بلومبرغ
قدّم إيلون ماسك استحواذه المقترح على "تويتر" فيما مضى على أنه أكثر من مجرد صفقة تجارية، فقد ادعى في أبريل أن هذه الشبكة الاجتماعية صغيرة مقارنة مع "فيسبوك" أو "إنستغرام" لكن يحبها الصحفيون والسياسيون وإيلون ماسك وهي "ساحة المدينة الفعلية" ولها أهمية حاسمة في قضية الحرية العالمية.
قال ماسك إن "تويتر" باتت مرتعاً لمرسلي الرسائل غير المرغوبة وإنها متحيزة بغير عدل ضد المحافظين وإنها تعاني مما أسماه "فيروس العقل اليقظ". أعلن ماسك أن تلك كانت العوامل المهمة التي دفعته لتقديم عرض شراء لقاء 54.20 دولار للسهم، ما شكّل علاوة كبيرة على سعر سهم الشركة حينها ولم يكن التربح دافعه. كما قال في مؤتمر "تي إي دي" (TED) يوم أعلن عرضه: "أنا لا أهتم بالاقتصاديات على الإطلاق".
ثم تراجعت سوق الأسهم وانكمش صافي ثروة ماسك ليصبح مهتماً جداً باقتصاديات الصفقة فجأة. أعلن محاموه في رسالة بتاريخ 8 يوليو انسحابه من الاستحواذ جزئياً لأن "تويتر" حسب زعمهم لم تعطِ بيانات صادقة حول نسبة الرسائل غير المرغوبة على منصتها. ردّ مجلس إدارة الشركة بالإشارة إلى اتفاقية الاندماج الملزمة التي لا تمنح ماسك مساحة كبيرة للمناورة. بعد أربعة أيام رفعت شركة "تويتر" دعوى قضائية في محاولة لإجباره على دفع السعر المتفق عليه. تُعدّ المعركة القانونية التي سيقرر فيها القاضي ما إذا كان على ماسك المضي في عرضه استمراراً لسيرك الواقع الذي يحيط بعملية الاستحواذ. ما يزال غلينا أن ننتظر لنرى من سيفوز في هذه الحالة الغريبة، التي تشابه كل ما يحيط بماسك أخيراً. لكن الخاسر معروف وهو الجميع باستثناء ماسك.
ضحايا القرار
المساهمون في "تويتر" هم الضحايا الأكثر وضوحاً، وبعضهم بلا شك من كبار المعجبين بماسك وقد اشتروا أسهمهم على أساس الوعد الذي قطعه رائد الأعمال الأيقوني الذي يتابعونه. لكن بعدما رأوا اقتراب السعر إلى حوالي 52 دولاراً للسهم، اضطروا كما حال مديري صناديق التقاعد ومن سواهم أن يقفوا كمتفرجين فيما استخدم أغنى رجل في العالم حسابه على "تويتر" الذي يتابعه أكثر من 101 مليون شخص ليحطّ من شأن موظفيه المستقبليين وليسخر من جهود الشركة الواهية لحمله على الالتزام باتفاقية عدم الإفشاء.
"تويتر" تفقد 3 مليارات دولار من قيمتها السوقية متأثرة بمعركة قضائية محتملة مع إيلون ماسك
بدأ ماسك، ربما انطلاقاً من حرصه على إيجاد ذريعة ليتجنب دفع مبالغ زائدة أو لأنه أصابه الملل قليلاً من هذه المغامرة بأكملها، بتشويه سمعة الشركة التي أشاد بها ذات مرة. قال إن الشبكة الاجتماعية لم تكن قلعة حرية التعبير بل إنها مجرد مصنع للبريد العشوائي، حيث تمثل الروبوتات نحو 90% من مستخدميها يومياً. لا ينبغي أن يبالي أحد بأنه لم يقدم أي دليل يدعم هذا الادعاء أو يدحض الرقم الذي أعلنته "تويتر" وهو أقل من 5%، رغم أن أحد أسبابه المعلنة لشراء الشركة في المقام الأول هو وجود كثير من الرسائل غير المرغوبة.
تراجع سعر سهم "تويتر" أكثر من 11% في اليوم الأول للتداول بعدما حاول محامو ماسك إلغاء الصفقة. يتداول السهم بنحو 37 دولاراً، أي عند ما يقل بأكثر من 30% عمّا عرضه ماسك لشرائها وقد يتراجع السعر أكثر إن تمكّن من التملص من الصفقة.
تدمير وانسحاب
تناول ماسك شركة مشوشة لكنها ذات قيمة بيّنة فجعل منها أضحوكة. قال دينيس كيلير، الرئيس التنفيذي لشركة "بيتر ماركتس" (Better Markets)، وهي منظمة غير ربحية يقع مقرها في واشنطن العاصمة تناصر كبح جماح وول ستريت وتجاوزات الشركات: "إنه يتسبب في تبخر القيمة بالنسبة للمساهمين من جميع الاتجاهات".
اتهمت "تويتر" ماسك في دعواها ضده بالقيام بمسرحية ورفض احترام الالتزامات القانونية الإجبارية، وكتبت: "يعتقد ماسك على ما يبدو دوناً عن أي طرف آخر خاضع لقانون العقود في ولاية ديلاوير أن له حرية تغيير رأيه وإفشال الشركة وتعطيل عملياتها وتدمير القيمة على المساهمين ثم يقفي مبتعداً. " لم يرد ماسك رسمياً بعد، لكنه غرد بعد وقت قصير من تقديم الدعوى: "يا للسخرية... إنني أقهقه".
إيلون ماسك يتجنب الحديث عن "تويتر" ويركز على المريخ
لدى المساهمين الذين يشعرون أن ماسك أضر بالشركة ملاذ لإنصاف أنفسهم من خلال الدعوى التي قدمتها "تويتر" والدعاوى الجماعية المحتملة إذا أتاح مجلس إدارة "تويتر" لماسك بالمضي في الصفقة بسعر أقل أو التفاوض على ذلك. لكنهم لن يكونوا الوحيدين الذين تأذوا من هذه التصرفات الغريبة. قال كيلير: "إنه يتلاعب أيضاً بسبل عيش الموظفين بطريقة متعجرفة وبشكل مثير للاشمئزاز". منذ قدم ماسك عرضه، صرفت الشركة كبار المديرين التنفيذيين وجمّدت عمليات التوظيف، وسرّحت ثلث فريق التوظيف لديها. وبات تطوير المنتج معلقاً بشكل فعال تحسباً لعملية استحواذ قد لا تحدث أبداً. إن انتصر ماسك في المحكمة، فسيرى الموظفون قيمة خيارات الأسهم الخاصة بهم تتهاوى، وإن انتصر مجلس إدارة "تويتر" فسيعملون مع رئيس تنفيذي زئبقي قضى شهوراً يسعى لإذلالهم.
عواقب سياسية
ثم هناك مكانة "تويتر" في المشهد الإعلامي الأكبر وهو أمر الذي كان يُفترض بماسك أن يحرص عليه بشدة. لم يكن مخطئًا بقوله إن منصة "تويتر" تلعب دوراً مهماً هناك، فنظراً لقاعدة المستخدمين المؤثرة لدى الشركة فإن قرارات سياستها لها عواقب سياسية. يجب أن يشعر المحافظون، الذين وصفوا ماسك على سبيل الإشادة بأنه صليبي صالح يحارب الرقابة، بأنه خانهم بالتفافه. (قال عنه الرئيس السابق دونالد ترمب في اجتماع حاشد في ألاسكا في 9 يوليو ملخصاً المشاعر: "إنه مجرد فنان هراء آخر". رغم أن الليبراليين قد يشعرون بارتياح، إلا أن سلوك ماسك أضعف موقع "تويتر" وسيصعب على الشركة أن تشن حملة على المعلومات المضللة اليمينية.
ماسك يدعو ترمب لعدم الترشح للرئاسة في 2024 ويؤكد أن عهده شابه الكثير من الدراما
ستكون ساحة البلدة الرقمية أضعف في هذا الرحلة بغض النظر عن النتيجة النهائية.
قرر ماسك، كما تحب الخلية الاجتماعية المؤثرة أن تقول، أن يغرد من خلالها، وقد نشر في 11 يوليو ميماً يشير إلى أن قراره بالتراجع عن الصفقة كان يهدف لجعل "تويتر" تفصح عن معلومات محرجة في مداخلاتها القانونية وأتبع ذلك بنشر صورة للممثل تشك نوريس وهو يلعب الشطرنج. يبدو أن أتباعه وبعضهم في وسائل الإعلام المحافظة اقتنعوا بهذا، وكذلك حلفاؤه في وادي السيليكون، الذين حثوا مجلس إدارة "تويتر" على تركه يتملص من الصفقة وأن ينسوا الأمر برمته لأن إيلون هو إيلون.
تنظر وول ستريت مسبقاً للاكتتاب العام الأولي الذي لا مفر منه لشركة "سبيس إكس" للصواريخ التي يمتلكها ماسك والعمولات التي ستأتي من أي شيء آخر قد يشتري أسهمه. قالت سوزان ولفورد المصرفية الاستثمارية السابقة التي كانت تدير مجموعة التقنية في "بنك مونتريال"، إيضاحاً للمزاج العام بين المصرفيين: "لا يزال الرجل يملك المليارات والمليارات. لا يمكنك عدم الرد على مكالمته الهاتفية حين يرغب بإجراء صفقته التالية".
تكريس الخداع
هذا سبب أهمية ما يحدث في ولاية ديلاوير. فطوال السنوات الأربع الماضية، بدءاً من ادعائه الذي لا أساس له من الصحة في 2018 بأنه حصل على "تمويل مضمون" لجعل شركة "تسلا" خاصة، تجاهل ماسك وداعموه من مستثمرين ومحامين وشخصيات إعلامية أعراف الأعمال الأساسية، وهاجموا المنظمين الماليين وروّجوا لعملة مشفرة فقدت 90% من قيمتها منذ مايو 2021. تسير الدعاوى القضائية التي نتجت عن هذه الخدع على قدم وساق كما أُلزم ماسك بدفع تسوية للجنة الأوراق المالية والبورصات.
دفاع عن البراعة الإدارية لـ"إيلون ماسك"
حتى الآن، لم يمنعه أي من هذا من الاستمرار فرحاً. إن انتصر في المحكمة أو وجد طريقة أخرى للخروج من اتفاقية الاندماج بناءً على ما يبدو أنه ذريعة واهية للغاية، فسيرسل بذلك رسالة إلى من سواه ممن قد يخالفون القواعد. قال كيليهر: "تعتمد شركات الدرجة الأولى على عدد صغير من المحامين والمصرفيين، وإذا رأوا أشخاصاً يفلتون من العقاب، فسيغيّر ذلك من حساباتهم للمخاطرة والمكافأة". بعبارة أخرى، إذا فاز ماسك، فلن يكون آخر ملياردير يتلاعب بشركة عامة بغرض التسلية.