بلومبرغ
يتنوع مجتمع تعدين "إيثريوم" من حيث تباينات الأشخاص المنخرطين فيه ومناطق نشاطهم. يعدّن مترجم عمره 28 عاماً من أوكرنيا في شرفة منزله ليجني عملات مشفرة ويشترى الملابس والاحتياجات الضرورية الأخرى. كما تستخدم متقاعدة أرجنتينية جهاز كمبيوتر ألعاب لتضاعف راتبها التقاعدي الشهري، عدّن طالب جامعي في كندا عملات تكفي لشراء دراجة بخارية "بي إم دبليو" وسيارة "دودج" معدلة من طراز "تشارجر إس أر تي" لعام 2006 وما يكفي لدفع ثمن الوقود كل شهر.
أجهزة "أبل" قادرة على صناعة التغيير بقطاع التشفير
يعلم كثيرون، حتى من خارج عالم "بلوكتشين"، أن انهيار أسواق العملات المشفرة جعل الأشهر القليلة الماضية شاقة للغاية على كل من يرتبط رفاهه المالي بالعملات الرقمية. فقد هبط سعر عملة "إيثر" بنحو 70% هذا العام حتى 15 يونيو. في الوقت نفسه، من المقرر أن يتسبب عامل أقل شهرة وهو تحول جذري يعرف باسم "الدمج" بالقضاء على تعدين "إيثريوم" تماماً، وتوقف مكاسب زهاء مليون شخص. قال المترجم الأوكراني، الذي طلب عدم الكشف عن هويته خشية التعرض للسرقة: "ستكون هذه ضربة مالية ضخمة وخسارة كاملة لمصدرٍ جيد للدخل".
تسخير موارد
تسجل شبكتا "بتكوين" و"إيثريوم"، الأكبر من حيث القيمة السوقية لتعدين العملات المشفرة، التعاملات باستخدام ما يسمى إثبات العمل، أي أن المُعدّنين يخصصون مواردهم من الحواسيب للتعامل مع العمليات الرياضية لإضافة مجموعات من المعاملات إلى السجل العام، ويتلقون بالمقابل مدفوعات بالعملة المشفرة كمكافأة. لكن تعدين "بتكوين"، التي تنطوي بشكل عام على استخدام معدات متخصصة، باتت نشاطاً صناعياً. فانتهت مشاركة الأشخاص العاديين في هذا النشاط بشكل أساسي مع انتقال التعدين إلى مراكز البيانات. بينما يعتمد تعدين "إيثريوم" على دارات الرسوميات الموجودة داخل أجهزة الكمبيوتر المخصصة للألعاب، وما يزال بإمكان عديد من الأشخاص العاديين القيام به.
"كوين بيس" تسرّح 18% من قوتها العاملة مع تفاقم شتاء التشفير
تعد عملية إثبات العمل بمثابة مسابقة لجعل أجهزة الكمبيوتر تعمل بجد أكبر، ما يعني استخدام تلك الأجهزة لكمية هائلة من الطاقة، لذلك تشكل الخسائر البيئية المترتبة على ذلك واحدة من الانتقادات الأساسية للعملات المشفرة. كان مطورو "إيثريوم" يستعدون منذ بداياتها للتحول إلى نموذج بديل يسمى "إثبات الحصة". بموجب هكذا نظام، سيخصص الأشخاص أو يراهنون بقدر معين من عملة "الإيثر" مالياً، وهي العملة المشفرة المستخدمة في "بلوكتشين" شبكة "إيثريوم"، للفوز بمكافآت نظير تشغيل البرنامج الذي يقوم بدفع المعاملات بشكل صحيح إلى مجموعات جديدة ويتحقق من عمل المدققين الآخرين.
استهلاك الكهرباء
يمكن أن يؤدي نموذج إثبات الحصة لخفض استهلاك شبكة "إيثريوم" للطاقة بنحو 99%. لكنه سيجعل المُعدّنين عاطلين عن العمل كذلك، وهي ضربة كبيرة بالنظر للاستثمار الرأسمالي الذي ذهب لإنشاء عمليات تعدين العملة المشفرة. قالت شركة "بيتبرو كونسلتينغ" (Bitpro Consulting) إن معدني "إيثريوم" أنفقو قرابة 15 مليار دولار على وحدات معالجة الرسومات (GPUs)، وهذا لا يشمل التكاليف الإضافية مثل الأسلاك والمحولات.
يُتوقع إتمام الدمج في أغسطس رغم عدم تحديد موعد رسمي لذلك. كان القرار قد تأجل عدة مرات، ويأمل عديد من المعدنين أن يؤجل مجدداً. قال أيدين كيليك، رئيس العمليات في شركة "هايف" (Hive) المتخصصة في تعدين "إيثريوم" صناعياً "لا أعتقد أنهم سيقدرون على تحقيق ذلك" في أي وقت قريب.
شركات تعدين "بتكوين" تبدأ موجة بيع الرموز المشفرة مع انهيار الأسعار
لكن يرى أشخاص آخرون يشاركون في شبكة "إيثريوم" أن الدمج أمر لا مفر منه. قال تيم بيكو، عالِم الكمبيوتر الذي ينسق عمل مطوري "إيثريوم": "احتمالات عدم حدوث ذلك هذا العام منخفضة جداً" بواقع 1% إلى 10%. أضاف قوله: "ما أسعى لتجنبه هو شراء شخص ما لوحدة معالجة رسومات بغرض التعدين اليوم، ثم وقوع عملية الدمج هذا الصيف"، ما سيجعلها عديمة القيمة تقريباً.
رغم كل ذلك، يوسع المُعدّنون عملياتهم، فقد انخفضت أسعار دارات معالجة الرسومات بأكثر من النصف منذ بداية العام فارتفعت مبيعاتها. كما تضاعف تقريباً "هاش ريت" (hashrate) عملة "إيثريوم"، وهو مقياس لقدرة التعدين الداعمة للشبكة، في العام الماضي، وفقاً لمنصة التتبع "إيثرسكان" (Etherscan).
سباق ما قبل النهاية
يعد تعدين "إيثريوم" أكثر ربحية من دعم أي عملة رئيسية أخرى، بما في ذلك "بتكوين"، حتى في ظل حالة الركود الحالي التي تشهدها أسعار العملات المشفرة. قال سلافا كاربينكو، كبير المسؤولين التقنيين في "2ماينرز" (2Miners)، وهي منظمة تساعد المُعدّنين الصغار على حشد مواردهم لدعم "إيثريوم": "أعتقد أن الناس يحاولون الحصول على أكبر قدر ممكن قبل توقف التعدين". أشار كاربينكو إلى ارتفاع عدد المستخدمين النشطين للمجموعة 70% منذ نوفمبر إلى حوالي 120 ألف.
إنذار مهم للغاية بعد أسبوع عاصف على العملات المشفرة
لكن باتت استعادة التكاليف أصعب نتيجة انخفاض سعر عملة "إيثر". استعاد مايك لام، المهندس الذي بلغ عمره 38 عاماً ويقيم في أونتاريو، بعد عمله بتعدين "إيثريوم" لمدة عام ما قيمته خمسة آلاف دولار من العملات المشفرة من أصل استثماره الأولي في أجهزة التعدين البالغ 30 ألف دولار، فضلاً عن دفعه حوالي 650 دولاراً شهرياً لسداد تكاليف الكهرباء. قال آرون بيتزولد، 24 عاماً، الذي تخرج من الجامعة حديثاً ويعمل بتعدين "إيثريوم" في منزل والديه بولاية ويسكونسن، إنه على بعد أربعة أشهر تقريباً من استرداد كامل استثماره الذي يزيد عن 28 ألف دولار. شرح بيتزولد: "آمل أن أستمر بالتعدين حتى توقفه. يكتنف مصير العمليات كثير من الغموض،فلا أحد يعرف حقاً ما الذي سيحدث. هناك كثير من الناس الذين أعتقد بأنهم في حالة إنكار".
استخدامات أخرى
لن يترك المُعدّنون مفلسين، فستبقى معدات التعدين الخاصة بهم بعد الدمج أجهزة حوسبة قوية يمكن استخدامها في مجالات أخرى، حيث يخطط بعضهم لتعدين عملات مشفرة غير "إيثر" أو إيجاد استخدامات بديلة للمعدات. يفكر بيتزولد مثلاً باستخدام معدات التعدين في أحد جوانب إنتاج الفيديو الرقمي ويُعرف باسم استيفاء عناصر الرسومات، والذي يمكن أن يتطلب موارد حاسوبية ضخمة. قال: "هناك استخدامات أخرى لتلك الدارات الرسومية: يمكنك تحويلها إلى (مزرعة تشكيل)، ويمكنك القيام بخيارات مختلفة للتعلم الآلي. لكنها لن تكون مربحة كما كان التعدين".
تتطلع شركة "فليكسبول" (Flexpool) المشغلة لمجموعات التعدين الكندية لتضيف مزيد من العملات لأعضائها بغرض التعدين، وتخطط لتوظيف مطوريها في برمجة مشاريع التشفير الأخرى، حسبما يقول مسؤول تنفيذي طلب عدم كشف هويته والتعريف عنه باسم كريس خشية التعرض للسرقة. قال كريس: "الأمر أشبه بشركة تصنيع آلة كاتبة. لم يعد أحد يشتري تلك الآلات، لذا عليك التحول إلى أعمال أخرى باستخدام رأس المال الذي جنيته من بيع الآلات الكاتبة".
نصيحة من بافيت ومونجر: تجنب الاستثمار في بتكوين "الشريرة"
يخطط آخرون مثل إيفان زانغ، 35 عاماً، وكارول برزيبيتكوفسكي، 36 عاماً، لبيع بطاقات الرسوميات الخاصة بهم واستخدام منشآتهم في شمال نيويورك لاستضافة معدات المعدنين الآخرين مقابل رسوم. لكن يُتوقع انخفاص أسعار وحدات معالجة الرسومات أكثر مع احتمال اندفاع عديد من معدني "إيثريوم" للبيع مباشرة بعد الدمج. تخطط شركة "بيتبرو" للتوقف عن شراء بطاقات الرسومات في غضون أسابيع، كما يقول رئيسها التنفيذي، مارك داريا: "وجهة نظري أنه بغض النظر عما ندفعه اليوم لشراء تلك البطاقات، ستكون قيمتها أقل بكثير بعد هذا الحدث. سنجلس فقط ونشاهد ذلك يحدث ثم نحاول إعادة الوضع إلى طبيعته".
ميامي تكشف عن تمثال "الثور" الخاص بها وتسعى للتحول لمركز التشفير
يأمل بعض المُعدّنين أن يكونوا أفضل حالاً بالتحول إلى تعدين عملات أخرى تتطلب استخدام وحدات معالجة الرسومات مثل "إيثريوم كلاسيك" أو "ريفن كوين". كلما زاد عدد المعدنين الذين يحتشدون لتعدين أي عملة مشفرة، كلما صَعُب تحقيق الأرباح. لكن العمل بقطاع التشفير يولد التفاؤل، لذا فإن المُعدّنين يبتدعون أساساً منطقياً لاستمرار عملياتهم. يدفع ميكيل- أنجلو شالفون، 30 عاماً، تسعة آلاف دولار سنوياً لأحد المخازن في دبي مقابل استضافة 76 بطاقة رسوميات وتشغيلها. قال شالفون إنه سيتمكن من التغلب على منافسيه من المعدنين بتكاليف أعلى: "بغض النظر عن مدى تدني سعر العملات المشفرة، وبغض النظر عن مدى قسوة الوضع في قطاع التشفير، فأنا بخير ولن أعدن بخسارة أبداً".
يشعر المعدنون الآخرون بالخذلان. قال لام، المهندس الكندي الذي يشغل 50 دارة رسوميات في قبو منزله: "حتى إتمام الدمج، هم بحاجة لمعدنين. إنه أمر غريب نوعاً ما. فَهُم بحاجة إلينا لحين بلوغ المرحلة التي يتخلصون فيها منا".