ما الذي أجبر شركات كهرباء على دفع المال لتصريف إنتاجها؟

تمنع الاختناقات الطاقة المتجددة الرخيصة من بلوغ المناطق التي يرتفع فيها الطلب

time reading iconدقائق القراءة - 16
خطوط نقل كهرباء ذات جهد عالي  - المصدر: بلومبرغ
خطوط نقل كهرباء ذات جهد عالي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تشهد سوق الكهرباء الأميركية أمراً مدهشاً: فيما ترتفع تكاليف الطاقة حول العالم انخفضت أسعار الكهرباء إلى ما دون الصفر مع زيادة الإنتاج في شبكات الكهرباء في مناطق معينة من الولايات المتحدة.

دخل قدر كبير من الكهرباء المنتجة من طاقة الرياح والشمس بحيث أصبحت تبقى عالقة في مناطق توليدها لنقص في خطوط الجهد العالي اللازمة لنقل الكهرباء إلى الأماكن الأعلى طلباً، وهو ما يُجبر مالكي محطات الكهرباء على أن يدفعوا المال لزبائنهم كي يستخدموا فائض الكهرباء.

أنقلبت أسعار الجملة لسلبية نحو 200 مليون مرة في شبكات الكهرباء السبع الموجودة في الولايات المتحدة في 2021، أي أكثر من ضعف عدد المرات التي حدث فيها ذلك قبل خمس سنوات، وفقاً لمزود البيانات والتحليلات "يس إنرجي" (Yes Energy). تسَعّر الشبكات السبع الكهرباء بفاصل خمس دقائق عبر حوالي 41 ألف نقطة تشبه مفترقات المخارج والمداخل في الطرق السريعة. تُظهر البيانات أن هذا الرقم القياسي سيُتخطى هذا العام مع تفاقم الاختناقات في ثلاث شبكات غنية بالطاقة المتجددة في كل من تكساس وكاليفورنيا والجنوب الغربي.

علامة تحذير

لا تنخفض الأسعار إلى ما دون الصفر بما يكفي لتتراجع آسعار الجملة. تشكل هذه الظاهرة تحذيراً بأن شبكات الكهرباء ليست جاهزة في أي مكان للتحول بشكل أوسع للطاقة المتجددة. تحتاج الولايات المتحدة لإنفاق 360 مليار دولار حتى 2030 و2.4 تريليون دولار بحلول 2050 لتوسيع أنظمة نقل الكهرباء بما يكفي للتعامل مع الزيادة المتوقعة لمصادر الطاقة المتجددة، وفقاً لدراسة من جامعة برينستون. إن لم يحدث ذلك، ستستمر الكهرباء بالبقاء عالقة حيث لا يحتاجها أحد. قال كليف روز، مدير الإنتاج في "يس إنرجي"، الذي أجرى تحليلاً لصالح بلومبرغ نيوز: "ليس لدينا البنية التحتية الكبيرة اللازمة للنقل".

بيّن جيريمي ريفكين، الخبير الاقتصادي الذي قدم للديمقراطيين والجمهوريين المشورة بشأن البنية التحتية للكهرباء، أن تخصيص أكثر من 400 مليار دولار للطاقة النظيفة ومبادرات المناخ في مشروع قانون البنية التحتية للعام الماضي وقانون الحد من التضخم لهذا الشهر أمر لا يستهان به، لكن هنالك عدة مساعي تُنفذ بمعزل عن بعضها بعضاً ولا ترقى إلى مستوى التحول الاقتصادي المطلوب.

يعتقد ريفكين أن الكونغرس أهدر فرصة لتحفيز الدولة برؤية عظيمة مثلما فعل الرئيس دوايت أيزنهاور في خمسينيات القرن الماضي عندما خطط لإنشاء نظام للطرق السريعة بين الولايات. سيتطلب نجاح الطاقة النظيفة تقاسم الكهرباء المولدة من الشمس والرياح عبر القارة من محطات كبيرة الحجم وملايين المنازل التي تنتج الكهرباء ذاتياً. أضاف ريفكين: "لقد تاه التفكير، فالأمر لا يتعلق بتركيب منشآت للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، السؤال هو كيف تتغير البلد؟"

المستهلك يدفع الثمن

ليست الأسعار السلبية أمراً جديداً، لكنها تتكرر مع زيادة إنشاء محطات لطاقة الرياح والشمس بسرعة. انخفضت الأسعار هذا العام إلى ما دون الصفر بنسبة 6.8% من الوقت منذ 15 أغسطس، مقارنة مع 4.6% العام الماضي، وفقاً لبيانات "يس إنرجي". سيزداد معدل الأسعار السلبية إن لم يأمر مشغلو الشبكة بإغلاق محطات الطاقة المتجددة خلال فترات فائض العرض للمساعدة في الحفاظ على استقرار الشبكات.

يُتصدى للأسعار دون الصفر في المناطق التي يتوافر فيها العرض عبر رفع الأسعار في المناطق التي تعاني شبكاتها من اختناقات. تتسبب كلتا الحالتين بتطبيق رسوم إضافية تشبه ما تفرضه "أوبر" كتكاليف إضافية للزحام، وقد بلغ إجماليها 99.7 مليار دولار منذ 26 أغسطس، وهو أعلى من الإجمالي الذي سُجِّل في 2021 بالكامل وتقريباً ضعف المستوى الذي شوهد في كل من السنوات الأربع السابقة، حسب بيانات "يس إنرجي". في نهاية المطاف، تدفع المنازل والشركات ثمن عدم الكفاءة عبر فواتيرهم.

أصبحت مصادر الطاقة المتجددة مُحركاً للأسعار السلبية خلال العقد الماضي، وتحديداً في كاليفورنيا وتكساس، بمساعدة الإعفاءات الضريبية الحكومية والفيدرالية. تحالفت شبكة الكهرباء في كاليفورنيا مع المرافق خارج حدودها لإنشاء سوق بالأسعار الفورية لنقل الكهرباء بسهولة من مصادر للطاقة المتجددة في الغرب. كانت تكساس استبقت موجة مبكرة من الأسعار السلبية ببنائها ممر نقل ضخم لنقل الكهرباء من الرياح من الجزء الغربي من الولاية إلى مدن الشرق، مثل هيوستن ودالاس.

تعد شركة "ساوث ويست باور بول" (Southwest Power Pool) للكهرباء بؤرة للأسعار السلبية، وتخدم قرابة 19 مليون شخص من نيو مكسيكو إلى مونتانا. كانت أسعار الجملة هناك سلبية بنحو 17% خلال السبعة أشهر الأولى من هذا العام، مقارنة بأكثر من 7% على شبكة تكساس الرئيسية وفي كاليفورنيا، حسب بيانات "يس إنرجي".

فائض إنتاج

الرياح هي المصدر الأول للكهرباء لدى "ساوث ويست باور بول". دارت العنفات كثيراً هذا الربيع لدرجة أن ما يقرب من 25% من جميع الأسعار الآنية كانت سلبية خلال الربع الثاني، فتعيَّن تقليص توليد طاقة الرياح أكثر من أي وقت مضى للحفاظ على استقرار الشبكة، وفقاً لتقرير من وحدة مراقبة السوق في الشركة.

قال جيم بيرك، الرئيس التنفيذي لشركة "فيسترا“ (Vistra) أكبر مولدة كهرباء مستقلة في الولايات المتحدة، في مكالمة هاتفية مع المحللين في 5 أغسطس، إن محطات الكهرباء الأخرى كتلك العاملة بالفحم أو الغاز الطبيعي أو الوقود النووي في تكساس، التي تشهد أسرع نمو في مشاريع طاقة الرياح وشمس الجديدة في البلاد، "يمكن أن تنتج بأسعار صفرية أو حتى سلبية" في بعض الأحيان.

تراجعت أسعار الكهرباء التي تنتجها محطة "جيه كيه سبروس" (J.K. Spruce)، التي تعمل بالفحم وتملكها شركة "سي بي إس إنرجي" (CPS Energy) في تكساس إلى 8977.46 دولار لكل ميغاوات/ساعة في 7 مايو في الساعة 10:55 صباحاً بالتوقيت المركزي، وفقاً لبيانات مجلس الموثوقية الكهربائية في تكساس جمعتها ”بلومبرغ". يكفي الميغاوات لتزويد 200 منزل بالكهرباء في تكساس لمدة ساعة. قد تستمر محطات الوقود الأحفوري بالعمل خلال هذه الانخفاضات المؤقتة في الأسعار لأن استمرارها بالعمل أرخص من تكاليف إعادة التشغيل لاحقاً.

أصبحت الأسعار السلبية شائعة في شرق الولايات المتحدة لأسباب مختلفة. انخفضت أسعار الكهرباء في يوم ربيعي دافئ بما يفوق المعتاد في بوسطن خلال مايو، بينما اشتدت الحرارة في بقية نيو إنغلاند، عبر الشبكة التي تغذي الولايات الست إلى قيمة سالبة عند ناقص 150 دولاراً لكل ميغاوات/ساعة لعدة ساعات. انخفضت الأسعار بشكل متكرر لما دون الصفر في أجزاء من ديلاوير وميريلاند، وذلك لأن الخطوط لم تتمكن من نقل الكهرباء إلى وجهات أخرى وهي عادة ما تسري إلى واشنطن وبالتيمور.

كل هذا يجب أن يكون إنذاراً لصانعي السياسات. قالت مونا تيرني لويد، رئيسة السياسة لقطاع الولايات المتحدة لدى شركة "إينل نورث أميركا" (Enel North America) المطور الرائد لمشاريع الطاقة المتجددة: "يتعين إنجاز بناء خطوط النقل أو تقليل هذه الاختناقات واعتبارها أحد أكبر الأولويات الوطنية، والسماح بتحويل اقتصادي أكبر للكهرباء إلى أماكن يمكنها الاستفادة منها".

تصنيفات

قصص قد تهمك