فنان الذكاء الاصطناعي "دال-إي" يتحول من الإدهاش إلى الاحتراف

يجعل الفن في متناول من لا يملكون الموهبة.. لكن هل سيسرق من فرص التربح من أعمالهم؟

time reading iconدقائق القراءة - 20
صورة تعبيرية عن برنامج ذكاء إصطناعي يتيح إنتاج رسوم فنية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن برنامج ذكاء إصطناعي يتيح إنتاج رسوم فنية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أبهرت أداة جديدة لأتمتة إنتاج الصور العاملين والمهتمين بالتقنية على مدى أشهر. لقد سميّ البرنامج الرسام "دال–إي" (Dall-E) اشتقاقاً من اسم الفنان السوريالي سلفادور دالي والرجل الآلي من فيلم الرسوم المتحركة "وول–إي"، وهو ينتج الصور استناداً إلى تلقينات تتألف ممّا يصل إلى 400 حرف أو إلى صور يحمّلها المستخدم. يمكن للمستخدم مثلاً أن يطلب من برنامج الذكاء الاصطناعي أن يرسم صورة لشخصية "شريك" الكرتونية بأسلوب مستلهم من موناليزا، كما يمكنك من تحميل لوحة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" وأن يطلب من "دال- إي" أن يظهرها وكأنها مشهد لكواليس جلسة تصوير أزياء نجمتها الفتاة التي تصورها اللوحة.

تحوّلت أداة "دال-إي" إلى ظاهرة خلال فترة اختبار تلت إتاحتها لمجموعة صغيرة نسبياً من الناس، حالها في ذلك حال كثير من المنتجات الناجحة التي تقدمها شركات ناشئة في وادي السليكون. أثارت الأداة حماسة واسعة حين تحدث عنها أوائل مستخدميها على الإنترنت، ونشروا بعض أبرز مزاياها عبر "تويتر" و"ريديت"، فحمّسوا الباقين لترقب ما سيأتي لاحقاً.

بدأت شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI)، التي تقف خلف "دال–إي"، بإتاحة الأداة في 20 يوليو لمليون مستخدم كانوا قد سجلوا اهتمامهم على قائمة الانتظار لديها. يبلغ سعر الأداة حالياً 15 دولاراً مقابل 115 رصيداً، حيث يُخصم رصيد واحد مقابل كلّ تلقين نصّي. كما يحصل المستخدمون على مجموعة أرصدة مجانية حين يباشرون استخدام الأداة، إضافة إلى عدد أقل من الأرصدة المجانية في كلّ شهر لاحق.

رغم أن "دال-إي" ما تزال رسمياً في فترة اختبار، إلا أن الإعلان الجديد يستهلّ مرحلة جديدة في مسار تطور الأداة، التي بدأت تنضج وتتحول من منتج جديد ممتع إلى منتج عملي، لكن يبقى أن نرى ما سيكون دوره.

تجارب واخفاقات

كانت أوساط وادي السليكون قد احتفت في مناسبات عدّة فيما مضى بأدوات ذكاء اصطناعي بدت تماهي مستويات التواصل والإبداع البشري، إلا أن مسيرتها اللاحقة غالباً ما أتت متعثرة. أعلنت كلّ من "ميتا بلاتفورمز" (التي كان اسمها "فيسبوك" في حينها) وشركة "مايكروسوفت" في 2016 التزامها بتطوير تشات بوت، أو روبوت الدردشة، وهي برامج قادرة على التواصل مع المستخدمين بواسطة منصات الرسائل الفورية وكأنها طرف حقيقي في الحوار. لكن "فيسبوك" أغلقت مساعد تشات بوت الذي أطلقت عليه تسمية "م"، لأنه كان يتطلب كمّا كبيراً من المساعدة البشرية. أمّا تشات بوت "تاي" من "مايكروسوفت" فكان يسهل التلاعب به ليطلق عبارات عنصرية لدرجة أن الشركة اضطرت لسحبه خلال يوم واحد بعد طرحه على الإنترنت. فيما تواصل تقنية تشات بوت التطور، إلا أن الثورة التي وعدت بها لم تنطلق رغم مضي ستّ سنوات منذ ذلك الإعلان.

أسست مجموعة من أقطاب التقنية تضم إيلون ماسك، وسام ألتمان، الذي كان يرأس شركة حضانة الأعمال، والرأسمال المغامر "واي كومبينايتر" (Y Combinator) شركة "أوبن إيه آي" بتمويل مليار دولار في 2015، وهي التي قدمت "دال–إي". هدف الشركة الأساسي حسب ميثاقها الصادر عام 2018 هو "ضمان أن يكون الذكاء العام الاصطناعي (AGI) - ونعني بذلك الأنظمة ذات الاستقلالية العالية التي يتفوق أداؤها على البشر في معظم الأعمال ذات القيمة الاقتصادية - مفيداً لجميع البشر". أعلنت "أوبن إيه آي" في 2019 عزمها التحول إلى شركة تسعى للربحية وتصنع منتجات تقنية تجارية وترخص استخدامها، وتمكنت من جمع مليار دولار من "مايكروسوفت".

قوة خارقة

تعدّ أداة "دال-إي" مشروع "أوبن إيه آي" الأكبر حتى الآن، وقد بنتهُ استناداً إلى برنامج GPT-3 الذي كانت قد صنعته لإنتاج فقرات نصية تحاكي الكتابة البشرية. أطلقت الشركة النسخة الأولى من برنامج الصور في يناير 2021، لكنها لم تطرحه للجمهور العام حتى تراقب النتائج. ثمّ وسّعت شبكة مستخدميه تدريجياً.

اتضح على الفور أن استخدام "دال-إي" ممتع جداً. كانت كارن أكس. شينغ التي تعمل مديرة إنتاج مقاطع فيديو في كاليفورنيا من أوائل الفنانين الذين استخدموا الأداة، وقالت: "نسيت نفسي لساعات وساعات وأنا استخدمه.. الأمر أشبه بالتعاون مع شيء حيّ يتنفس بدل استخدام فوتوشوب كمجرد أداة". بما أن شينغ لا تبرع بالرسم والرسم التصويري، كانت تمتنع عن صنع الصور لإيصال رسالتها. قالت: "فجأة بواسطة دال–إي، أصبح بإمكاني إنتاج فنون مرئية بأي أسلوب كان، فشعرت وكأنني اكتسبت قوة خارقة".

ما أن وضع المستخدمون أيديهم على "دال-إي" حتى فاضت أعمالهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقد شملت صوراً عالية الجودة وواقعية ومنها ما كان فكاهياً في أحيان كثيرة. كذلك قدم مستخدمون "دال- إي" الأوائل تعليقاتهم لمساعدة "أوبن إيه آي" على التحسين ودعم سياسة محتواها، فأتى ذلك بمنفعة على الشركة فيما كانت تسعى لفهم الاختلالات التي اعترت بعض أدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى، مثل "تاي" من "مايكروسوفت" أو خوارزميات التعرف على الوجه التي تنخفض دقتها بأشواط لدى تعاملها مع ذوي البشرة الداكنة.

لدى اختبار مجموعة صغيرة من المستخدمين للأداة، لفت بعضهم لأمور مقلقة، مثل ميل الأداة لتقديم كثير من صور الرجال البيض، لدى تلقينها كلمات مثل "رئيس تنفيذي" أو "رجل إطفاء". أشارت "أوبن إيه آي" قبيل توسيع فترة الاختبار الأولي للأداة في تدوينة إلى أنها تعمل جاهدة لجعل نتائج الصور أكثر تنوعاً بما ينسجم مع "سكان العالم". أظهرت مراجعة داخلية للنسخة المحسّنة أن المستخدمين باتوا أميل بـ12 مرّة لاعتبار صور "دال-إي" شاملة. قالت الشركة إنها عززت أيضاً خصائص أمان الأداة للتصدي لمشاكل محتملة أخرى، كما أن سياسة المحتوى التي تعتمدها تحظّر سلوكيات قد تهدف للإساءة مثل تحميل صور أشخاص حقيقيين.

حجب يخطئ الهدف

تجنّب الأذى بلا عمد في أنظمة الذكاء الاصطناعي ليس سهلاً. تعطي مارغريت ميتشيل، عالمة الكمبيوتر المتخصصة بالأخلاقيات في مجال الذكاء الاصطناعي مثالاً عن أحد أنظمة الذكاء الاصطناعي التي اعتمدت حاجباً يمنع المحتوى الإباحي. ربطت تلك التقنية بين الإباحية وإظهار قدرٍ كبيرٍ من البشرة العارية، وكانت النتيجة أنها اعتبرت عديداً من الصور غير الإباحية لنساء مكتنزات على أنها صور إباحية. قالت ميتشيل: "عند محاولة حجب المحتوى الذي ربما يعدّ إشكالياً، قد ينشأ خطر حقيقي، سبق أن رأينا كيف قد يؤدي الحجب المفرط لتهميش مجموعات تعاني التهميش أصلاً".

لابدّ أن تأثير مثل هذه المشاكل سيزيد مع تحوّل "ديل-إي" من مجرد لعبة لعشاق التقنية إلى شكل من الأدوات التجارية التي تعتزم "أوبن إيه آي" توزيعها. لدى الشركة آمال كبيرة بأن تتمكن الأداة من ترسيخ نفسها في مجال ابتكار الصور لأهداف تجارية. حرصت "أوبن إيه آي" مع توسع "دال- إي" الشهر الماضي على التأكيد بأن المستخدمين يملكون حقوق الصور التي ابتكروها لأهداف تجارية رغم أن سياسة المحتوى التي تعتمدها تفرض على المستخدمين الإشارة إلى الدور الذي لعبه الذكاء الاصطناعي في إنتاج الصورة حين يشاركونها مع الآخرين.

فن أرخص

ما تزال "دال–إي" حتى الآن في مرحلة اعتبارها ابتكاراً حديثاً مدهشاً، كما ظهر من تغريدة نشرتها مؤخراً شركة الكاتشب "كرافت هاينز" تضمنت مقطع فيديو قصير يعرض ما حصل لدى تلقي "دال-إي" تلقيناً بسيطاً هو "كاتشب". إذ أتت النتيجة زجاجة تشبه بشكل كبير منتج "هاينز". قالت الشركة متبجحة: "تماماً كما البشر الذكاء الاصطناعي يفضّل (هاينز)"، مثبتة عن غير قصد كيف تسهم برامج الذكاء الاصطناعي بتعزيز الصور النمطية.

دفع المال للذكاء الاصطناعي لرسم زجاجة كاتشب لن يقدم على الأرجح فناً عظيماً، إلا أن رسامة التصوير الرقمي كريستا ويبستر أعربت عن قلقها من أن تتوجه الشركات التي يعتمد عليها الفنانون للحصول على مشاريع عمل نحو نسخ أرخص ينتجها كمبيوتر إن اعتبرتها جيدة بما يكفي. قالت: "يقلقني أن دال- إي سيمكّن الشركات من التخلي عن توظيف رسامين تصويريين ويتيح اعتماد برامج إلكترونية بدلاً منهم.. دال-إي ممتاز بالتعامل مع الأسماء والصفات البسيطة لكن لا يمكنك أن تطلب منه أن يضفي طابعاً مخيفاً على خلفية الصورة، أو أن ينتج رسماً كارتونياً يتناول نظام العدالة الأميركي".

غالباً ما تثير تطورات عالم الذكاء الاصطناعي القلق حيال فقدان البشر لوظائفهم. لكن توجد سيناريوهات كثيرة يمكن فيها للناس أن يستخدموا برامج إلكترونية للقيام بأمور ما كانوا في السابق ليوظفوا أي شخص للقيام بها. يمكن مثلاً لشخص يتبادل الأفكار مع زملائه حول مقترح ما، أن يعرض لهم أفكاره بصرياً، مستخدماً مهارات فنية لا يملكها. كما يمكن للأشخاص الذين يعدّون جلسة تصوير أن يستخدموا البرنامج من أجل التحقق من خلفية التصوير مسبقاً. تستطيع شركات التسويق أيضاً أن تعدّ مسودة لحملة ترويجية جديدة تستخدم فيها صوراً واقعية منتجة سريعاً، قبل العمل مع فنانين لتقديم العرض النهائي.

ترى فاطمة توغار، الأستاذة المساعدة في جامعة فلوريدا التي يشمل تخصصها الذكاء الاصطناعي في مجال الفنون، أن "دال–إي" ليس فناناً بقدر ما هو أداة مساعدة قد تفيد الفنانين. قالت: "إنه يقدم مثالاً جيداً حول كيف يمكنك توليد الأفكار، لكن لا أدري إذا بإمكاني تسمية ذلك فناً".

تصنيفات

قصص قد تهمك