نواب حزب بايدن يدفعونه للاجتهاد حيال التضخم قبل الانتخابات

لا يوجد مسار واضح لتعامل البيت الأبيض مع تضخم ثَبُت أنه أطول وأشدّ مما تصوره المسؤولون

time reading iconدقائق القراءة - 24
صورة تعبيرية حول إنتخابات منتصف الولاية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية حول إنتخابات منتصف الولاية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان رونالد ريغان ليقول أن التاريخ يعيد نفسه، فبعد أن مضى 42 عاماً على التضخم الذي ساعد بإدخال حاكم كاليفورنيا إلى البيت الأبيض، وإعادة سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، يُهدد ارتفاع الأسعار بقلب إدارة ديمقراطية أخرى رأساً على عقب.

يسعى الرئيس، جو بايدن، ورفاقه الديموقراطيون في الكونغرس جاهدين لتفادي مصيراً كذاك الذي حاق بالرئيس، جيمي كارتر، فحرمه ولاية ثانية. لكن بايدن لم يحقق نجاحاً يذكر في اكتشاف كيفية كبح ارتفاع الأسعار الذي بلغ أعلى مستوى له في أربعة عقود، أو حتى لإقناع الناخبين بأن شيك التحفيز البالغ 1400 دولار لم يقدح شرارة التضخم.

يعتري الإحباط الإدارة، ويقول بعضهم إنها تتعامل مع التضخم وكأنما هناك حلٌّ سحري له، لكن ليس لدى البيت الأبيض مسارٌ واضح للتعامل مع ظاهرة اقتصادية ثَبُت أنها أشد وأطول أمداً مما تصوره المسؤولون. الدرس المُستفاد من سبعينات وثمانينات القرن الماضي لسوء حظ بايدن والديمقراطيين، هو أن قدرة رؤساء الولايات المتحدة محدودة للغاية حيال ضبط ضغوط الأسعار.

حديث الإنجازات

قال رون كْليّن، كبير موظفي البيت الأبيض، مع اقتراب الانتخابات التي تتزامن مع مضي نصف الولاية الرئاسية في نوفمبر، إنه يجب على الرئيس وحلفائه التحدث أكثر عن إنجازات الرئيس، لا سيما الانتعاش الملحوظ في سوق العمل، إلى جانب القوانين التي وقعها لتزويد العائلات بالإغاثة من الوباء، وإعادة بناء البنية التحتية. كما دعا كْليّن لأن يقارن بايدن سياساته بمقترحات الجمهوريين حول الضرائب والعجز.

بدا أن بايدن تبنى تلك التوصيات الأسبوع الماضي، فقد أدلى بتصريحات في البيت الأبيض انتقد فيها بشدة اقتراح ريك سكوت، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري البارز من فلوريدا، إلزام جميع الأمريكيين بمن فيهم أدناهم دخلاً بدفع ضريبة ما على الدخل. سيتحدث بايدن عن خططه لمُحاربة التضخم مرة أخرى الثلاثاء، حيث يُتوقع أن يُصعِّد انتقاده للجمهوريين ويشير إلى ما يراه افتقارهم للمقترحات.

يشعر المقربون من الرئيس بالتفاؤل بأن الأسعار ستبدأ في الاعتدال بحلول الصيف، وهو الوقت الذي سيبدأ فيه كثير من الناخبين بالمشاركة في الحملات. تكمن الفكرة في أن الناخبين المستقلين وذوي الأصوات المتقلبة والنساء والتقدميين سيشعرون بالرضا الكافي تجاه الاقتصاد، لكي يتحولوا لتأييد الديمقراطيين مجدداً.

لا تتوافق هذه التوقعات مع ما يستشرفه الاقتصاديون في "وول ستريت". فعلى سبيل المثال، تتوقع مجموعة "غولدمان ساكس" أن التضخم السنوي سيرواح عند 7% في يوم الانتخابات.

نأيٌ بالنفس

رفضت وزيرة الخزانة، جانيت يلين، وفريقها أحياناً الطريقة التي قلل بها كبار مساعدي البيت الأبيض من أهمية مخاطر التضخم، الذي وصفوه بأنه قصير الأجل، بينما استمر في الواقع عدة أشهر.

حاولت يلين وأعضاء فريقها الأساسيون خاصة في الفصلين الماضيين النأي بأنفسهم عن هذا الطرح، فهم غير مستعدين للمخاطرة بسمعتهم، كخبراء اقتصاد وسياسات عبر الانخراط في إطار سياسي وجدوه مفرط التفاؤل، حسب ثلاثة أشخاص مطلعين على المداخلات.

قال بنجامين هاريس، مساعد وزيرة الخزانة للسياسات الاقتصادية، في بيان: "ندرك جميعاً أن التضخم هو مصدر قلق من حيث الاقتصاد الكلي ونعمل على مدار الساعة للتوصل إلى حلول سياسية للتخفيف عن الشعب الأمريكي.. بينما نواجه ضغوطاً إضافية على الأسعار، مثل حرب روسيا في أوكرانيا، فإن الاقتصاد الأمريكي في وضع قوي، ونتوقع أن ينحسر التضخم خلال العام المقبل".

بيّن أحد كبار مسؤولي البيت الأبيض أن الرئيس مُلتزم ببذل ما في وسعه لخفض الأسعار. اتخذت الإدارة الأمريكية بالفعل خطوات لتخفيف ازدحام الموانئ الأمريكية، وأطلقت النفط الخام من مخزونات الحكومة، ودعمت التشريعات التي تحفز صانعي أشباه الموصلات على بناء مصانع جديدة في الولايات المتحدة. كما أنها تبحث في استخدام سياسة مكافحة الاحتكار والأدوات الأخرى لمكافحة التلاعب المزعوم في الأسعار لدى مُوردي اللحوم وقطاعات أخرى.

لوم بوتين

فشلت تدابير جانب العرض التي سنتها الإدارة بإحداث أثر واضح حتى الآن، فبرغم السحب القياسي من احتياطي البترول الاستراتيجي، تقترب أسعار البنزين الآن من 1.60 دولار للتر في كاليفورنيا. ما يزال تأخير الشحن ونقص العمالة يعيقان سلاسل التوريد. فيما لا تساعد الحرب في أوكرانيا بتحسين الأمور، فإن محاولات بايدن المتكررة لِلَومِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على زيادة الأسعار لا تبدو صحيحة، حيث كان التضخم يتصاعد منذ شهور قبل الغزو.

يضغط النائب الديمقراطي رقم 2 في مجلس الشيوخ، ديك دوربين، من إلينوي، على البيت الأبيض للبحث عن وسائل جديدة لكبح جماح التضخم. يقول دوربين: "يقوم بايدن بالكثير، لكني أريده أن يفعل المزيد". لم يخض في التفاصيل بشأن السياسات الأخرى التي يود أن يراها من البيت الأبيض.

لا يصعب أن نفهم لماذا دب الذعر بين ديمقراطيي الكونغرس، فقد أظهر استطلاع حديث أجرته "سي بي إس نيوز/ يوغوف" (CBS News / YouGov) أن أكثر من 9 بين كل 10 أمريكيين قلقون بشأن وتيرة ارتفاع الأسعار، وأن 69% لا يؤيدون طريقة تعامل بايدن مع التضخم.

كان هذا تغييراً جذرياً مقارنة بالصيف الماضي، حين أبلغ الناخبون منظمي استطلاعات الرأي أن أهم مخاوفهم كان فيروس "كوفيد-19" والانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان، إضافة لصحة الاقتصاد. قالت لاني إريكسون، نائبة الرئيس الأولى في شركة "ثيرد واي" (Third Way)، وهي مؤسسة فكرية ومجموعة مناصرة ليسار الوسط: "ظهرت المحادثة عن التضخم من العدم، وتهيمن الآن على كل حوار مع الناخبين المتأرجحين.. عندما يكون التضخم مرتفعاً إلى هذا الحد، يُلقى باللوم على من تقع على عاتقه المسؤوولية".

مشهد مغاير

قد يتغير المشهد السياسي من الآن وحتى نوفمبر جاعلاً التضخم يتراجع لأسفل قائمة أولويات الناخبين. إذا نقضت المحكمة العليا حكم "رو ضد وايد" التاريخي الذي يضمن حقوق الإجهاض في جميع أنحاء البلاد، كما هو متوقع، فإن الديمقراطيين مستعدون لاستغلال قضية من شأنها أن تلقى صدى عميقاً لدى عديدٍ من ناخبيهم.

ربما تكون أكبر مشكلة بالنسبة للديمقراطيين، هي أنه لا يمكن لبايدن، أو أي رئيس، أن يقوم بفعل ذو شأن لضبط التضخم. قال جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في 4 مايو: "إن الاحتياطي الفيدرالي هو المسؤول حقاً عن استقرار الأسعار". يخطط الاحتياطي الفيدرالي حالياً لأعلى زيادة في أسعار الفائدة منذ 1994، لكن هذا يُنذر بمخاطر، حيث يُحذّر عدد متزايد من الاقتصاديين من ركود في العامين المقبلين.

قال آل فروم، وهو موظف سابق في البيت الأبيض في عهد كارتر، ومؤسس مجلس القيادة الديمقراطي: "لطالما كانت البطالة تتقدم تفكير الحزب، لكن التضخم يضرب الجميع.. إن الأشياء التي تسبب أكبر قدر من الضرر السياسي، هي مزيج من ارتفاع أسعار البنزين والطعام والإيجارات".

رغم أن الأمريكيين لم يشهدوا تضخماً سريعاً منذ عقود، كان رئيس فروم السابق أحد عدد من الرؤساء الذين أذهلتهم الزيادات في الأسعار، التي بدت عصيّة على الضبط في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. جمّد الرئيس، ريتشارد نيكسون، الأجور والأسعار لفترات متفاوتة، ورفع الرئيس، جيرالد فورد، شعار "فلنضرب التضخم الآن" وطُبعت على أزرار علّقها الأمريكيون على صدورهم أثناء الحملة. خسر فورد الانتخابات أمام كارتر، ليعود الأخير ويخسر انتخابات الولاية الثانية أمام ريغان.

لم يكبح جماح التضخم حينها رفع الاحتياطي الفيدرالي، بقيادة بول فولكر، الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى 20%. تبع ذلك فترتي ركود، برغم أن هذه الخطوة كان لها الفضل باستقرار الأسعار لعقود.

تحرك بطيء

لقد تحرك الفيدرالي حتى الآن بحذر وببطء شديد، برأي عديد من النقاد في تصديه لتضخم أسعار المستهلكين، الذي قفز إلى معدل سنوي قدره 8.5% في مارس. أعلن الفيدرالي عن زيادة سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية الأسبوع الماضي، وهي أكبر زيادة منذ 2000، وقال باول إنه يتوقع زيادات مماثلة في يونيو ويوليو.

يعمل ديمقراطيو الكونغرس بسرعة على تجميع التشريعات التي يأملون بأن تبطئ ارتفاع الأسعار أو خفضها، حيث ركز زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر بشكل خاص على تعزيز آمال إعادة انتخاب الديمقراطيين الحاليين الأربعة الأكثر ضعفاً، وهم مارك كيلي من أريزونا، ورافاييل وارنوك من جورجيا، وكاثرين كورتيز ماستو من نيفادا، وماغي حسن من نيوهامبشاير.

مع ذلك، فإن المقاربات التي تُدرس مختلفة مجزأة بطبيعتها، ويفتقر معظمها للقدرة على إحداث تأثير فوري أو واسع، وهي تشمل تشريعات لتشجيع تصنيع أشباه الموصلات محلياً، ولتعليق ضريبة البنزين، وهي 5 سنتات للتر، ولزيادة المنافسة في صناعات لحوم البقر والدواجن، إضافة لتقوية سلطة لجنة التجارة الفيدرالية لملاحقة شركات النفط التي اتهمها بعض الديمقراطيين بالتلاعب في الأسعار.

قال أليك فيليبس، كبير الاقتصاديين السياسيين لدى "غولدمان ساكس"، حتى لو اقروا قانوناً "ما مدى سرعة حدوث ذلك؟ وكم من هذه الأفكار ستصبح قانوناً؟"

بيّن النائب شون مالوني من نيويورك، الذي يقود تنظيم حملة الديمقراطيين في مجلس النواب: "يفهم الناخبون أننا لا نملك عصا سحرية، لكنهم يريدون منا السعي لحل المشكلة. لن تسمعوني أقول إن ارتفاع أسعار البنزين بشدة، أو تعطيل الوباء لسلاسل التوريد ليس تحدياً سياسياً. نحن نتجشم الصعاب لحل هذه المشاكل، وهذا مهم للغاية لدى الناخبين".

قال سكوت من فلوريدا، الذي يرأس لجنة حملة الجمهوريين في مجلس الشيوخ، إن التضخم "مُدمّر للعائلات، لذا السبب سيكون مُدمِّراً للديمقراطيين، فأفكارهم ليست كما يريد الناس. لا يريدون مزيداً من الإنفاق. الناس مذعورون للغاية جرّاء هذا التضخم. الناس لا يهتفون: فلتنفقوا مزيداً من المال".

تصنيفات

قصص قد تهمك