صناعة رقائق أفضل تستهلك كهرباء تضاهي حاجة دول بأكملها

صنع أشباه موصلات أكفأ يتطلب استهلاك كهرباء سيصعب على آسيا الإقلاع عن الوقود الأحفوري

time reading iconدقائق القراءة - 8
صورة تعبيرية عن استهلاك الكهرباء المفرط في صناعة أشباه الرقائق - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن استهلاك الكهرباء المفرط في صناعة أشباه الرقائق - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

لا شك أن الآلات المستخدمة في صنع أشباه الموصلات الأكثر تقدماً في العالم معجزات هندسية حديثة. تُعرف هذه الآلات باسم أنظمة الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية الشديدة، فهي تغمر رقائق السيليكون بموجات ضوء لا تراها العين، لترسم تشكيلات بدقة نانوميترات عبر تحريق مضبوط لسطح الرقاقة.

تبّخر الأشعة فوق البنفسجية الشديدة القصدير المنصهر بالليزر لتنتج ضوءاً خاصاً ثم تستخدم مرايا لتركيز الإشعاع بأطوال موجية أقصر. شركة "إيه إس إم إل هولدينغز" الهولندية (ASML Holding) هي الوحيدة في العالم التي تصنع أجهزة بحجم حافلة تتكون من نحو 100 ألف جزء منفصل بتكلفة تفوق 150 مليون دولار.

كما تُبيّن أجهزة الأشعة فوق البنفسجية الشديدة كيف يؤدي الدفع نحو تصنيع أشباه الموصلات أصغر وأقدر وأقل استهلاكاً للطاقة لعمليات تصنيع أعقد وأكثر استهلاكاً للطاقة. صُنِّفت كل من هذه الآلات على أنها تستهلك نحو 1 ميغاواط من الكهرباء، أي نحو 10 أضعاف الأجيال السابقة من المعدات. في ظل الافتقار لبديل متاح لصنع أنواع أشباه الموصلات الأكثر تقدماً، فإن صناعة الرقائق تمثّل عقبة كبيرة محتملة في طريق خفض انبعاثات الكربون العالمية.

قانون أميركي يحد من توسع صناعة الرقائق الإلكترونية في الصين

كانت شركة "تايوان سيميكوندكتر مانيوفكتشرينغ" (Taiwan Semiconductor Manufacturing)، أكبر مورّد في العالم للرقائق التي عُهِّدت لشركات خارجية، أكثر من اشترى أنظمة الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية الشديدة. إنها تملك حالياً أكثر من 80 آلة، وهي في خضم تركيب جيل جديد من الآلات كجزء من مسبك رقائق قيمته 20 مليار دولار في مدينة تاينان بجنوب تايوان.

يُتوقّع أن تستهلك الشركة عمّا قريب طاقة أكثر من كافة سكان سريلانكا البالغ عددهم 21 مليون نسمة نتيجة لكمّ الطاقة الهائل اللازم لتشغيل آلات الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية الشديدة. بلغت حصة الشركة في 2020 نحو 6% من إجمالي الطاقة المستهلكة في تايوان، ويتوقع أن تصل إلى 12.5% بحلول 2025.

إضافة إلى شركة "تايوان سيميكوندكتر مانيوفكتشرينغ"، تعتزم "ميكرون تكنولوجي" (Micron Technology)، وهي منتج رئيسي لرقائق الذاكرة، استخدام نظام واحد على الأقل للطباعة الحجرية فوق البنفسجية الشديدة في موقع إنتاجها في تايشونغ، الواقع على بعد ساعتين تقريباً بالسيارة جنوب العاصمة التايوانية تايبيه.

يتوقع تشارلز شوم المحلل في "بلومبرغ إنتليجنس" أن ربع إجمالي أشباه الموصلات المصنّعة في مسابك تايوان ستتطلّب أنظمة الطباعة الحجرية فوق البنفسجية في غضون ثلاثة أعوام.

مصادر الكهرباء

قال ليانغ تشي يوان، أستاذ الإدارة في الجامعة الوطنية المركزية بمدينة تاويوان إن تايوان لن يكون لديها قدرة كهربائية كافية لاستيعاب صناعة أشباه الموصلات ما لم يبدأ صُنّاع الرقائق ببناء محطات كهرباء خاصة بهم. أوضح أن الاحتياطي التشغيلي للجزيرة، وهو مقياس للقدرة الإضافية التي ينبغي أن تتعامل مع الارتفاع غير المتوقع في الطلب أو اضطرابات العرض، سينخفض على الأرجح إلى ما دون هامش 10% الذي تعتبره الحكومة إمداداً " كافياً" في وقت ما هذا العام.

ازدهار شركات صناعة الرقائق خلال الوباء يتحول إلى كساد مع اقتراب الركود

تزداد أهمية شركات صناعة الرقائق بالنسبة لاقتصاد تايوان، وقد يكون الشعور بتداعيات المنافسة المتزايدة على الكهرباء أكثر حدة في أجزاء أخرى من الاقتصاد. قالت تريسي تشينغ، الناشطة في مجال المناخ والطاقة في منظمة "غرينبيس" (Greenpeace)، إن "القصور في الكهرباء سيكون حتمياً، فشركة (تايوان سيميكوندكتر مانيوفكتشرينغ) ستستهلك معظم إمدادات الطاقة في تايوان، وهذا سيضر قطاعات أخرى".

يكمن العامل الحاسم في مدى تأثير تصنيع شركة "تايوان سيميكوندكتر مانيوفكتشرينغ" على البيئة في مصدر كل هذه الكهرباء. قال لارس-آكي راغنارسون، رئيس برنامج الاستدامة في شركة الأبحاث "أميك" (Imec): "الطاقة المتجددة تصبح ضرورية وملحة بشكل خاص في الأماكن التي تستخدم فيها مصانع تصنيع الرقائق مثل هذه المعدات عالية الاستهلاك للطاقة".

مناخ وصناعة

لكن تايوان تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري، فقد قررت حكومتها في 2016 أن توليد 20% من الطاقة الكهربائية سيكون من مصادر متجددة بحلول 2025 من خلال بناء طموح للطاقة الشمسية وطاقة الرياح البحرية. لكن أحدث مراجعة للطاقة في يوليو أظهرت أن 6% فقط من طاقتها جاءت من مصادر متجددة في نهاية 2021، ما دفع المسؤولين لخفض هدف 2025 إلى 15%.

تواجه كوريا الجنوبية، موطن عملاق صناعة الرقائق "سامسونغ إلكترونيكس"، تحدياً مماثلاً. تدير الشركة ستة مواقع لتصنيع أشباه الموصلات في البلاد وبلغت في 2021 حصتها من استهلاك الكهرباء 3%. في ظل سعيها للتنافس بشكل مباشر مع "تايوان سيميكوندكتر مانيوفكتشرينغ" من خلال تصنيع رقائق للعملاء الخارجيين، تتطلع "سامسونغ" لتوسيع استخدامها بشكل خاص لأنظمة الأشعة فوق البنفسجية الشديدة. تمتلك الشركة عدداً أقل من الآلات مقارنة بشركة "تايوان سيميكوندكتر مانيوفكتشرينغ"، رغم أنها لا تعلن عدد الآلات التي تملكها. سافر رئيس "سامسونغ غروب"، جاي لي، إلى هولندا في أوائل يونيو لإبرام صفقات جديدة مع "إيه إس إم إل".

أوروبا تبحث إجراءات استثنائية لمجابهة "كارثة" الطاقة

يأتي أكثر من 60% من الطاقة الكهربائية المولدة في كوريا الجنوبية من حرق الفحم والغاز الطبيعي، لكن الدولة تهدف لخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 40% عن مستواها في 2018 بحلول 2030. لا شك أن مثل هذا الجهد سيتطلب من كوريا الجنوبية رفع نسبة الكهرباء المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة إلى ما يزيد على 30% بحلول 2030، ارتفاعاً من 7.5% في 2021.

تفوق شركة "إنتل"، صانعة الرقائق الرئيسية في الولايات المتحدة، قريناتها الآسيويات في مجال الطاقة المتجددة، ويرجع ذلك جزئياً لتمكنها من الوصول إلى الطاقة الخضراء في منشآتها في أريزونا ونيو مكسيكو وأوريغون. حصلت الشركة على 80% من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر متجددة في 2021 ارتفاعاً من 71% في العام السابق، لكن إجمالي استخدامها للكهرباء يتزايد أيضاً بشدة بسبب تقنيات التصنيع المتقدمة.

أهداف متعارضة

تتوق الحكومات التي تعلن رغبتها في خفض انبعاثات الكربون حول العالم لبناء قدرة تصنيع محلية لأشباه الموصلات للتصدي لصدمات سلاسل التوريد والاضطرابات الجيوسياسية. لقد أقرت الولايات المتحدة أخيراً خطة بقيمة 52 مليار دولار لجلب قدرات إنتاجية للرقائق إلى البلاد، وهناك أيضاً قانون الرقائق الأوروبي الذي ينصّ على استثمارات بقيمة 49 مليار دولار لإنعاش الصناعة داخل الاتحاد الأوروبي.

لا يبدو أن التأثير البيئي شكّل اعتباراً مهماً لدى أي منهما. عن ذلك قال ديفيد كانغ، رئيس قسم الأبحاث في اليابان وكوريا الجنوبية في "بلومبرغ إن إي إف": "رغم وجود شروط يجب على الشركات استيفاؤها للحصول على الأموال، لم يحدّد أي من هذه القوانين بعد الأهداف المتعلقة بالمناخ".

الهند قد تؤجل إغلاق محطات الفحم في ضربة جديدة للمناخ

تشهد شركة "إيه إس إم إل" طلباً غير مسبوق، ويتوقع ماساهيرو واكاسوغي، كبير المحللين في "بلومبرغ إنتليجنس"، أن الشركة قد تشهد زيادة بأكثر من 30% في المبيعات السنوية في 2023 إلى حوالي 26 مليار دولار، رغم ضغوط الولايات المتحدة للتوقف عن تزويد الصين بالمعدات اللازمة لصنع الرقائق الأقل تقدماً.

قال المدير المالي للشركة روجر داسن في أبريل إن "إيه إس إم إل" تدرس إمكانية زيادة شحناتها من أنظمة الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية الشديدة إلى 90 وحدة في 2025، من الهدف الأصلي البالغ 70 وحدة.

قد يمكن إيجاد طرق لتصنيع الرقائق بوسائل أكثر استدامة بيئياً، لكن ليس هناك رغبة بإبطاء توسع الصناعة. أوضح راغنارسون من "أميك" قائلاً: "السرعة والوقت ينفدان بشكل عام وهناك أمور كثيرة يتعيّن معالجتها وهي تستغرق وقتاً وتكاليف... صناعتنا تنمو بسرعة كبيرة، وستزداد مشكلتنا سوءاً إن لم نفعل أي شيء".

تصنيفات

قصص قد تهمك