التفاف ماسك 420 درجة نحو الإفراط يغدو مبتذلاً

الانطباع الذي خلقه ماسك أخيراً يشابه نجم برنامج واقع يتقدم به العمر بدل صورة رائد تقنية وصناعة

time reading iconدقائق القراءة - 16
صورة تعبيرية مركبة - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية مركبة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

سافر إيلون ماسك إلى ساو باولو في 20 مايو ليعلن توسيع خدمة "ستارلينك" (Starlink) للإنترنت عبر الأقمار الصناعية. كان يمكن، بل ربما ينبغي، اعتبار ذلك أحدث خطوة في قائمة إنجازات جعلت ماسك أشهر رجل تقنية في جيله وأغنى شخص في العالم.

كانت شركة الصواريخ "سبيس اكسبلوريشن تكنولوجيز" (Space Exploration Technologies)، التابعة لماسك، أول شركة خاصة تنقل رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية. أطلقت الشركة بانتظام كثيراً من الصواريخ إلى المدار حيث بات في مدار الأرض مجموعة كوكبية من أقمار "ستارلينك" الصناعية لتوفير خدمة الإنترنت في أي مكان على وجه الأرض. تخدم الشركة مئات آلاف العملاء في جميع أنحاء العالم، بما فيها أوكرانيا، التي اعتمدت على الاتصال الذي وفرته خدمة "ستارلينك" حين غزتها روسيا، فضلاً عن 19,000 مدرسة ريفية في البرازيل، حسب ما جاء في الإعلان الجديد.

لم يكن هذا العنصر هو الوحيد في قائمة إنجازات ماسك في 20 مايو. غرَّد ماسك أنه كان سيوظف "محامين يُقبلون على المعارك وليس أولئك المنمّقين" لافتتاح "قسم التقاضي" في شركته "تسلا" للسيارات الكهربائية. سيكون لهؤلاء المحامين مهابة وسيضمنون أن الشركة لن تضطر أبداً إلى تسوية دعاوى قضائية "غير عادلة". في نفس اليوم واصل ماسك إنكار تقرير صادر عن صحيفة "إنسايدر" (Insider) بأنه عرض شراء حصان على عاملة متعاقدة لقاء خدمات جنسية. زعم ماسك أن المقال كان هجوماً سياسياً، وتحدى المدعية أن تصف جسده لإثبات صدقها، ثم غرّد مع مؤسس "يوتيوب" المشارك مباهاةً. كما أشار إلى تقاربه الحديث مع اليمين المتطرف، مدعياً أن المزاعم حول صداقة الرئيس السابق دونلد ترمب مع روسيا كانت "خدعة متقنة" من الديمقراطيين ووسائل الإعلام الرئيسية. غرد ماسك رداً على تغريدة بهذا المعنى من جيم جوردان، عضو الكونغرس عن ولاية أوهايو وحليف ترامب: "يجعلك هذا تتساءل عما هو مزيف سواء ذلك".

نكتة تسعير السهم

كان في خلفية كل هذا محاولة ماسك شبه الجادة لشراء خدمة التواصل الاجتماعي المفضلة لديه "تويتر" ، مقابل 54.20 دولاراً للسهم، وهو السعر الذي قرره جزئياً لدى محاولته إطلاق نكتة حول الماريغوانا، التي يُرمز لها برقم 420، كما كان يفعل غالباً. اعتبر المعجبون ماسك لسنوات مثالاً عكسياً لسعي سيليكون فالي نحو ابتكارات وسائل التواصل الاجتماعي الصغيرة المربحة على حساب التقنيات الملموسة. قال بيتر ثيل، أحد المؤسسين الشركاء في "باي بال" والمستثمر الرئيسي في "سبيس إكس" (SpaceX): "أردنا سيارات طائرة لكننا حصلنا بدلاً من ذلك على 140 حرفاً،" ملمحاً إلى "تويتر". بدا ماسك خلال الأسابيع الأخيرة عازماً على التخلي عن الأولى في سبيل التركيز على الثانية.

شجَّع معجبو ماسك، الذي لديه نحو 95 مليون متابع على "تويتر"، كل خطوة مثيرة للجدل، حيث تخيلوا فريقه القانوني الجديد وأرسلوا له ميمات حول الحصان، كل ذلك بينما يخاطب ماسك حشده. تعامل إعلان "ستارلينك" مع الأقمار الصناعية وكأنما أتت طارئة عليه فيما كان بمثابة حملة فعلية للرئيس البرازيلي اليميني الشعبوي، جاير بولسونارو، الذي يترشح لإعادة انتخابه في أكتوبر. أشاد بولسونارو بماسك ووصفه بأنه "أسطورة الحرية" وقال إن صفقة "ستارلينك" كانت دليلاً على التزام البرازيل بالمحافظة على غابات الأمازون. ردّد ماسك صدى الرسالة البيئية، مُتجاهلاً الإشارة إلى أن مستويات قياسية من إزالة الغابات كانت في عهده.

نجم تلفزيون الواقع

لم يكن الانطباع الذي أحدثه يوحي برجل صناعة لامع يخطو على المسرح العالمي، بل كان أقرب لأن يكون نجم برنامج واقع يتقدم به العمر، فهو سيبلغ 51 عاماً في يونيو، وأصبح دوره عتيقاً بعض الشيء. لقد كان أيضاً توضيحاً مثالياً لكيف تتخطى الخرافات التي تُبنى حول مؤسسي شركات التقنية إنجازاتهم وتخفي إخفاقاتهم.

وإلا كيف يمكن تفسير سبب تحول ماسك، الذي كرّس جزءاً كبيراً من حياته المهنية لمتابعة أهداف طموحة مثل استعمار الفضاء والتحول الجماعي نحو السيارات الكهربائية، ليصبح شخصية مفرطة في فلك ترمب. يبدو الآن أنه مهتم في الغالب بسحق أعدائه، لتشمل تلك القائمة الصحفيين والموظفين السابقين وإدارة بايدن وأي شخص آخر غير ممتنّ بما فيه الكفاية للأعمال الجيدة التي أسبغها عليهم. رغبنا بسيارات طائرة لكننا حصلنا على أغنى رجل في العالم.

إن هدف ماسك المُعلن من صفقة "تويتر"، التي لم يجرِ لأجلها فحصاً نافياً للجهالة، هو إعادة "حرية التعبير" للمنصة عبر منح المحافظين مساحة أكبر ليعبروا عن أنفسهم. حذّر ماسك ذات مرة من الخطر الوجودي الذي يمثّله تغير المناخ؛ والآن يُصنف شيئاً يُسمى "فيروس العقل اليقظ" على أنه خطر كبير على الحضارة. ربما يكون من الأفضل عدم أخذ هذا الأمر على محمل الجد، لأنه من الواضح أن ماسك نفسه لا يفعل ذلك. لم يمض وقت طويل منذ تمكن ماسك من صفقة "تويتر" ليضمن، كما يفترض المرء، تلقيح البشرية ضد "فيروس العقل اليقظ"، حيث غيّر ماسك رأيه وادعى أن إفصاحات "تويتر" حول الحسابات غير الأصلية كانت خاطئة، وقال إنه لن يشتري الشركة إلا بسعر أقل. هاجم ماسك مديري الشركة التنفيذيين بشكل دوري طوال هذه المدة، موحياً بأنهم كانوا يتآمرون مع الديمقراطيين لتوجيه المنصة نحو اليسار.

تشكك حول العرض

يبدو أن كل هذا يصنع العجائب لغرور ماسك وعملته في الأوساط الإعلامية، فهو الآن ثائر في عالم برنامج "تاكر كارلسون" (Tucker Carlson) السينمائي مع أمثال كايل ريتنهاوس، وجي دي فانس، ورجل "ماي بيلو"، لكنه دمّر القيمة إلى حد كبير في كل مكان آخر. شهدت شركة "تويتر"، التي بدت غير مستقرة قبل موافقة ماسك على شرائها، انخفاض سعر سهمها 30% منذ قبول العرض، حيث يتزايد شك المستثمرين في أن يستمر ماسك بعرضه. كما عانت "تسلا" أيضاً من انهيار سعر سهمها الذي انخفض 45% منذ أبريل. لا داعي للقلق، فالشركة على وشك تعيين بعض المحامين المتحمسين للعراك.

كانت هناك نسخة سابقة من ماسك، ولنقل إنها ماسك الذي قال في 2014 إنه سئم من دعاوى براءات الاختراع لدرجة أنه كاد يجعل براءات اختراع "تسلا" متاحة لمصنعي السيارات الآخرين. كانت تلك النسخة لتسخر من سلوكيات غريبة مثل هذه، ولركَّزت على الأشياء المهمة مثل طرح شاحنة "بيك أب تسلا" الكهربائية العام الماضي التي أُجِّلت حتى 2023، أو تفعيل القيادة الذاتية الكاملة الشهيرة التي أعلنتها الشركة وكان يفترض أن تبلغ الأسواق قبل أربع سنوات، أو النقل عبر هايبرلوب من نيويورك إلى العاصمة واشنطن الذي أعلن عنه ماسك في 2017.

بالطبع قد يكون ماسك، الذي بلغ نقاطاً منخفضةً جداً من مسيرته من قبل، قادراً على استعادة التركيز وتحديد أهداف كبيرة مجدداً. من شأن هذا أن يعزز أسطوريته التي أسبغها على نفسه بما يفوق 420 تغريدة مثالية.

تصنيفات

قصص قد تهمك