بلومبرغ
طوى لينكولن بروكمير قامته النحيلة التي تقارب المترين طولاً على سرير الفحص وهو يشرح لطبيبيه شعوراً بالخواء وكأنما استنزفت طاقته تماماً، مستشهداً بأنه بات يحتاج إلى قيلولة ليتمكن من إكمال يومه في بعض الأحيان، وقال إنّ ألم ساقيه الدائم يفوق سوءاً شعوره وكأن عظامه مُتعَبة، كما يحسّ أنهما ثقيلتان كما لو أنهما تزنان طناً. أخبر الأطباء أنه فقدَ نحو 15 كيلوغراماً ليهبط وزنه إلى 67 كيلوغراماً، وأنه يُصاب بدوار حين يركض، وتظهر عروق تشبه شبكة عنكبوتية بنفسجية على ذراعيه وساقيه بعد الوقوف. يحب لينكولن كرة السلة، لكن لا يمكنه ممارستها فيما يتألم هكذا.
34 متطوعاً اختاروا الإصابة بفيروس "كوفيد" بشكل متعمد.. إليك ما تعلّمه الباحثون من ذلك
قال لينكولن حين أبلغه الأطباء في مارس أن لديه جميع أعراض "كوفيد" المتمدد: "أحاول أن أبقى متفائلاً."، وأوصوه بالتمهل كي تتحسن حاله، وهذا يعني ألّا يلعب كرة سلة لبعض الوقت، فكرِهَ لينكولن سماع ذلك. لكن بدأ الأطباء بإعداد خطة لمساعدته على التعافي، وهو ما لم يقدمه أي من الأطباء الآخرين الذين عاينوه. لقد فات أوان موسمه الرياضي الأول المفترض في مدرسته الثانوية، لكنهم يأملون أن يعود إلى أرض الملعب في الوقت المناسب في سنته الثانية. قالت له إيمي إدواردز خبيرة أمراض الأطفال المعدية، وهي تدير عيادة "كوفيد" المتمدد في مستشفى "رينبو" للرضّع والأطفال في كليفلاند التابع لشركة "يونيفيرسيتي هوسبيتالز": "أنت في أيد أمينة".
سئمنا كورونا
تحاول الولايات المتحدة والعالم أجمع تخطي فيروس "كوفيد-19"، فقد سئم الجميع حتى التفكير به. تخلّت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها عن محاولة فرض تدابير جماعية للسيطرة على الفيروس، وحتى الحريصون بدأوا يتخلّون عن كماماتهم، وعاودت الإصابات ارتفاعها في الولايات المتحدة.
يعني تزايد الإصابات مزيداً من حالات "كوفيد" المتمدد، بما فيها تلك التي تصيب الأطفال. تقديرات عدد الأطفال الذين يواجهون أعراضاً طويلة الأمد بعيدة كل البعد عن الدقة، لكنها على الأرجح تتراوح بين 5% إلى 10% ممن أصيبوا بالفيروس، حسب دانيال غريفين، خبير الأمراض المعدية في جامعة كولومبيا الذي يعالج مرضى "كوفيد" وينشر تحديثاً أسبوعياً لبودكاست حول المرض. حتى بحد التقديرات الأدنى، فإن هذا يعني إصابة أكثر من نصف مليون طفل به من أصل 13 مليون حتى الآن. تشير الدراسات التي تناولت البالغين المصابين إلى أن نحو 10% إلى 30% قد يكونون يعانون "كوفيد" المتمدد.
هل نطرح الكمامات بعد الاستغناء عنها في السفر جواً؟
كان لينكولن البالغ من العمر 15 عاماً نجماً مهاجماً في فريق كرة السلة بمدرسته الإعدادية في مدينة كوياهوغا فولز في ولاية أوهايو حتى العام الماضي. كان بارعاً لدرجة أن مدربي المدارس الثانوية في المنطقة لاحظوا موهبته. انتقل والدا لينكولن إلى كوبلي، وهي بلدة صغيرة تقع غرب مدينة أكرون، في مايو ليتمكن لينكولن من اللعب في فريق يعتقدان أنه سيعطيه فرصة أفضل للنجاح. قال والده نيت وهو جالس في غرفة الفحص: "سأتباهى بإبني قليلاً: هو لاعب كرة سلة فحل".
شعر لينكولن بأعراض نزلة برد فيما كان يوزع حلوى الهالوين العام الماضي، فاستلقى وغلبه نوم يعتريه الاضطراب. قال والده إنّ حرارته ارتفعت إلى 40 درجة مئوية وأصبح تنفسه ثقيلاً. حاول لينكولن خوض اختبارات كرة السلة في الأسبوع الذي تلا ذلك لكنه لم يستطع الاستمرار. أجبر لينكولن نفسه على العودة إلى المدرسة بعدما غاب بضعة أيام، لكن عندما لاحظ وجود دم في بوله أخذه والداه إلى غرفة الطوارئ. أجرى الأطباء فحوصات طَوال اليومين اللذين أمضاهما في المستشفى، بما في ذلك فحص الأجسام المضادة لـ"كوفيد"، فأظهرت النتائج أن لينكولن أصيب بالمرض في وقتٍ ما.
طول انتظار
بدأ لينكولن جولة مواعيد مع متخصصين بطب أورام وأمراض الرئة والروماتيزم، لكن لم يتمكن أي منهم من تحديد سبب إرهاقه الشديد، ثم تغيب عن المدرسة مرة أخرى في نوفمبر ولم يتمكن من ترك الفراش حتى منتصف يناير. أعطاه أحد الأطباء عقاراً قوياً وربما خطيراً لتثبيط المناعة هو "ميثوتريكسات" (methotrexate)، الذي ساعده على استعادة ما يكفي من الطاقة لاستئناف دراسته، وحث والديه على زيارة خبراء الأطفال المصابين بـ"كوفيد" المتمدد في مستشفى "رينبو" للرضّع والأطفال. استغرق تحديد موعد أكثر من شهر.
اختبار التنفس يسهّل تشخيص كورونا في التجمعات
لا نعرف كثيراً حول من قد يُصيبه مرض "كوفيد" المتمدد أو لماذا، ما يجعله ضمن فئة مُحبِطة من أمراض غامضة تظهر بعد الإصابة بعدوى مثل مرض لايم أو مرض الحمى الغددية. تعمل معاهد الصحة الوطنية الأمريكية على الإجابة عن هذه الأسئلة حول "كوفيد" المتمدد، لكن النتائج لن تكون متاحة قبل عامين آخرين على الأقل، كما قد لا يتوصلون إلا إلى حد أدنى من فهم المرض. لا يزال عديد من أطباء الأطفال لا يأخذون الشكاوى غير مُحددة المعالم أحياناً لمرضاهم الصغار على محمل الجد، وقد يتجهون للشك بأنهم يحاولون تجنب الذهاب إلى المدرسة.
قال ديفيد ميلر، إخصائي طب الأطفال التكاملي، الذي يعاين مرضى "كوفيد" المتمدد مع إدواردز في مستشفى "رينبو للرضّع والأطفال": "قيل لهم إنّ الأمر مجرد نتاج لمخيلتهم وإنهم ربما كانوا مكتئبين... لكن لدينا الآن كثير منهم، فليسوا جميعاً يحاولون تجنب الذهاب إلى المدرسة".
لم تُصَب بعدوى "كوفيد" حتى الآن؟ قد تحمل سرّ القضاء على الفيروس
لا يستطيع الأطفال غالباً التعبير عن الأعراض التي يمرّون بها، حتى حين يكون الأطباء دقيقي الانتباه. التعب هو الشكوى الأكثر انتشاراً ويليه الشعور بآلام. تشيع أيضاً صعوبة في التركيز وتغير الإحساس بالمذاق أو الرائحة. قال الأطباء الذين يعالجون الأطفال والمراهقين إنّ مرضاهم يرتادون عياداتهم جرّاء شكاوى تؤثر في عديد من أجهزة الجسم المختلفة، وأحياناً بعد أسابيع من الإصابة بفيروس "كوفيد"، بغض النظر عن شدة الأعراض الأولية. فوجئ عديد من الأطفال، الذين فُحصوا في مستشفى "رينبو" للرضّع والأطفال، كحال لينكولن، حين اكتشفوا أن عضلات المعدة تؤلمهم عند الضغط عليها قليلاً، حتى إنهم لم يكونوا قد لاحظوا ألماً في البطن قبل معاينتهم. قالت إدواردز: "إن الشيء الغريب هو مدى نمطية ذلك".
إرشادات مغلوطة
رغم أن الأطفال عموماً يتعاملون مع "كوفيد" أفضل من البالغين، فإنّ عديداً من الآباء، الذين هدأت روعهم إرشادات مغلوطة من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فضلاً عن كمّ هائل من المعلومات المغلوطة عبر الإنترنت يبثها من أعلنوا أنفسهم خبراء، افترضوا خطأً أن الفيروس لا يشكل خطراً على الأطفال أكثر مما تمثله نزلة برد.
كما أمضى عديد من أطباء الأطفال طيلة فترة الوباء وهم غير مقتنعين بأهمية تحري الإصابة بالفيروس لدى الأطفال المرضى، وقالت مراكز السيطرة على الأمراض إنّ 28% فقط من الأطفال الذين يتراوح سنهم بين 5 و11 عاماً تلقوا جرعتين من لقاح "كوفيد" حتى نهاية أبريل.
هذا ما يخبئه الوباء للعالم مستقبلاً
تساعد هذه العوامل بتفسير سبب وصول استبقاء الأطفال في المشافي إلى ذروة وبائية خلال فترة متحول "أوميكرون". أظهرت الأبحاث المبكرة على البالغين أن اللقاحات قد تساعد على تقليل خطر الإصابة بـ"كوفيد" المتمدد إن أصيب أحدهم بالفيروس. تندر حالات الوَفَيَات، لكن هذه ليس عزاءً لآباء 1010 أطفال تسبب فيروس "كوفيد" بوفاتهم في الولايات المتحدة. رغم أن هذا الرقم يفوق بكثير البالغين الذين قضى عليهم، فإنّ "كوفيد" كان رابع سبب لوَفَيَات الأطفال في يناير، وفقاً لبيانات مؤسسة "كايزر فاميلي فاونديشن" (Kaiser Family Foundation) ومركز بيترسون للرعاية الصحية (Peterson Center on Healthcare).
لا يعاني كل طفل مصاب بـ"كوفيد" المتمدد نفس أعراض لينكولن، بل إن بعضهم يعاني ما يفوقها سوءاً بكثير. يتذكر غريفين معاينة فتاة بلغت من العمر 16 عاماً لم تستطع الجلوس لأكثر من بضع دقائق دون أن تتقيأ، لذا اصطحبتها والدتها إلى عيادة الأطفال الخاصة بـ"كوفيد" المتمدد في كولورادو. قال غريفين إنه في المرة الأخيرة التي تحدث فيها مع الفتاة كان قد بات بإمكانها أن تجلس 45 دقيقة دون أن تتقيأ.
مرضى محظوظون
يُعَدّ الأطفال الذين يعانون "كوفيد" المتمدد ويتاح لهم أن يعاينهم إدواردز أو ميلر أو أطباء آخرون في ما يقرب من 75 إلى 100 من مستشفى أطفال أقامت عيادات خاصة بـ"كوفيد" المتمدد في البلاد محظوظين؛ يميل هؤلاء الأطباء للعب دور مدربي دعم يساعدون الأطفال على تنظيم أيامهم وجدولة فترات راحة متكررة كي يتمكنوا من رعاية أنفسهم بشكل أفضل. فقد ينصحونهم بتغيير الأنظمة الغذائية للتخلص من السكّر الأبيض وتناول الفواكه والخضراوات المضادة للالتهابات، أو قد يطلبون لهم موعداً مع لإخصائي قلب أو جهاز هضمي أو علاج طبيعي.
العلماء مختلفون حول معنى كورونا "المستوطن"
يحاجج بعض الأطباء أنه مهما كان ما يعانيه هؤلاء الأطفال فإنه ذلك ليس بـ"كوفيد" المتمدد. تُعَدّ كريستين والش، وهي طبيبة أطفال في نيوجيرسي مقتنعة بأن الأطباء لديهم دوافع مالية لمعالجة هذه الحالات، من بين المشككين صراحة بوجود "كوفيد" المتمدد. قالت والش: "كان هناك كثير من الأموال المخصصة لـ(كوفيد) الأطفال، فدفعت المشافي لفتح هذه العيادات... اتبعوا مسار المال". لكن، مثل كثير من الجدل المُثار حول الوباء، فإنّ حجة والش تحمل من المشاعر أكثر مما تحمل من الدقة الواقعية، فقد منحت معاهد الصحة الوطنية مبالغ كبيرة من المال للبحث في "كوفيد" المتمدد، لكن هذا المال لا يصل إلى عيادات العلاج.
والش من الأعضاء المؤسسين لمجموعة تطلق على نفسها اسم "الطوارئ العادية''، وتتألف من نحو عشرة أطباء بدأوا في وقت سابق من هذا العام حملة صاخبة لإسقاط قيود الوباء، لا سيما الكمامات في المدارس. كما يقدمون للآباء رزمة توصيات بهدف تقليل المخاطر التي يتعرض لها الأطفال. يصر هؤلاء الأطباء، على سبيل المثال، على أن "كوفيد" يشبه الإنفلونزا لدى الأطفال غير المُلقَّحين، وأن "كوفيد" المتمدد لا يشكّل خطراً كبيراً.
تمويل للبحث
قالت ألكسندرا يونتس، طبيبة الأمراض المعدية التي تدير عيادة الأطفال الخاصة بفيروس "كوفيد" المتمدد في مستشفى الأطفال الوطني في العاصمة واشنطن: "لقد أغضبني هذا، فقد جرى تجاهل كثير من الأشياء لأن الأطفال لا صوت لهم".
تلقّى مستشفى الأطفال الوطني نحو 40 مليون دولار من معاهد الصحة الوطنية العام الماضي لدراسة الآثار طويلة المدى لفيروس "كوفيد"، لكن التمويل مخصص للبحث فقط، لا لعيادة الأطفال المصابين بـ"كوفيد" المتمدد، حسب ما قالت يونتس، التي تقضي ساعات خارج أوقات عملها تقارع المختصين سعياً لأن يستقبلوا مرضاها. قالت يونتس إنها كانت متشككة حيال مضاعفات ما بعد الإصابة قبل الوباء، لكن تدفق المرضى الذين يعانون من بقاء الأعراض إلى المستشفى فتح بصيرتها.
كنا نصفق لفرق التمريض.. والآن نتركهم يُستنزفون
يصل الآباء ذوو العزيمة في النهاية إلى عيادات مستشفى الأطفال الوطني أو غيره من مشافي "كوفيد" الأخرى الخاصة بالأطفال في الولايات المتحدة، التي تضم أطباء مثل يونتس ممن يعملون ساعات إضافية لفحص مرضى "كوفيد" المتمدد بما يفوق حملهم المعتاد. يزداد ذلك صعوبةً مع تدفق مزيد من الأطفال. ارتفع عدد العائلات التي تطلب المساعدة في عيادة "كوفيد" المتمدد في مستشفى الأطفال الوطني بعد ظهور "أوميكرون"، وقالت يونتس إنّ قائمة الانتظار طالت لتبلغ أربعة أشهر.
تتشابه الحكاية في جميع أنحاء البلاد. قالت سيندو موهانداس، إخصائية الأمراض المعدية للأطفال، وهي تدير عيادة "كوفيد" المتمدد في مستشفى الأطفال في لوس أنجلوس: "اعتدنا أن تكون متلازمات ما بعد العدوى قليلة، واحدة هنا وأخرى هناك، ولم تكن شائعة جداً. لكننا الآن نشهد كثرة فيه". بيّنت موهاداس أن عيادتها تتلقى مكالمات من جميع أنحاء البلاد.
تطور "كوفيد" لن يتوقف عند "أوميكرون"
يُغفِل النظام الصحي عديداً من الأطفال، خصوصاً من المنتمين إلى عائلات سوداء أو لاتينية. إذ تستقبل عيادات مستشفى الأطفال الوطني "العائلات الثرية البيضاء وذات الدراية الطبية" في المقام الأول، حسب قول يونتس، رغم أن الأشخاص ذوي الأصول اللاتينية في واشنطن هم أكثر عرضة للإصابة بـ"كوفيد" مقارنة بالبيض.
قال تقرير صدر في نهاية مارس بعنوان حالة أمريكا السوداء و"كوفيد-19" إن هناك "أدلة بالفعل على تباينات في التشخيص وإتاحة العلاج" في ما يتعلق بـ"كوفيد" المتمدد. تقول المجموعة التي أصدرت التقرير، وهي تحالف السود ضد "كوفيد"، إنّ هناك حاجة إلى مزيد من الجهود لإدراج السود في التجارب وبرامج العلاج.
بضعة أطفال
تعمل عيادة مستشفى "رينبو" للرضّع والأطفال بنفس الطريقة التي تعمل بها عيادة مستشفى الأطفال الوطني. تعرفت إدواردز على "كوفيد" المتمدد من خلال عملها على حال مختلفة مرتبطة بـ"كوفيد" تسمى بمتلازمة التهاب الأجهزة المتعددة لدى الأطفال (MIS-C). حين أراد مركز طبي قريب فتح عيادة "كوفيد" للبالغين، سعى لإدواردز متسائلاً عما إذا كانت تستطيع التعامل مع الأطفال الذين يترددون على العيادات. قالوا لها حسبما تتذكر إنه لن يكون هناك كثير منهم. أردفت قولها: "ردّي كان بالتأكيد، طفل أو طفلان، هنا أو هناك، أستطيع أن أفعل ذلك".
لكي نستعيد حياتنا الطبيعية.. علينا أن نتعايش مع كورونا
ما بدأ قطرةً غدا سيلاً. التقت إدواردز في أحد الأيام بميلر في الردهة وطلبت مساعدته، لكن لا يزال لديهم عدد من المرضى يفوق ما يمكنهم التعامل معه، خصوصاً لأنهم كانوا يضطرون خلال العام الماضي إلى فحص 60 حالة إضافية فوق من يعاينوهم خلال ساعات عملهم المعتادة. يعاني الأطفال الذين يعالجونهم عادة من أمراض معقدة بدرجة كافية، بحيث تستغرق المواعيد غالباً ما يزيد على ساعة، مقارنة بالمعاينات النمطية التي تتراوح مدتها بين 15 و30 دقيقة، كما تتعين عودتهم إلى عدة متابعات. ينتظر المرضى الجدد نحو ستة أسابيع للحصول على موعد.
معاينات طويلة
تعاين إدواردز وميلر مرضى يعانون من "كوفيد" المتمدد كل جمعة في مستشفى "رينبو" للرضّع والأطفال. قالت إدواردز: "أنا متأكدة أننا نجعل نظام المستشفى يخسر المال، لأن واحدنا لا يفحص سوى خمسة مرضى في يوم". كانت تتحدث بين معاينات لمرضى في غرفة يستخدمها عادة أطباء نفسيون لمراقبة الأطفال عبر مرآة تسمح لهم برؤية الجانب الآخر دون أن يُرَوا. تُعَدّ الغرفة هادئة مقارنة بالمناظر الطبيعية المشرقة وبهجة الغابات التي تغطي الجدران والأسقف في جميع أنحاء بهو وممرات مستشفى "رينبو" للرضّع والأطفال. تفحص إدواردز وميلر مرضاهما أينما وجدا مكاناً متاحاً في جناح المستشفى للرعاية المتخصصة. كما تقوم إدواردز بجميع أعمالها الإدارية بنفسها. يعلم أطفالها أنها لن تعود إلى المنزل في وقت العشاء في معظم أيام الجمعة.
إنفوغراف: نسبة التعافي بين مصابي كورونا منذ بداية الوباء
فحصت إدواردز وميلر أصغر مرضاهما في مطلع مارس وهو هنتر رينارد، الذي بلغ 4 أعوام، وكان قد عانى من "كوفيد" المتمدد لعامين من عمره. اختبأ هنتر خلف كرسي أزرق في غرفة الفحص، فيما شرحت أمه كريستين كيف بدأ يعاني من حُمى شديدة كل بضعة أسابيع بعدما أصيب جميع أفراد الأسرة بـ"كوفيد" في بدايات الوباء. لم يكن هنتر يأكل جيدًا ويقول لوالدته إنّ رائحة الطعام "مقززة"، كما لم يكن ينام جيداً. أخذت كريستين ابنها إلى عدد من المشافي على مدى أشهر، بما فيها "كليفلاند كلينيك" (Cleveland Clinic)، قبل افتتاح عيادة خاصة بـ"كوفيد" المتمدد في مستشفى "رينبو" للرضّع والأطفال. قالت كريستين لإدواردز وميلر: "لم يعرف أحد مِمَّ يعاني. كان الأمر مُحبِطاً للغاية لأنني لم أعرف ما ينبغي أن أفعل في تلك المرحلة، فلم يكن أحد يصدقني".
"أوميكرون" ليس المتحوِّر الأخير.. متى ينتهي الوباء من العالم؟
أخبرت كريستين الأطباء أن وزن هنتر بدأ يزيد بعدما بدأت تقدم له منتج "بدياشور" (PediaSure) الغذائي، كما لم تعُد تعثر عليه يلعب في الطابق السفلي في الرابعة صباحاً، بمجرد أن بدأت وزوجها بإعطائه مكمل "ميلاتونين" لمساعدته على النوم.
أصيب جميع أفراد العائلة بــ"كوفيد" مرة أخرى في ديسمبر، ووصلت في فبراير حُمى هنتر المتقطعة إلى 41 درجة مئوية، وبدأ يهلوس ويتخيل رؤية شخصيات من ألعاب الفيديو المفضلة لديه تتجول على السقف. قالت كريستين إنّ هذا أنهكها.
قالت إدواردز لكريستين: "أودّ أن أؤكد لك إنك لست مجنونة"، فأجابتها كريستين: "أشعر كأنني قد جُننت... لم يصدقني أحد على مدى عام ونصف"، فقالت إدواردز: "أنا أصدقك".
يعتقد بعض أهل القطاع الطبي أن مرض "كوفيد" المتمدد عبارة عن استجابة مناعية ذاتية أو أن الفيروس يسبب تلفاً في الأعصاب، لكن لا أحد يعلم ذلك يقيناً. تميل إدواردز وميلر في مستشفى "رينبو" للرضّع والأطفال إلى التوصية بالراحة وتغيير النظام الغذائي لمرضاهما. قال لينكولن بروكمير إن الدعم والتوجيه الذي تلقاه من أطبائه بدأ يؤتي ثماره، فهو يأكل بشكل أفضل وعاد إلى الوزن الذي كان عليه قبل الإصابة بـ"كوفيد". استعاد لينكولن قدراً من طاقته كذلك، وقال إنّ التخلص من السكّر المُكرر من نظامه الغذائي كان بمثابة "تغيير لقواعد اللعبة". يمكنه الآن المشي لمسافات أطول، وفي الأيام الجيدة لا يقاوم رغبته فيسدد بعض رميات الكرة، لكن عليه أن يجلس بين الرمية والأخرى. قال: "كان هذا هو الشيء الأشد إحباطاً، لأنني فاتني موسم كرة السلة بأكمله. لقد عملت بجد وذهب كل ذلك هباءً".
جوازات سفر اللقاح تساعد الدول على تعزيز الحماية
لم تكن كرة السلة الخسارة الوحيدة التي عاناها الطالب الجديد في مدرسته ومدينته. قال لينكولن إنه كان قد بدأ للتو بالانفتاح على الطلاب في مدرسته حين مرض، ثم تُرِك ليتفرج على كل المتعة التي كان يحظى بها أصدقاؤه الجدد عبر "سناب تشات". قال مستذكراً: "شعرتُ حقاً بالوحدة".
لا يزال لينكولن يشعر بأنه متخلّف في دراسته، لكنه يقول إنّ صحته العقلية تحسّنت بعد تشخيص حالته: "لأنني أشعر أننا نعرف الآن أن الدرب طويل، فشعوري تحسن لأنني بتّ أعرف سبب معاناتي... وأنه بمقدوري أن أفعل شيئاً حياله".