت أسرع للطائرات
عمل فريق المهندسين الخاص بتقنية "تايت بيم"، لما يقرب من 20 عاماً، على معالجة مشكلات التعطيل في مختبرات تدعمها الحكومة أولاً ثم في "غوغل"، وهم يزعمون حالياً أنَّهم حققوا اختراقات كبيرة بالتغلب عليها. تحلل تقنية "تايت بيم" تأثير هطول الأمطار مثلاً، ومحاولة عكسها وحل مشكلة الإشارات عبر مجموعة من الأجهزة والخوارزميات الجديدة. قالت "ألايرا" إنَّه بإمكانها إرسال بيانات بسرعات تصل إلى 1.6 تيرابايت في الثانية من بعد مئات الكيلومترات، وسيكون هذا أسرع بحوالي 1000 مرة من التقنية المماثلة المستخدمة حالياً.
جرّبت "ألايرا" تقنيتها عبر إرسال إشارة من سطح مقرها الرئيسي من وإلى قمة جبل يبعد عنها نحو 30 كيلومتراً. كما أرسلت في اختبار آخر إشارة من الأرض إلى جهاز استقبال بحجم كرة الطائرة على متن طائرة محلّقة على بعد 160 كيلومتر تقريباً. قال تايلور: "نستطيع إيصال 1 غيغابايت في الثانية لكل مقعد في الطائرة". هذا الحجم سيكون أسرع بمئات المرات من أنظمة الإنترنت الحالية على متن الطائرات.
بعد إطلاق اسم "سبيس تايم" (Spacetime) على برنامج "مينكاوسكي"؛ استُخدم البرنامج داخل "غوغل" في نشر الاتصال عالي السرعة من الأرض عبر عشرات البالونات عالية الارتفاع. تركّزت مهمة نظام البرنامج على المراقبة والتنبؤ بالموقع المستقبلي للبالونات، وذلك حيوي للحفاظ على قوة جميع الروابط برغم تغيّر مسافاتها وارتفاعاتها. تتطلع "ألايرا" لاستخدام البرنامج نفسه في إدارة الاتصالات عبر عشرات آلاف الكيانات المتحركة، سواء كانت أقماراً صناعية أو طائرات أو قوارب أو مركبات.
تعدّ الخوارزميات التقنية الرئيسية المستخدمة في برنامج "سبيس تايم" لقدرتها على التنبؤ مثلاً باقتراب الطائرة من فقدان اتصالها بقمر صناعي معين أو محطة أرضية ثم توجيه إشارة جديدة نحو الطائرة دون أي انقطاع. أجرت "ألايرا" اختبارات على هذا النوع من العمل عبر عشرات الأقمار الصناعية والطائرات والمحطات الأرضية مع قيامها بتبديل الإشارات كلما تطلّب الأمر ذلك.
استخدام عسكري
يعدّ الجمع بين "تايت بيم" و"سبيس تايم" غريباً إلى حد ما لأنَّ الأمر يبدو وكأنَّ "ألايرا" توصلت إلى رؤية مستقبلية بناءً على ما كان معروضاً للبيع في سوق "غوغل" للأغراض المستعملة. لكن يعتقد تايلور أنَّ مشغلي الأقمار الصناعية وشركات الطيران وشركات الاتصالات السلكية واللاسلكية وغيرهم سيشترون برنامج "سبيس تايم" المتوفر حالياً حتى يتمكّنوا من ابتكار شبكات إنترنت عالية السرعة وأكثر تطوراً. قد تختار هذه الشركات لاحقاً استخدام "تايت بيم" استعداداً لترقية استطاعة شبكاتها حين تطرح "ألايرا" أنظمة الأجهزة اللاسلكية للبيع العام المقبل.
لدى "ألايرا" عقد فعلي لعرض تقنيتها على الجيش الأميركي. يقول روبرت ورك، نائب وزير الدفاع الأميركي السابق ومستشار الشركة الناشئة: "عملت مع عديد من شركات التقنية التي تستطيع أن تنسخ ما تقوم به (ألايرا) نوعاً ما في منطقة جغرافية ضيقة للغاية. لكنَّ (ألايرا) هي الوحيدة التي تستطيع فعل ذلك حول الكوكب".
في حين جُربت تقنية "سبيس تايم" بشكل جيد داخل أروقة "غوغل"؛ لكنَّ تقنية "تايت بيم" لم تُثبت في العالم الحقيقي بعد، وستخضع لتدقيق كبير في ظل فشل غالبية الأنظمة اللاسلكية القائمة على الليزر بالارتقاء لمستوى التوقُّعات السابقة. قال الفيزيائي وخبير الاتصالات اللاسلكية ناثان كوندتز: "سأكون متشككاً للغاية حين يقول أحدهم إنَّه حلّ مشاكل فيزيائية أساسية. هذه الجزئية أنهت العديد من الشركات".