بلومبرغ
التزم آدم نيومان الصمت لفترةٍ بعد عزله من وظيفته رئيساً تنفيذياً لشركة "وي وورك" (WeWork) علانيةً في 2019، إذ سافر مع عائلته وأجرى عدداً قليلاً من المقابلات، فيما ألَّف الناس كتباً وأعدّوا مدوّنات صوتية وبرامج تليفزيونية روائية حول سقوطه المدوّي عن قمة المجد. لكن بعد مرور ثلاث سنوات، يبدو جلياً أن نيومان قد وجد شغفاً جديداً في عالم التشفير خلال السبات الذي تلا إقصاءه من "وي وورك".
ساعد نيومان بتأسيس شركتين ناشئتين منفصلتين تعتمدان التشفير في أعمالهما، وهما "فلو" (Flow) و"فلوكاربون" (Flowcarbon)، وقد بيّن نيومان أخيراً أن كلمة "فلو" التي تعني التدفق هي إحدى كلماته المفضلة. تستخدم "فلوكاربون" تقنية "بلوكتشين" لتتبع أرصدة الكربون، فيما تنخرط "فلو"، التي حصلت على 350 مليون دولار من شركة "أندريسن هورويتز" (Andreessen Horowitz) في أغسطس، بأعمال العقارات السكنية. لم تعلن الأخيرة عن تفاصيل خطتها، لكنها تتضمن محفظة رقمية للتعامل مع العملات المشفرة، حسبما ذكر أشخاص مطّلعون على الأمر طلبوا عدم كشف هوياتهم لدى طرح معلومات سرية. ستقدم المحفظة أيضاً خدمات مالية أخرى مثل السماح للمستخدمين بربط حساب مصرفي. كانت مجلة "فوربس" قد ذكرت بعض تفاصيل خطط "فلو" الخاصة بالتشفير في وقت سابق.
واجه نيومان خلال فترة عمله رئيساً تنفيذياً لشركة "وي وورك" ادّعاءات بالإنفاق المفرط وتضارب المصالح وغرابة الأطوار المبالغ فيها، ليترك الشركة بعد محاولة فاشلة لعقد طرح عامّ أوّلي. يُذكر أن تقييم "وي وورك" باعتبارها شركة خاصة بواقع 47 مليار دولار هوى صوب سعر تداول عامّ يقدر بنحو 3 مليارات دولار في الوقت الحالي. عندما أعلنت "أندريسن هورويتز" أنها ستستثمر في "فلو"، تساءل النقاد عن سبب استمرار تلقي شخص لديه سجلّ إنجازات نيومان مزيداً من المال.
لا يبدو أن ماضي نيومان يثير كثيراً من المخاوف في عالم العملات المشفرة الذي لم يفتقر إلى الشخصيات الغريبة وممارسات مخادعة بلا حياء. يصف مايكل أندرسون، أحد مؤسسي شركة "فريم وورك فينتشرز" (Framework Ventures) لرأس المال الاستثماري في قطاع العملات المشفرة، نيومان بأنه "مؤسس شركات من الطراز العالمي". بعد كل شيء، تتمثل إحدى نقاط قوة نيومان التي لا جدال فيها في تعزيز الدعاية، فقد جمع المليارات من المستثمرين لصالح "وي وورك"، محولاً تأجير العقارات الصريح إلى مغامرة تجارية تتصدر عناوين الأخبار.
حاصرت عوامل مثل الانخفاضات الحادة في أسعار العملات المشفرة، وتضاؤل الاهتمام من جانب أصحاب رؤوس الأموال المغامرة، قطاع الأصول الرقمية هذا العام بعد طفرة مذهلة. لذا قد يستفيد القطاع الآن من بعض غرور نيومان. يقول أندرسون: "إذا كان بإمكانه بناء شركة بضخامة (وي وورك) مرة أخرى، فأعتقد أن هذا سيكون أمراً إيجابياً حقاً بالنسبة إلى صناعتنا إذا ما تضمن أحد عناصر (ويب 3)".
لم يُظهر نيومان اهتماماً كبيراً بالعملات المشفرة علناً قبل استقالته من "وي وورك". غير أن الشركات الناشئة التي شارك في تأسيسها تتماشى مع اهتماماته وغراباته السابقة وتتماشى مع طاقته الروحية. كانت نشرة الاكتتاب العامّ التي أصدرتها "وي وورك" قد أشارت إلى مهمة الشركة المتمثلة في "زيادة الوعي العالمي" وإيمانها "بقوة الجماعة". لقد غرس نيومان الأيديولوجيا والمهمة ذاتهما في "فلوكاربون"، إذ ينتمي رئيس "وي وورك" التنفيذي السابق وزوجته ريبيكا نيومان إلى مجموعة من خمسة مؤسسين مشاركين. يُذكر أن الزوجين لا يشغلان أي مناصب تشغيلية، فيما تستخدم "فلوكاربون" عملة رقمية تسمى "غوديس نيتشر توكين" (Goddess Nature Token).
كما يمكن أن يوفر قطاع العملات المشفرة سبيلاً جديدة ليحقق نيومان شغف عمره المتمثل في بناء (وبيع) مجتمع خاص. لقد نشأ نيومان في إسرائيل في كيبوتس، فأدمج مُثُل المجتمع والمشاركة التي تقوم عليها هذه المستوطنات الزراعية والعسكرية عند تأسيس "وي وورك". كما عظّم شاعرية تأسيس "جيل وي" (We Generation) بين عملائه، وتحدث علناً عن منح جميع موظفي "وي وورك" حقوق ملكية في الشركة بغض النظر عن وظائفهم.
تقدم العملات المشفرة طريقة جديدة لبناء شعور بالمجتمع بين مجموعة كبيرة من الأشخاص، إذ ألمح مارك أندريسن، أحد مستثمري "فلو"، في منشور عبر إحدى المدونات، إلى اهتمام الشركة بالتواصل، قائلاً: "إنّ منح المستأجرين إحساساً بالأمان والمجتمع والملكية الحقيقية ينطوي على قوة لتغيير مجتمعنا".
لا تتضح بالضبط ماهية عنصر التشفير في "فلو"، فضلاً عن إمكانية تغيير خطط المحفظة. غير أن برنامج المكافآت الذي يستخدم تقنية "بلوكتشين" يُعَدّ من بين الاحتمالات، وفقاً للأشخاص المطلعين على خطط الشركة الناشئة. كما أشار الأشخاص أنفسهم إلى أنه لا يوجد لدى "فلو" حالياً أي خطط لتمثيل ملكية العقارات أو الإيجارات باستخدام العملات المشفرة.
يمكن أن يتوافق هذا النوع من برامج المكافآت مع هدف "ويب 3" المتمثل بتعزيز المجتمعات الموزعة. يقول ستان ميروشنيك، الشريك والمؤسس المشارك في شركة "10 تي هولدينغز" (10T Holdings)، التي استثمرت في منصات تبادل الأصول الرقمية "كراكين" (Kraken) و"جيميني تراست" (Gemini Trust): "إذا كان هدفك هو بناء مجتمع ضخم من عشرات أو مئات آلاف الأشخاص، فمن المؤكد أن التشفير قد يكون أمراً منطقياً". أضاف ميروشنيك أن الفضول يعتريه لمعرفة ما يحضر له نيومان بعد ذلك، قائلاً: "أرحب بالابتكار بجميع أشكاله".
أما بالنسبة إلى ميكو ماتسومورا، الشريك العامّ مع شركة "غومي كريبتوس كابيتال" (Gumi Cryptos Capital) لرأس المال الاستثماري في قطاع العملات المشفرة، فإن استثمار "أندريسن هورويتز" في "فلو" إنما هو علامة مبشرة على استمرار تدفق رؤوس الأموال إلى قطاع العملات المشفرة. وبينما قد يؤدي إعطاء فرصة ثانية لنيومان إلى إحباط بعض الأشخاص، فإنّ المستثمرين يفاخرون بقيامهم بما يتعارض مع الحكمة التقليدية. يقول ماتسومورا: "إذا كنت تعمل في مجال رأس المال الاستثماري فلا يمكنك في الواقع دعم الأشخاص العاديين".