حَرّ الهند القاتل ينذر بكوارث مناخية عالمية مقبلة

سقطت الطيور العطشى من السماء في ولاية غوجرات في غرب البلاد بعدما أتلف الحرّ المحاصيل

time reading iconدقائق القراءة - 7
مزارع يغسل رأسه بالماء - المصدر: بلومبرغ
مزارع يغسل رأسه بالماء - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يزرع إندرجيت سينغ القمح وبذور اللفت منذ أكثر من ثلاثة عقود في أرضه الصغيرة في البنجاب، وهي سلة خبز الهند على مر العصور. لكن موجة الحرّ التي امتدت في جنوب آسيا في بداية فصل الربيع باغتته، لأن درجات الحرارة في الهند ترتفع إلى أعلى مستوياتها عادة في مايو قبل بدء الأمطار الموسمية، لكنها بدأت تسجل مستويات مرتفعة جداً منذ مارس هذا العام لتتجاوز 40 درجة مئوية في بعض الأيام وتلحق الدمار بمحاصيل سينغ الذي بلغ عمره 58 عاماً. قال: "لا مخرج من ذلك... لا حول لنا ولا قوة".

بات مواطنو الدول المتطورة معتادين سماع تنبؤات تنذر بكوارث يقول العلماء إنها ستصبح ظواهر متكررة في عالم أكثر حرارة. في الهند وجارتها باكستان، بدأت السيناريوهات الأشد سوءاً تتجلّى وتقدم نموذجاً مقلقاً حول ما يتربص ببقية العالم.

شبكة الأمان ضد الجوع أوهَى مما يظن الناس

وصلت درجات الحرارة في بعض المناطق إلى 49 درجة مئوية في مايو، حتى إنها اجتازت مراراً عتبة 50 درجة مئوية في مدينة جاكوب أباد في باكستان. بلغ الحر أن سقطت طيور من السماء عطشاً في ولاية غوجرات في غرب الهند، كما اشتعل جبل نفايات باعثاً سمومه في الجوّ في دلهي. كما سجّلت كتل باكستان الجليدية الـ7 آلاف ذوباناً سريعاً، وقد جاء الذوبان الجليدي قوياً جداً لدرجة أن أحد الفيضانات الأخيرة جرف جسراً. قالت زهرا خان دوراني، الباحثة بالشؤون المناخية في باكستان: "الصادم في هذا هو سرعة التغيير الكبيرة. لم نتوقع أن ترتفع درجات الحرارة إلى هذه الدرجة بهذه السرعة".

حَرّ غير مسبوق

لطالما كان الحرّ جزءاً من الحياة في الهند، ففي حقبة الحكم البريطاني كان المندوبون الاستعماريون ينزعجون بشدّة من الحرّ لدرجة أنهم كانوا ينتقلون إلى منحدرات الهملايا خلال الصيف، إذ كانوا يحكمون البلاد من "محطات هضبية". لكن ما يحصل اليوم مختلف تماماً، فحسب مكتب الأرصاد الجوية البريطاني زاد التغير المناخي احتمالات موجات حرّ غير مسبوقة في شمال غرب الهند وباكستان بواقع مئة مرّة . تتوقع دراسات أخرى حصول موجات جفاف أطول وأشد ومزيد من تقلب الرياح الموسمية، ما يضر الأنماط المناخية التي أتاحت التجارة والزراعة على مدى آلاف السنين.

هل تنوون الذهاب إلى الشاطئ هذا الصيف؟ استمتعوا به ما دام موجوداً

في رواية الخيال العلمي "مينستري أوف ذا فيوتشر" (The Ministry for the Future)، يبدأ مؤلفها كيم ستانلي روبنسون قصته بموجة حرّ شديدة تضرب الهند وتودي بحياة ملايين الأشخاص. يسهم هذا الحدث وغيره من الكوارث المناخية في الرواية بإحداث صدمة لدى حكومات العالم ويجبرها على خفض انبعاثات الكربون بشكل كبير، في مشهد من التكافل العالمي في وجه خطر وجودي. لكن على أرض الواقع، جاء رد الفعل على ارتفاع درجة الحرارة الفعلي هذا العام غير مُبالٍ، في ظلّ تركيز الساسة الأمريكيين والأوروبيين على خفض أسعار الطاقة.

رطوبة قاتلة

بدأ الناس يشعرون فعلاً اليوم بالقوة الهائلة للتغير المناخي، ويحاولون التأقلم بأي طريقة كانت. الميسورون من سكان الهند، وهم لا يتجاوزون على الأرجح عُشر شعبها وعدده 1.4 مليار، يبحثون عن ملاذات مكيفة. أبلغ المدير المالي لشركة "فولتاس" (Voltas) الهندية المتخصصة ببيع مكيفات الهواء المستثمرين هذا الشهر بأن الطقس الحارّ سيسهم في تحقيق "نموّ استثنائي" في الطلب. أمّا المزارعون وغيرهم من العمال ذوي الأجر المنخفض المضطرين إلى العمل في العراء فهم مجبرون على الاختيار بين التعرض لضربات الشمس أو التعرض لمخاطر أسوأ وبين كسب رزقهم. يمكن للحضور في الهواء الطلق أن يكون قاتلاً، فأعداد متزايدة من المناطق الرطبة في الهند سجلت درجات حرارة 30 مئوية مصحوبة برطوبة نسبية عند نحو 100%، أي ما يقارب النقطة التي يتوقف فيها العرق عن التبخر فيجعل الجسم غير قادر على تبريد ذاته.

كيف يكون الربيع مخيفاً؟

عززت الشركات الهندية استثماراتها في الطاقة المتجددة، إذ ركبت قدراً قياسياً من الألواح الشمسية المثبتة على الأرض بلغت طاقته 4.1 غيغاوات خلال الفصل الأول من 2022 وحده، أي ما يوازي 1% من إجمالي القدرة الكهربائية. لكن في الوقت عينه يزيد رئيس الوزراء ناريندرا مودي رهاناته على أحد أكثر أنواع الوقود تلويثاً، أي الفحم الذي يسهم بنحو نصف كهرباء الهند. كانت الحكومة قد خففت أخيراً القيود على مناجم الفحم، لتسمح لها بزيادة الإنتاج دون إخضاعها لتقييم الأثر البيئي. أمّا الخطة المناخية التي وضعتها الهند فلا تلزمها الحياد الكربوني حتي 2070، أي بعد عشر سنوات من الصين، وبعد عقدين من أوروبا.

اعتماد على الفحم

يبرر مودي وغيره من السياسيين مُحِقّين أن معظم الكربون في الجوّ أنتجته الدول الغنية قبل أمد طويل من تطور الهند بما يكفي لتسهم بشكل كبير في التغير المناخي. لكن هذه الحجة تخفي الواقع بقدر ما تبينه، فالهند باتت اليوم ثالث أكبر دولة تسهم في انبعاثات الكربون بعد الصين والولايات المتحدة، وتسبق بأشواط روسيا التي تحتل المرتبة الرابعة، ويرجح أن تزيد مساهمة الهند مع زيادة نموّها الاقتصادي. لكن يمكن للهند أن تستفيد من تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح اللتين لم تكونا متوفرتين خلال فترة التحول الصناعي في أمريكا الشمالية وأوروبا. يرتبط اعتماد الهند على الفحم بمن يزودها به بقدر ما يرتبط بيسر تكلفته. تنتج شركة الفحم الهندية (Coal India) التي تملكها الدولة 82% من إجمالي الإنتاج المحلي. يملك مليارديرات مثل غوتام أداني، أثرى رجل في الهند، استثمارات كبرى في هذا القطاع. كما يملك أداني شركات كبرى متخصصة بإنتاج الطاقة المتجددة.

الهند تُربِك العالم وتحظر صادرات القمح بشكل مفاجئ

يكفي الضرر الاقتصادي الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة وحده لإقناع الهند والدول الأخرى باتخاذ خطوات مناخية سريعة، فقد انخفض محصول القمح في الهند بمقدار النصف في بعض المناطق، ما يشكل تهديداً للإمدادات المحلية، وقد عمدت حكومة مودي لمنع تصدير القمح، ما أدى إلى مفاقمة نقص الإمدادات العالمية وزيادة الأسعار. لا يمكن للأنشطة في الهواء الطلق مثل أعمال البناء أن تتواصل في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة، إذ قدرت شركة "ماكنزي" أن يكلّف توقف الأعمال الناجم عن الحرّ الهند نحو 250 مليار دولار بحلول نهاية العقد.

مودي حائر بين إسعاد الناخبين الهنود وإطعام العالم

قالت شاندي سينغ، من كبار الباحثين في المعهد الهندي للمستوطنات البشرية، إنّ صُناع السياسات والمواطنين الهنود يخوضون نقاشات أكثر عمقاً حول المناخ، فلا أحد ينكر وجود المشكلة أو حاجة البلاد إلى التفكير جدياً بوسائل التكيف مع الوضع، إلا أنها لم تبلغ تطرقاً جدياً للمناقشات الأساسية، مثل اتخاذ قرارات حاسمة بالتوقف عن استخدام الفحم، سواء في الهند أو في الدول الأخرى. أعربت سينغ عن أملها بأن تشكل موجة الحرّ في الهند "جرس إنذار"، مضيفة قولها: "لا أعتقد أن الأوان قد فات، يجب أن نتخذ إجراءات عاجلة وعميقة".

تصنيفات

قصص قد تهمك