بلومبرغ
يمكن لأي أوروبية لديها حساب "جيميل" (Gmail) مراسلة أصدقائها الذين ما زالوا يستخدمون "هوتميل" (Hotmail)، لكن لا يمكنها أن تراسلهم من "آي مسج" (iMessage) إلى "واتساب". قد لا يبدو ذلك مهماً، إلا أنه استرعى اهتمام مشرّعي الاتحاد الأوروبي بما دفعهم لمعالجته عبر قواعد مفصلية جديدة أُقرّت في أوائل يوليو. تُلزم هذه القواعد كبريات شركات خدمات للمراسلة أن تنفتح أمام المنافسين الراغبين بتمكين مستخدميها من إرسال الرسائل بين المنصات الأساسية. ستنطبق هذه القواعد على "آي مسج" التي تقدمها شركة "أبل" إضافة إلى تطبيقي "واتساب" و"فيسبوك ماسنجر" التابعين لشركة "ميتا بلاتفورمز"، ويُرجّح أن تنطبق أيضاً على "غوغل تشات" و"مايكروسوفت تيمز"، رغم أن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ قراراً رسمياً بشأن خدمات هاتين الشركتين.
"غوغل" تنافس "أبل" بإتاحة مزايا جديدة لربط الأجهزة
تقود أوروبا مسيرة التشديد على السلوك المناهض للمنافسة المزعوم بين أكبر شركات التقنية في العالم. يقيّد قانون الأسواق الرقمية الجديد بعض الممارسات التي كانت موضوع دعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار تابعها الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة. يتضمّن ذلك تثبيت شركة "ألفابت" المسبق لخدمة البحث الخاصة بها على هواتف "أندرويد" (موضوع دعوى قضائية في 2018)، وممارسة "أمازون دوت كوم" المزعومة في استخدام بيانات التاجر الخاصة لترجيح منتجاتها فوق منتجات المنافسين (التي ذُكرت في قضية في 2019)، وسيطرة "أبل" على التطبيقات التي تُباع عبر متجرها التي كانت محور تحقيق في 2020.
لم ترد فكرة قابلية الربط بين تطبيقات المراسلة، واسمها التقني هو "قابلية التشغيل البيني"، في دعاوى مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي. لذلك كان قرار البرلمان الأوروبي بتضمين هذا المطلب مفاجئاً وقوبل بتشكيك حتى لدى مسؤولين داخل المفوضية الأوروبية ودول الاتحاد الأوروبي.
ملكية مركّزة
يشيد محبّو إمكانية التشغيل البيني بهذا كوسيلة لمنع الشركات الكبيرة من احتكار العملاء. يمكن للمستخدمين الذين لا تعجبهم خدمة ما الاتصال عبر خدمة أخرى دون قلق حول إعادة تشكيل قوائم جهات الاتصال. قال كوري دوكتورو، مؤلف وناشط بارز في قضايا الحقوق الرقمية: "يجب البدء بتفكيك هذه الكرة الشائكة من الملكية المركزة باستخدام أي اختلال يُعثر عليه".
لكن دوكتورو يقول أيضاً إن هذه القواعد يجب أن تستهدف أولاً الشبكات الاجتماعية مثل "فيسبوك". يناقش مشرّعون أميركيون حالياً قواعد التشغيل البيني لوسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك فعل نظرائهم الأوروبيين لكنهم لم يعتمدوها بعد. قال دوكتورو: "ربما قفز المنظمون إلى حالة إرسال الرسائل باعتبارها الحالة الأولى لأنهم يجدون تخيّلها سهلاً. لكن لا يمكنهم حتى تخيّل شكل وسائل التواصل الاجتماعي القابلة للتشغيل البيني".
أول غرامة أوروبية بحق "واتساب" بقيمة 266 مليون دولار
يرى المشككون بالقواعد الجديدة للاتحاد الأوروبي مخاطر أمنية كبيرة في فتح خدمات المراسلة، ويتساءلون أيضاً عما إذا كان ذلك سيقلل فعلاً من هيمنة الشركات الكبرى. كتب موقع الأخبار التكنولوجي "ذا فيرج" (The Verge) في مارس أن هذه الخطة "قد تدمّر "واتساب" بفرض قواعد تشغيل بيني تقوّض خصوصية مستخدميه، واعتبر موقع "وايرد" (Wired) الفكرة "محكوم عليها بالفشل". قال أليكس ستاموس من مرصد ستانفورد للإنترنت، وهو مسؤول تنفيذي سابق في "ميتا": "إن وضع قانون يقول يجب السماح بالتشغيل البيني الكامل دون إيجاد أي مخاطر تتعلق بالخصوصية أو الأمان يشبه إصدار أوامر للأطباء بأن يتمكنوا من علاج السرطان".
تقييد التميز
لا تُعدّ إمكانية التشغيل البيني في خدمات المراسلة ميزة جديدة، حيث يستخدم مزودو خدمات البريد الإلكتروني والرسائل النصية بروتوكولات تقنية مشتركة، ما يعني إمكانية إرسال رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية إلى الأشخاص بغض النظر عن نوع الجهاز أو مزود خدمة الاتصالات، وهي ميزة استغلها مرسلو الرسائل غير المرغوبة. كما يحدّ التوحيد القياسي من تميّز الخدمات، ما أوجد فرصة لمنتجات المراسلة البديلة ذات الميزات المبتكرة مثل القدرة على إرسال صور "جيه آي إف" (GIF) أو إشعار المستخدمين عندما تكون جهات اتصالهم متصلة بالتطبيق.
على نقيض ذلك، لم تُصمّم برامج الدردشة القائمة على الإنترنت لتكون متوافقة مع بعضها، واختلف المنافسون حول ما إذا كان التشغيل البيني هدفاً يستحق العناء.
"أبل" تواجه تدقيقاً فرنسياً لضمان عدم انتهاك خصوصية مستخدمي "أيفون"
عندما بدأت شركة "مايكروسوفت" بتقديم خدمة الرسائل الفورية أواخر التسعينيات، بنت نظامها للاتصال مع "إيه او إل إنستانت ماسنجر" (AOL Instant Messenger)، الذي كان المنتج الرائد في السوق حينها. نفّذت ذلك دون تعاون من "إيه أو إل" (AOL) التي كانت تمنع خدمة "إم إس إن ماسنجر" (MSN Messenger) دورياً من الاتصال مع "إيه آي إم" (AIM)، ما ألهم "مايكروسوفت" لتطوير طريقة للتغلب على هذا العائق. (توقف المنتجان عن العمل منذ ذلك الحين).
تشفير مرغوب
تنصّ قواعد الاتحاد الأوروبي على أنه يجب على عمالقة التقنية اليوم الحفاظ على "مستوى الأمان، بما في ذلك التشفير من طرف إلى آخر، حيثما انطبق ذلك". لكن خدمات المراسلة لا تُستخدم جميعها نهج التشفير نفسه. تُشفير رسائل كل من "واتساب" و"آي مسج" بين طرفي المحادثة دونما مرور بالخوادم، بينما لا تُشفّر رسائل "فيسبوك مسنجر" و"مايكروسوفت تيمز" دونما تدخل من المستخدم، ما يجعل الربط بينها صعباً. كما واجهت "ميتا" مشكلة في تنسيق التشفير عبر أنظمتها الأساسية.
أول غرامة أوروبية بحق "واتساب" بقيمة 266 مليون دولار
يمكن للصناعة مواجهة هذا التحدي باعتماد معيار لنوع واحد من التشفير. يشدد إيان براون المتخصص الرائد في قواعد تنظيم الإنترنت، على أن الشركات التي ترغب بالاتصال بمنصة تدعم التشفير بين أطراف التراسل، مثل "واتساب"، أن تدعم جميع التفاصيل الفنية لرسائل "واتساب" بما فيها التشفير. يرى براون أن صياغة التشريع تعاملت في غالبها مع مخاوف ستاموس ونقّاد آخرين وأن المفوضية قد تضع خططاً أكثر تحديداً في العام المقبل. قال براون: "أنا سعيد لأن الناس يراقبون العملية بعناية، لكني ما زلت أنتظر رؤية اعتراضات جيدة بناءً على النص النهائي الفعلي لقانون الأسواق الرقمية".
بيّن المشرعون أن القواعد تتيح وقتاً كافياً لإجراء التغييرات. يجب على شركات التقنية الكبرى السماح للمستخدمين بإرسال الرسائل الأساسية عبر منصات متنوعة بدءاً من 2024، كما عليهم جعل الرسائل الجماعية قابلة للتشغيل البيني بعدها بعامين، ثم تطبيق ذلك على المكالمات الصوتية ومكالمات الفيديو بعد أربعة أعوام.
شركات حذرة
ربما يبقى المنافسون الذين يهتمون بالخصوصية مثل "سيغنال" (Signal) حذرين من التواصل مع المنافسين، فمؤسسها موكسي مارلينسبايك ينتقد فكرة ربط تطبيقات المراسلة منذ وقت طويل، كتب في 2016 أنه ليس محتملاً أن يشارك تطبيق "سيغنال" بنظام مراسلة لا يتحكم به. ما تزال "ميتا" تجمع البيانات الوصفية، ومنها عناوين بروتوكولات الإنترنت (IP) ووقت إرسال الرسائل، حتى عبر خدمتها المشفرة "واتساب". قد يكون هذا كافياً لمستخدمي "سيغنال" كي يعارضوا إمكانية التشغيل البيني مع "ميتا". قالت الشركة في بيان إن الارتباط مع "آي مسج" و"واتساب" سيضعف بالنهاية خصوصية "سيغنال" ومستخدميه عبر إتاحة بيانات الناس لاستخدامها أو بيعها بطرق لا تتماشى مع مهمة "سيغنال".
هل بدأ موسم الهجرة من واتساب إلى سيغنال؟
قال غاري كرامليش، الذي يدير تطبيقاً يسمى "بيدجين" (Pidgin) يسمح للمستخدمين بإرسال رسائل بين الأنظمة الأساسية، ومنها "ديسكورد" (Discord) و"واتساب" (WhatsApp) و"سلاك" (Slack)، إن الأمر يتطلب عملاً كبيراً لإنشاء منتجات قابلة للتشغيل البيني تتضمن الميزات المعقدة لخدمات المراسلة الحديثة، مثل إضافة المرفقات وخيار تحرير الرسائل المرسلة. قال: "إن محاولة الحصول على توافق بنسبة 100% مع إحدى شبكات الدردشة غاية في الصعوبة".
قال باتريك ديربيز الأستاذ المساعد في علم التشفير في جامعة رين في فرنسا إن توصّلت المنصات الرئيسية لخطة حول إمكانية تشغيل بيني يمكنها التعايش معها دون أن تقنع المنافسين الأصغر حجماً بأنه من مصلحتهم الانخراط معها، فقد ينتهي الأمر بمزيد من المنافسة المتحجّرة. أضاف أن إقناع التطبيقات التي تشبه "سيغنال" في العالم أمر حيوي وإلا فإني أعتقد ألا فائدة تُذكر من القانون بأكمله".