الولايات المتحدة لن يكون لديها ما يكفي من مصافي النفط

الاستثمار ببناء منشآت تكرير غير مجدٍ في ظل السعي العالمي للتحول عن الوقود الأحفوري

time reading iconدقائق القراءة - 20
صورة تعبيرية عن أزمة إدارة بايدن حيال سعر البنزين - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن أزمة إدارة بايدن حيال سعر البنزين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

لم يسبق أن أُعيد انتخاب أي رئيس للولايات المتحدة عندما يتجاوز سعر لتر البنزين 1.05 دولار في محطات توزيع الوقود فما بالك وقد ارتفع إلى 1.25 دولار تقريباً هذا الصيف ليشكل التهديد الاقتصادي الأكبر لرئاسة جو بايدن.

كانت أولى تحركات الرئيس الأميركي لمجابهة الأسعار الباهظة هي حث منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" على زيادة إمدادات النفط العالمية، وقد نجح في ذلك إلى حد ما. كما حاول بايدن أن يحرج شركات التنقيب عن النفط الصخري في الولايات المتحدة وأن يعزو الأزمة لعدم إعادة تشغيل حفاراتها، غير أنه لم يحقق نجاحاً مماثلاً في هذا الاتجاه. ثم شرع مسؤولو الإدارة الأميركية بالتصدي لتراجع طاقة منظومة التكرير في أميركا، وهي العقبة الأكبر والأطول أمداً في سبيل كبح جماح أسعار الوقود، حيث دفعت أسعاره الباهظة التضخم لأعلى مستوياته في عقود.

كانت معامل تكرير النفط الخام لاستخلاص البنزين والديزل ووقود الطائرات في جميع أنحاء العالم قد توقفت عن العمل إبان الوباء كما أُجِّلت خطط إنشاء منشآت جديدة. غير أن الإغلاقات كانت أشد في الولايات المتحدة بصفة خاصة، حيث مُنيت بعض المنشآت القديمة بأضرار لا يمكن إصلاحها إثر تعرضها للأعطال والأعاصير، بينما أُحيل بعضها الآخر لإنتاج الديزل المتجدد. على مدى السنوات الثلاث الماضية، أُغلقت مصافي تكرير في البلاد، أو أُعلنت عن خطط للإغلاق، لتشطب بذلك نحو 2 مليون برميل من الطاقة اليومية للتكرير، ما أعجز إنتاج البنزين عن أن يكفي لتزويد ما يُقدّر بنحو 30 مليون سيارة.

سوء تقدير مؤسف

اجتمع مسؤولو إدارة بايدن بكبار المسؤولين التنفيذيين في أكبر شركات إنتاج الوقود في البلاد عندما تجاوزت أسعار البنزين 1.32 دولار للتر الواحد في يونيو. قال أشخاص مطّلعون على الأمر إن تعليقات مسؤولي الإدارة كشفت عن سوء فهم مؤسف، وربما متعمد، لصناعة التكرير. قال مسؤولو البيت الأبيض في إحدى الجلسات التي عُقِدت مع مسؤول تنفيذي بقطاع التكرير عبر تطبيق "زوم" بجدية إن شركات النفط ينبغي أن تكون قادرة على تعويض تكاليف إنشاء مصفاة جديدة في غضون عام لكونها تحقق هوامش ربح ضخمة جداً.

رفضت مستشارة بايدن للشؤون الاقتصادية هيذر بوشي، خلال مقابلتها مع تلفزيون "بلومبرغ" في 7 يوليو، المزاعم القائلة بأن نهج الرئيس كان ساذجاً، قائلةً إن الرئيس الأمريكي كان يستخدم كل الوسائل المتاحة لمجابهة ارتفاع أسعار البنزين. لكن بالنسبة للمسؤولين الذين عملوا في قطاع التكرير في الولايات المتحدة لفترة طويلة، فقد بدت فكرة استثمار شركات النفط مليارات الدولارات في مصفاة جديدة استناداً إلى الأرباح الضخمة التي تحققها تلك الشركات خلال بضعة أشهر مثيرة للضحك.

استعرض رئيس "شيفرون" التنفيذي مايك ويرث في 23 يونيو الاقتصاديات ولوجستيات التوريد والقيود المفروضة على قطاع التكرير بالولايات المتحدة خلال جلسة مغلقة منفصلة عُقِدت في واشنطن مع وزيرة الطاقة جنيفر غرانهولم ومسؤولين آخرين. انتهى الاجتماع باتفاق الجميع على نقطة واحدة، وهي أن أزمة نقص القدرة التكريرية ستستمر؛ بل قد تزداد سوءاً.

تهالك المنشآت

لم تبنِ الولايات المتحدة مصفاة نفط متكاملة منذ 1977، حيث تبلغ تكلفة تصميم وبناء متاهة من خطوط الأنابيب والخزانات وأعمدة التقطير 10 مليارات دولار، ويستغرق بناء المصفاة المتكاملة قرابة عشر سنوات. تعكف شركتا "إكسون موبيل" و"فاليرو إنرجي" على تنفيذ بعض التوسعات، لكنهما بالكاد ستعوضان معاً خسائر بناء مصفاة واحدة. أدى الانخفاض الحاد في الطلب على الوقود بسبب الوباء في الوقت نفسه إلى إعلان إغلاق أو تغيير منتجات ما لا يقل عن ست مصافي تكرير لخدمة أغراض أخرى، بما فيها مصفاة هيوستن التابعة لشركة "ليونيل باسيل إندستريز" التي يمكنها إنتاج نحو 16.8 مليون لتر من البنزين يومياً، التي تقرر إغلاقها بحلول موعد أقصاه العام المقبل.

قال ويرث في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" في يونيو: "في رأيى الشخصي لن يتم بناء مصفاة جديدة أخرى أبداً" في الولايات المتحدة، مضيفاً: "إنك تتطلع لتخصيص رؤوس أموال لمدة 10 سنوات من الآن ما يتطلب عقوداً لتقدم عائداً للمساهمين، كل ذلك في بيئة سياسية تقول فيها الحكومات حول العالم: لا نرعب بهذه المنتجات".

لتدرك مدى صعوبة نجاح بايدن في حل أزمة نقص طاقة التكرير، ضع في اعتبارك أنه حاول المساعدة في إنقاذ مصفاة نفط ذات مرة وفشل.

كانت تلك المصفاة الواقعة في فيلادلفيا، وهي ليست بعيدة عن مسقط رأس بايدن، تمثل ما يقرب من ثلث القدرة التكريرية في شمال شرق الولايات المتحدة. لكن بعد تشغيلها لأكثر من قرن، بدأت تتداعى. كانت عوامل مثل تقادم المعدات والأنظمة البيئية التي تنطوي على تكلفة أكبر وضعف الطلب، قد ساهمت بتكبيدها خسائر فادحة. ناشد مؤيدو إنقاذ المصفاة بايدن، نائب الرئيس آنذاك، للمساعدة في إنقاذها من الإغلاق لكن جهودهم ذهبت سدى، فقد أُغلقت المصفاة في النهاية متأثرةً بسلسلة من الأعطال والانفجارات وهي قيد التفكيك الآن. كما وُضِعت خطط لتحويل موقعها إلى مجمع لأعمال التجارة الإلكترونية وعلوم الحياة.

الشح عالمي

كان نقص القدرة التكريرية في الولايات المتحدة في الظروف العادية يعني الاعتماد على الواردات أو السحب من المخزونات. غير أن بقية دول العالم تعاني أيضاً، فقد أدت العقوبات المفروضة على روسيا بالإضافة إلى جهود الصين للحد من صادراتها النفطية لتفاقم شح الإمدادت العالمية. تراجعت مخزونات البنزين في الولايات المتحدة لأدنى مستوى موسمي لها في ست سنوات، فيما هوت احتياطيات نواتج التقطير إلى أدنى مستوى لها في 17 عاماً.

شهدت الأسابيع القليلة الماضية تخفيفاً الضغوط إلى حد ما مع تراجع متوسط السعر الوطني إلى 1.23 دولار للتر اعتباراً من 11 يوليو، بانخفاض 7% من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 1.33 دولار للتر في 13 يونيو. لكنه انخفاض لا يضاهي الهبوط الكبير الذي شهدته أسعار النفط كون صناعة الوقود ترزح تحت وطأة شح الموارد. يمثل التكرير حالياً 26% من تكلفة لتر البنزين ارتفاعاً من 14% سابقاً، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.

يمكن لعاصفة واحدة قوية في خليج المكسيك أن توقف الإنتاج في بعض أكبر مصافي التكرير لأسابيع. قال باتريك ديهان رئيس قسم تحليلات النفط في شركة "غازبادي" (GasBuddy) لتتبع أسعار البنزين: "باعتقادي، لو أن إعصاراً قوياً ضرب في منتصف الصيف لدفع السعر لأكثر من 1.45 دولار" للتر الواحد.

يحصد منتجو الوقود في الولايات المتحدة أرباح ارتفاع أسعار البنزين. يُتوقع أن تحقق "ماراثون بتروليوم" و"فاليرو إنرجي" و"فيليبس 66"، وهي أكبر ثلاث مصافي مستقلة، بالإضافة إلى "إكسون" و"شيفرون" رقماً قياسياً قدره 10.4 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة حتى 30 يونيو من المنتجات المكررة. ستحقق مصافي "إكسون" الأميركية خلال الربع الثاني من العام الجاري أرباحاً تفوق أرباح المصافي التسع سالفة الذكر مجتمعةً.

خيارات محدودة

لا يكفي أن يغيّر منتجو الوقود رأيهم بشأن إغلاق مصافيهم، فقد كان نحو ثلث الإغلاقات في السنوات الأخيرة بسبب أن المالكين حوّلوا المصافي لتنتج الديزل المتجدد. ستسمح لهم هذه العملية بتلبية بعض المتطلبات البيئية مع المطالبة بخصم ضريبي قدره 26 سنتاً على كل لتر ينتجونه.

قد تخفف زيادات القدرة التكريرية في آسيا والشرق الأوسط من أزمة شح الواردات عالمياً، لكنها ستزيد أيضاً من اعتماد الولايات المتحدة على الإمدادات الأجنبية في وقت يسوده عدم يقين حيال سلاسل التوريد.

يبدو بايدن حالياً مقيداً بخيارات محدودة لخفض أسعار البنزين بسرعة، حيث خطط الرئيس الأميركي لزيارة السعودية هذا الشهر بغرض الحضّ على زيادة إنتاج النفط. كما يستكشف مسؤولو وزارة الطاقة إمكانية تخفيف قواعد مكافحة الضباب الدخاني. تحاول مصافي التكرير الحفاظ على كمية النفط التي تعالجها أو حتى زيادتها بشكل طفيف للاستفادة من الأسعار المرتفعة، برغم أنها تعمل بطاقة 94% أي عملياً نحو طاقتها القصوى. على الصعيد التشريعي، طلب بايدن من الكونغرس تعليق ضريبة البنزين الفيدرالية حتى سبتمبر.

قال جيسي ميرسر، كبير محللي سوق النفط الخام لدى شركة "إنفيروس إنتليجنس ريسيرش" (Enverus Intelligence Research)، إن الحل الواقعي الوحيد على المدى الطويل هو تخفيض الطلب: "ربما يكون ما نحتاجه الآن هو العمل عن بُعد وتقليل السيارات على الطرق ودعم السيارات الكهربائية لأن أزمة الطاقة التكريرية الراهنة ستدوم طويلاً هنا في الولايات المتحدة".

تصنيفات

قصص قد تهمك