بلومبرغ
يسعى الجميع لحصة من سوق الجلود الاصطناعية التي بلغت قيمتها 33.7 مليار دولار في 2021، ويُتوقع توسعها بمعدل نمو سنوي مركب قدره 8% حتى 2030، وفقاً لشركة "غراند فيو ريسيرش" لأبحاث السوق. تصنع معظم تلك الجلود من البلاستيك رغم أن الخيارات النباتية تشمل الآن خامات تشبه جلد البقر مصنعة من بدائل مثل الصبار وقشر التفاح.
لكن ثبت أن الفطر هو البديل الأكثر إثارة للاهتمام والأكثر قابلية للتطبيق، نظراً لاحتوائه على ألياف الفطر، وهو شبكة من خيوط فطرية تنتشر في الطبيعة في أراضي الغابات وتحت لحاء الأشجار.
تتميز الألياف الفطرية الدقيقة بصلابة تضاهي صلابة الجلد، حيث تحتوي جدرانها الخلوية على مادة كيتين، وهي إحدى البوليمرات الصلبة التي تتواجد أيضاً في قشور القريدس. تتفرع خيوط ألياف الفطر، فيما ينمو وتندمج وتتشابك لتشكل أساس مادة شديدة المتانة.
قال غافين ماكنتاير، الشريك المؤسس وكبير المسؤولين التجاريين بشركة "إيكوفيتيف ديزاين" (Ecovative Design) المتخصصة بتطبيقات تقنية ألياف الفطر في نيويورك، إن شبكة ألياف الفطر التي ترسخ نبتة واحدة من فطر الدعراء الحرشفية، مثل التي تنمو على جذوع الأشجار على هيئة أرفف، يمكنها أن تدعم وزن جذع شجرة وزنه نحو 100 كيلوغرام بأكمله.
تباين الخواص
بيّن ماكنتاير أن الأنواع المتباينة من الفطور تضفي خواصاً ماديةً مختلفة، فبعضها مرن أكثر من كونه صلباً أو يتحمل قوة الشد أكثر من قابليته للانثناء. قال كبير المسؤولين التجاريين بشركة "إيكوفيتيف ديزاين": "لدينا أكثر من 500 سلالة مستقلة في مكتبة السلالات الخاصة بالشركة، والتي تمثل على الأرجح مئات من الفصائل الفريدة".
أعلنت "إيكوفيتيف ديزاين" في مايو عن صفقة مع شركة "ولفيرين وورلد وايد" (Wolverine Worldwide) للأزياء، التي تضم محفظتها علامات تجارية للأحذية مثل "ميريل" و"سبيري"، لاستخدام جلد "فوريجر" المصنوع من ألياف الفطر. كما دشنت شراكة مماثلة في ديسمبر مع شركة "بي في إتش" للملابس مالكة علامتي "تومي هيلفيغر" و"كالفن كلاين" التجاريتين.
جذبت شركتان ناشئتان مهتمتان بالجلود الفطرية في منطقة خليج سان فرانسيسكو انتباه جمهور الموضة، حيث أطلقت المصممة البريطانية ستيلا مكارتني في 7 يوليو إصداراً بقيمة 2950 دولاراً أميركياً من تصميم حقيبة اليد "فريم" المصنوعة من جلود "مايلو"، وهي خامة "صناعية" مشتقة من الفطريات تنتجها شركة "بولت ثريدز". كما طورت شركة التقنية الحيوية "مايكو وركس" جلود "ريشي"، التي استخدمها مصمم القبعات نيك فوكيه في صنع قبعة "ريشي بوليتوس" البالغ سعرها 810 دولارات، التي طرحها في 18 يوليو. بينما ستطرح "هيرميس" حقيبة سفر مصنوعة من جلود "سيلفانيا" خلال الأشهر المقبلة، وهي خامة أخرى مشتقة من ألياف الفطر أنتجت بالتعاون مع "مايكو وركس".
ضبط الخواص
غالباً ما تستخدم اللدائن في صناعة المنسوجات وحتى الجلود لإكسابها متانة ومرونة أكبر، لكن "مايكو وركس" تتبع نهجاً مخالفاً مع جلود "ريشي". بيّن ماثيو سكولين، الرئيس التنفيذي للشركة، أن بإمكانها دمج نسيج مثل القطن مع الفطريات أثناء نموها لإكساب الأخيرة خصائص مختلفة. قال سكولين: "يمكننا ضبط خصائص مثل الثنيات أو النعومة أو الملمس لأن النسيج يساعد على إجبار خلايا الفطر على تكوين هياكل جديدة تماماً لا تشبه الفطريات المُنتجة طبيعياً في الغابة ولا تشبه القماش أيضاً؛ بل تنمو لتصبح منتجاً فريداً من نوعه."
كانت استخدامات جلود "ريشي" واضحة لفوكيه الذي كان متحمساً للغاية عندما تلقى الدفعة الأولى من الجلد لدرجة جعلته يصنع قبعة بعد 24 ساعة. كان فوكيه قد درس العلوم البيئية والتنمية المستدامة قبل تخصصه بصناعة القبعات، لذا يقول: "تعد قدرتي على تضمين تلك العلوم في مجال عملي بمثابة دائرة كاملة بالنسبة لي".
تنطوي قدرة ألياف الفطر على النمو بسرعة على قدر كبير من الإمكانات إضافة للجودة، إذ يمكن أن ينتشر بسرعة ملحوظة كما حال الفطر الذي يظهر بين عشية وضحاها بعد عاصفة مطراء. تُنشئ "مايكو وركس" مصنعاً بقيمة 107 ملايين دولار في مدينة يونيون بولاية كاولينا الجنوبية، وسيكون قادراً على إنتاج أكثر من 93 ألف متر مربع من جلود "ريشي" سنوياً لدى افتتاحه العام المقبل.
كما يمكن لشركة "إيكوفيتيف ديزاين" زراعة رقعة جاهزة للدباغة قياسها 27×1.8 متر، أي نحو 50 متراً مربعاً، من ألياف الفطر لتصنيع جلود "فوريجر" خلال تسعة أيام فقط باستخدام التقنية التي يمكن تنفيذها في منشآت استزراع للفطر قائمة بالفعل.
ستكون أول مزرعة متخصصة لشركة "إيكوفيتيف ديزاين" قادرة على إنتاج نحو 290 ألف متر مربع من جلود "فوريجر" سنوياً من على مساحة 4200 متر من الأرض.
يرى ماكنتاير الأمر مثيراً للإعجاب بقدر ما تبدو هذه الأرقام لأن "جلود الحيوانات تقدر بنحو 2.9 مليار متر مربع سنوياً، وهي كمية غير منطقية ترمى نتيجة عن عاداتنا في تناول اللحوم".
تحتل قلة الجلود الحيوانية مرتبة متدنية واقعياً على قائمة مبررات إنتاج الجلود الاصطناعية، فقد بيّنت محللة صناعة الأزياء، فيرونيكا بيتس كاساتلي أن: "جلود 5.5 مليون بقرة آلت إلى مكبات النفايات في الولايات المتحدة وحدها خلال 2019"، أي قرابة 25.5 مليون متر مربع من الجلود. قالت كاساتلي: "أما إذا كان الهدف هو الاستعاضة عن البلاستيك فتلك نعمة كبرى".