تخبط إغلاق شنغهاي يقوض طموحاتها كمركز مالي

أحبطت إدارة الوباء عقوداً من صقل المدينة لتكون رمزاً لازدهار البلاد وانفتاحها على الأموال والكفاءات

time reading iconدقائق القراءة - 19
طريق سريع خاوي في شنغهاي - المصدر: بلومبرغ
طريق سريع خاوي في شنغهاي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

خيَّم صمت مُخيف على الحي المالي في شنغهاي بعد أسابيع من الإغلاق الصارم للمدينة. خلت شوارع حي لويجيازوي في شنغهاي من نحو 300 ألف مهني يتدفقون إليها في الأيام العادية. يحافظ بعض التجار والمصرفيون الذين يعيشون في الأبراج الشاهقة منفصلين عن أسرهم على سير العمل.

يعيش ملايين المواطنين في شنغهاي تحت حصار في منازلهم وأماكن عملهم، حيث تتمسك الصين باستراتيجية "صفر كوفيد"، فيما تتعلم دول أخرى كثيرة كيفية التعايش مع الفيروس. أثارت مشاهد على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر التخبط للعثور على الطعام، وإجبار أطفال صغار على دخول حجر صحي منفصل عن والديهم، واشتباكات بين السكان القلقين والشرطة، مشاعر المُشاهدين داخل الصين وخارجها.

هذه هي محنة المدينة التي يقطنها نحو 26 مليون نسمة، حيث أمضت السلطات الصينية عقوداً في صقلها لتصبح رمزاً لازدهار البلاد المتزايد وانفتاحها على الأموال والكفاءات من جميع أنحاء العالم. قليل من التساؤلات حول مصير شنغهاي، باعتبارها موطناً لربع المغتربين في الصين وأنها ستظل مركزاً تجارياً نابضاً بالحياة، لكن كثيرين يتساءلون كم ستستغرق المدينة لاستعادة صورتها المحطمة.

استطلعت غرفة التجارة الأمريكية في شنغهاي آراء أعضائها خلال الأيام الأولى من الإغلاق، ووجدت أن 81% من إجراءات "كوفيد" كانت تُعيق قدرتها على جذب الموظفين الأجانب المهرة أو الاحتفاظ بهم. اعتبر ثلثا من شملهم الاستبيان أن التأثير كان بين "كبير" و"شديد".

اختبار ضخم

قال إريك تشينغ، رئيس غرفة التجارة الأمريكية في شنغهاي: "حتى هذه الأزمة الأخيرة، كانت شنغهاي قد اكتسبت سمعة طيبة كمكان جذاب لممارسة الأعمال التجارية مقارنة بأماكن أخرى في الصين... من الواضح أن هذا اختبار ضخم لحكومة شنغهاي: فكيف ستعود إلى ما كانت عليه في السابق؟".

رغم تأخرها عن منافسيها الإقليميين في هونغ كونغ وسنغافورة، إلا أن مكانة شنغهاي كمركز مالي كانت آخذة في الارتفاع في السنوات الأخيرة، مدفوعة بتحرير السوق والاستثمار الضخم في الإسكان والمدارس والنقل. تعهد مُخطط نُشر العام الماضي بمعاملة ضريبية تفضيلية للكفاءات الأجنبية "رفيعة المستوى" الراغبة بالانتقال إلى المدينة، في محاولة لمماشاة الامتيازات المقدمة في "منطقة الخليج الكبرى"، وهي تجمع سكاني ضخم يشمل تسع مدن وإقليمين في جنوب الصين.

كما وسعت سلطات شنغهاي فئات المغتربين المرغوب بهم لتشمل الحاصلين على درجة الدكتوراه حديثاً في تخصصات مثل العلوم، وبسطت عملية طلبات التأشيرة.

خططت بنوك أجنبية بينها "غولدمان ساكس" و"كريدي سويس"، بعد رفع إلزامها بتشغيل مشاريع مشتركة مع شركاء محليين، لزيادة موظفيها في الصين بمعدل ضعفين أو ثلاثة أضعاف. لكن أتى إغلاق شنغهاي الفاشل كتذكير أنه حتى سكان المدينة الأثرياء يخضعون لأهواء النظام الاستبدادي. بات المغتربون وحتى المهنيون الصينيون، وهم مكونات رئيسية لبناء مركز أعمال، مترددين حيال اعتبار شنغهاي وطناً على المدى الطويل.

ثقة اهتزت

يستعد رالف، وهو منظم حفلات ألماني المولد يعمل في شنغهاي نشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي محادثة مشحونة رفض فيها تعليمات بالتوجه إلى مركز حجر صحي، لمغادرة الصين في أقرب وقت ممكن. قال: "لا أستطيع أن أثق في الناس ولا يمكنني حتى أن آخذ الناس على محمل الجد بعد الآن".

شهدت كل من "جيه بي مورغان تشيس آند كو" و"كريدي سويس" هذا الشهر تنحي كبار المديرين التنفيذيين الذين يديرون أعمال الوساطة المالية في شنغهاي وبكين لصالحهما بعد فترات عمل قصيرة.

جاءت الاستقالات في بيئة تشغيل تزداد صعوبة، واتسمت بتغيرات تنظيمية مفاجئة أزعجت أسواق رأس المال في الصين والقيود المفروضة على السفر الدولي. قال رئيس شركة إدارة أصول أجنبية في شنغهاي إنها شهدت مغادرة معظم موظفيها غير الصينيين هذا العام وتخلت الآن عن التوظيف من الخارج. يوصي مدير صندوق في هونغ كونغ بأن تؤسس شركته البريطانية مقراً رئيسياً لها في الصين في شينجن، التي لديها ضرائب أقل. قال المدير، الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب تداعيات تجارية مُحتملة، إن قصص الإغلاق الرهيبة في شنغهاي ساعدت حجته.

كانت هناك مؤشرات على خروج عائلات أجنبية حتى قبل إغلاق شنغهاي. أظهر استطلاع للرأي قبل الإغلاق أن معظم المدارس الدولية في جميع أنحاء الصين تفقد بين 40% إلى 60% من معلميها وانخفض معدل الالتحاق بنسبة 25% للعام الدراسي المقبل، حسب ما ذكره جوليان فيشر، مستشار التعليم في بكين ونائب رئيس غرفة التجارة البريطانية في الصين.

مغريات باقية

مع ذلك، ما تزال شركات أجنبية عديدة باقية وتراهن على أن كسب جزء صغير من الصناعة المالية الصينية البالغة 45 تريليون دولار يستحق التضحيات. اتخذت قيادة الصين في الأسابيع الأخيرة خطوات لتعزيز ثقة المستثمرين المتدهورة، كما سنّت تدابير لدعم الاقتصاد وتعهدت بنهاية سريعة للحملة على شركات التقنية الكبرى التي دمرت المليارات من حقوق المساهمين.

حصلت الشركات الأجنبية، التي تمثلها غرف التجارة من كل من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، على فرصة للتعبير عن شكاواهم في اجتماع عُقد يوم 18 أبريل مع وزير التجارة الصيني، وانغ وينتاو، الذي تعهد بالتعامل مع مخاوفهم من إعادة تأكيد التزام الحكومة باستراتيجية "صفر كوفيد".

قال جينس هيلدبراندت، المدير التنفيذي لغرفة التجارة الألمانية في شمال الصين، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "إن السياسة الحالية مع عمليات الإغلاق التي تؤدي لتوقيف الإنتاج والاضطرابات اللوجستية وسلاسل التوريد والقيود المفروضة على حركة الأشخاص لا تُشكل مصدر قلق قصير الأجل فحسب، بل ستترك بصماتها على المدى الطويل".

أوضحت الحصيلة، حيث تشير بيانات مارس، بما فيها مبيعات التجزئة والنشاط الصناعي، إلى أن الاقتصاد الصيني كان في أسوأ حال منذ بداية 2020 حين اصطدم بنمو الوباء لأول مرة.

بلا موعد

استأنفت بعض الشركات بما فيها "تسلا" وسلسلة البقالة الفرنسية "كارفور" الأسبوع الماضي عملياتها تدريجياً في شنغهاي مع انخفاض إصابات "كوفيد". لا يوجد رغم ذلك ما يشير إلى موعد لرفع الإغلاق، وما يزال 16 مليون شخص، أي حوالي ثلثي سكان المدينة، محاصرين. تستخدم المصانع التي أُعيد تشغيلها نظام الحلقة المغلقة، حيث يعمل الموظفون ويعيشون في الموقع ويخضعون لاختبارات مُنتظمة.

لم تصل الحكومة الصينية إلى هدفها المُتمثل بالقضاء على انتشار المرض في المجتمعات رغم أسابيع من الإغلاق وإقامة الأسوار في بعض الأحياء خلال عطلة نهاية الأسبوع بين 23 و24 أبريل لإغلاق المباني، فقد عُثر على إصابات، ما أثار إحباطاً مُتجدداً بين السكان.

اندلعت اشتباكات نادرة هذا الشهر بين الشرطة وسكان منطقة شنغهاي، التي تضم مراكز أبحاث لشركات التقنية الكبرى، بشأن خطط لفتح مرافق الحجر الصحي في مكان قريب. يُقدم مجمع ناشي السكني خدماته للأشخاص العاملين في "مدينة تشانغجيانغ للعلوم" (Zhangjiang Science City)، التي تستضيف شركة "سيميكوندوكتور مانيوفاكتشرينغ إنترناشيونال" (Semiconductor Manufacturing International) وشركات متعددة الجنسيات، من بينها شركة "مايكروسوفت".

جعلت تجربة الإغلاق الأخيرة غاسبر، المصرفي البالغ من العمر 35 عاماً والذي نشير إليه باسمه الأول، يُعيد النظر في انتقاله من هونغ كونغ إلى شنغهاي قبل خمس سنوات. هو الآن يفكر في الابتعاد بمجرد رفع القيود.

قال غاسبر: "كيف يمكن لمدينة أن تتطور إلى مركز مالي دولي في حين لا تستطيع الحكومة حتى أن تضمن أن سكانها يمكنهم الحصول على ما يكفي من الطعام؟".

تصنيفات

قصص قد تهمك