تغريدات مديرة تجر شركة "ليفايز" إلى حلبة صراع المعتقدات

time reading iconدقائق القراءة - 78
جينز من انتاج \"ليفايز\" - المصدر: بلومبرغ
جينز من انتاج "ليفايز" - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بدأت جنيفر سيَ تعمل في غرفة طعامها التي أحالتها إلى مكتب بعدما باتت حبيسة المنزل مع زوجها وأولادها الأربعة في مارس 2020 دون استشراف لما سيأتي به الوباء أو متى سينجلي؟، فانخرطت تبث كثيراً من أفكارها عبر وسائل التواصل.

كانت سيّ تقيم في سان فرانسيسكو، وهي إحدى أولى المدن التي أصدرت أمراً بالتزام المنازل في الولايات المتحدة، فعاد بكرها من زواج سابق إلى المنزل بعدما أغلقت جامعة كاليفورنيا–بيركلي أبوابها، كما عَلِق شقيقه طالب المدرسة الثانوية في المنزل. أما زوجها المحامي دانييل كوتزين؛ فكرّس نفسه لرعاية الأطفال إذ كان يهتم بولديهما الصغيرين، إذ تبلغ أعمارهما خمسة وثلاثة أعوام. قالت سيّ: "كنّا نحاول تدبُّر أمورنا، وكنا جميعنا داخل الشقة، بدا الأمر برمته سخيفاً".

حاولت سيّ أن تستمر حياتها طبيعية قدر الإمكان، لذا كانت ترتدي ملابسها كلّ صباح كأنما تستعد للذهاب إلى العمل، كما أنَّها كانت تنتعل حذاءً دون أن تذهب إلى المكتب. برغم أنَّ شقتها ذات الطابقين ومساحتها 300 متر مربع تضم أربع غرف نوم، وهي أكبر من معظم شقق سان فرانسيسكو إلا أنَّها بلا حديقة. لذا كان كوتزين يصحب ولديه إلى ملاعب الأطفال المغلقة حيث كانا يلعبان هناك إلى أن تأتي الشرطة فتطردهم.

تحمّل كوتزين مع سيّ، برغم حالات عصيانه المدني البسيطة، الأسابيع الأولى من الوباء كما كان حال الجميع تقريباً. كانا يتابعان الأخبار بقلق شديد، وشعرا بنوع من الطمأنينة بعد استطلاع شمل 105 مصابين بفيروس كورونا في إيطاليا أظهر أنَّ معدل أعمار المتوفين جرّاء الفيروس 81 عاماً، ولم يكن أحد دون الثامنة عشرة قد توفي في إيطاليا. بدا ذلك كأنَّه خبر جيد. لذا تساءلت سيّ؛ لماذا يجب إغلاق المدارس وملاعب الأطفال؟ رأت أنه يجب فتحها على الفور، وعبّرت عن استيائها عبر "فيسبوك".

بطلة رياضية

لم يرقَ موقفها لأصدقائها وأقاربها الذين أشاروا إلى أنَّ الفيروس جديد وغير مفهوم جيداً، فقد يتسبّب بآلاف الوفيات، ولا تبدو نهايته وشيكة. قالت سيّ: "أدركت سريعاً أنَّ فيسبوك لا يفيدني، لكنني لم أستطع منع نفسي. كنت بحاجة إلى أن أتحدث عن الأمر". فانتقلت إلى "تويتر".

كانت سيّ تستخدم "تويتر" قبل الجائحة بين حين وآخر فقط. كان معظم متابعيها من زملائها من محبي الجمباز الذين يعرفونها كبطلة الولايات المتحدة للنساء لعام 1986، عندما ألفت كتاب مذكرات صدر في 2008، وتحدثت فيه عن الإساءات الجسدية والنفسية التي تعرضت لها خلال مسيرتها كلاعبة جمباز. لكنَّها بدأت الآن تنشر عدّة تغريدات في اليوم.

أعربت عن استيائها من ارتفاع معدلات البطالة، وشاركت مقالاً من "ماذر جونز" (Mother Jones) يتناول حالات سوء معاملة للأطفال لا يتم الإبلاغ عنها؛ لأنَّ المعلمات وهنّ في العادة أول من يلاحظ المشاكل لدى الأطفال، فقدن التواصل مع التلامذة في المدارس. راحت سيّ بعد شهر من الوباء تطالب بفتح البلد وعودة الحياة الطبيعية.

غرّدت في 25 من أبريل قائلة: "علينا أن نفتح ونتعلم كيف نتعامل مع الأمر... لا نقدر أن نعيش هكذا للأبد". تراوحت تغريداتها بين المدروسة، مثل: "يجب أن نوازن ما بين تأثير تضييع الأولاد لفصل أو عام مدرسي مقارنة بتأثير كوفيد على شريحة أخرى من السكان"، وتلك المغلوطة مثل: "الأطفال بعمر الدراسة أكثر عرضة للإصابة بالصاعقة على الموت بكورونا". صعّدت مواقفها في 28 مايو قائلة: "يُستخدم العلم ستاراً".

بدا كوتزين من جهته أكثر تشدداً على "تويتر"، فقد دخل في نزاعات محمومة في بعض الأحيان، وكانت سيّ تهبّ للدفاع عنه. قالت: "لقد نعتني الناس بصفات مروّعة"، فيقولون لها مثلاً: "من الواضح أنَّك عنصرية". لكنَّها بدأت تتواصل مع أشخاص يشاركونها الرأي مع مرور الوقت، أغلبهم من الأهل المنزعجين من التعلم عن بعد. بدأ العديد من متابعيها يزداد شيئاً فشيئاً.

تصعيد وتصاعد

مرّت الأشهر وزادت التغريدات. كتبت: "وضع كمامة لطفل يبلغ عمره عامين يؤكد أنَّ الأطفال خطرون، وتتوجب الخشية منهم". ومن تغريداتها: "لن أتطوع بأولادي، وأنا أعلم أنَّهم لا يواجهون خطراً فعلياً من كوفيد بلا لقاح". أضافت لاحقاً أنَّ أنتوني فاوتشي "وعد بلقاح للإيدز في 1987، وأعتقد أنَّنا مازلنا ننتظر".

ربما كانت تغريداتها ستمرّ مرور الكرام، دون أن تتجاوز حدود الثرثرة بين الأصدقاء والأقارب، لولا أنَّها تشغل منصب كبيرة مديري التسويق في شركة "ليفاي شتراوس أند كو" (Levi Strauss & Co) التي تأسست منذ 169 عاماً، وتقدّر قيمتها بستة مليارات دولار، وهي مدرجة في البورصة، وتوظف 16600 شخص، إذ يباع إنتاجها من الجينز الأزرق والبناطيل الكاكية وغيرها من الألبسة في أكثر من 50 ألف متجر في 110 دول حول العالم. كانت سيّ في مقرّ الشركة في سان فرانسيسكو بمثابة كبيرة مهندسي صورة الشركة، وتشرف على مئات الموظفين. كان كثير من زملائها ومنهم الرئيس التنفيذي تشيب بيرغ، غير راضين عمّا تبثه مديرة التسويق عبر "تويتر".

لا يُستغرب أن يعبّر مسؤول تنفيذي في شركة "ليفايز" علناً عن آرائه. فشركة "ليفايز شتراوس أند كو" أسست في 1853 كمتجر سلع جافة لخدمة رعاة البقر والباحثين عن الثروة الذين جذبتهم كاليفورنيا خلال حقبة حمّى الذهب، أي الأشخاص الذين كانوا يعيشون على هامش المجتمع المحترم. أصبحت الشركة في 1934 أول من صمم الجينز للنساء، برغم أنَّه لم يكن مقبولاً أن ترتدي النساء السراويل في الأماكن العامة في تلك الحقبة. كما بدأت الشركة تطبّق سياسات الدمج العرقي في مصانعها منذ أربعينيات القرن الماضي، حتى قبل أن تصبح ملزمة قانونياً بذلك. أصبحت في 1992 أول شركة على قائمة "فورتشن 500" تقدّم التغطية والمنافع لشركاء موظفيها المثليين.

كانت مواقف "ليفايز" التقدّمية معروفة داخلياً لفترة طويلة، ولكن كان يندر الحديث عنها علناً. قالت سيّ: "كنّا نتردد كثيراً بقول أي شيء علناً... شعرنا الآن أنَّ الأمر سيكون تباهياً سمجاً".

تحولات التوصيف

لكن مع تحول الاستهلاك ليصبح ممارسة ذات طابع سياسي، لدرجة أنَّ نوع السيارة التي يقودها الشخص أو المكان الذي يشتري منه ملابسه باتا يعبّران عن قيّمه ومعتقداته؛ أصبح التزام الصمت يطرح مشكلة. لقد كانت شركات مثل "باتاغونيا" (Patagonia) و"بن أند جيري" (Ben & Jerry) صريحة حيال أفكارها التقدمية، فيما اكتشفت شركات مثل "دلتا"، و"ديكس سبورتينغ غودز" (Dick’s Sporting Goods) مؤخراً منافع الانضمام للنقاش السياسي.

قالت سيّ: "يرغب المستهلكون بمعرفة ما تمثله... يريدون اختيار علامات تجارية تمثّل قيَمهم". لذا تحت إدارة الرئيس التنفيذي بيرغ، الذي انتقل إلى الشركة من "بروكتير أند غامبل" (Procter & Gamble) في 2011، بدأت "ليفايز" تصرّح علناً عن معتقداتها. إلا أنَّه يصعب على أي شركة أن تصيب بفهم متى يجب أن تستخدم قوتها السياسية. أثارت شركة "كوكا كولا" على سبيل المثال حفيظة الجميع تقريباً العام الماضي حين أعلنت معارضتها قانون التصويت الجديد في جورجيا، فقد غضب الجمهوريون بسبب اعتراض "كوكا كولا" على القيود التي فرضوها على التصويت، فيما وصف الديمقراطيون موقف الشركة بالنفاق لأنَّها كانت قد قدّمت مساهمات لحملات عديد من مؤيدي مشروع القانون.

وجدت "والت ديزني" أخيراً نفسها في موقف متخبط في فلوريدا، حين انتقد الموظفون مديريها التنفيذيين لالتزامهم الصمت حيال الحظر الذي تفرضه الولاية على مناقشة الميول الجنسية في الصفوف الابتدائية الأولى، مما دفع "ديزني" في نهاية المطاف لإدانة القانون. قام بعدها المشرّعون الغاضبون بالتصويت لحرمان الشركة، التي تدّعي تأييد القضايا التقدمية، بحسب وصف رون ديسانتيس لـ"ديزني" من معاملتها الضريبية الخاصة التي كانت تحظى بها لعقود.

قال أنتوني جوندرو، المؤسس الشريك للشركة الاستشارية "ريبوتيشن إكونومي أفدايزر" (Reputation Economy Advisors): "لا يتعلق الأمر فقط بمعرفة اهتمامات عملائك؛ لكن في فهم ما إذا كانوا يتوقَّعون منك أن تتخذ موقفاً".

التزامات الشركة

كان نهج "ليفايز" يقوم على الالتزام بالمسائل التي لديها إلمام مسبق بها، فالشركة على علاقة جيدة بالمجتمع متعدد الميول منذ عقود، إذ قدّمت وحدتها المتخصصة بالأعمال الإنسانية "مؤسسة ليفايز شتراوس" في 1982 تبرعات لعيادة في سان فرانسيسكو كانت تتولى علاج أول المصابين بالإيدز في البلاد. كما توقفت بعد عقد من ذلك عن دعم كشاف الفتيان في الولايات المتحدة إثر رفض المنظمة انتساب كشافة أو قادة كشافة مثليين. لذا؛ كان من الطبيعي أن يأتي دخولها عالم السياسة في 2015 من باب التوقيع على عريضة للمحكمة العليا دعماً لزواج المثليين، ثمّ عادت ووقَّعت على عريضة أخرى لدعم حقوق المتحولين جنسياً. أطلق أحد الزبائن النار من مسدسه عن طريق الخطأ فيما كان يقيس الملابس في أحد متاجر الشركة في 2016 في إحدى الولايات التي تتيح حمل السلاح، وجُرح وأثار ذعر الموظفين. طلب بيرغ إثر ذلك من الزبائن عدم إدخال الأسلحة إلى متاجر "ليفايز". بعد عامين من ذلك، إثر إطلاق النار في مدرسة في باركلاند في فلوريدا؛ طالبت الشركة علناً بقوانين أكثر تشدداً لضبط السلاح. أقامت أيضاً شراكة مع مؤسسة "كل بلدة نحو الأمان من السلاح" (Everytown for Gun Safety) التي أسسها مايكل بلومبرغ، مالك "بلومبرغ بزنيسويك".

في كلّ مرّة كانت تعلن فيها "ليفايز" موقفها من قضية، كانت تواجه نوعاً من ردّات الفعل. بعد إعلانها حظر السلاح في متاجرها؛ قام أعضاء في المؤسسة المحافِظة "مشروع فري انتربايز" (Free Enterprise Project) التابعة للمركز الوطني لبحوث السياسات العامة باقتحام اجتماع لمجلس إدارة الشركة للاحتجاج أمام بيرغ من أنَّ "ليفايز" تحوّلت إلى ذراع "لسياسات متطرفة". إلا أنَّ أياً من الانتقادات لم يحظَ بانتشار واسع بما يؤدي للتأثير على مبيعات الشركة بشكل ملحوظ.

عارضت "ليفايز" أيضاً العديد من سياسات الهجرة التي فرضها دونالد ترمب خلال ولايته الرئاسية، واعتبرت أنَّها تشكّل تهديداً للابتكار والنموّ في قطاع الأعمال. برغم اعتياد ترمب دعوة مؤيديه لمقاطعة شركات مثل: "أبل"، و"غوديير"، و"هارلي ديفيدسون" وغيرها حين كانت تتخذ خطوات لا يحبذها؛ لكنَّ "ليفايز" تجنبت غضبه، وكبديل من رمي الشركة نفسها في خضم حرب الثقافات؛ عمدت بهدوء إلى تنقية قاعدة زبائنها. وجدت دراسة من "أم أر أي – سيمونز" (MRI-Simmons) في 2019 أنَّ معظم زبائن "رانغلر" (Wrangler) يميلون للحزب الجمهوري، فيما تحظى "ليفايز" بشعبية أوسع بين الديمقراطيين.

كانت سيّ تصف نفسها قبل كوفيد على أنَّها ديمقراطية من "يسار الوسط".

تسويق التنوع

انضمت سيّ إلى "ليفايز" مساعدةً لمدير التسويق في 1999 حين كانت في الثلاثين من العمر. كانت مهمتها على امتداد عقدين أن تحافظ على رونق "ليفايز" فيما تغيرت تصاميم سراويل الجينز من متوسط الحجل إلى واسعه، ومنخفض الخصر وعاليه وما سواهم، ومع دخول ماركات جينز جديدة إلى السوق وخروجها منه. لم يكن ذلك عملاً سهلاً، فبين عاميّ 1996 و2010، انخفضت مبيعات الشركة 60%، واضطرت لإغلاق العديد من معاملها وصرف موظفين منها. قالت سيّ: "كانت هناك صيحات في عالم الموضة، بالأخص في نهاية التسعينيات وبداية الألفية، كان على "ليفايز" أن تستغلها لكنَّها لم تفعل... وصلنا لمرحلة الاكتفاء بما نحن عليه".

عملت سيّ، خبيرة التسويق الموهوبة في الشركة، فيما ترقت على تعزيز مكانة "ليفايز" مجدداً، وقد تمكّنت من جعل أحد سراويل الجينز من "ليفايز" نجم فيلم (Sisterhood of the Traveling Pants) في 2005، مما دفع مجلة "أد إيج" (Ad Age) لإدراجها على قائمة أفضل 40 خبير تسويق دون سن الـ40 من العمر. بعدما تولت منصب كبيرة مديري التسويق في الشركة، انتقلت للتركيز على الموسيقى. بدأت "ليفايز" تستضيف حفلات في مهرجان وادي كوشيلا للموسيقى والفنون، وعيّنت أليشا كيز سفيرة للعلامة التجارية، كما تعاونت مع جاستن تيمبرليك لإطلاق خطّ ملابس. تنامت إنجازات سيّ الشخصية مع تحسّن المبيعات، واختيرت كأحد الأشخاص الأكثر نفوذاً في الموضة في عالم الموسيقى على قائمة "بيلبورد 25" في 2016، واختيرت بين أكثر مديري التسويق تأثيراً، بحسب مجلة "فوربس" لثلاث سنوات على التوالي.

كنت قلقة لأنني حين أتحدث بصفتي كبيرة مديري التسويق في الشركة، فإنني أتحدث باسم العلامة التجارية

بداية التململ

أعدّت مع بيرغ استراتيجية الشركة فيما يخصّ القضايا الاجتماعية، وفي حين لم تختر سيّ القضايا؛ لكنَّها كانت عضواً في الفريق التنفيذي الذي يدرس التوقيت المنطقي لترفع الشركة صوتها وبأي طريقة. قالت سيّ: "الجزء الذي كنت أقوده، والذي بتّ أتمعّن به أكثر حالياً، يتعلق بنقطة ارتكازنا... كيف نعبر عن هذه الأمور التي تعنينا بطريقة تبدو حقيقية".

وجهت "ليفايز" ملاحظة لسيّ حول سلوكها على "تويتر" للمرّة الأولى في صيف 2020، بعدما اخترقت رئيسة قسم التواصل كيلي ماكغينيس جدار الصمت معها عبر اتصال هاتفي.

قالت ماكغينيس: "أول ما قالته لي جين هو أنَّها كانت تتوقَّع هذا الاتصال... لم تقع بالمفاجأة أبداً"؛ إذ تعرف المرأتان بعضهما جيداً، فسبق أن عملتا على إعداد بعض العروض معاً، وشاركتا في الدعوات للإقبال على التصويت في الانتخابات. لذا تحدثت ماكغينيس بصراحة مع سيّ.

قالت سيّ: "كانت قلقة لأنني حين أتحدث بصفتي كبيرة مديري التسويق في الشركة؛ فإنَّني أتحدث باسم العلامة التجارية، حتى لو لم يتضمن حسابي ذكر اسم (ليفايز)." يبيّن موقع "إنترنت أركايفز" (Internet Archive) أنَّ سيّ استخدمت عبارة "موظفة فخورة لدى (ليفايز) منذ 22 عاماً" في وصف شخصها على حسابها لدي "تويتر" حتى ديسمبر 2021.

لم تطلب ماكغينيس من سيّ الكفّ عن التغريد، بل طلبت منها أن تفكر أكثر قبل نشر تغريداتها، فإذا كانت مديرة تنفيذية في "ليفايز" تعرب عن شكوكها بشرعية سياسات الصحة العامة وتطالب بإنهاء الإغلاقات وتزعم أنَّ فاوتشي لا يهتم إذا ما جاع الشعب؛ فسيبدو أنَّ هذا موقف "ليفايز" أيضاً.

قالت سيّ، إنَّها أبلغت ماكغينيس أنَّها لا تشاطرها الرأي، وأضافت: "أنا مواطنة عادية وأم لتلامذة في المدارس الرسمية. من وجهة نظري هذا الأمر مهم".

إلا أنَّ ماكغينيس لا تذكر أنَّ الحديث جرى بهذه الطريقة، فقد قالت: "كانت تعرف أنَّها قائدة لإحدى علاماتنا التجارية الأكثر شعبية"، وأضافت أنَّ سيّ أجابتها: "أفهم وأستوعب ذلك، يمكنني الحفاظ على ذلك".

رسائل مفتوحة

كانت سيّ جزءاً من الفريق التنفيذي الذي تصله التقارير عن موظفي "ليفايز"، الذين يصابون بكوفيد أو يموتون بسببه، وهو الفريق نفسه الذي يتخذ القرارات المتعلقة بإجراءات السلامة التي يتعين على الشركة اتباعها. وجّهت سيّ رسائل مفتوحة عبر موقع "ليفايز" للموظفين والزبائن حول كيفية تأثير الجائحة عليها شخصياً. كانت سيّ هي الشخص الثاني الذي يعتبر وجهاً للشركة بعد رئيس "ليفايز" التنفيذي.

كانت سيّ حينها تحقق نجاحات أيضاً في وظيفتها الفعلية، فمع إلغاء الحفلات الموسيقية؛ أعدّت حفلات مباشرة عبر "انستغرام" أحياها سنوب دوغ وغيره من الموسيقيين. حينها بدأ رهان قامت به سيّ وكبير مديري الإنتاج في "ليفايز" قبل بضع سنوات من الجائحة يؤتي ثماره. كان الثنائي قد سعى لتعزيز خط سراويل الجينز النسائية في الشركة حيث لم تكن تحظى بالأهمية في السابق، ولا تسهم إلا بخُمس الإيرادات. لكن إبَّان الجائحة، كانت النساء تشتري ملابس عبر الانترنت أكثر من الرجال، بالتالي؛ أسهمت جهودهما بتجنّب انهيار المبيعات أكثر. تسهم مبيعات سراويل الجينز النسائية اليوم بثلث إيرادات "ليفايز"، وتتوقَّع الشركة أن ترتفع هذه النسبة إلى النصف خلال بضع سنوات.

ترقّت سيّ في "ليفايز" إلى منصب رئيسة علامة تجارية في أكتوبر 2020، . وبلغ دخلها السنوي 2.8 مليون دولار شاملاً مرتبها ومكافآتها وخيارات أسهمها. كما أصبحت قانونياً مالكة منتفعة في الشركة، أي بات عليها إلى جانب عدد قليل من المديرين التنفيذيين أن تقدّم تقارير عن تداولات أسهمها وأسهم زوجها إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات لتجنّب تُهم تداول المطّلعين من الداخل. كانت سيّ ترأس فريق التجارة والتصميم، وهي المديرة التنفيذية العليا المسؤولة عن صورة "ليفايز". قالت: "الأمر يشمل كلّ الوظائف التي تكوّن النظرة إلى العلامة التجارية". كما كانت بين المرشحين القلائل لتصبح الرئيسة التنفيذية المقبلة للشركة حين يتقاعد بيرغ البالغ عمره 64 عاماً.

مشاركة بالتظاهر

واصلت سيّ التغريد عبر "تويتر" في تلك الأثناء، فقالت، إنَّ جعل الأطفال يرتدون الكمامات "يوحي للناس والأطفال أنفسهم بأنَّهم مصدر خطر، وهم بغيضون، إذ يتعين إسكاتهم ونبذهم". وزعمت أنَّ المقيمين بمفردهم في كاليفورنيا "لا يُسمح لهم مطلقاً برؤية أي شخص"، وقد صحح المعلومة شخص آخر عبر "تويتر". كانت المدارس محور تعليقاتها عبر منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة. أعيد فتح المدارس الخاصة في سان فرانسيسكو بحلول خريف 2020، شأنها في ذلك شأن العديد من مناطق البلاد، في حين ظلت المدارس العامة مغلقة. انضمت كبيرة مسؤولي التسويق في "ليفايز" إلى مجموعة محلية للآباء، وفي ديسمبر 2020؛ تظاهرت إلى جانب زوجها كوتزين وعدد قليل من الآباء الآخرين خارج مركز مدينة سان فرانسيسكو للمطالبة بعودة التعليم المباشر في المدارس.

طفرة "زووم".. ماذا بعد "كورونا"؟

كما عرضت سيّ على فريق "ليفايز" التنفيذي اقتراحاً بأنَّه يتعين على الشركة اتخاذ موقف علني بالدعوة لإعادة فتح مدارس سان فرانسيسكو؛ على غرار ما فعلته لتوضيح موقفها من قضايا السيطرة على الأسلحة ودعم المجتمع متعدد الميول. رفضت الشركة ذلك لأنَّها لا تنخرط بقضايا محلية. قالت سيّ، إنَّ ماكجينيس أخبرت المديرين التنفيذيين أنَّ هناك "الكثير من السلبيات المحتملة" لاتخاذ موقف بشأن قضية إعادة فتح المدارس العامة، وذلك لأنَّ معظم أطفال المديرين التنفيذيين في "ليفايز" يرتادون المدارس الخاصة.

غضبت سيّ جداً، وقالت لي: "إنَّ سياسة المدارس المغلقة قضية تتعلق بالمساواة من حيث الأساس، كما أنَّ إرسال المديرين التنفيذيين البيض الأثرياء لأطفالهم إلى مدارس خاصة دون أن يهتموا بأنَّ الآخرين لايمكنهم ممارسة نفس الحق؛ هو النفاق في أجلى صوره". لكنَّها لم تذكر هذا حينها، مع قولها لاحقاً: "قدّمت اقتراحي، وقبلت رد الفريق التنفيذي فحسب". حينذاك وافقت "ليفايز" على التعاون مع سيّ من وراء الكواليس. فقد ساعدتها الشركة على الاتصال بغرفة التجارة في سان فرانسيسكو، وسهلت تقديمها إلى مدير مكتب عمدة "سان فرانسيسكو لندن بريد".

تساؤلات الموظفين

لم يكن موظفو "ليفايز" على علم بهذا الخلاف بين المسؤولين التنفيذيين حيال قضية المدارس، فكل ما رأوه كان عبارة عن تغريدات سيّ العلنية. لكن في مطلع 2021؛ كان قسم الموارد البشرية في الشركة وفريق الاتصالات تحت إدارة ماكغينيس يتلقون تساؤلات حول موقفها. لماذا كانت المسؤولة التنفيذية بشركة "ليفايز" تشكك بفعالية ارتداء الكمامات فيما يعد تناقضاً مباشراً مع سياسة الشركة؟ أليست مهتمة بموت مئات الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء البلاد بسبب كوفيد؟ أطلع فريق الاتصالات كلاً من بيرغ وسيّ على ما يتلقونه.

كما أتت الشائعات بطرق أخرى، فقد انتشرت قصة حول مجموعة من المصممين في مختبر "ليفايز" للابتكار، الذي يطور ويختبر نماذج أولية للأزياء، وأساليب الإنتاج الجديدة، كانوا قد أمضوا عدة أسابيع في التحضير لعرض تصميماتهم على سيّ، لتقع المفاجأة عندما غرّدت حول كوفيد 11 مرة خلال اجتماعهم الذي دام ساعة واحدة.

ناقشتها ماكغينيس مرةً أخرى بشأن التغريدات، وقالت سيّ، إنَّ إدارتي الشؤون القانونية والموارد البشرية ناقشتاها حول ذلك أيضاً. أردفت قائلة: كنت أسأل: هل تقولون لي أنَّه ينبغي أن أتوقف عن التغريد؟" كانوا دائماً يقولون:" لا، لا يمكننا فعل ذلك، لكنَّنا نحثك على التفكير فيما تقولين".

بعيداً عن الإنترنت؛ شعرت سيّ وكوتزين بإحباط متزايد لأنَّ أطفالهما لا يذهبون إلى المدرسة. بدأ ابنهما البالغ عمره 5 سنوات دراسته في روضة أطفال عبر جهاز "كروم بوك". كانوا قلقين بشأن تحوله إلى طفل انعزالي. كانت سيّ ستعمل عن بُعد خلال المستقبل المنظور، لذا باعوا شقتهم في سان فرانسيسكو مقابل 2.4 مليون دولار، وانتقلوا في فبراير 2021 إلى قصر قائم على أرض مساحتها 750 متراً مربعاً في دنفر، وقد بلغ سعره 3.8 مليون دولار ليتمكن طفلهم من الالتحاق بمدرسة مستقلة عمومية بشكل شخصي. قال كوتزين: "أردت أن أذهب إلى فلوريدا"، إذ إنَّه وزوجته أصبحا أخيراً معجبين بطريقة تعامل حاكمها رون دي سانتس المتساهلة مع كوفيد؛ لكنَّ فارق التوقيت بواقع ثلاث ساعات كان سيصعّب العمل على سيّ.

يسار ويمين

بعدما غرّدت بشأن قرار عائلتها بالانتقال، دُعيت سيّ للظهور في برنامج "زاوية إنغراهام" (The Ingraham Angle) على قناة "فوكس نيوز"لأنَّها أم "فرّت" من بروتوكولات كوفيد الصارمة في كاليفورنيا. قبل أن تمضي في ذلك، أبلغت سيّ الرئيس التنفيذي للشركة أنَّها بصدد إجراء مقابلة تلفزيونية، لكنَّها لم تحدد البرنامج. لم تذكر كبيرة مسؤوولي التسويق شركتها، ولم تقل ما يثير الجدل خلال الدقائق الأربع التي ظهرت فيها على الهواء. لكن قبل بث مقطعها؛ انتقدت المذيعة لورا إنغراهام ما سمّته "مافيا الإعلام الطبية" فيما كان شريط الأخبار العاجلة يومض أسفل الشاشة بعنوان: "الديمقراطيون يدفعون بسلسلة أكاذيب للتعتيم على أجندة راديكالية".

جاء اختيار سيّ لإجراء مقابلة تليفزيونية في برنامج إنغراهام غريباً، لأنَّ الصورة التي ساعدت بترسيخها عن "ليفايز" تخالف جميع معتقدات إنغراهام. قالت إنغراهام مازحةً في إحدى حلقات برنامج إذاعي سابق لها، إنَّ معظم الناس يفضّلون ارتداء حفّاضات الكبار على استخدام دورة مياة مشتركة للجنسين. تطوعت "ليفايز" في 2019 للتوقيع على مذكرة قُدّمت للمحكمة لدعم مراهق متحول جنسياً حُرم من استخدام المرحاض في مدرسته الثانوية. كما قدّمت "ليفاي شتراوس فاونديشن"، الذراع الخيرية لشركة "ليفايز"، تبرعات للمنظمات المعنية بالصحة الإنجابية، بما فيها الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة. لكنَّ إنغراهام زعمت أنَّ الاتحاد نفّذ عمليات "إبادة جماعية"، وشبّهته بهتلر.

غضب موظفو "ليفايز". استضاف بيرغ في بداية الوباء فعاليات افتراضية لاجتماعات مفتوحة تُمكّن الموظفين من طرح أسئلتهم، التي يتعامل معها فريق الاتصالات فورياً ويرسلها إليه. قدّم كثير من الموظفين في اللقاءات التالية لذلك شكاوى حول ظهور سيّ في برنامج "زاوية إنغراهام" لدرجة أنَّ فريق الاتصالات شعر أنَّ على الرئيس التنفيذي مواجهة الاضطرابات التي خلّفها اللقاء التليفزيوني.

خيبة وحيرة

قال أحد الموظفين: "هل علّق تشيب على ظهور جينيفر سيّ الأخير في برنامج لورا إنغراهام على "فوكس نيوز"؟... لقد شعرت بخيبة أمل وحيرة شديدتين بسبب الانفصال بين الأخلاق والقيم التي تعليها الشركة من جهة، وتلك التي يعتنقها قادتنا من جهةٍ أخرى".

دافع بيرغ، الذي رفض مقابلة مع "بلومبرغ بيزنس ويك"، عن سيّ؛ موضّحاً أنَّها كانت تتحدث عن إغلاق المدارس بصفتها مواطنة عادية، وأنَّه يحق لها ذلك. رد موظف آخر: "أقدّر حقاً تصدي تشيب لمسألة جينيفر سيّ، لكنَّني ما زلت غير مرتاح لظهورها في برنامج لورا إنغراهام ... إنَّها شخصية مثيرة للانقسام ومتعصبة بشكل استثنائي، تهاجم على الدوام ذات القضايا التي يناصرها تشيب والشركة، على حد سواء. أشعر بالضيق لأنَّ مديرة علامتي التجارية أسبغت عليها المصداقية عبر ظهورها في برنامجها. من وجهة نظري؛ فإنَّ ذلك ينم عن سوء تقدير بالغ".

قالت سيّ، التي كانت مسؤولة عن ميزانية إعلانات "ليفايز" الضخمة: "سأكون صادقة. لم أشاهد برنامجها من قبل. لم أشاهد حتى (فوكس نيوز) من قبل"، وأضافت أنَّها كانت تصف نفسها بأنَّها من المنتمين إلى تيار يسار الوسط الديمقراطي قبل كوفيد، فقد شاركت هي وكوتزين في مسيرات الفخر في سان فرانسيسكو لدعم مجتمع متعدد الميول، ولم يعلّقوا ملصقاً واحداً، بل ثلاثة من ملصقات "الأمل" المؤطّرة لباراك أوباما في غرف طعامهم، فضلاً عن دعمهم ترشيح إليزابيث وارين للرئاسة الأمريكية. شعرت سيّ بالإحباط الشديد من ترمب خلال الأيام الأولى للوباء لدرجة جعلتها تشير إليه برمز تعبيري تحقيري في تغريدة لها. لكنَّ الإغلاقات الممتدة غيّرت كل ذلك.

تدمير التعليم

كتبت مديرة العلامة التجارية لمنتجة الجينز الشهيرة: "لقد شاهدت القادة التقدميين يدمّرون التعليم العام، ويحرمون الأطفال من الوصول إلى الحياة العامة، ويفلسون الشركات الصغيرة، ويعمدون على شيطنة إحدى فئات الشعب". أشارت إلى نفسها، بشكل متزايد، على أنَّها امرأة لا تنتمي إلى أي حزب سياسي. قالت سيّ، إنَّها كانت ستذهب بكل سرور إلى قناة "سي إن إن"، لكنَّ "فوكس" كانت الشبكة الإعلامية الوحيدة التي دعتها لإجراء مقابلة على الهواء. قالت لي:"علينا جميعاً الخروج عن توجهاتنا قليلاً، والتحدث مع بعضنا".

لم يقتنع الموظفون في "ليفايز" بفكرة أنَّ سيّ كانت تتحدث كمواطنة عادية، ولا بأنَّ ظهورها لا يشير لدعم ضمني لمعتقدات إنغراهام السياسية. أرسل بعضهم رسائل عبر البريد الإلكتروني إلى بيرغ مباشرةً كي يبلغوه مخاوفهم.

قال بريان نيكسون، وهو مساعد تنفيذي في "ليفايز" وأحد الموظفين الذين تواصلوا مع بيرغ حول سيّ: "لم أستسغ رأيها حول قضية إغلاق المدارس...كانت آراؤها بشأن كوفيد متطرفة للغاية". كانت سيّ قد سكّت مصطلحات مثل "فاشيو اللقاح"، للإشارة إلى من تلقوا اللقاح الذين رفضوا الاختلاط بمن لم يتلقوه، فضلاً عن تعبير آخر يشير لمن "ليس لديهم أطفال، ويفسرون أنَّ تعلّمَ الأطفال عبر تطبيق "زوم" أمر مقبول لكونهم أحياء على الأقل"، كما اعترضت على توصيف عقار "الإيفرمستين" (ivermectin)، وغردت قائلةً: "توقّفوا عن تسميته بطارد ديدان الخيول". بل شككت معتبرةً الجرعات المعززة هي أحدث مخططات شركات الأدوية لكسب المال فحسب.

قال نيكسون: "لقد هاجمت أولئك الذين يعانون من السمنة وكبار السن مراراً. وكانت ضد التلقيح واستخدام الكمامات. هذا لم يكن احتراماً للعلم برأيي. كنّا نتخذ قرارات كشركة بشأن سياسات استخدام الكمامات، وبدا الأمر وكأنَّها لا تؤمن بأي من تلك الإجراءات". شارك بيرغ مخاوف نيكسون مع سيّ دون كشف هويته.

تقلبات مرهبة

خاضت الشركات نحو 20 عاماً من تقلبات عالم وسائل التواصل الاجتماعي؛ لكنَّ شركة "ليفايز" وجدت نفسها فجأة في خضم أكثر هذه التقلبات رهبةً، إذ تمثلت بتغريد مسؤولة تنفيذية شهيرة بآراء مثيرة للجدل حول جائحة مميتة، بالإضافة إلى موظفين يُحمّلون الشركة مسؤولية ذلك. لمعرفة مآل الضجة المثارة، كل ما كان على منتجة الجينز فعله هو دراسة ما حدث في الشركات الأخرى التي واجهت نوبات مماثلة من الحراك الداخلي. طرد موظفو شركة "موزيلا" (Mozilla) في 2014 فعلياً رئيسهم التنفيذي على خلفية تأييده للتعديل الدستوري المعروف باسم "الاقتراح 8"، الذي استهدف حظر زواج المثليين في كاليفورنيا قبل ست سنوات. كما نظّم العاملون في شركات "أمازون"، و"ديزني"، و"فيسبوك"، و"غوغل" و"نتفلكس" إضرابات حظيت بتغطيةٍ إعلامية ضخمة احتجاجاً على تقاعس تلك الشركات عن اتخاذ إجراءات للتصدي لقضايا تتراوح من تغيّر المناخ إلى خطاب الحض على الكراهية. لم يعلن موظفو "ليفايز" بعد عن موقفهم، لكن كلما زاد عدد تغريدات كبيرة مسؤولي التسويق، زادت احتمالية تغيير ذلك.

كما تصاعدت الضغوط الخارجية؛ فتغريدات سيّ أكسبتها عشرات الآلاف من المتابعين الجدد، وكان أشخاص عشوائيون يأخذون لقطات شاشة، ويربطونها بشركة "ليفايز"، ويوجهون أسئلة حول سلوك المديرة التنفيذية المعروفة. انزعج أعضاء مجتمع (community r/gymnastics) للجمباز على منصة "ريديت" بشدة من مواقف سي حول سياسات كوفيد لحد التفكير عبر تعميم عريضة لطردها من "ليفايز".

التقى فريق الموارد البشرية في الشركة مجدداً بكبيرة مسؤولي التسويق، وبناءً على اقتراحهم؛ حذفت سيّ بعض تغريداتها بما فيها تغريدة اعترضت فيها على إلزام أصحاب العمل موظفيهم بتلقي اللقاحات، وهو تناقض مع تعليمات "ليفايز" ذاتها، وأخرى تقترح فيها أن تحث مراكز السيطرة على الأمراض مفرطي السمنة على "التوجه الصحي" لمكافحة كوفيد.

اشتكى الموظفون أيضاً من كوتزين، الذي شبّه الأوساط الطبية مراراً بالنازيين وغيرهم من الطغاة. غرّد زوج سيّ على "تويتر": "العيش في سان فرانسيسكو أشبه بالعيش في كوريا الشمالية. إنَّ الأشخاص الذين يجعلون الأطفال الصغار يرتدون الكمامات هم أمثال من جلدوا العبيد في الماضي. نحن لسنا كلاباً في مختبر فاوتشي".

شارك زوج سيّ في مايو 2021 صورة عبر "تويتر" لصنبورين كُتِب على أحدهما "للملقّحين" وعلى الآخر "لغير الملقّحين"، معلقاً عليها "لا مساواة على الإطلاق في الفصل".

تغريدات الزوج

طلبت المجموعة المعنية بموارد الموظفين السمر في الشركة لاحقاً مقابلة سيّ كونها الراعي التنفيذي المؤسس للمجموعة. لقد شعروا بالضيق لأنَّ زوجها بدا وكأنَّه يساوي بين تدبير مؤقت يتعلّق بالصحة العامة بالفصل العنصري الذي شرّعه ما عرف بـ"قوانين جيم كرو" في ثمانينيات القرن التاسع عشر، خاصة في معظم المناطق الجنوبية في الولايات المتحدة. سار الاجتماع بشكل جيد نسبياً بحسب جميع الروايات، برغم رفض سيّ فكرة أنَّ تغريدات زوجها قد تنعكس عليها بشكل غير جيد.

قالت سيّ: "كان جوابي دائماً أنَّ زوجي لا يعمل هنا". كانت الخيارات أبسط في المنزل، حيث قال كوتزين: "لقد تناقشناً مراراً حول هذا الموضوع. كانت أهم المخاوف أنَّه إذا واصل التغريد؛ فلن تتمكّن سيّ من الترقي لمنصب الرئيس التنفيذي". عرض كوتزين على زوجته حذف أي تغريدات تزعجها، مؤكداً أنَّها "قبلت بعرضه، وأنَّه حذف تغريدتين خفّفتا الأثر إلى حد ما" لكنَّه لا يتذكّر محتواهما.

التقت سيّ وبيرغ في أكتوبر 2021 لمناقشة أدائها كمديرة للعلامة التجارية، واتفق كلاهما على أنَّه كان على خير مايرام. على الصعيد المالي؛ تعافت مبيعات "ليفايز" من ركودها في بداية الوباء، وارتفع سعر سهم الشركة. وعلى الصعيد التقني؛ استعادت العلامة التجارية جاذبيتها مجدداً؛ إذ اختار محررو مجلة "فوغ" أخيراً العديد من تصميمات منتجة الجينز الرائجة، بما فيها مجموعة "ليفايز 501" الكلاسيكية، لتضمينها في تقرير حول موديلات الجينز المفضّلة لديهم.

كما هو حال العديد من الشركات؛ يعد بذل العناية الواجبة تجاه كبار المديرين التنفيذيين ممن يُعتبرون خلفاء محتملين لقيادة الشركة إجراءً قياسياً في "ليفايز". لذا؛ سيتعيّن على الشركة التحقق من عدم وجود تضارب في المصالح على الصعيد المالي بينها وبين سيّ أو زوجها، وعدم تولي أحدهما مناصب سياسية، كذلك التحقق من خلفياتهم الشخصية، وتفقد حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عما قد يضر بسمعة الشركة. لذا سأل بيرغ سيّ عما إذا كانت ترغب بالخضوع لتدقيق الآن أو أن تتتظر حتى يصبح الأمر حتمياً نظراً للجدل المثار حول تغريداتها. وافقت سيّ على الانتهاء من الأمر، لكنَّها لم تكن متفائلة، وذكرت أنَّها قالت له: "أعتقد أنَّني أعرف ما الذي ستجدونه".

إخفاق وتغيير

فاجأ بيرغ كبيرة مسؤولي التسويق في الأسبوع الأخير من يناير أنَّها أخفقت باستيفاء معايير التقرير النافي للجهالة، لذا لن تصبح رئيسة "ليفايز" أبداً، كما أبلغها أنَّه لا يمكنها الاستمرار بالاحتفاظ بدور مديرة العلامة التجارية، الذي يفترض أن يشغله أي خليفة محتمل. عرض بيرغ السماح لسيّ بالانتقال لوظيفة أخرى أقل ظهوراً، بحسب رواية الشركة، لكنَّها أخبرته أنَّها لا تريد ذلك. قالت سيّ، إنَّهم لم يناقشوا أي دور آخر مطلقاً كخيار قابل للتطبيق. وانتهت محادثتهم عند هذا الحد على أن تهتم إدارة الموارد البشرية بمناقشة باقي التفاصيل.

قالت سيّ، إنَّ إدارة الموارد البشرية طلبت منها البقاء في "ليفايز" لمدة ستة أشهر ريثما تبحث الشركة عن بديل، كما تأمل الإدارة منها منها التزام الهدوء فيما يتعلق بالتغريد في هذه الأثناء. وقالت لي سيّ: "أغضبني ذلك كثيراً. طلبت مني الشركة على مدى عامين التوقف عن التغريد، وكان ذلك في ظل وجود تهديد أساسي يتعلق بوظيفتي. أما الآن، وقد أصبحت بلا عمل؛ فلماذا تعتقد أنَّني سأتوقف الآن؟".

أعلنت "ليفايز" أنَّ المفاوضات بين سيّ والموارد البشرية لم تتقدّم لأنَّها استقالت بعد ثلاثة أسابيع.

أرسلت سيّ رسالة بريد إلكتروني إلى بيرغ لإبلاغه باستقالتها من منصبها في ثلاث جمل في 13 فبراير أثناء مباراة "سوبر بول". نشرت في صباح اليوم التالي مقالاً اعترافياً عبر الإنترنت بعنوان: "بالأمس كنت مديرة علامة (ليفايز) التجارية واستقلت لأصبح حرة". وصفت الشركة في اعترافها بأنَّها "مثل العديد من الشركات الأمريكية الأخرى، رهينة لأيديولوجيين متعصبين لا يؤمنون بالاندماج أو التنوع الحقيقيين" مما تسبّب بإقصائها على خلفية إيمانها بضرورة إعادة فتح المدارس. كما كتبت: "كنت على الطريق الصحيح لأصبح الرئيس التنفيذي التالي لشركة (ليفايز). كل ما كان علي فعله هو التوقف عن الحديث عن قضية المدارس".

مقالة وحوارات

اختارت سيّ نشر مقالها في النشرة الإخبارية الشخصية للمحررة السابقة في صحيفة "نيويورك تايمز" باري وايس، التي نشرت استقالتها من عملها في 2020 برسالة مفتوحة اتهمت فيها الصحيفة بأنَّها تحولت عن "الفضول الفكري" لاعتناق "عقيدة جديدة" ذات نزعة تقدمية. جاء بعدها دور المقابلات التلفزيونية، فظهرت سيّ في برنامج "تاكر كارلسون الليلة" (Tucker Carlson Tonight)، ثم في برنامج "إنغراهام" مرة أخرى. ظهرت مديرة علامة "ليفايز" التجارية السابقة على قناتي "سي إن إن"، و"سي إن بي سي" الإخباريتين ومع "ميغين كيلي بودكاست" وغيرهم. كما استضاف برنامج حواري في دنفر بودكاست يناهض إغلاقات "كوفيد"، وبرنامج آخر ليبرالي لكلٍّ من سيّ وكوتزين من أجل إجراء مقابلات مشتركة. أعرب بودكاست "رن داون" (Rundown) التابع لـ"فوكس نيوز"عن أسفه لوقوع سيّ ضحيةً أخرى "لثقافة الإلغاء". كما أعادت صحيفة "نيويورك بوست" نشر مقالة سيّ تحت عنوان: "تنمّر مجموعة متعصبين أجبرني على الاستقالة من (ليفايز)".

كانت كبيرة مسؤولي التسويق السابقة ودودة وهادئة في مقابلاتها. بدت لي كشخص لديه خبرة إعلامية كبيرة وهي كذلك بالطبع، فقد طرقت محاور النقاش ذاتها مراراً. على سبيل المثال، قالت لكيلي: "القضية التي هي على المحك هي حرية التعبير". كما قالت لكارلسون: "ذروة الأمر إلى حد ما أظهرت أنَّه يتعلّق بإسكات المعارضة حقاً".

كما تلقت منابر إعلامية أخرى كالإذاعة الوطنية العامة، مع صحيفتي "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست" الطُعم، فقد وصفت رحيل سيّ بأنَّه قضية تتعلق بحرية التعبير برغم أنَّ التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة لا ينطبق في الواقع على موظفي الشركات الخاصة. بعد نشر مقال صحيفة "التايمز"؛ تحدثت كارا سويشر وهي كاتبة مقال في الصحيفة عن الطبيعة المخادعة لحجة حرية التعبير التي استغلتها مسؤولة تنفيذية مخضرمة. كتبت سويشر في تغريدة لها: "التظاهر بأنَّ شركة تقدمية للغاية مثل (ليفايز) لن تتخذ موقفاً يعد سذاجة متعمدة. إنْ عملت لدى أي من الشركات المحافظة وخرجت على سياساتها؛ فستكون النتيجة مماثلة".

تعويض أم تسكيت

كما ركّزت معظم التغطية الإعلامية على ادعاء ضمّنته سيّ في مقال استقالتها، مفاده أنَّ رائدة ملابس الجينز عرضت عليها مليون دولار مقابل توقيع اتفاق عدم إفشاء سبب مغادرتها، لكنَّها رفضت ذلك. قال لها كارلسون تعليقاً على ذلك: "ياله من خيار أخلاقي"، فيما وصفتها كيلي بأنَّها "شجاعة للغاية".

قالت "ليفايز" من جانبها، إنَّها لم تعرض على مديرة علامتها التجارية السابقة مليون دولار لتلتزم الصمت، لكنْ بحسب اتفاقية إنهاء خدمة المديرين التنفيذيين مسبقة الإعداد الموضّحة في تقرير الشفافية المودع لدى البورصة؛ كانت سيّ ستتلقى ما يعادل 78 أسبوعاً من راتبها الأساسي بواقع إجمالي قد يصل إلى نحو مليون دولار. غير أنَّها استقالت قبل تقديم عرض رسمي لإنهاء خدمتها. قالت سيّ: "طلبت عدّة مرات الاطلاع على حزمة التعويض. ثلاث مرات، لكنَّ أحداً لم يرسلها إليَّ". أردفت أنَّ مبلغ مليون دولار "عرضه عليها" بيرغ، برغم أنَّها تعترف بأنَّها لم تتلقَ عرضاً كتابياً.

منذ رحيل سيّ عن "ليفايز" عادتا إلى مناطق الراحة الخاصة بهما؛ إذ شاركت الشركة في الأسابيع الأخيرة تغريدة تضمّنت رابطاً لتقريرها الخاص بتأثير سياسات التنوع والمساواة والاندماج. انضمّت إلى قائمة تضم 60 شركة تدين تصنيف ولاية تكساس للعلاج الطبي المخصص للمتحولين جنسياً على أنهَّ "إساءة معاملة للأطفال". كما أعربت عن تقديرها لمجتمع الأمريكيين المنحدرين من أصول مكسيكية داعيةً لمتابعتهم بصورة أكبر.

استمرار التغريد

ما تزال سيّ تغرّد لمتابعيها البالغ عددهم 63 ألف متابع حول الوباء طبعاً، لكنَّها تتمحور حول موضوعات مثل حرية التعبير وشركات الأدوية التي تهدف إلى الربح و"اليقظة المعاصرة". كما تبدو نبرتها مختلفة، فقد باتت اتهامية وأكثر غضباً. على سبيل المثال؛ انخرطت المسؤولة التنفيذية المعروفة في خلافات على "تويتر"، كان آخرها مع الصليب الأحمر الأمريكي. حين حظر "تويتر" حساب كوتزين لفترة وجيزة في مارس؛ غردت سيّ بأنَّه قد تم إسكاته أيضاً قائلة: "هل تعتقد أنَّهم لن يأتوا من أجلك؟ هل نحن أشرار؟"

بعدما أمضت ثلاثة عقود في عالم الشركات الكبرى في الولايات المتحدة؛ قالت سيّ إنَّها تستريح. أضافت أنَّها تعكف على كتابة "مذكرات حول استخدام صوتك" وصناعة فيلم وثائقي عن الآثار الوخيمة التي ينطوي عليها إغلاق المدارس لمواجهة الوباء بالنسبة للأطفال. يقاضي كوتزين، واثنان آخران من المتشككين في تدابير الوقاية من الوباء، وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية لانتهاكها حريتهم بالتعبير زاعمين توجيهها "تويتر" بمراقبة المعلومات المغلوطة حول كوفيد.

من جهةٍ أخرى، تغازل سيّ مجال السياسة؛ فقد سافرت في مارس إلى فلوريدا لحضور مائدة مستديرة استضافها حاكم فلوريدا دي سانتس، ووعد فيها بـ"إنهاء مسرح كوفيد". وغرّدت عقب انتهاء الفعالية قائلة: "دي سانتس ارتدى سروالاً من ليفايز، ولم يلتزم الزي الرسمي. أنا كنت موجودة هناك"، وأرفقت صورة لها وهي تبتسم بجانب السياسي البارز.

تُصعّب الاستقالة من شركة ثم نشر سلسلة شكاوى ضدها علناً الحصول على وظيفة أخرى. لكنَّ سيّ خبيرة تسويق بارعة؛ إذ تعرف أنَّ كل عملية إعادة هيكلة لعلامة تجارية تنطوي على اجتذاب عملاء جدد. غرّدت بعد ساعات من إبرام صفقة الاستحواذ على "تويتر" مخاطبة إيلون ماسك: "هل تحتاج لمديرة علامة تجارية؟ أم إلى كبيرة مسؤولي التسويق؟". لم يرد ماسك، لكن هذا لا يهم، إذ تقول خبيرة التسويق المحنّكة، إنَّ شركات أخرى تواصلت معها فعلاً، لكنَّها لا ترغب بذكر أسمائها، موضّحة أنَّ من تواصلوا معها يمثلون "علامات تجارية محترمة، وقد اعتادت استخدامهم كنقاط مرجعية للسوق، أي للمنافسين، وليست شركات في قطاعات أخرى مثل "ماي بيلو" (My Pillow) أو ما يشابهها".

تصنيفات

قصص قد تهمك