وجهات سياح روسيا من المالديف إلى كوبا تفتقدهم

سياحة روسيا الداخلية قد تستفيد من التداعيات إن لم تؤثر العقوبات على الاقتصاد المحلي بشدة

time reading iconدقائق القراءة - 19
قوارب في مرسى نها ترانغ في فيتنام  - المصدر: بلومبرغ
قوارب في مرسى نها ترانغ في فيتنام - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

اعتاد سياح من روسيا على ارتياد الشواطئ الدافئة لبلدة نها ترانغ في شرق فيتنام حيث يغدقون المال على الطعام والشراب فيما يقيمون بمنتجعاتها الفاخرة لحدّ أن مدونات السفر تسميها "روسيا الصغيرة".

كان موظفو منتجع "ميربيرل هون تام" (MerPerle Hon Tam) الخلاب يستعدون على قدم وساق لاستقبال مزيد من السياح الروس في مارس بعد أن حرمته قيود الوباء من استقبال أي مسافرين أجانب تقريباً خلال العامين الماضيين. لكن كما قال تران باو دوان، المدير العام للمنتجع: "ثم بدأت الحرب."

كانت لطمةً قويةً فقد أنفق المنتجع، الذي يقدم أيضاً الحمامات الطينية وجولات بالمظلات فوق المحيط، نحو مليار دونغ (44,000 دولار) لتحسين المرافق وشراء مزيد من الطين وزراعة الأشجار فضلاً عن زيادة الأصناف التي تقدمها مطاعمه. لكن كثيراً من الروس ألغوا رحلاتهم لأن حرب أوكرانيا عطلت الرحلات الجوية كما أفقدت العقوبات بطاقات الائتمان الروسية فاعليتها.

قال دوان، الذي يقدّر أن نصف زوار المنتجع قبل الوباء كانوا من الروس: "هذا ما لا يمكن لأي مدير سياحة أن يتوقعه، حيث يؤثر هذا الانخفاض بالإيرادات على قدرتنا على دفع رواتب الموظفين ورسوم الصيانة."

ضربة مزدوجة

يتكرر نفس مأزق منتجع "ميربيرل هون تام" في مناطق سياحة الروس الرائجة بدءاً من التايلندية ومروراً بجزر المالديف وصولاً إلى كوبا. كانت الضربة مزدوجة على كثيرين، فقد كانت المنتجعات والفنادق والحانات والمطاعم تعاني من تدني توافد السياح الصينيين، الذين حبستهم سياسة "صفر كورونا" في بلادهم، ليأتي الغزو الروسي لأوكرانيا ويدمر أي آمال بالتعافي على المدى القريب.

حين بدأ معظم العالم خارج الصين بالتعايش مع الفيروس، سرعان ما عاد الروس لارتياد شواطئ جزر المالديف المشمسة ومنتجعات العطلات في فاراديرو في الطرف الشمالي من كوبا، حيث انطلقوا بعد عامين عجاف لينفقوا بسخاء كما هو معروف عنهم ويقيمون لأسابيع في كل زيارة فضلاً عن إنفاقهم على إضافات مثل عشاءات خاصة على الشاطئ وجولات في المواقع الثقافية المحلية.

زار حوالي 1.5 مليون سائح روسي المراتع التايلندية في 2019 وأنفقوا نحو 3.3 مليار دولار، ما يجعلهم ثالث أكبر مصدر لعائدات السياحة في الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا بعد الصين وماليزيا. كما كان نحو ثلث زوار سريلانكا، التي تكافح لتفادي التعثر فيما تعاني أزمة نقد أجنبي، من روسيا وبيلاروسيا وبولندا وأوكرانيا هذا العام.

شريان السياحة

قالت جينيفر إيدوه، رئيسة قسم البحث والتطوير في المفوضية الأوروبية للسفر: "تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا بانهيار سوق السفر الروسي إلى الخارج... يُرجح أن يؤثر الاضطراب الاقتصادي الناجم عن العقوبات بشدة على جاذبية السفر الخارجي."

أصبح سياح روسيا شريان حياة للسياحة في كوبا، حيث شكلوا 41% من إجمالي زوارها العام الماضي، وفقاً لمكتب الإحصاء والمعلومات الوطني في البلاد. كان هذا خروجاً عن مألوف السنوات السابقة، حين كان الكنديون يشكلون جلّ السياح الدوليين الوافدين.

حظيت شواطئ فاراديرو بشعبية خاص ويمكن ملاحظة غياب الزوار الروس بوضوح. وصل عدد السياح الروس لنحو ثلث إجمالي الضيوف المقيمين بفندق "سول بالميراس" (Sol Palmeras) بنهاية فبراير أو 900 نزيل، وفقاً لديانا مارتن، ممثلة خدمة العملاء بالمنتجع، التي قالت: "اشتهر الروس هنا لأنهم كانوا دائماً ما يجلبون الأدوية والشوكولاتة والهدايا للموظفين... جاء معظمهم كعائلات وكانوا دمثين." لقد اضطر عديد منهم لاستئجار رحلات جوية للعودة الى وطنهم بعد إلغاء الرحلات الجوية الروسية وحظر المجال الجوي الأوروبي أمامها.

شملت وجهات السياح الروس المفضلة إضافة إلى تركيا، وهي وجهة تقليدية لهم، كلاً من اليونان وإسبانيا والإمارات العربية المتحدة، وفقاً للحجوزات الآجلة للأشهر الثلاثة المنتهية في مايو المقبل، حسب شركة "فورورد كيز" (ForwardKeys) لبيانات السفر. قالت المفوضية الأوروبية للسفر، إن السياحة الداخلية في روسيا قد تستفيد من التداعيات، لكن ذلك يعتمد على تأثير العقوبات على الاقتصاد المحلي.

تسريح موظفين

قال رافي تشاندران، الرئيس التنفيذي لشركة "لاغونا ريزورت آند هوتيل" (Laguna Resorts & Hotels)، التي تدير سلسلة فيلات ومنتجعات راقية في بوكيت، إن الشركة اضطرت لخفض أسعارها وتسريح موظفين بسبب الوباء. أضاف تشاندران، الذي تملك شركة "بانيان تري هولدينغز" (Banyan Tree Holdings) في سنغافورة أغلبية أسهم شركته المدرجة في البورصة: "نحن قلقون ومقدمون على مجهول كبير. علينا أن نعمل على أساس أن الروس لن يعودوا وأن يكون لدينا خطة احتياطية."

قال تشاندران إن الشركة تتجه لجلب مزيد من السياح من دول بما فيها ألمانيا والمملكة المتحدة إضافة لدول أخرى في آسيا والمحيط الهادئ، مثل أستراليا والهند. يخطط تشاندران لتوظيف فرق مبيعات في تلك الأسواق لجذب السياح خلال الأشهر القليلة المقبلة.

قالت نانتيدا أتيسيت، مالكة "كاتاثاني كوليكشن" ومقرها في كارون، وهي مجموعة مكونة من ثماني منتجعات، إن معدلات الإشغال في منتجعاتها يُتوقّع أن تقل إلى 30% في موسم انحسار السياحة المقبل مقارنة مع 90% قبل الوباء حين كان السائحون الصينيون يخففون من وطأة موسم الانحسار. أضافت أتيسيت: "سيكون الأمر صعباً للغاية بالنسبة لبعض الفنادق، فنحن نتنافس جميعاً على عدد أقل من السياح."

كان نحو ألفي روسي عالقين في بوكيت حتى منتصف مارس الماضي، حسب كونغساك كووبونغساكورن، رئيس الفرع الجنوبي لجمعية الفنادق التايلندية. رأى كثيرون أن خطط عودتهم تعطلت بسبب إلغاء الطيران من وإلى روسيا، في حين اختار البعض إطالة مدة إقامتهم في ظل استمرار الوضع الحالي. هناك تحديات أمام أولئك الذين يبقون في أماكنهم، وخاصة مع حجب شركات "أمريكان إكسبرس" و"ماستركارد" و"فيزا" شبكات مدفوعاتها عن بنوك روسيا، حيث يدفع عديد منهم نقداً أو يستخدم منصة "يونيون باي" (UnionPay) الصينية. قال كووبونغساكورن إن بعض الصيارفة يقبلون الآن عملة "بيتكوين".

ترك حال عدم اليقين مُشغلي السياحة المحليين يتساءلون كيف سيكون حالهم بغياب إحدى أهم مجموعاتهم السياحية. قال بيل بارنيت، المدير التنفيذي لمستشار الضيافة "سي ناين هوتيل وركس" (C9 Hotelworks): "يعتقد البعض أن الروس لن يعودوا أبداً، فيما لن يأتي الصينيون الآن. هذا يخلق فجوة إشغال."

عقبات الطيران

كانت العقبة الكبرى أمام السفر إلى الخارج هي إغلاق المجال الجوي وعدم قدرة عديد من شركات الطيران على التحليق فوق روسيا وأوكرانيا، ما يضيف ساعات طويلة إلى أوقات الرحلات. يستخدم بعض السياح العالقين دبي ومحاور الخليج الأخرى للعبور، وتظل هذه المواقع إستراتيجية خروج شهيرة لآلاف الروس الذين تقطعت بهم السبل والذين يحاولون العودة من جنوب شرق آسيا.

ارتفعت سعة المقاعد بين روسيا وصربيا بنحو 50% في الأسبوع الأول من مارس فوق مستويات ما قبل الحرب، ما يعكس عدد الروس الذين يستخدمون موقف بلغراد المحايد فيما يتعلق بالصراع لتنظيم رحلاتهم.

تشاورت وزارة السياحة في جزر المالديف مع وزارة المالية وأصحاب المصلحة الآخرين لتقييم تأثير الحرب، وفقاً لملكة عبد الحميد، مديرة الأمن وإدارة الأزمات في الوزارة. كانت روسيا ثاني أكبر مصدر للسياح في جزر المالديف في 2021، بعد الهند.

تُعدّ جزيرة بوكيت التايلندية وجهة رئيسية أخرى للسياح الروس، حيث تشيع اللافتات باللغة الروسية في مدن مثل كارون على الساحل الغربي لبوكيت، إذ يتدفق الروس بين نوفمبر ومارس هروباً من الشتاء. رغم إعادة فتح الحدود التايلندية أمام السائحين أخيراً، إلا أن نحو 153,000 أجنبي توجهوا إليها في فبراير، وكان الروس هم أكبر مجموعة بينهم، حيث بلغ عددهم حوالي 18,000. سيكون استمرار توافدهم عليها تحدياً كبيراً مع دخول الحرب شهرها الثاني.

تصنيفات

قصص قد تهمك