بلومبرغ
منذ يناير الماضي، تخلّت جين كولمان عن عادة عقد الاجتماعات عبر تطبيقات مؤتمرات الفيديو، وسافرت من مدينتها لندن إلى ميامي، ثم إلى ملبورن لمقابلة العملاء بشكل شخصي، ومحاولة الفوز بتجديد أحد العقود لصالح شركتها. تقول كولمان، 33 عاماً، والتي تساعد شركة الاتصالات الأسترالية "أوبتس" (Optus) في إدارة علاقتها بسائق "فورمولا ون" دانييل ريكاردو: "أمضيت عامين في عقد الاجتماعات عبر "زووم". لكن الاجتماعات الشخصية أمر مختلف".
انتعاش السفر
تُشكّل تجربة كولمان أحد المؤشرات البسيطة على انتعاش سفر الأعمال. مع تخفيف الحكومات للقيود على السفر وإعادة الموظفين اكتشاف القيمة التجارية للتواصل البشري، تراجعت مخاوف شركات الخطوط الجوية من أن تحل تطبيقات المؤتمرات عبر الفيديو مثل "زووم" و"مايكروسوفت تيمز" و"سكايب" مكانها وتُبقي عملاءها المربحين من رجال الأعمال قابعين في منازلهم بصورة دائمة. وتظهر البيانات الصادرة من أربع شركات سياحية كبرى تدير سفريات الشركات أن مقصورات الدرجة الممتازة باتت تمتلئ مجدداً بعد مرور عامين، دفع الوباء خلالهما قطاع الطيران إلى حافة الهاوية. عن ذلك، يقول أندرو كراولي، المدير التجاري لشركة "أمريكان إكسبريس غلوبال بيزنس ترافل" الرائدة في هذا المجال إن "المتشائمين كانوا مخطئين. فقد بدأ رواد رحلات الأعمال بالعودة من جديد".
سيكون لهذا الأمر دور رئيسي في إنعاش شركات الطيران، إذ عادة ما يحقق عملاؤها من الشركات عوائد أكبر مقارنة بالطيران السياحي. ووفقاً لمجلس السفر والسياحة العالمي، أنفق عملاء خطوط الطيران المربحين هؤلاء أكثر من تريليون دولار على السفر في عام 2019. وفي هذا السياق، عادت أرباح "أمريكان إكسبريس غلوبال بيزنس ترافيل" من قطاع الشركات بنسبة 61% مما كانت عليه قبل الوباء، ارتفاعاً من 25% فقط خلال ذروة تفشي متحور "أوميكرون". وتقول "سي دبليو تي" (CWT)، وهي شركة تقدم خدمات السفر لثُلث الشركات الأعضاء في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، إن الحجوزات في الوقت الحالي تتجاوز نصف المستويات المعتادة، ارتفاعاً من 20% فقط في بداية هذا العام. وبحسب الشركة المتخصصة في خدمات سفر الشركات فإن قطاعات التكنولوجيا والبيع بالتجزئة والحكومات والدفاع تقود هذا التعافي، كما بدأت البنوك باللحاق بالركب. وبالمثل، تقول شركة "فلايت سنتر ترافل" (FCM Travel) المنتشرة فروعها في نحو 100 دولة، إن وتيرة أعمالها وصلت إلى 80% مما كانت عليه في عام 2019، بل أنها تجاوزت مستويات ما قبل الوباء في بعض البلاد. وبحسب برتراند سيليت، العضو المنتدب لعمليات الشركة الآسيوية فإن: "وتيرة تعافي الأعمال أقوى بكثير مما توقعه أي شخص".
هل تكون عودة مؤقتة؟
في حين لم يتضح بعد ما إذا كان من الممكن استدامة هذا التعافي -إذ قد يقوم المديرون التنفيذيون في نهاية المطاف برحلات عمل أقل مما كان عليه الحال في السابق، مع تلاشي الموجة الأولى الدافعة للعودة إلى السفر- إلا أن وتيرة الانتعاش تعزز الثقة في شركات الطيران، بينما تنشر أساطيلها وترسم شبكات خطوطها في مرحلة ما بعد الجائحة. وكان مؤشر "بلومبرغ وورلد إيرلاينز" ارتفع بنحو 50% من أدنى مستوى له في مايو 2020. وبحسب "خطوط دلتا الجوية"، بلغت حجوزات الشركات المحلية 70% من مستويات 2019، مشيرة إلى أن جميع عملائها من الشركات تقريباً يتوقعون السفر بشكل أكبر خلال الربع الحالي. أما شركة "يونايتد إيرلاينز" فتقول إن رحلات الأعمال عبر المحيط الأطلسي تجاوزت بالفعل ما شهدته في عام 2019. وصرّح رئيسها التنفيذي، سكوت كيربي، لتلفزيون "بلومبرغ" قائلاً: "أعتقد أننا سنكون قادرين على التعامل مع الأمر بنجاح خلال هذا الربع. هل سيتعافى سفر الأعمال؟ إن حقيقة تعافيه بسرعة كبيرة تجعلنا نشعر بالثقة حقاً".
لكن الصورة ليست متشابهة عالمياً، إذ يضعف تعافي القطاع في الصين، التي ما تزال تغلق مدناً بأكملها في محاولة للقضاء على "كوفيد". وينطبق الأمر ذاته على هونغ كونغ التي يتعين على زائريها من الأجانب الخضوع لإجراءات الحجر الصحي بعد وصولهم. من جهة أخرى، يندرج العديد من أولئك الذين يشغلون المقاعد الأغلى سعراً تحت فئة المسافرين بغرض الترفيه، ممن شقوا طريقهم إلى مقدمة الطائرة من خلال كسب "نقاط برامج الولاء"؛ إما سعياً للابتعاد عن الركاب الآخرين، أو رغبة منهم ببعض التدليل، بعد منعهم من الطيران بسبب القيود الوبائية لفترة. لكن من غير الواضح بعد ما إذا كان هذا الوضع سيستمر بمجرد اعتيادهم على عودة إجراءات السفر العادية. قال توني دوغلاس، الرئيس التنفيذي لطيران "الاتحاد"، خلال مقابلة على تليفزيون "بلومبرغ": "الناس مستعدون لدفع المزيد مقابل المساحة"، مشيراً إلى أن 90% من مقاعد درجة رجال الأعمال الخاصة بشركته تعج بالمسافرين بغرض الترفيه، واصفاً إياها قائلاً "إنها سياحة انتقامية".
"الاتحاد للطيران": السياح يملؤون المقاعد المتميزة مع انحسار وباء كورونا
سفر أكثر انتقائية
كذلك، يقول بعض العاملين في قطاع الطيران إنه من المؤكد حصول تخفيض في نفقات الشركات المخصصة للسفر، بعد عامين من تحقيق نجاح نسبي في ظل عقد الاجتماعات الافتراضية. وعلى أقل تقدير، سيصبح المديرون التنفيذيون أكثر انتقائية إزاء سفر الأعمال، وسيتخلون عن الرحلات الثانوية التي تسمح لهم برؤية زملائهم لفترة وجيزة دون أي عائد فوري قابل للقياس، وذلك بحسب كيث تان الرئيس التنفيذي لـ"مجلس السياحة السنغافوري" الذي قال: "يستمتع الناس بعدم الاضطرار إلى السفر لساعات وساعات، والمعاناة من الإرهاق بسبب الرحلات الجوية الطويلة لحضور اجتماعات نعلم الآن أنه يمكننا عقدها بفعالية عبر تطبيق زووم".
من جهة أخرى، تتوقع خدمة حجز الفنادق عبر الإنترنت "هوتل بلانر" (Hotel Planner) أن يستغرق قطاع سفر الأعمال عامين إضافيين حتى يتعافى بشكل تام، لكن العديد من المديرين التنفيذيين سيقومون بتعويض ذلك. حيث قالت غالبية الشركات التي شاركت في استطلاع أجرته "رابطة سفر الأعمال العالمية" في أبريل، إنها ستجعل التنفيذيين يسافرون مجدداً مع عودة الموظفين إلى العمل من المكتب، وأنه يتم إلغاء الرحلات بشكل أقل. كما يقوم صندوق "أستراليانسوبر" (AustralianSuper) أكبر صناديق للمعاشات التقاعدية في البلاد، بإرسال مديريه حول العالم للإشراف على الاستثمارات ولقاء الموظفين. وفي مارس، سافر الرئيس التنفيذي بول شرودر إلى لندن في أول رحلة قصيرة له إلى خارج البلاد منذ بداية الوباء. وفي يوليو، ستتوجه لجنة الاستثمار التابعة للصندوق إلى المملكة المتحدة في أول رحلة خارجية لها بعد "كوفيد". ويقول شرودر: "لا يوجد أمامنا بديل عن الاستثمار المناسب في جمع الناس. هناك شيء مميز في الاجتماع وجهاً لوجه".