بلومبرغ
خلال حملته الانتخابية، تعهد رئيس نيجيريا الذي شارفت ولايته على الانتهاء، بترك إرث ضخم من مشروعات البنية التحتية. لكن توقف تدفق مليارات التمويل الصيني أجبره على كبح تطلعاته بتوفير المشروعات العامة الطموحة لتنمية بلاده.
كان محمد بخاري، الحاكم العسكري السابق، انتخب لرئاسة أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان في عام 2015، بناءً على وعود قدمها لناخبيه بالتصدي لتمرد إسلامي متطرف، وتضييق الخناق على الفساد، وإقامة البنية التحتية الضرورية. لكن بوجود عام واحد فقط يفصلنا عن انتهاء فترته الرئاسية الثانية والأخيرة، يبدو أن بخاري أفرط في الثقة برغبة المقرضين الصينيين بتمويل مشروعات مد الطرق والسكك الحديدية وإنشاء محطات الطاقة التي يمكن أن تغير وجه نيجيريا.
إنجازات دون التوقعات
يقول أوفيغوي إيغويغو، المحلل السياسي النيجيري في "ديفلوبمنت ريماجيند" (Development Reimagined)، وهي شركة استشارات مقرها بكين: "من الواضح أن الإنجازات دون التوقعات. تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى تلك كان من شأنه تعزيز فرص الحزب الحاكم في استطلاعات الرأي خلال العام المقبل بشكل كبير".
وعلى الرغم من أن بخاري حقق انتصارات ضخمة، إلا أنه لا تزال هناك مشروعات تتجاوز قيمتها 25 مليار دولار كان من المفترض الانتهاء منها قبل مغادرته، وهي إما تخلفت عن الجدول الزمني المحدد لها بكثير أو أن العمل بها لم يبدأ بعد
ويعتبر أكبر الاقتصادات الأفريقية بحاجة ماسة إلى الاستثمار في البنية التحتية لتحفيز النمو من جهة، وتنويع مصادر الدخل بما يتجاوز إنتاج النفط من جهةٍ أخرى. وفقاً لتقرير وزارة المالية المنشور في أواخر عام 2020، فإن كلا القطاعين العام والخاص بحاجة إلى إنفاق 2.3 تريليون دولار على مدى 23 عاماً للتصدي لعجز ميزانية البنية التحتية في البلاد، مع توجيه أكبر المخصصات لقطاعي النقل والطاقة.
دوامة من الاقتراض
يعيش نحو 40% من سكان نيجيريا البالغ عددهم 200 مليون نسمة في الفقر؛ بينما بالكاد تدر الحكومة ما يكفي من الإيرادات لخدمة ديون البلاد، ما يجعلها محاصرة داخل دائرة مفرغة من الاقتراض. واتجهت نيجيريا إلى الاقتراض من البنوك المملوكة للدولة في الصين لتمويل المشروعات العامة الكبرى، شأنها في ذلك شأن العديد من الدول النامية.
يقول عبد الغفار توبي أوشودي، محاضر العلوم السياسية في "جامعة لاغوس": "تولى بخاري السلطة واستعرض خياراته المتاحة لكيفية توفير البنية التحتية لنيجيريا. وتعد الصين شهيرة بدورها في هذا الصدد، فهي ممول رائد للدول في أفريقيا بأكملها، وليس نيجيريا وحدها". وفقاً لقاعدة بيانات تديرها جامعتي "جونز هوبكنز" و"بوسطن"، خصصت البنوك الصينية نحو 160 مليار دولار للحكومات الأفريقية والشركات المملوكة لتلك الدول خلال الفترة بين عامي 2000 و2020.
مشاريع تم تنفيذها
وفقاً للبيانات التي نشرها مكتب إدارة الديون في البلاد في ديسمبر الماضي، بلغ إجمالي قروض بنك الاستيراد والتصدير الصيني لنيجيريا بغرض تمويل مشروعات البنية التحتية 3.6 مليار دولار. وبالفعل، مكنّت القروض بخاري من إنهاء مد خطين للسكك الحديدية بطول 350 كيلومتراً تقريباً، أحدها كان بدأ تشييده بشكل جديد بالكامل لربط لاغوس التي تعد مركزاً تجارياً للبلاد بمدينة إبادان، كما استكمل مد خط آخر كان بدأه سلفه لربط العاصمة أبوجا بمدينة كادونا الشمالية. يذكر أن التمويل من البنك ذاته يغطي تكاليف تطوير طريق سريعة بطول 220 كيلومتراً ومحطة طاقة بسعة 700 ميغاوات، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من كلا المشروعين قبل انتهاء ولاية بخاري.
دعوى ضد الحكومة النيجيرية تعرقل تمويلا صينياً لبناء محطة للطاقة الكهرومائية
تعد تلك إنجازات ملفتة في بلد أنفق فيه الرؤساء السابقون مليارات الدولارات على مشاريع إما ظلت غير مكتملة لعقود، أو تدهورت حالتها بسرعة شديدة. حتى أن حكومة بخاري جددت خطاً ثالثاً للسكك الحديدية، وانتهت من الإنشاءات التي بدأها أحد أسلافه خلال حقبة الثمانينات. لكن هذه الإنجازات لا تزال أكثر تواضعاً بكثير مقارنةً بالطموحات التي رفع سقفها الرئيس وحلفاؤه عندما أزاحوا الحزب السياسي الذي حكم نيجيريا في أعقاب استعادة الحكم الديمقراطي عام 1999.
وعود انتخابية
يُمثل خط سكك الحديد الممتد باتجاه الشمال على مسافة ألف و191 كيلومتراً تقريباً من مدينة إبادان إلى المركز التجاري في كانو مثالاً واضحاً على الفشل. فكثيراً ما أشاد الرئيس بخاري بفوائد الخط الذي تقدر تكلفته بنحو ـ5.3 مليار دولار، حيث قال الرئيس النيجيري إنه سيعمل على تنظيم وزيادة حركة التجارة بين موانئ لاغوس البحرية وثاني أكبر مدن نيجيريا.
وقبل إعادة انتخاب بخاري في عام 2019، صرّح حزب "مؤتمر الجميع التقدميين" الحاكم، للناخبين النيجيريين بأن حصول بخاري على ولاية ثانية ستسفر عن بناء مشروعين إضافيين للسكك الحديدية بتكلفة 14 مليار دولار، ومحطة عملاقة لتوليد الطاقة الكهرومائية بقدرة ثلاثة آلاف ميغاوات، كانت بقيت حبيسة المخططات لمدة 50 عاماً. كذلك بدأت شركة الطاقة المملوكة للدولة العمل في خط أنابيب غاز بقيمة 2.6 مليار دولار يستهدف زيادة الاستهلاك المحلي لاحتياطيات البلاد الوفيرة وإنعاش الصناعات التي تفتقر إلى إمدادات الطاقة.
وأعلن بخاري أو مسؤولوه، في مناسبات مختلفة، أن الحكومة حصلت بالفعل أو ستحصل قريباً على قروض من الصين لتغطية تكلفة الجزء الأكبر من هذه المشروعات الإنمائية. لكن الأموال لم تتوفر. ومن ثم، إما أن تبقي الأموال الحكومية العمل بتلك المشروعات جارياً بالكاد، أو يتم إيقاف العمل بها مؤقتاً لحين تسوية مشكلة التمويل.
تعرّف على مُكافِحة الفساد النيجيرية التي ترى لاغارد أنها "ستهز منظمة التجارة"
هروب الأموال الصينية
من جانبه، أعرب وزير النقل النيجيري في ذلك الوقت عن إحباطه، حيث قال روتيمي أمايتشي للصحفيين في فبراير: "كنا بانتظار الصينيين لمنحنا القروض التي تقدمنا بطلبات الحصول عليها، لكنهم لم يردّوا على طلباتنا حتى اليوم". وبحسب أمايتشي، فقد اضطرت وزارة المالية إلى اللجوء إلى بنك "ستاندرد تشارترد" في لندن لتنسيق الحصول على التمويل اللازم لمشروعات خطوط السكك الحديدية.
ولسوء حظ بخاري، يبدو أن حماس الصين للتعهد بتمويل هذه المساعي التنموية التي تتطلب رأس مال كبير بدأ يخبو. فعندما ألقى شي جين بينغ كلمته أمام المنتدى الثامن، الذي يعقد كل ثلاث سنوات حول التعاون الصيني الأفريقي في شهر أكتوبر، خفض الرئيس الصيني التزاماته تجاه القارة الأقل تصنيعاً في العالم، لأول مرة في أكثر من عقد، حيث تم تخفيض 60 مليار دولار من القروض التي كان قد تم الالتزام بها خلال الفعالية ذاتها في 2018، بمقدار الثلث.
تقول يي يو، الزميلة المشاركة في أبحاث "معهد شنغهاي للدراسات الدولية" إن حكومة شي "تواجه قيوداً صارمة على الميزانية محلياً، وتحتاج إلى موازنة الأولويات المختلفة في الخارج". وأضافت يو إن التركيز في أفريقيا "تحول إلى اللقاحات والمساعدات متعددة الأطراف" التي يتم توجيهها إلى القارة السمراء عبر منظمات مثل صندوق النقد والبنك الدولي.
ولفتت يو إلى أن القلق بشأن قدرة بعض الدول الأفريقية على سداد ديونها "يثبط إقراض المؤسسات المالية الصينية في البلدان ذات الدخل المنخفض" أيضاً.
الحصول على بقية القروض
مع ذلك، كانت هناك خطوات يمكن لنيجيريا اتخاذها لتحسين فرصها في الحصول على جزء من التمويل الصيني الموعود على الأقل. فمثلاً، أبلغ أحد كبار مبعوثي شي الرئيس النيجيري في عام 2019 أن بنك الاستيراد والتصدير الصيني لا يمكنه إبرام اتفاق بشأن قروض بقيمة 4 مليارات دولار لمنشأة كهرومائية بسعة 700 ميغاوات قبل أن تسوي حكومته نزاعاً قانونياً طويل الأمد يتعلق بشركة نيجيرية.
واعتبر إيغويغو أن تجربة إحدى الشركات التابعة لشركة "الصين لإنشاءات الهندسة المدنية" المملوكة للدولة، والتي تقوم على إنشاء خطوط السكك الحديدية الجديدة في نيجيريا، لعبت دوراً أيضاً في تعطيل التمويل. ويقول المحلل السياسي إن تقارير الشركة حول "التأخيرات والمشكلات" التي ترفعها إلى بنك الاستيراد والتصدير الصيني "يجعل الحصول على بقية القروض أكثر صعوبة بالتأكيد".
من جهةٍ أخرى، تصرف الجماعات المسلحة التي تنشط في معظم أنحاء نيجيريا الممولين المحتملين عن دعم البلاد. على سبيل المثال، فجرت إحدى تلك العصابات جزءاً من خط أبوجا- كادونا، ثم فتحوا النار على قطار ركاب في أواخر مارس، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص وخطف عشرات آخرين. ولا يزال المختطفون في عداد المفقودين، بينما لم تستأنف الخدمة على الخط بعد.
مشروع تطوير الميناء
لكن يبدو أن مشروعاً مدعوماً من الصين يتقدم بشكل أكثر سلاسة، حيث لعبت الحكومة النيجيرية دوراً ثانوياً في إنجازه. فشاركت الأخيرة كمساهم أقلية في أعمال تطوير ميناء المياه العميقة الجديد، والذي تشتد الحاجة إليه خارج لاغوس، حيث تم تصميمه للتخفيف من الازدحام في اثنين من المرافق الحالية في المدينة. يأتي معظم تمويل المشروع البالغة تكلفته مليار دولار من قرض بقيمة 629 مليون دولار من بنك التنمية الصيني المملوك للدولة، وآخر بقيمة 221 مليون دولار على صورة مساهمة في رأس المال من شركة "تشاينا هاربور إنجنيرنغ"، حيث تعتبر الشركة الصينية هي المساهم الأكبر في الميناء الذي يتوقع أن يبدأ عملياته في الربع الأول من العام المقبل.
ومع اقتراب إجراء الانتخابات الرئاسية مطلع العام المقبل، قد يختار المقرضون الصينيون الوقوف موقف المتفرج حتى يكون هناك خليفة للرئيس الحالي بخاري. ويقول أوشودي: "حقيقة أن الصين كانت مترددة تضعها الآن في موقع قوي لإعادة التفاوض والانخراط مجدداً" بمجرد أن تهدأ الأمور عقب إجراء الانتخابات.
ويعتقد أوشودي إنه من السابق لأوانه القطع بعدم جدوى بعض المشاريع المتوقفة والممولة من الصين، مشيراً إلى أن خطوط السكك الحديدية الثلاثة التي افتتحها بخاري كانت من وحي رؤساء سابقين، بل أنهم بادروا بإنشاء اثنين منها. وتابع محاضر العلوم السياسية في جامعة لاغوس: "آمل أن يكون [الرئيس القادم] في وضع يسمح له باستكمال العديد من هذه المشاريع الطموحة".